قال ابن فارس رحمه الله: «الصاد والنون والميم كلمة واحدة لا فرع لها، وهي الصنم، وكان شيئًا يُتخذ من خشب أو فضة أو نحاس فيُعبد»[1].
والصنم: واحد الأصنام، قيل: إنه معرب: شَمَنْ، ومعناه الوثن، وهو ينحت من خشب، ويصاغ من فضة، ونحاس، ويطلق الصنم: ويراد به الداهية لغة في الصلمة، وإقليم الأصنام بدمشق، وخبث الرائحة، ونحوه[2].
[1] مقاييس اللغة (3/314) [دار الجيل، ط1420هـ].
[2] انظر: الصحاح (5/1969) [دار العلم للملايين، ط3، 1404هـ]، والمحكم والمحيط الأعظم (8/345) [دار الكتب العلمية، ط1]، ولسان العرب (15/213 ـ 214) [دار إحياء التراث العربي، ط3]، وترتيب القاموس المحيط (2/861) [دار عالم الكتب، ط4، 1417هـ]
نحت شيء، وجعله على صورة ذي حياة؛ ليصرف له شيء مما اختصَّ الله به من الربوبية، أو الألوهية، أو الأسماء والصفات.
قال ابن القيِّم: «وضع الصنم إنما كان الأصل على شكل معبود غائب، فجعلوا الصنم على شكله وهيأته وصورته؛ ليكون نائبًا وقائمًا مقامه، وإلا فمن المعلوم أن عاقلاً لا ينحت خشبة، أو حجرًا بيده، ثم يعتقد أنه إلهه ومعبوده»[1].
[1] إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (2/224).
قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَِبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ *} [الأنعام] ، وقال: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ *رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ *} [إبراهيم] ، وقال: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاََّّتَ وَالْعُزَّى *وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى *أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى *تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى *إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى *} [النجم] .
قال مجاهد بن جبر رحمه الله: «والصنم: التمثال المصور، ما لم يكن صنمًا فهو وثن»[1].
وقال ابن عبد البر رحمه الله: «وكل ما يعبد من دون الله فهو وثن، صنمًا كان أو غير صنم»[2].
وقال ابن القيِّم رحمه الله: «ومن أعظم مكايده ـ أي: الشيطان ـ التي كاد بها أكثر الناس، وما نجا إلا من لم يرد الله فتنته: ما أوحاه قديمًا وحديثًا إلى حزبه وأوليائه، من الفتنة بالقبور حتى آل الأمر فيها، إلى أن عُبِد أربابها من دون الله، وعبدت قبورهم، واتخذت أوثانًا، وبنيت عليها الهياكل وصورت صور أربابها، ثم جعلت تلك الصور أجسادًا لها ظل، ثم جعلت أصنامًا وعبدت مع الله»[3].
[1] تفسير الطبري (13/687).
[2] التمهيد لابن عبد البر (5/45) [دار الجيل، 1420هـ].
[3] إغاثة اللهفان (1/346) [دار ابن الجوزي].
المسألة الأولى: بيع الأصنام:
حرَّم الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم بيعها، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول وهو بمكة عام الفتح: «إنّ الله ورسوله حرَّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام»[1].
وقد بيَّن أهل العلم العلة في النهي عن بيعها، فقال ابن حجر رحمه الله: «العلة في النهي عن بيع الأصنام المبالغة في التنفير عنها، ويلحق بها في الحكم الصلبان التي تعظمها النصارى، ويحرم نحت جميع ذلك وصنعته»[2].
ومن علل النهي كذلك: ما فيها من المضاهاة لخلق الله تعالى، كما في حديث عائشة رضي الله عنها؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أشدّ الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله»[3].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كلّ مصوِّر في النار، يجعل له بكلّ صورة صورها نفسًا، فتعذبه في جهنم»[4].
ومن علل النهي كذلك: أنّ صناعة الصورة وبيعها واتخاذها فيه تشبه بمن كانوا يصنعون الصور والتماثيل ويعبدونها من دون الله، سواء كان مصورها وبائعها قاصدًا التشبُّه أم لا[5].
ومن علل النهي أيضًا: أنّ تصوير ذوات الأرواح وسيلة إلى عبادتها كما وقع لقوم نوح عليه السلام، فقد عظَّموا تلك الصور المصنوعة حتى عبدوها.
قال ابن العربي رحمه الله تعالى: «والذي أوجب النهي عن التصوير في شرعنا ـ والله أعلم ـ ما كانت العرب عليه من عبادة الأوثان والأصنام، فكانوا يصوِّرون ويعبدون فقطع الله الذريعة وحمى الباب»[6].
المسألة الثانية: طمس الصور ومحوها وكسرها:
فعن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي رضي الله عنه: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ألا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سوَّيته»[7].
وما أمر الشرع بذلك إلا لكونه من أعظم الوسائل المفضية إلى الشرك، فحسم الشرع مادَّة ذلك فأمر بطمس التماثيل والصور سوء كانت مجسَّمة أو مجسمة؛ لأنّ أصل حدوث الشرك في بني آدم كان سببه تصوير الصالحين ثم تعظيم تلك الصور، ثم الافتتان بها وتأليهها، ثم صنع تماثيل ونُصُب على هيئتها ثم عبادتها واتخاذها أوثانًا تعبد من دون الله.
فتبيَّن بذلك أنّ ما جاءت به الشريعة من الأمر بطمس التماثيل والأصنام ما هو إلا حماية لجناب التوحيد وقطع أسباب الشرك ووسائله.
المسألة الثالثة: تاريخ ظهور الأصنام:
ظهور الأصنام يعود إلى عصر ما قبل نبي الله نوح عليه السلام، فقد كان الناس على التوحيد بعد أبيهم آدم طيلة عشرة قرون، ثم ظهر الشرك وظهرت الأصنام، فبعث الله نوحًا ومن بعده من الرسل عليهم السلام لإرجاع الناس من عبادة الأصنام إلى عبادة ربِّ السماوات، قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة: 213] [8].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال في قوله تعالى: {وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا *} [نوح] قال: «أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تُعبد، حتى إذا هلك أولئك ونُسي العلم عُبدت»[9].
المسألة الرابعة: اتخاذ الأصنام في البيوت للزينة:
اتخاذها للزينة في البيوت، والأماكن المخصصة للجلوس، أو نحوها كبيرة من كبائر الذنوب، ومن أعظم وسائل الشرك، وذرائعه.
قال النووي رحمه الله: «وأما قوله: «أشد عذابًا» [10] فقيل: هي محمولة على من فعل الصورة لتعبد، وهو صانع الأصنام، ونحوها، فهذا كافر، وهو أشد عذابًا. وقيل: هي فيمن قصد المعنى الذي في الحديث؛ من مضاهاة خلق الله تعالى، واعتقد ذلك فهو كافر، له من أشد العذاب ما للكفار، ويزيد عذابه بزيادة قبح كفره. فأما من لم يقصد بها العبادة، ولا المضاهاة فهو فاسق، صاحب ذنب كبير، ولا يكفَّر كسائر المعاصي»[11].
ومما ثبت بالأدلة الصريحة الصحيحة حرمة اتخاذ التماثيل مطلقًا؛ لأنها من جملة التصوير المنهي عنه شرعًا؛ بل إن دخول الصور المجسمة في التحريم من باب أولى، وقد ثبت شرعًا النهي عن اتخاذ الأصنام والتماثيل في البيوت على وجه الخصوص.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه تماثيل أو تصاوير»[12].
وعن أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا تماثيل»[13].
ومما يدل على حرمة اتخاذ التماثيل والأصنام في البيوت للزينة[14]:
1 ـ أن ذلك من أعمال الجاهلية، ومظاهر الوثنية، ففيه التشبه بأعداء الدين، وقد جاء الشرع بالنهي عن التشبه بهم.
2 ـ أن ذلك من أعظم وسائل الشرك، وهل كان شرك قوم نوح عليه السلام إلا بوضع الصور، والتماثيل، ثم عبادتها من دون الله تعالى!؟ والشرع قد جاء بسد كل وسيلة تؤدي إلى الشرك بالله تعالى.
3 ـ أن هذا العمل يعد من الترف، والإسراف المحرم، وإضاعة المال فيما لا فائدة منه؛ بل وضعه فيما يضر ولا ينفع، وقد نهى الشارع الحكيم عن الإسراف، وإضاعة المال.
[1] أخرجه البخاري (كتاب البيوع، رقم 2236)، ومسلم (كتاب المساقاة، رقم 1581).
[2] فتح الباري (4/426) [دار المعرفة].
[3] أخرجه البخاري (كتاب اللباس، رقم 5954)، ومسلم (كتاب اللباس والزينة، رقم 2107).
[4] أخرجه مسلم (كتاب اللباس والزينة، رقم 2110).
[5] فتح الباري (10/405 ـ 406).
[6] أحكام القرآن (4/9).
[7] أخرجه مسلم (كتاب الجنائز، رقم 969).
[8] انظر: تفسير الطبري (4/275).
[9] أخرجه البخاري (كتاب التفسير، رقم 4920).
[10] تقدم تخريجه.
[11] المنهاج بشرح صحيح مسلم (14/91) [المطبعة المصرية، الأزهر، ط1، 1349هـ].
[12] أخرجه مسلم (كتاب اللباس والزينة، رقم 2112).
[13] أخرجه البخاري (كتاب بدء الخلق، رقم 3225)، ومسلم (كتاب اللباس والزينة، رقم 2106).
[14] انظر: أحكام التصوير في الفقه الإسلامي لمحمد واصل (327 ـ 328) [جامعة الإمام، ط1417هـ].
الفرق بين الصنم والوثن:
اختلف أهل العلم في التفريق بين الصنم والوثن، فمنهم من لم يفرِّق بينهما بل هما سواء، ومنهم من فرَّق بينهما، فقال بعضهم: إنّ الصنم ما كان له جسم وصورة، فإن لم يكن له جسم وصورة فهو وثن.
وقال آخرون: الوثن ما كان له جثة من خشب أو حجر أو فضة ينحت فيُعبد، والصنم هو الصورة بلا جثة، والصواب أنّ الوثن أعمّ من الصنم، فبينهما عمومٌ وخصوص وجهي، فإن كان مصورًا فهو وثن وصنم[1][2].
[1] لسان العرب (12/349).
[2] فتح الباري شرح صحيح البخاري (4/422).
1 ـ «أحكام التصوير في الفقه الإسلامي»، لمحمد واصل.
2 ـ «إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان»، لابن القيِّم.
3 ـ «التعريفات الاعتقادية»، لسعد آل عبد اللطيف.
4 ـ «التمهيد لشرح كتاب التوحيد»، لصالح آل الشيخ.
5 ـ «تيسير العزيز الحميد»، لسليمان بن عبد الله.
6 ـ «فتح الباري»، لابن حجر.
7 ـ «فتح المجيد»، لعبد الرحمن بن حسن.
8 ـ «القول المفيد على كتاب التوحيد»، لابن عثيمين.
9 ـ «معارج القبول»، للحافظ الحكمي.
10 ـ «قواعد ومسائل في توحيد الإلهية»، لعبد العزيز الريس.