عبد الله بن صيّاد، أو ابن صائد، وسُمّي بهما في الأحاديث، واسمه: صافٍ قبل إسلامه، ثم تسمّى لما أسلم: بعبد الله. كان صغيرًا عند قدوم النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، لا يُدْرى من أي قبيلة، قيل: إنه من يهود المدينة، وقيل: من الأنصار، لم يكن مسلمًا في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم، أما إسلامه فكان بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم، يدل عليه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وفيه أن ابن صيّاد قال: «ما لي ولكم يا أصحاب محمد؟ ألم يقل نبي الله صلّى الله عليه وسلّم إنه ـ يعني: الدجال ـ يهودي، وقد أسلمت»، وفي لفظ: «أليس قد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هو كافر وأنا مسلم؟ أَوَليس قد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا يدخل المدينة ولا مكة وقد أقبلت من المدينة وأنا أريد مكة؟»[1].
كان ابنه عمارة من خيار المسلمين، ومن سادات التابعين، من أصحاب سعيد بن المسيب، روى عنه الإمام مالك وغيره[2].
قال ابن حجر رحمه الله: «وفي الجملة فلا معنى لذكر ابن صيّاد في الصحابة؛ لأنه إن كان الدجّال فليس بصحابي قطعًا؛ لأنه يموت كافرًا، وإن كان غيره فهو حال لقيّه النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يكن مسلمًا»[3]؛ لكنه أسلم بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال عنه الذهبي: «تابعي له رؤية»[4].
[1] أخرجه مسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 2927).
[2] ينظر: النهاية أو الفتن والملاحم (1/128) [دار النصر، ط1]، والإصابة في تمييز الصحابة (8/280) [دار هجر، ط1، 1429هـ].
[3] الإصابة (8/284).
[4] تجريد أسماء الصحابة (1/319) [دار المعرفة].
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أن عمر بن الخطاب انطلق مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في رهط قبل ابن صيّاد، حتى وجده يلعب مع الصبيان عند أُطُم بني مغالة، وقد قارب ابن صيّاد يومئذ الحلم، فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ظهره بيده، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لابن صيّاد: «أتشهد أني رسول الله؟» فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين. فقال ابن صياد لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال: «آمنت بالله وبرسله» ، ثم قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ماذا ترى؟» قال ابن صيّاد: يأتيني صادق وكذاب. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خلط عليك الأمر» ، ثم قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إني قد خبّأت لك خبيئًا» . فقال ابن صياد: هو الدُّخ. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اخسأ فلن تعدو قدْرَك» . فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ذرني يا رسول الله أضربْ عنقه. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن يكنْه فلن تسلَّط عليه؛ وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله»[1].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «خرجنا حجاجًا أو عُمّارًا ومعنا ابن صائد، قال: فنزلنا منزلاً فتفرق الناس، وبقيت أنا وهو، فاستوحشت منه وحشة شديدة مما يقال عليه. قال: وجاء بمتاعه فوضعه مع متاعي، فقلت: إن الحر شديد فلو وضعته تحت تلك الشجرة، قال: ففعل. قال: فرُفعت لنا غنم، فانطلق فجاء بعسّ، فقال: اشرب أبا سعيد. فقلت: إن الحر شديد، واللبن حار، ما بي إلا أني أكره أن أشرب عن يده ـ أو قال: آخذ عن يده ـ. فقال: أبا سعيد لقد هممت أن آخذ حبلاً فأعلقه بشجرة، ثم أختنق مما يقول لي الناس. يا أبا سعيد! من خفي عليه حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما خفي عليكم معشر الأنصار؛ ألست من أعلم الناس بحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ أليس قد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هو كافر وأنا مسلم؟ أَوَليس قد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هو عقيم لا يولد له وقد تركت ولدي بالمدينة؟ أَوَليس قد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل المدينة ولا مكة وقد أقبلت من المدينة وأنا أريد مكة؟» قال أبو سعيد الخدري: حتى كدت أن أعذره، ثم قال: أما والله إني لأعرفه، وأعرف مولده، وأين هو الآن. قال: قلت له: تبًّا لك سائر اليوم»[2].
[1] أخرجه البخاري (كتاب الجنائز، رقم 1354)، ومسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 2930).
[2] أخرجه مسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 2927).
قيل: إن ابن صيّاد هو المسيح الدجال، وقيل: إنه دجال من الدجاجلة الكذابين الذين أنذر بهم النبي صلّى الله عليه وسلّم، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريبًا من ثلاثين، كلُّهم يزعم أنه رسول الله» [1]، وليس هو الدجال الأعور الذي يخرج في آخر الزمان، وهو الصحيح، وإلى هذا ذهب الطحاوي[2]، والبيهقي[3]، وشيخ الإسلام ابن تيمية[4]، وابن كثير، وابن حجر الهيتمي[5]، والبزرنجي[6]، والسفاريني، والغماري[7] وغيرهم. قال ابن كثير: «قد قدمنا أن الصحيح أن الدجال غير ابن صيّاد، وأن ابن صيّاد كان دجالاً من الدجاجلة، ثم تاب بعد ذلك فأظهر الإسلام، والله أعلم بضميره وسيرته»[8].
[1] أخرجه البخاري (كتاب المناقب، رقم 3609)، ومسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 157).
[2] ينظر: شرح مشكل الآثار (7/383 ـ 392) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1415هـ].
[3] فتح الباري (13/338) [المطبعة السلفية، ط2، 1400هـ].
[4] ينظر: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (230) [مكتبة دار المنهاج، ط2، 1431هـ].
[5] ينظر: الفتاوى الحديثية (293) [مكتبة مصطفى البابي الحلبي، ط3، 1409هـ].
[6] ينظر: الإشاعة لأشراط الساعة (294) [دار المنهاج، ط1، 1417هـ].
[7] ينظر: إقامة البرهان على نزول عيسى في آخر الزمان (46) [عالم الكتب، ط3، 1410هـ].
[8] النهاية أو الفتن والملاحم (1/128).
1 ـ «الأسئلة الفائقة بالأجوبة اللائقة»، لابن حجر.
2 ـ «الإشاعة لأشراط الساعة»، للبرزنجي.
3 ـ «الإصابة في تمييز الصحابة» (ج8)، لابن حجر.
4 ـ «إقامة البرهان على نزول عيسى في آخر الزمان»، لعبد الله بن محمد الغماري.
5 ـ «إكمال المعلم بفوائد مسلم» (ج8)، للقاضي عياض.
6 ـ «التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» (ج3)، للقرطبي.
7 ـ «شرح مشكل الآثار» (ج7)، للطحاوي.
8 ـ «فتح الباري» (ج13)، لابن حجر.
9 ـ «الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان»، لابن تيمية.
10 ـ «لوامع الأنوار البهية» (ج2)، للسّفاريني.
11 ـ «النهاية أو الفتن والملاحم» (ج1)، لابن كثير.