حرف الضاد / الضحك (صفة لله تعالى)

           

قال ابن فارس: «الضاد والحاء والكاف قريب من الباب الذي قبله، وهو دليل الانكشاف والبروز. من ذلك الضَّحِك، ضَحِك الإنسان. ويقال أيضًا: الضَّحْك، والأول أفصح. قال ابن دريد: الضاحك حجر شديد البريق يبدو في الجبل، أيَّ لون كان. ويقال في باب الضَّحِك: الأضحوكة ما يُضْحِك منه، ورجل ضُحْكة: يُضْحَك منه. وضُحَكة: يكثر الضحك. فأما الضَّحْك فيقال: إنه العسل. وينشد:
فجاء بمزج لم ير الناس مثله
هو الضَّحْك إلا أنه عمل النحل»[1]
فالضَّحِك إذن هو مصدر الفعل: ضَحِكَ يَضْحَك ضَحْكًا وضِحْكًا وضِحِكًا وضَحِكًا، وهو دليل الانكشاف والبروز، من ذلك ضحك الإنسان، وهو انْبِساطُ الوَجْهِ وبُدُوُّ الأَسنانِ من السرُورِ، ومنه سميت الضاحكة: وهي السن التي تلي الناب، والجمع ضواحك؛ لبروزها عند الضحك، والضَّحوك: الطريق الواضح، ويُستَعْمَلُ الضحك أيضًا في السُّرُور المُجَرَّدِ، والضاحك: حجر شديد البريق يبدو في الجبل، أي لون كان[2].


[1] انظر: مقاييس اللغة (3/393 ـ 394) [دار الجيل، ط2، 1420هـ].
[2] انظر: تهذيب اللغة (4/55) [دار إحياء التراث العربي، ط1]، والصحاح (616) [دار المعرفة، ط1، 1426هـ]، وتاج العروس (27/249) [دار الهداية]، والقاموس المحيط (947) [مؤسسة الرسالة، ط8]، والمصباح المنير (2/358) [المكتبة العلمية، بيروت].


الضحك: هو ضحك حقيقي يليق بالله تعالى يتضمن الإحسان والإنعام. قال ابن تيمية: «فجعل الأعرابي العاقل بصحة فطرته ضحكه دليلاً على إحسانه وإنعامه، فدل على أن هذا الوصف مقرون بالإحسان المحمود، وأنه من صفات الكمال»[1].
وقال ابن عثيمين: «فسره أهل السُّنَّة والجماعة بأنه: ضحك حقيقي يليق بالله»[2].


[1] مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية (5/69) [لجنة التراث العربي]. ويعني بذلك قول أبي رزين: «لن نعدم من ربٍّ يضحك خيرًا»، أخرجه ابن ماجه (المقدمة، رقم 181)، وأحمد (26/106) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وسنده ضعيف، لكن له طريق آخر حسَّنه به الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 2810).
[2] مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (4/286) [دار الوطن ودار الثريا، 1413هـ].


المعنى اللغوي للضحك هو مفهومه الشرعي. مع التنبيه على أن الشرع قيد المعنى المتعلق بالله، فجعله معنى خاصًّا بالله يليق بجلاله وعظمته لا نعرف كيفيته. وعليه فإن المعنى اللغوي أعم من المعنى الشرعي.



يجب الإيمان باتصاف الله بصفة الضحك التي أثبتها له أعرف الخلق به صلّى الله عليه وسلّم على الوجه اللائق بالله[1].


[1] انظر: بيان تلبيس الجهمية (6/327 ـ 330) [مجمع الملك فهد، ط1]، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (6/121 ـ 122)، ومجموع فتاوى ابن باز (28/197).


الضحك هو المعنى الذي يعرفه الناس من اللغة، فيضحك الله تعالى كما يشاء على ما يليق بجلاله وعظمته[1].


[1] نقض الدارمي على المريسي (2/780) [مكتبة الرشد، ط1، 1418هـ]، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (6/121 ـ 122).


دلت السُّنَّة النبوية دلالة صريحة، على ثبوت صفة الضحك لله عزّ وجل، وفيما يلي ذكر طائفة منها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يضحك الله إلى رجلين، يقتل أحدهما الآخر، يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد»[1].
وعن ابن مسعود رضي الله عنه في حديث طويل: «فيقول: يابن آدم ما يصريني منك أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال: يا رب أتستهزئ مني وأنت ربِّ العالمين؟ فضحك ابن مسعود رضي الله عنه فقال: ألا تسألوني مم أضحك؟ فقالوا: مم تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟ قال: من ضحك ربِّ العالمين، حين قال: أتستهزئ مني وأنت ربِّ العالمين، فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر»[2].
وعن حديث أبي هريرة رضي الله عنه «أن رجلاً أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلا الماء، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من يضم أو يضيف هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك، إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يُرِيانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما، فأنزل الله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *} [الحشر] »[3].


[1] أخرجه البخاري (كتاب الجهاد والسير، رقم 2826)، ومسلم (كتاب الإمارة، رقم 1890).
[2] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 187).
[3] أخرجه البخاري (كتاب مناقب الأنصار، رقم 3798).


وضّح أهل العلم ثبوت صفة الضحك لله كما يليق بجلاله وعظمته، وقاموا بالذبِّ عنها، ورد المفاهيم الخاطئة فيها، وفيما يلي أذكر جملة منها:
قال ابن خزيمة: «باب ذكر إثبات ضحك ربنا عزّ وجل بلا صفة تصف ضحكه جلَّ ثناؤه، لا، ولا يشبَّه ضحكه بضحك المخلوقين، وضحكهم كذلك؛ بل نؤمن بأنه يضحك، كما أعلم النبي صلّى الله عليه وسلّم، ونسكت عن صفة ضحكه ؛ إذ الله عزّ وجل استأثر بصفة ضحكه، لم يطلعنا على ذلك، فنحن قائلون بما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم، مصدقون بذلك بقلوبنا، منصتون عما لم يبين لنا مما استأثر الله بعلمه»[1].
وقال الآجري تحت «باب الإيمان بأن الله عزّ وجل يضحك»: «اعلموا وفقنا الله وإياكم إلى الرشاد من القول والعمل، أن أهل الحق يصفون الله عزّ وجل بما وصف به نفسه عزّ وجل، وبما وصفه به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبما وصفه به الصحابة رضي الله عنهم. وهذا مذهب العلماء ممن اتبع ولم يبتدع، ولا يقال فيه: كيف؟ بل التسليم له والإيمان به: أن الله عزّ وجل يضحك، كذا روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وعن صحابته رضي الله عنهم»[2].
وقال ابن تيمية معلقًا على سؤال أبي رزين للنبي صلّى الله عليه وسلّم في الحديث السابق: «فجعل الأعرابي العاقل ـ بصحة فطرته ـ ضحكه دليلاً على إحسانه وإنعامه؛ فدل على أن هذا الوصف مقرون بالإحسان المحمود وأنه من صفات الكمال»[3].


[1] التوحيد لابن خزيمة (2/563) [مكتبة الرشد، ط5].
[2] الشريعة للآجري (2/2052) [دار الوطن، ط1، 1418هـ].
[3] مجموع الفتاوى (6/121)، ولابن القيم كلام لطيف في بيان كون ضحك الله مقرونًا بالرضا، انظره في: مدارج السالكين (1/216) [دار الكتاب العربي، ط2].


الإيمان بصفة الضحك يبعث في النفس الرجاء من الله كل خير، وعدم القنوط واليأس من رحمة الله، فيسعى إلى فعل الحسنات والإكثار من الطاعات، فعن أبي رزين رضي الله عنه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ضحك ربنا عزّ وجل من قنوط عباده وقرب غيره، فقلت: يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويضحك الرب تبارك وتعالى ؟ فقال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: نعم . فقال: لن نعدم من رب يضحك خيرًا»[1].
فانظر إلى هذا الصحابي كيف قوي رجاؤه من الله واستبشر خيًرا لما علم أن ربه يضحك، وجعل هذا الضحك دليلاً على إحسان الرب تبارك وتعالى على عباده[2].


[1] أخرجه ابن ماجه (المقدمة، رقم 181)، وأحمد (26/106) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والطيالسي في مسنده (2/417) [دار هجر، ط1، 1419هـ]، وعبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (26/121)، وحسَّنه ابنُ تيمية في العقيدة الواسطية (20) [طبعة الرئاسة العامة لإدارات البحوث والإفتاء، ط2، 1412هـ]، وأورده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (6/732).
[2] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/121).


الواجب في صفات الله عزّ وجل إثباتها لله كما وردت في النصوص مع الإقرار بلوازمها الصحيحة ومضامينها الحقة اللائقة بالله عزّ وجل، وقد ذهب المخالفون كالجهمية والمعتزلة إلى نفي هذه الصفة[1]، وتبعهم على ذلك الأشاعرة والماتريدية فأوَّلوها بلوازمها كالرضا والعطاء ونحو ذلك من التأويلات[2].


[1] انظر: جامع الرسائل لابن تيمية (2/3) [دار المدني].
[2] انظر: أساس التقديس (189) [مكتبة الكليات الأزهرية، 1406هـ]، ومجموع الفتاوى (6/68 ـ 69)، والرسالة الأكملية في ما يجب لله من صفات الكمال لابن تيمية (5) [المؤسسة السعودية، القاهرة، 1403هـ]، والماتريدية دراسة وتقويمًا (305، 311).


لا شك أن هذه التأويلات باطلة لما يلي:
ـ أنها مخالفة لظاهر النصوص اللائق بالله من غير دليل صحيح صريح.
ـ أن تأويل الضحك بلوازمه كالرضا والعطاء ونحوهما بدعوى أن الضحك في حق الله محال، هو تقديم للعقل ـ أي: غير السليم ـ على النقل الصحيح، وهو باطل؛ لأن الله أمرنا باتباع الشرع دون قيد أو شرط كما هو معلوم من دلالة الكتاب والسُّنَّة.
ـ أن الله أثبت لنفسه صفة الرضا في أكثر من موطن من كتابه الكريم، وعلى لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم في غير حديث، فحمل صفة على أخرى هو تعطيل لإحدى الصفتين عن الله وهو باطل.
ـ إن مما يدل على فساد صنيع هؤلاء المؤولة هذا، اضطرابهم تجاه صفات الله تعالى اضطرابًا شديدًا؛ لأنهم حينما يؤوِّلون صفة الضحك بالرضا ونحوه، فإنهم لا يسلمون للنصوص الدالة على صفة الرضا لله تعالى، وإنما يلجؤون إلى تأويلها أيضًا؛ لأن اتصاف الله بالصفات الاختيارية الذي يسمونه بحلول الحوادث هو غير لائق بالله في زعمهم، فتوصلوا بهذا وأمثاله إلى نفي الصفات عن الله.



1 ـ «بيان تلبيس الجهمية» (ج6)، لابن تيمة.
2 ـ «الرسالة الأكملية في ما يجب لله من صفات الكمال»، لابن تيمية.
3 ـ «الشريعة» (ج2)، للآجري.
4 ـ كتاب «التوحيد» (ج2)، لابن خزيمة.
5 ـ كتاب «التوحيد» (ج3)، لابن منده.
6 ـ كتاب «الصفات»، للدارقطني.
7 ـ «مجموعة الرسائل والمسائل» (ج5)، لابن تيمية.
8 ـ «النبوات» (ج1)، لابن تيمية.
9 ـ «نقض الإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله عزّ وجل من التوحيد» (ج2)، للدارمي.