الضاد والغين والطاء أصل صحيح واحد يدل على مزاحمة[1].
والضغط: العصر، وضغطه يضغطه ضغطًا: زحمه إلى حائط ونحوه، ومنه: ضغطة القبر، والضُّغْطَةُ: الشدة والمشقة[2].
والقبر: مدفن الإنسان، وجمعه: قبور[3].
[1] انظر: مقاييس اللغة (3/285).
[2] انظر: الصحاح (4/277) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م]، والقاموس المحيط (873) [دار الفكر، ط3].
[3] انظر: تهذيب اللغة (9/119) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م]، والقاموس المحيط (1/590).
من أدلة إثبات ضغطة القبر قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه: 124] . فإن الكافر بعدما يفتن ـ كما جاء ذلك في حديث أبي هريرة ـ «يفتح له باب من أبواب النار فيقال له: هذا مقعدك من النار وما أعد الله لك فيها، فيزداد حسرة وثبورًا، ثم يفتح له باب من أبواب الجنة، فيقال له: ذلك مقعدك من الجنة وما أعد الله لك فيه لو أطعته، فيزداد حسرة وثبورًا، ثم يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، فتلك المعيشة الضنكة التي قال الله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى *} [طه] »[1].
ومما جاء في ضغطة الكافر: حديث البراء بن عازب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «وإن الكافر» . فذكر موته، قال: «وتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي مناد من السماء: أن كذب، فأفرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له بابًا إلى النار» . قال: «فيأتيه من حرّها وسمومها» . قال: «ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه»[2].
ومما جاء في ضغطة المنافق: حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما: المُنْكَرُ، والآخر النكيرُ، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول ما كان يقول: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعًا في سبعين، ثم ينور له فيه، ثم يقال له: نم، فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم؟ فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك. وإن كان منافقًا قال: سمعت الناس يقولون فقلت مثله، لا أدري، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض: التئمي عليه، فتلتئم عليه، فتختلف فيها أضلاعه، فلا يزال فيها معذبًا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك»[3].
ومما جاء في ضغطة المؤمن: قوله صلّى الله عليه وسلّم ـ كما في حديث عائشة رضي الله عنها ـ: «إن للقبر ضغطة، لو كان أحد ناجيًا منها نجا سعد بن معاذ»[4].
ومما جاء في ضغطة الصغير: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أفلت أحد من ضمة القبر لأفلت هذا الصبي»[5][6].
[1] أخرجه ابن حبان (كتاب الجنائز، رقم 3113)، والحاكم (كتاب الجنائز، رقم 1403) وصحَّحه، وحسَّنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/219) [مكتبة المعارف، ط5].
[2] أخرجه أبو داود (كتاب السُّنَّة، رقم 4753) واللفظ له، وابن ماجه (كتاب الزهد، رقم 4269) مختصرًا، وأحمد (30/499) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وصحَّحه ابن القيم في أعلام الموقعين (1/137) [دار الكتب العلمية، ط1]، والألباني في صحيح سنن أبي داود (2/619)، و(3/901) [المكتب الإسلامي، ط1409هـ].
[3] أخرجه الترمذي (أبواب الجنائز، رقم 1071) وحسَّنه، وابن حبان (كتاب الجنائز، رقم 3117)، وجوَّد إسناده الألباني في الصحيحة (رقم 1391).
[4] أخرجه أحمد (9/316) [دار طيبة، ط1، 1412هـ] واللفظ له، وابن حبان (كتاب الجنائز، رقم 3112)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/165) [دار الفكر، ط1413هـ]: «رواه أحمد عن نافع عن عائشة، وعن نافع عن إنسان عن عائشة، وكلا الطريقين رجالهما رجال الصحيح»، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (4/268) [مكتبة المعارف، ط2، 1416هـ]: «الحديث بمجموع طرقه وشواهده صحيح بلا ريب».
[5] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (4/121) [مطبعة الوطن العربي، ط1، 1400هـ]، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/47) [مكتبة القدسي]: «رجاله رجال الصحيح»، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة (5/195).
[6] دلت النصوص الآنفة على عموم ضغطة القبر للصالح والطالح، إلا أنه يجب التفريق بين ضغطة المؤمن وضغطة الكافر والمنافق، فالكافر والمنافق تختلف أضلاعه بالضغطة، وهي مستمرة إلى يوم القيامة، أما المؤمن فلم يصح في اختلاف أضلاعه حديث، وهي ضغطة مؤقتة، فهي تختلف عن ضغطة الكافر كمًّا وكيفًا، ولا تصح التسوية بين الفريقين.
قال الإمام أحمد: «والإيمان بعذاب القبر وأن هذه الأُمَّة تُفتن في قبورها، وتُسأل عن الإيمان والإسلام ومن ربه ومن نبيه»[1].
وقال أبو حاتم الرازي: «ونؤمن بعذاب القبر، ونؤمن بالمسألة في القبر وبالكرام الكاتبين...»[2].
وقال ابن أبي زيد القيرواني: «وأن عذاب القبر حق، وأن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويضغطون، ويسألون، ويثبت الله منطق من أحب تثبيته»[3].
وقال محمد صدِّيق حسن خان: «يجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي بعد الموت فيؤمن بفتنة القبر، وعذابه ونعيمه»[4].
[1] انظر: شرح اعتقاد أهل السُّنَّة للالكائي (1/158).
[2] انظر: المرجع السابق (1/181).
[3] انظر: اجتماع الجيوش الإسلامية (85).
[4] انظر: قطف الثمر (121).
ظاهر النصوص عموم الضغطة لكل أحد، إلا أن بعض العلماء قال باستثناء الأنبياء من ذلك، قال الحكيم الترمذي: «وأما الأنبياء فلا نعلم أن لهم في القبور ضمة ولا سؤالاً؛ لعصمتهم»[1].
وقال المناوي: «ضغطة القبر لا ينجو منها أحد صالح ولا غيره، لكن خصَّ منه الأنبياء»[2].
[1] لوامع الأنوار البهية (2/14) [المكتب الإسلامي، ط3، 1411هـ].
[2] فيض القدير (5/326).
ضغطة القبر إحدى الأسباب التي تندفع بها العقوبة الأخروية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن الذنوب مطلقًا من جميع المؤمنين هي سبب العذاب، لكن العقوبة بها في الآخرة في جهنم تندفع بنحو عشرة أسباب... السبب الثامن: ما يُبتلى به المؤمن في قبره من الضغطة وفتنة الملكين»[1].
مذهب المخالفين:
كل من أنكر عذاب القبر فهو منكر لمفرداته ومنها الضغطة، والجواب عليهم واحد وقد تقدم ذكر ذلك عند الكلام على منكري عذاب القبر.
[1] منهاج السُّنَّة (6/205 ـ 238) [جامعة الإمام، ط1، 1406هـ].
1 ـ «اجتماع الجيوش الإسلامية»، لابن القيِّم.
2 ـ «أهوال القبور»، لابن رجب.
3 ـ «التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة»، للقرطبي.
4 ـ «رسائل الآخرة» (ج1)، للعبيدي.
5 ـ «شرح اعتقاد أهل السُّنَّة»، للالكائي.
6 ـ «شرح الصدور»، للسيوطي.
7 ـ «شرح العقيدة الطحاوية» (ج2)، لابن أبي العز.
8 ـ «فيض القدير» (ج2)، للمناوي.
9 ـ «قطف الثمر»، لمحمد صدِّيق حسن خان.
10 ـ «لوامع الأنوار البهية» (ج2)، للسفاريني.