الطائفة : من (ط ـ و ـ ف)، قال ابن فارس: «الطاء والواو والفاء أصل واحد يدل على دوران الشيء على الشيء، وأن يحفَّ به، ثم يحمل عليه فأما الطائفة من الناس فكأنها جماعة تطيف بالواحد أو بالشيء، ولا تكاد العرب تحدها بعدد معلوم، إلا أن الفقهاء والمفسرين يقولون فيها مرة: إنها أربعة فما فوقها، ومرة: إن الواحد طائفة، ويقولون: هي الثلاث، ولهم في ذلك كلام كثير، والعرب فيه على ما أعلمتك، أن كل جماعة يمكن أن تحُفَّ بشيء فهي عندهم طائفة، ولا يكاد هذا أن يكون إلا في اليسير، هذا في اللغة، والله أعلم»[1].
«والطائفة من كل شيء قطعة، يقال: طائفة من الناس، وطائفة من الليل»[2].
والمنصورة : من (ن ـ ص ـ ر)، قال ابن فارس: «النون والصاد والراء أصل صحيح يدل على إتيان خير وإيتاءه، ونصر الله المسلمين: آتاهم الظفر على عدوهم، ينصرهم نصرًا، وانتصر: انتقم، وهو منه، وأما الإتيان فالعرب تقول: نصرت بلد كذا، إذا أتيته، ولذا يُسمى المطر نصرًا، ونصرت الأرض فهي منصورة، والنصر: العطاء»[3].
«ونصر المظلوم نصرًا ونصورًا: أعانه ونصره منه: نجَّاه وخلَّصه»[4].
فالطائفة المنصورة: الجماعة من الناس المجتمعون على إتيان الخير وإيتائه، وقد آتاهم الله الظفر على عدوهم، وأعانهم عليهم، ونجاهم منهم.
[1] مقاييس اللغة (5/435) [دار الجيل].
[2] تهذيب اللغة (14/26) [دار إحياء التراث العربي، 1421هـ]، وينظر: مقاييس اللغة (3/433).
[3] مقاييس اللغة (3/432) [دار الجيل]، وينظر: تهذيب اللغة (12/112) [دار إحياء التراث العربي، 1421هـ].
[4] القاموس المحيط (2/235) [دار الكتب العلمية، ط1، 1415هـ].
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون»[1].
وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك»[2].
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة»[3].
وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك»[4].
وفي رواية لابن ماجه: «لا يزال طائفة من أمتي على الحق منصورين، لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله عزّ وجل»[5].
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لن يبرح هذا الدين قائمًا يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة»[6].
[1] أخرجه البخاري (كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة، رقم 7311) واللفظ له، ومسلم (كتاب الإمارة، رقم 1921).
[2] أخرجه البخاري (كتاب المناقب، رقم 3641)، ومسلم (كتاب الإمارة، رقم 1037).
[3] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 156).
[4] أخرجه مسلم (كتاب الإمارة، رقم 1920).
[5] أخرجه ابن ماجه (المقدمة، رقم 10)، وصحَّحه الألباني، كما في صحيح سنن ابن ماجه (1/20) [مكتبة المعارف، ط1، 1417هـ].
[6] أخرجه مسلم (كتاب الإمارة، رقم 1922).
تقدمت الإشارة إلى أن عددًا من أهل العلم نصُّوا على أن المراد بالطائفة المنصورة: أهل الحديث، فممن نصَّ على ذلك:
ابن المبارك حيث قال: «هم عندي أصحاب الحديث»[1].
وقال يزيد بن هارون: «إن لم يكونوا أصحاب الحديث، فلا أدري من هم»[2].
وقال علي بن المديني: «هم أصحاب الحديث»[3].
وقال الإمام أحمد: «إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم؟»[4].
وقال البخاري: «يعني: أصحاب الحديث»[5].
ومراد هؤلاء الأئمة بأصحاب الحديث هنا أهلَ السُّنَّة والجماعة، الذين اعتمدوا الكتاب والسُّنَّة وآثار سلف هذه الأمة علمًا وعملاً واتباعًا، دون تحريف، أو تأويل يخالف مراد الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، ودون معارضة الكتاب والسُّنَّة الصحيحة بعقل فاسد أو رأي مجرد، كما هو حال أهل البدع والأهواء من أهل الكلام ونحوهم.
ولذا قال الإمام الحاكم بعد ذكره قولَ الإمام أحمد أنهم أصحاب الحديث: «لقد أحسن أحمد بن حنبل في تفسير هذا الخبر أن الطائفة المنصورة التي يُرفع الخذلان عنهم إلى قيام الساعة هم: أصحاب الحديث، ومن أحق بهذا التأويل من قوم سلكوا محجَّة الصالحين، واتبعوا آثار السلف من الماضين، ودمغوا أهل البدع والمخالفين بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وعلى آله أجمعين»[6].
وقال القاضي عياض معلقًا على قول الإمام أحمد أيضًا: «إنما أراد: أهل السُّنَّة والجماعة، ومن يعتقد مذهب أهل الحديث»[7].
[1] شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي (26) [دار إحياء السُّنَّة النبوية].
[2] شرف أصحاب الحديث (26).
[3] سنن الترمذي (تحفة (6/333 ـ 434) [دار الفكر]، وينظر: شرف أصحاب الحديث (27).
[4] شرف أصحاب الحديث (26)، وينظر: معرفة علوم الحديث للحاكم (35) [دار الكتب العلمية، ط2، 1411هـ].
[5] شرف أصحاب الحديث (27)، وفي صحيح الإمام البخاري (6/266) قال: «وهم أهل العلم» ولا منافاة بين القولين.
[6] معرفة علوم الحديث (35).
[7] إكمال المعلم (6/350) [دار الرشد، ط1].
ـ مكان الطائفة المنصورة:
جاء في «صحيح مسلم» عن سعد بن أبـي وقـاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة»[1].
وقد اختلف أهل العلم في المراد بأهل الغرب في هذا الحديث:
ـ فقيل: المراد بالغرب الدلو الكبيرة، وهو إشارة إلى العرب لاختصاصهم بها غالبًا، وهذا منقول عن علي بن المديني.
ـ وقيل: المراد بأهل الغرب: أهل الشدة والجلد، وغرب كل شيء حده، يُقال: في لسانه غَرْب؛ أي: حده، ذكر هذا القاضي عياض[2].
ـ وقيل: المراد بهم أهل الشام؛ لأن الشام يقع غرب المدينة، قالوا: ويؤيده ما جاء عند الإمام أحمد وغيره من حديث أبي أمامة الباهلي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك» قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: «ببيت المقدس»[3].
وهذا القول مرويٌّ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، كما في صحيح البخاري[4].
وذكره ابن تيمية عن الإمام أحمد، ثم انتصر له فقال: «وهو كما قال، فإن هذه لغة أهل المدينة النبوية في ذاك الزمان، كانوا يسمون أهل نجد والعراق: أهل المشرق، ويسمون أهل الشام: أهل المغرب؛ لأن التشريق والتغريب من الأمور النسبية، فكل مكان له غرب وشرق، فالنبي صلّى الله عليه وسلّم تكلم بذلك في المدينة النبوية، فما تغرَّب عنها فهو غربه، وما تشرق عنها فهو شرقه»[5].
ورجح هذا ـ أيضًا ـ الألباني حيث قال: «اعلم أن المراد بأهل الغرب في هذا الحديث: أهل الشام؛ لأنهم يقعون في الجهة الغربية الشمالية بالنسبة للمدينة المنورة، التي فيها نطق عليه الصلاة والسلام بهذا الحديث الشريف»[6].
قال ابن حجر بعد ذكره لهذه الأقوال: «قلت: ويمكن الجمع بين الأخبار: بأن المراد قوم يكونون ببيت المقدس، وهي شامية، ويسقون بالدلو، وتكون لهم قوة في جهاد العدو وحدّة وجدّ»[7].
وذكر القول الأخير ـ وهو أن المراد بهم أهل الشام ـ: سليمان بن عبد الله عن أكثر الشارحين، ثم ذكر عن الطبري ما يدل على أن هذه الطائفة لا يجب أن تكون بالشام أو ببيت المقدس دائمًا إلى أن يقاتلوا الدجال؛ بل قد تكون في موضع آخر في بعض الأزمنة، ثم قال: وهذا هو الحق، ويشهد له الواقع، فإن حال أهل الشام منذ أزمنة طويلة لا يعرف فيهم من قام بهذا الأمر، وعلى هذا فقوله في الحديث: «هم ببيت المقدس» وقول معاذ: «هم بالشام» المراد به أنهم يكونون كذلك في بعض الأزمان دون بعض[8].
وتابعه على هذا عبد الرحمن بن حسن حيث قال: «فهذه الطائفة قد تجتمع وقد تفترق، وقد تكون في الشام وقد تكون في غيره»[9] ومثله ابن عثيمين[10].
وهو ما ذهب إليه النووي حيث قال: «يحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين، منهم شجعان مقاتلون، ومنهم محدثون، ومنهم زُهَّاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين؛ بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض»[11].
قلت: ويؤيده أن أكثر الروايات جاءت مطلقة، ليس فيها تحديد مكان معيَّن لهذه الطائفة، وقد يكون المراد بذكر الشام في بعض الأحاديث، الإشارة إلى مكانها في آخر الزمان، حيث يقاتلون الدجال هناك مع عيسى عليه السلام، فقد روى عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم، حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال»[12].
وقد جاء ما يدل على أن هذه الطائفة تكون في الشام في آخر الزمان عند نزول عيسى عليه السلام، فعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى ابن مريم صلّى الله عليه وسلّم، فيقول أميرهم: تعال صلِّ لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة» [13]، فهذا نصٌّ صريح في نزول عيسى عليه السلام عليهم، ومعلوم أنه ينزل في دمشق بالشام، والله أعلم.
[1] صحيح مسلم (كتاب الإمارة، رقم 1925).
[2] ينظر: إكمال المعلم (6/348)، وشرح النووي على مسلم (13/72، 73) [دار القلم]، والفتح (13/295) [دار الفكر].
[3] أخرجه أحمد (36/656) [مؤسسة الرسالة، ط2]، والطبري في تهذيب الآثار (2/823) [دار المدني]، والطبراني في مسند الشاميين (2/27) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وقال الهيثمي في المجمع (7/288) [مكتبة القدسي]: «رجاله ثقات»، لكن ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (رقم 5849)، وحكم بنكارة زيادة: «هم في بيت المقدس».
[4] صحيح البخاري (كتاب المناقب، عقب الحديث رقم 3641).
[5] مجموع الفتاوى (27/41 ـ 42). وينظر: (27/ 507)، والنبوات (1/568) [دار أضواء السلف، ط1]، ومنهاج السُّنَّة (4/461 ـ 462) [جامعة الإمام، ط1].
[6] السلسلة الصحيحة (2/690) [المكتب الإسلامي، ط4، 1405هـ].
[7] الفتح (13/295).
[8] ينظر: التيسير (381) [دار المكتب الإسلامي، ط7، 1408هـ].
[9] فتح المجيد (313).
[10] ينظر: القول المفيد (1/495) [دار العاصمة، ط1، 1415هـ]، وشرح العقيدة الواسطية (2/378) [دار ابن الجوزي، ط2، 1415هـ].
[11] شرح النووي على مسلم (13/71).
[12] أخرجه أبو داود (كتاب الجهاد، رقم 2484)، وأحمد (33/149) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والحاكم (كتاب الجهاد، رقم 2392) وصحَّحه، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 1959).
[13] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 156).
1 ـ «شرف أصحاب الحديث»، للخطيب البغدادي.
2 ـ «معرفة علوم الحديث»، للحاكم.
3 ـ «إكمال المعلم»، للقاضي عياض.
4 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
5 ـ «تيسير العزيز الحميد»، لسليمان بن عبد الله.
6 ـ «المباحث العقدية في حديث افتراق الأمم»، لأحمد سردار محمد مهر الدين شيخ.
7 ـ «فضل علم السلف على الخلف»، لابن رجب.
8 ـ «التحف في مذاهب السلف»، للشوكاني.
9 ـ «لوامع الأنوار»، للسفاريني.
10 ـ «وسطية أهل السُّنَّة بين الفرق»، لمحمد باكريم.