حرف الطاء / الطاغوت

           

الطاغوت مُشتقٌّ من: طَغَا يطغى؛ إذا جاوز الحدّ، وَالطَّاغُوت يُذكَّر ويُؤنَّث، ولذا أطلق على الكاهن والكاهنة، وقيل: بل هو مذكر مفرد: أي: اسم جنس يشمل القليل والكثير[1].
وقيل: أصل كلمة (طاغوت) هو: (طغووت)، كما يقال في (الجبروت) من (التجبر)[2].
والطغيان: مجاوزة الحد، وكل شيء جاوز المقدار والحد فهو طاغ، يقال: طغا السيل إذا ارتفع حتى جاوز الحد في الكثرة، قال تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ *} [الحاقة] .
وجمع طاغوت طواغيت وطواغي، والطاغوت أبلغ من الطاغي، ولذا كثر استعماله في اللغة.
والطاغوتُ: قيل: الأصنام، وقيل: الشيطان، وقيل: الكهنة، وقيل: مَردة أهل الكتاب.
وقيل: الطاغوت: كل رأس في الضلال[3].
وهذه كلها أمثلة على الطاغوت في إطلاقه في اللغة، وهو أعم من ذلك كله.


[1] انظر: الصحاح (6/2413) [دار العلم للملايين، ط3]، ولسان العرب (15/7 ـ 9) [دار الفكر، ط1، 1410هـ].
[2] انظر: تفسير الطبري (3/19)، ومفردات ألفاظ القرآن للراغب (520) [دار القلم، ط2، 1418هـ].
[3] انظر: مقاييس اللغة (3/412)، ولسان العرب لابن منظور (15/7 ـ 9).


قال ابن القيِّم رحمه الله: «الطاغوت: كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، ومراده بالمعبود والمتبوع والمطاع غير الصالحين، أما الصالحون فليسوا طواغيت وإن عبدوا»[1].
ومما يشهد لهذا التعريف من أقوال العلماء ما يلي:
أن الطاغوت هو الشيطان، فسره بذلك عمر رضي الله عنه، فقد ورد عنه أنه قال في قوله عزّ وجل: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51] : «الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان»[2].
قال ابن كثير ـ بعد ذكره لقول عمر رضي الله عنه ـ: «ومعنى قوله في الطاغوت: إنه الشيطان قوي جدًّا؛ فإنه يشمل كل شر كان عليه أهل الجاهلية، من عبادة الأوثان، والتحاكم إليها، والاستنصار بها»[3].
الطاغوت: كل ما عُبِد وأطيع من دون الله تعالى، من أي شيء كان، وقد اختار هذا التعريف الطبري فقال: «والصواب من القول عندي في الطاغوت: أنه كل ذي طغيان على الله، فعُبد من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له، وإنسانًا كان ذلك المعبود، أو شيطانًا، أو وثنًا، أو صنمًا، أو كائنًا ما كان من شيء»[4].
وقال ابن عطية رحمه الله ـ بعد ذكره لبعض الأقوال في تفسير الطاغوت ـ: «وقال بعض العلماء: «كل ما عبد من دون الله فهو طاغوت»، وهذه تسمية صحيحة في كل معبود يرضى ذلك»[5].


[1] إعلام الموقعين (1/50)، وقد استحسنه ابن عثيمين. انظر: مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (2/198) [دار الوطن، ط1، 1412هـ].
[2] أخرجه ابن جرير في تفسيره (8/462) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وعلقه البخاري عن عمر رضي الله عنه بصيغة الجزم في صحيحه (كتاب تفسير القرآن، 6/45) [دار طوق النجاة، ط1].
[3] تفسير ابن كثير (1/683) [دار الفيحاء، ط1].
[4] تفسير الطبري (3/19).
[5] تفسير ابن عطية (232) [دار ابن حزم، ط1، 1423هـ].


لما كان الطاغوت في اللغة مأخوذًا من الطغيان الذي هو تجاوز الحد والمقدار، أطلق في الشرع على هذا المعنى، إلا أنه حدد بالعبادة والطاعة، ونحو ذلك مما لا يكون في أصله إلا لله تعالى.



جاءت النصوص بوجوب الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله تعالى، كما في قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *} [البقرة] ؛ بل جاء الأمر بما هو أبلغ من ذلك، وهو الأمر باجتناب الطاغوت، كما في قوله تعالى: {اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] ، فلا يصير الإنسان مؤمنًا إلا بالكفر بالطاغوت واجتنابه.



كل من رضي بحكم غير الله وخضع لغيره وتحاكم إلى غير شرعه، فقد عبد الطاغوت وانقاد له[1].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الطاغوت: اسم جنس يدخل فيه الشيطان والوثن والكهان والدرهم والدينار»[2].


[1] انظر: وجوب تحكيم شرع الله لابن باز (7) [الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، ط5].
[2] مجموع الفتاوى (16/565) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف]، وانظر: فتح القدير للشوكاني (1/372).


قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *} [البقرة] ، وقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاَءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً *} [النساء] ، وقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} [النساء: 60] ، وقال: {اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] .
ومن السُّنَّة: ما جاء عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت»[1].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يحشر الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئًا فليتبع، فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت» الحديث[2].


[1] أخرجه النسائي (كتاب الأيمان والنذور، رقم 3774)، وأحمد (34/228) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1421هـ]، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (رقم 7248) [المكتب الإسلامي]. وهو عند مسلم (كتاب الأيمان، رقم 1648) بلفظ: «لا تحلفوا بالطواغي».
[2] أخرجه البخاري (كتاب الأذان، رقم 806)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 182).


قال جابر رضي الله عنه: «كانت الطواغيت التي يتحاكمون إليها، في جهينة واحد، وفي أسلم واحد، وفي كل حي واحد، كُهَّان ينزل عليهم الشيطان»[1]، وقال عمر رضي الله عنه: «الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان»[2].
ـ وقال الطبري رحمه الله: «والصواب من القول عندي في الطاغوت أنه كل ذي طغيان على الله فعُبِد من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له، وإنسانًا كان ذلك المعبود، أو شيطانًا، أو وثنًا، أو صنمًا، أو كائنًا ما كان من شيء»[3].
ـ وقال ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لقوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} [النساء: 60] : «هذا إنكار من الله عزّ وجل، على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين، وهو مع ذلك يريد التحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسُنَّة رسوله، كما ذكر في سبب نزول هذه الآية: أنها في رجل من الأنصار ورجل من اليهود، والآية أعمّ من ذلك كله، فإنها ذامَّة لمن عدل عن الكتاب والسُّنَّة، وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل، وهو المراد بالطاغوت هاهنا»[4].
وقال محمد حامد الفقي رحمه الله: «الذي يستخلص من كلام السلف رضي الله عنهم: أن الطاغوت كل ما صرف العبد وصدَّه عن عبادة الله وإخلاص الدين والطاعة لله ولرسوله، سواء في ذلك الشيطان من الجن والشيطان من الإنس، والأشجار والأحجار وغيرها. ويدخل في ذلك بلا شك: الحكم بالقوانين الأجنبية عن الإسلام وشرائعه وغيرها من كل ما وضعه الإنسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال، وليبطل بها شرائع الله، من إقامة الحدود وتحريم الربا والزنا والخمر ونحو ذلك، مما أخذت هذه القوانين تحللها وتحميها بنفوذها ومنفذيها. والقوانين نفسها طواغيت، وواضعوها ومروِّجوها طواغيت»[5].
وقال ابن باز رحمه الله: «فمن خضع لله سبحانه وأطاعه وتحاكم إلى وحيه، فهو العابد له، ومن خضع لغيره، وتحاكم إلى غير شرعه، فقد عبد الطاغوت، وانقاد له»[6].


[1] أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم (كتاب تفسير القرآن، 6/45) [دار طوق النجاة، ط1]، ووصله ابن أبي حاتم، كما في تغليق التعليق (4/195) [المكتب الإسلامي ودار عمار، ط1]، وسنده حسن.
[2] تقدم تخريجه .
[3] تفسير الطبري (4/558) [دار هجر، ط1].
[4] تفسير ابن كثير (1/569).
[5] انظر: تحقيقه لكتاب فتح المجيد (282) [مطبعة السُّنَّة المحمدية، ط7، 1377هـ].
[6] وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه لابن باز (7).


الطواغيت كثيرون، ورؤوسهم خمسة. إبليس لعنه الله. ومن عُبد من دون الله وهو راض، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه؛ ومن ادعى شيئاً من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل الله، وهم في الغالب لا يخرجون عن أنواع ثلاثة:
1 ـ طواغيت في العبادة: وهي الطواغيت التي تعبد من دون الله تعالى؛ كالأصنام والأوثان.
2 ـ طواغيت في الاتباع: وهي الطواغيت التي تتبع وتصدق فيما هو خاص بالله تعالى من أفعاله كدعوى علم الغيب، وشرعه كتحليل ما حرَّمه الله تعالى، ويدخل في ذلك الكهنة، والسحرة، وعلماء السوء، ونحوهم.
3 ـ طواغيت في الطاعة: وهي الطواغيت التي تطاع في معصية الله تعالى، وفي الخروج عن شرعه وحكمه؛ كالعلماء الذين يزينون للناس التخلي عن شرع الله تعالى، وتحكيم القوانين الوضعية ونحوها[1].


[1] انظر: إعلام الموقعين (1/50)، ومجموع فتاوى ابن عثيمين (2/198)، الدرر السَّنية (10/503).


الفرق بين الجبت والطاغوت:
1 ـ قيل: إن الجبت والطاغوت، هما صنمان كانا لقريش في الجاهلية.
2 ـ وقيل: الجبت: الأصنام، والطاغوت: ترجمة الأصنام الذين كانوا يتكلمون بالكذب عنها.
وقيل: الجبت، الساحر، والطاغوت: الكاهن.
وقيل: الجبت: إبليس، والطاغوت: أولياؤه[1].
3 ـ وقيل: الطاغوت هو الطاغي من الأعيان، والجبت: هو من الأعمال والأقوال، وهذا هو أحسن ما قيل في الفرق بينهما.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن الطاغوت هو الطاغي من الأعيان، والجبت هو من الأعمال والأقوال، كما قال عمر بن الخطاب: الجبت السحر والطاغوت الشيطان»[2].
4 ـ وقيل: لا فرق بينهما، فمعناهما واحد وهو: كل ما عبد وعظم من دون الله من حجر أو صورة أو شيطان.
قال الطبري: «الجبت والطاغوت: اسمان لكل معظَّم بعبادة من دون الله، أو طاعة، أو خضوع له، كائنًا ما كان ذلك المعظم»[3].


[1] انظر: تفسير الطبري (4/130 ـ 131)، وتفسير ابن كثير (1/562).
[2] مجموع الفتاوى (28/200).
[3] تفسير الطبري (3/19).


الرضا بالطاغوت له آثار سيئة وعواقب وخيمة، منها:
ـ موالاة الشيطان واتِّباعه فهو رأس الطواغيت.
ـ الحكم بغير ما أنزل الله.
ـ الولاء على غير الإسلام.
ـ إعطاء حق الحكم والتشريع لغير الله.
ـ القبول والانقياد والطاعة لما يشرعه المشرعون من دون الله.
ـ التوجه بشيء من العبادة لغير الله.
ـ مدح الباطل وتحسينه وتزيينه، والطعن في دين الله وأحكامه، والصد عن سبيله.
ـ تعظيم الشعارات والرايات التي ترمز لنظام الطاغوت وحكمه.



1 ـ «إعلام الموقعين»، لابن القيِّم.
2 ـ «حاشية كتاب التوحيد»، لابن قاسم.
3 ـ «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» (ج1، 10).
4 ـ «شرح الأصول الثلاثة»، للفوزان.
5 ـ «القول المفيد على كتاب التوحيد»، لابن عثيمين.
6 ـ «التعريفات الاعتقادية»، لسعد آل عبد اللطيف.
7 ـ «فتح المجيد»، لعبد الرحمن بن حسن.
8 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
9 ـ «مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين».
10 ـ «مدارج السالكين»، لابن القيِّم.