حرف الطاء / الطرق

           

قال ابن فارس رحمه الله: «الطاء والراء والقاف أربعة أصول؛ أحدها: الإتيان مساء، والثاني: الضرب، والثالث: جنس من استرخاء الشيء، والرابع: خصف شيء على شيء»[1].
وأصل الطرق: الضرب، يقال: طرق يطرق طرقًا، ومنه سميت مطرقة الصانع والحداد؛ لأنه يطرق بها؛ أي: يضرب بها، وكذلك عصا النجاد التي يضرب بها الصوف[2].


[1] مقاييس اللغة (3/449) [دار الجيل، ط1420هـ].
[2] انظر: الصحاح (4/1515) [دار العلم للملايين، ط3، 1404هـ]، ومقاييس اللغة (3/450)، ولسان العرب (5/22) [دار إحياء التراث العربي، ط3، 1419هـ]، وترتيب القاموس المحيط (3/71) [دار عالم الكتب، ط4، 1417هـ].


ضربٌ من الكهانة، وهو ضربُ الكاهن أو العراف بالحصى في الأرض، أو الخط فيها لطلب معرفة أمر غيبي[1].


[1] انظر: معالم السنن للخطابي (4/231) [المطبعة العلمية بحلب، ط1، 1352هـ]، وشرح السُّنَّة للبغوي (12/177) [المكتب الإسلامي، ط2، 1403هـ]، تيسير العزيز الحميد (340) [دار الصميعي، ط1، 1428هـ]، والقول المفيد (1/514) [دار ابن الجوزي، ط2، 1423هـ].


تظهر العلاقة بين المعنى اللغوي والشرعي من حيث كون كل منهما يطلق عليه اسم الضرب، إلا أن معنى الطرق في اللغة أوسع منه في الشرع؛ حيث يراد به في الشرع طرق مخصوص، وهو بالضرب بالحصى، أو الخط في الرمل تكهنًا، ودعوى معرفة المغيبات.



الطرق بشتى صوره ضربٌ من ضروب السحر والكهانة، وهو من الشرك الأكبر، وصاحب الطرق ـ وهو الكاهن، أو العراف ـ كافر خارج من الإسلام.
قال ابن باز رحمه الله: «الطرق يعني: الخط في الأرض؛ كتلك الخطوط الأرضية التي يخطها المشعوذون والرمَّالون، ويدّعون بها علم الغيب، فهذا منكر آخر ولا يجوز، وهو من الشرك الأكبر، فمن فعل خطوطًا في الأرض، وزعم أنه يعلم الغيب بذلك، وأنه يخبر بالغيب بهذا العمل، فإن فعله هذا من الشرك الأكبر، ومن دعوى علم الغيب»[1].


[1] فتاوى نور على الدرب لابن باز (27).


حقيقة الطرق: هو ضرب الكهان، أو العرَّافين، أو الرمَّالين، في الأرض بالحصى، أو الخط في الأرض، بدعوى معرفة الأمور المغيبة، وصورته: أن يقعد الحازي، ويأمر غلامًا له بين يديه، فيخط خطوط على الرمل، أو التراب، ويكون ذلك منه في خفة وعجلة، كي لا يدركها العدُّ والإحصاء، ثم يأمره فيمحوها خطين خطين، وهو يقول: ابني عيان أسرع البيان، فإن كان آخر ما يبقى منه خطين فهو علامة على النجاح، وإن بقي خط فهو الخيبة والحرمان. وقد قيل: إن هذا العلم قد تركه الناس[1].


[1] انظر: معالم السنن للخطابي (4/231)، وشرح السُّنَّة للبغوي (12/183).


عن قبيصة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «العيافة والطرق والطيرة من الجبت»[1].


[1] أخرجه أبو داود (كتاب الطب، رقم 3907)، وأحمد (25/256) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن حبان (كتاب النجوم والأنواء، رقم 6131)، وقد اختلف أهل العلم في تضعيفه وتصحيحه، فحسَّنه النووي في رياض الصالحين (409) [مكتبة المورد، ط1، 1422هـ]، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (رقم 1794) [مكتبة المعارف].


قال ابن تيمية رحمه الله: «نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن إتيان الكهان، والمنجِّم يدخل في اسم الكاهن عند الخطابي وغيره من العلماء، وقد حكى الإجماع على تحريمه غير واحد من العلماء كالبغوي، والقاضي عياض، وغيرهما»[1].
وقال حافظ حكمي رحمه الله: «اعلم أنّ الكاهن وإن كان أصله ما ذكرنا فهو عام في كل من ادَّعى معرفة المغيَّبات ولو بغيره؛ كالرمَّال الذي يخط في الأرض، أو غيرها، والمنجم الذي قدمنا ذكره، أو الطارق بالحصى، وغيرهم، ممن يتكلم في معرفة الأمور الغائبة؛ كالدلالة على المسروق، ومكان الضالة، ونحوها، أو المستقبلية؛ كمجيء المطر، أو رجوع الغائب، أو هبوب الرياح، ونحوها مما استأثر الله عزّ وجل بعلمه، فلا يعلمه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، إلا من طريق الوحي»[2].
وقال ابن باز رحمه الله: «وقد ظهر من أقواله صلّى الله عليه وسلّم ومن تقريرات الأئمة من العلماء وفقهاء هذه الأمة أن علم النجوم والخط على الرمل وما يسمى بالطالع، وقراءة الكف، وقراءة الفنجان، ومعرفة الخط، وما أشبه ذلك كلها من علوم الجاهلية ومن الشرك الذي حرَّمه الله ورسوله، ومن أعمالهم التي جاء الإسلام بإبطالها والتحذير من فعلها أو إتيان من يتعاطاها وسؤاله عن شيء منها أو تصديقه فيما يخبر به من ذلك؛ لأنه من علم الغيب الذي استأثر الله به»[3].


[1] مجموع الفتاوى (35/193 ـ 195) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ط2، 1425هـ].
[2] معارج القبول (2/718) [دار ابن الجوزي، ط6].
[3] مجلة البحوث الإسلامية، [عدد 20، 7 ـ 8)، والمسائل التي خالف فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أهل الجاهلية لابن عبد الوهاب، مع شرحها ليوسف السعيد (2/860 ـ 863).


ـ دفع إيهام التعارض بين حديث «كان نبي من الأنبياء يخط»، وبين أحاديث الباب:
عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام، وإن منَّا رجالاً يأتون الكهان. قال: «فلا تأتهم» . قال: ومنَّا رجال يتطيرون. قال: «ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنَّهم» . قال: قلت: ومنَّا رجال يخطون. قال: «كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطَّه فذاك»[1].
ذكر أهل العلم في ذلك أجوبة كلها تدل على النهي عن الخط في الأرض[2]:
أحدها: أن هذا كان جائزًا في شرع من قبلنا، ثم نسخ بشرعنا، فاستقر النهي على ذلك.
الثاني: أن من وافقه خطه فهو مباح له، لكن لا طريق إلى العلم اليقيني بالموافقة، فلا يباح؛ بل هو نوع من أنواع الكهانة المحرمة.
وإنما عدل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن التصريح بالحرمة إلى التعليق بالموافقة؛ لئلا يتوهم متوهم أن هذا النهي يدخل فيه ذلك النبي الذي كان يخط، فحافظ النبي صلّى الله عليه وسلّم على حرمة ذلك النبي، مع بيان الحكم في حقنا؛ فالمعنى: أن ذلك النبي لا منع في حقه، وكذلك لو علمتم موافقته، ولكن لا علم بالموافقة.
الثالث: أنه إذا كان الخط بالوحي من الله تعالى كما في حال هذا النبي، فلا بأس به؛ لأن الله يجعل له علامة ينزل الوحي بها بخطوط يعلمه إياها، أما هذه الخطوط السحرية فهي من وحي الشيطان.
وهناك أجوبة أخرى لكن كلها متفقة على النهي، قال الحافظ النووي: «فحصل من مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه الآن»[3].


[1] أخرجه مسلم (كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم 537).
[2] انظر: معالم السنن للخطابي (4/232)، وشرح السُّنَّة للبغوي (12/1843)، وإكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض (2/464) [دار الوفاء، ط1، 1419هـ]، وشرح صحيح مسلم للنووي (5/23) [المطبعة المصرية بالأزهر، ط1، 1347هـ]، وحاشية ابن قاسم على كتاب التوحيد (195 ـ 196) [ط5، 1424هـ]، والقول المفيد لابن عثيمين (1/514)
[3] شرح صحيح مسلم (5/23).


الفرق بين الطرق والكهانة:
ذهب بعض أهل العلم إلى أن الرمل والطرق اسمان خاصَّان داخلان تحت مسمى الكهانة، والكهانة أعمّ منهما.
قال النووي متحدثًا عن الكهانة: «ومن هذا الفن العرافة، وصاحبها عرّاف، وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدَّعي معرفتها بها، وقد يعتضد بعض هذا الفن ببعض في ذلك بالزجر والطرق والنجوم وأسباب معتادة، وهذه الأضرب كلها تسمى كهانة، وقد أكذبهم كلهم الشرع، ونهى عن تصديقهم وإتيانهم»[1].
ومن أهل العلم من جعل العرَّاف هو الاسم العام للكهانة والطرق والرمال ونحوها.
قال ابن تيمية: «والعرَّاف قد قيل إنه اسم عام للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في تقدم المعرفة بهذه الطرق»[2].
ومن أهل العلم من فرق بين العرافة والكهانة والطرق، فخص العرافة بأنها طلب معرفة الأمور المغيبة التي وقعت كمعرفة مكان المسروق، الضالة، وجعل الكهانة لمن يخبر عن المستقبل.
قال المناوي: «العرَّاف: الكاهن، لكن العراف يختص بالأحوال المستقبلية، والكاهن يخبر بالماضي»[3].


[1] المصدر نفسه (14/223).
[2] مجموع الفتاوى (35/173).
[3] التوقيف على مهمات التعاريف (239)، وانظر: المصطلحات المستعملة في توحيد الألوهية لمحمد عبد الله آل باجسير (2/654).


1 ـ «أحكام الكهانة وسؤال العرافين»، لإبراهيم أبا حسين.
2 ـ «التنجيم والمنجمون»، لعبد المجيد المشعبي.
3 ـ «التمهيد لشرح كتاب التوحيد»، لصالح آل الشيخ.
4 ـ «تيسير العزيز الحميد»، لسليمان بن عبد الله.
5 ـ «شرح السُّنَّة» (ج12)، للبغوي.
6 ـ «المصطلحات المستعملة في توحيد الألوهية عند السلف»، لمحمد بن عبد الله آل باجسير
7 ـ «فتح المجيد»، لعبد الرحمن بن حسن.
8 ـ «القول المفيد» (ج1)، لابن عثيمين.
9 ـ «مجموع الفتاوى» (ج35)، لابن تيمية.
10 ـ «المسائل التي خالف فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أهل الجاهلية»، لمحمد بن عبد الوهاب.