أبو محمد طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب القرشيّ التيميّ[1]، يلتقي نسبه مع نسب النبي في مرة بن كعب، وأمه الصعبة بنت عمار الحضرمي، أخت العلاء بن الحضرمي، أسلمت وهاجرت، وأمها عاتكة بنت وهب بن قصي بن كلاب[2]. وهو المعروف بطلحة الفياض، وطلحة الخير، وطلحة الجود[3].
[1] الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/764) [دار الجيل، ط1]، وأسد الغابة في معرفة الصحابة (2/467) [دار الفكر، 1409هـ]، وتهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزي (13/412) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1400هـ]، وسير أعلام النبلاء (1/23) [مؤسسة الرسالة، ط3، 1405هـ]، والإصابة في تمييز الصحابة (3/529) [دار الجيل، ط1، 1412هـ].
[2] المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (5/111) [دار الكتب العلمية، ط1]، وتهذيب الكمال (13/412).
[3] انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/764)، وأسد الغابة (2/467)، وتهذيب الكمال (13/412).
ولد قبل الهجرة بثمان وعشرين سنة، وقيل سبع وعشرين سنة، وهذا بناء على سنِّه وقت وفاته؛ فقد قيل: إنه أربع وستون، وقيل: ثلاث وستون[1]. وقد استشهد طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه في موقعة الجمل، حيث كان أول قتيل لما التقى الجيشان[2].
وقيل: إنه قتل بسهم من مجهول، حيث أصاب ساقه فلم يزل ينزف الدم حتى مات، في يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة، سنة ست وثلاثين للهجرة، عن أربع وستين سنة، وقيل في رجب عن ثلاث وستين سنة، وقيل: اثنين وستين سنة، وقيل غير ذلك[3].
[1] انظر: الموسوعة في صحيح السيرة النبوية لمحمد إلياس (196) [مطابع الصفا، مكة، ط1، 1423هـ].
[2] انظر: صحيح تاريخ الطبري ـ الخلافة الراشدة (3/381) [دار ابن كثير، ط1، 1428هـ].
[3] انظر: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (5/114)، وتهذيب الكمال (13/421 ـ 422)، وسير أعلام النبلاء للذهبي (1/35 ـ 36).
أسلم طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه ودخل في دين الله في وقت مبكر، فهو أحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر الصديق[1].
وقد جاءت تفاصيل خبر إسلامه[2]، لكنها لا تصح[3].
[1] انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/765 ـ 766)، والإصابة في تمييز الصحابة (3/529).
[2] انظر: دلائل النبوة للبيهقي (2/166) [دار الكتب العلمية، ودار الريان للتراث، ط1]، والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم (5/112)، وتهذيب الكمال (13/414).
[3] انظر: السيرة النبوية الصحيحة للعُمَري (1/136) [مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط6، 1415هـ].
أ ـ أنه رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، كما جاء من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة»[1].
قال الإمام النووي في هذا الحديث: «وفيه بيان فضيلة هؤلاء»[2].
ب ـ أنه رضي الله عنه من المؤمنين الذين شهد الله لهم بالصدق فيما عاهدوه عليه، في قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً *} [الأحزاب] ، فقد جاء أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال في طلحة رضي الله عنه: «هذا ممن قضى نَحبَه»[3].
ج ـ قول النبي صلّى الله عليه وسلّم فيه: «أوجب طلحة» [4]؛ لهوان نفسه عليه في سبيل حماية النبي صلّى الله عليه وسلّم ونصرته يوم أُحد، فقد روى البخاري بإسناده عن قيس بن أبي حازم قال: «رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي صلّى الله عليه وسلّم قد شُلَّت»[5].
د ـ إخبار النبي صلّى الله عليه وسلّم بأنه رضي الله عنه شهيد في سبيل الله، كما في حديث أبي هريرة: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان على جبل حراء فتحرك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اسكن حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد وعليه النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم»[6].
قال النووي شارحًا هذا الحديث: «وفي هذا الحديث معجزات لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ منها: إخباره أن هؤلاء شهداء، وماتوا كلهم غير النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر شهداء، فإن عمر وعثمان وعليًّا وطلحة والزبير رضي الله عنهم قتلوا ظلمًا شهداء، فقتل الثلاثة مشهور... وكذلك طلحة اعتزل الناس تاركًا للقتال، فأصابه سهم فقتله، وقد ثبت أن من قتل ظلمًا فهو شهيد، والمراد: شهداء في أحكام الآخرة، وعظيم ثواب الشهداء، وأما في الدنيا فيغسلون ويُصلَّى عليهم»[7].
[1] أخرجه الترمذي (أبواب المناقب، رقم 3747)، وأحمد (3/209) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن حبان (كتاب إخباره صلّى الله عليه وسلّم عن مناقب الصحابة، رقم 7002)، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (رقم 50) [المكتب الإسلامي].
[2] شرح النووي على مسلم (15/190).
[3] أخرجه الترمذي (أبواب تفسير القرآن، رقم 3203) وحسَّنه، والبزار في مسنده (3/158) [مكتبة العلوم والحكم، ط1]، وحسن سند هذا الطريق أيضًا الألباني في السلسلة الصحيحة (1/247).
[4] أخرجه الترمذي (أبواب الجهاد، رقم 1692) وحسَّنه، وأحمد (3/33) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن حبان (كتاب إخباره صلّى الله عليه وسلّم عن مناقب الصحابة، رقم 6979)، وحسَّنه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 945).
[5] أخرجه البخاري (كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، رقم 3724).
[6] أخرجه مسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2417).
[7] شرح النووي على مسلم (15/190).
أنه أحد الستة من أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله وهو راض عنهم[1]، فقد جاء في حديث عمرو بن ميمون الطويل في حادثة قتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وظهور علامات الموت عليه، وفيه: «فقالوا: أوصِ يا أمير المؤمنين، استخلف، قال: ما أجد أحدًا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط، الذين توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راضٍ، فسمى: عليًّا وعثمان والزبير وطلحة وسعدًا وعبد الرحمن، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء، كهيئة التعزية له»[2].
[1] انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/765 ـ 766)، والإصابة في تمييز الصحابة (3/529).
[2] أخرجه البخاري (كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، رقم 3700).
المسألة الأولى: سبب عدم حضور طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه غزوة بدر:
شهد طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه جميع الغزوات عدا غزوة بدر، بسبب إرسال النبي صلّى الله عليه وسلّم إياه مع سعيد بن زيد إلى طريق الشام؛ ليتحسّسا أخبار العير، وقبل عودتهما خرج النبي بالمسلمين إلى غزوة بدر، وانتهت الغزوة بانتصار المسلمين وهزيمة المشركين، وعادوا إلى المدينة، وبعد ذلك رجع طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد رضي الله عنهما إلى المدينة، فجعلهما النبي صلّى الله عليه وسلّم في حكم من حضرها؛ حيث ضرب لهما بسهمهما وأجرهما[1].
المسألة الثانية: خروج طلحة رضي الله عنه إلى البصرة وما تلا ذلك من مشاركته في القتال في موقعة الجمل:
إن ما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم لا ينبغي الخوض فيه، لا سيما وأن كبراء الطائفتين كعلي وطلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم هم من المبشرين بالجنة، وعليه يجب سلامة الصدور لجميع الصحابة، والإمساك عما شجر بينهم، وهذا معتقد السلف، وأئمة أهل السُّنَّة والجماعة.
المسألة الثالثة: ما قيل من تحريض طلحة بن عبيد الله على عثمان رضي الله عنهما:
لقد عصم الله الصحابة رضي الله عنهم بصفة عامة، وطلحة رضي الله عنه بصفة خاصة، من دم عثمان بن عفان رضي الله عنه، فلم يشاركوا في الفتنة لا من قريب ولا من بعيد[2]؛ بل عرضوا على الخليفة عثمان الدفاع عنه، وأرسل كثير منهم أبناءه للذود عنه، لكن الخليفة أمرهم بترك ذلك.
ومع هذا؛ فإن المتتبع لأحداث الفتنة في كتب التاريخ من خلال روايات أبي مخنف والواقدي وابن أعثم وغيرهم من الأخباريين، يشعر أن الصحابة هم الذين كانوا يحركون المؤامرة ويثيرون الفتنة، فأبو مخنف ذو الميول الشيعية لا يتورع في اتهام عثمان بأنه الخليفة الذي كثرت سقطاته، فاستحق ما استحقه، ويظهر طلحة في مروياته كواحد من الثائرين على عثمان والمؤلِّبين ضده. ولا تختلف روايات الواقدي عن روايات أبي مخنف في حق طلحة، فهي مثلها في اتهامه بأنه حامل الثائرين ومؤلِّبهم[3].
وتزعم بعض روايات الواقدي أن عثمان رضي الله عنه كان يدعو الله أن يقيه من طلحة قائلاً: «اللَّهُمَّ اكفني طلحة بن عبيد الله؛ فإنه حمل علي هؤلاء وأَلَّبهم، والله إني لأرجو أن يكون منها صفرًا، وأن يسفك دمه، إنه انتهك مني ما لا يحل له»[4].
ولا شك أن الروايات التي تتهم طلحة بالتحريض على عثمان رضي الله عنهما ليست صحيحة، والثابت أن طلحة رضي الله عنه إنما خرج مطالبًا بدم عثمان رضي الله عنه، فكيف يتهم بالتحريض على قتله!؟.
[1] انظر: طبقات ابن سعد (2/8، و3/162، 293)، وتاريخ الطبري (2/47 ـ 48)، والاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/765)، وسير أعلام النبلاء (1/136 ـ 137).
[2] انظر: تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الإمام الطبري والمحدثين لمحمد أمحزون (2/18).
[3] انظر: المرجع السابق (2/14).
[4] تاريخ الطبري (2/668 ـ 669)، وأوردها الغبان في كتابه: فتنة مقتل عثمان بن عفانرضي الله عنه (2/793) وقال: «وهذا الإسناد ليس فيه ما يعله غير الواقدي»، والواقدي متروك، ومتهم بالكذب.
ـ الروافض:
وجّه الروافض لطلحة رضي الله عنه طائفة من الطعون، غير آبهين بسابقته في الإسلام، وبما جاء في مناقبه العظام، فقدحوا في أصل نسبه واعتبروه ابن زنا[1]، وادّعوا أنه كان من أعداء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى موته، وأن عليًّا رضي الله عنه شهد عليه بالنار[2]؛ بل زعموا أنه أراد أن يتنصَّر[3].
الرد عليهم:
جميع هذه الاتهامات باطلة، وبيانها فيما يلي:
أولاً: طعنهم في نسب طلحة مردود لأمرين:
أ ـ لمناقضته ما هو معروف من سلامة نسبه عند المؤرخين وعلماء الأنساب كما تقدم في ذكر نسبه.
ب ـ إن مستندهم في هذا هو ما ساقه هشام بن محمد الكلبي، وهو رافضي غير ثقة؛ بل هو متروك عند أهل العلم والفضل[4].
وأما زعمهم: بأن طلحة مات على عداء علي وأن عليًّا شهد عليه بالنار فكله كذب مبين لا يستحق أدنى مناقشة؛ بل هو قدح في علي؛ إذ كيف يشهد بالنار على من شهد الله له بالجنة على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم كما تقدم في فضائله.
وأما زعمهم بأن طلحة أراد أن يتنصَّر فهو كذب؛ لأنه تكذيب لخبر الله وخبر رسوله صلّى الله عليه وسلّم في الشهادة له بالجنة.
[1] انظر: الطرائف في معرفة مذاهب الطوائب لابن طاووس (495)، وإلزام النواصب لمفلح بن راشد (173) [تحقيق: عبد الرضا النجفي، ط1، 1420هـ]، وبحار الأنوار للمجلسي (31/647، و32/219).
[2] انظر: الشافي في الإمامة للشريف المرتضى (4/344) [مؤسسة إسماعيليان، قم، ط2].
[3] انظر: الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف (494).
[4] ميزان الاعتدال (4/304) [دار المعرفة، ط1]، ولسان الميزان (8/338) [دار البشائر الإسلامية، ط1].
1 ـ «الطبقات الكبرى» (ج3)، لابن سعد.
2 ـ «تاريخ الطبري» (ج3).
3 ـ «صحيح تاريخ الطبري ـ الخلافة الراشدة» (ج3).
4 ـ «دلائل النبوة» (ج2)، للبيهقي.
5 ـ «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» (ج2)، لابن عبد البر.
6 ـ «سير أعلام النبلاء» (ج1)، للذهبي.
7 ـ «الإصابة في تمييز الصحابة» (ج3)، ابن حجر.
8 ـ «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» (ج1).
9 ـ «السيرة النبوية الصحيحة» (ج1)، لأكرم ضياء العمري.
10 ـ «تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الإمام الطبري والمحدثين» (ج2)، لمحمد أمحزون.