يقول الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلاَئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ *} [الأنعام] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس آمن من عليها، فذلك حين {لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158] »[1].
وعنه رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «بادروا بالأعمال ستًّا: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم، أو أمر العامة»[2].
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله عزّ وجل يبسط يده بالليل؛ ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها»[3].
[1] أخرجه البخاري (كتاب تفسير القرآن، رقم 4635)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 157).
[2] أخرجه مسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 2947).
[3] أخرجه مسلم (كتاب التوبة، رقم 2759).
قال أبو جعفر الطحاوي: «ونؤمن بأشراط الساعة: من خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام من السماء، ونؤمن بطلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة الأرض من موضعها»[1].
وقال ابن أبي زَمَنِيْن: «وأهل السُّنَّة يؤمنون بطلوع الشمس من مغربها، وقال عزّ وجل: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام: 158] »[2].
وقال أبو عمرو الداني: «إن الإيمان واجب بما جاء عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وثبت بالنقل الصحيح، وتداول حمله المسلمون من ذكر وعيد الآخرة، وذكر الطوام، وأشراط الساعة، وعلاماتها، واقترابها، فمن ذلك طلوع الشمس من مغربها، فإذا طلعت أُغلق باب التوبة»[3].
وقال ابن كثير: «الأحاديث المتواترة مع الآية الكريمة دليل على أن من أحدث إيمانًا أو توبة بعد طلوع الشمس من مغربها لا يقبل منه، وإنما كان كذلك والله أعلم؛ لأن ذلك من أشراط الساعة وعلاماتها الدالة على اقترابها ودنوها، فعومل ذلك الوقت معاملة يوم القيامة»[4].
[1] شرح العقيدة الطحاوية (760) [مؤسسة الرسالة العالمية، ط2، 1433هـ].
[2] أصول السُّنَّة (184) [مكتبة الغرباء الأثرية، ط1، 1415هـ].
[3] الرسالة الوافية (243 ـ 245) [دار الإمام أحمد، ط1، 1421هـ].
[4] النهاية أو الفتن والملاحم (1/170) [دار الكتب الحديثة، الطبعة الأولى].
المسألة الأولى: وقت خروجها:
جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تطلع الشمس من مغربها، وتخرج الدابة على الناس ضحى، فأيهما خرج قبل صاحبه، فالأخرى منها قريب، ولا أحسبه إلا طلوع الشمس من مغربها» يقول: «هي التي أولاً»[1]، وهي أول الآيات غير المألوفة خروجًا، قال ابن أبي العز عن الدابة: إنها: «أول الآيات التي ليست مألوفة، وإن كان الدجال ونزول عيسى عليه السلام من السماء قبل ذلك، وكذلك خروج يأجوج ومأجوج كل ذلك أمور مألوفة؛ لأنهم بشر، مشاهدة مثلهم مألوفة. وأما خروج الدابة بشكل غريب غير مألوف، ثم مخاطبتها الناس، ووسمها إياهم بالإيمان أو الكفر؛ فأمر خارج عن مجاري العادات، وذلك أول الآيات الأرضية، كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة أول الآيات السماوية»[2].
قال ابن حجر: «فالذي يترجح من مجموع الأخبار أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض، وينتهي ذلك بموت عيسى ابن مريم. وأن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام الساعة. ولعل خروج الدابة يقع في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب، وقد أخرج مسلم أيضًا من طريق أبي زرعة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رفعه: «أول الآيات: طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، فأيهما خرجت قبل الأخرى، فالأخرى منها قريب»[3]»[4].
المسألة الثانية: التوبة بعد طلوع الشمس:
طلوع الشمس من مغربها أحد ثلاث آيات لا ينفع الإيمان ولا التوبة من الكفر عند معاينتها، كما دلَّ عليه ظاهر حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض»[5].
كذلك فإنه إذا طلعت الشمس من مغربها أغلق باب التوبة من المعاصي أيضًا، ولا يقبل من أحد توبة بعد ذلك. وهذا لا يختص بيوم طلوعها فقط؛ بل يمتد إلى يوم القيامة؛ خلافًا لما ذهب إليه بعض أهل العلم أنه يمتنع قبول الإيمان والتوبة وقت طلوع الشمس من المغرب؛ أي: في تلك الحالة، قالوا وأما من تاب بعد ذلك أو أسلم قبل ذلك منه[6]. يدل عليه ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها، تاب الله عليه» [7]، وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها»[8]، وما رواه معاوية ابن أبي سفيان، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم؛ أن النبي قال صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب؛ فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه، وكُفِيَ الناسُ العملَ»[9] . قال عبد الملك بن حبيب الأندلسي رحمه الله: «إذا طلعت الشمس من مغربها ختمت باب التوبة على من لم يكن مؤمنًا، وعلى من كان مؤمنًا، ولم يكن مخلصًا قبل ذلك، وهو قوله جلَّ ذكره: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158] »[10].
[1] أخرجه أبو داود (كتاب الملاحم، رقم 4310)، وابن ماجه (كتاب الفتن، رقم 4069)، وأحمد (11/86) [مؤسسة الرسالة، ط1] واللفظ له، وقال الهيثمي في المجمع (8/9) [مكتبة القدسي]: «رجاله رجال الصحيح»، وصحَّحه الألباني في أحكامه على السنن. والحديث أصله في صحيح مسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم 2941)، دون قول عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
[2] شرح العقيدة الطحاوية (758) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1413هـ]، وينظر: القناعة في ما يحسن الإحاطة به من أشراط الساعة (62) [أضواء السلف، ط1، 1422هـ].
[3] تقدم تخريجه قريبًا.
[4] فتح الباري (11/361) [المطبعة السلفية ومكتبتها، ط2، 1400هـ].
[5] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 158).
[6] ينظر: فتح الباري (11/363)، ولوامع الأنوار البهية (2/143) [المكتب الإسلامي، دار أسامة]، والبحور الزاخرة في علوم الآخرة (1/550) [دار غراس، ط1، 1428هـ].
[7] أخرجه مسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2703).
[8] أخرجه أبو داود (كتاب الجهاد، رقم 2479)، وأحمد (28/111) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والدارمي (كتاب السير، رقم 2555)، وقال الخطابي في معالم السنن (2/235) [المطبعة العلمية، ط1]: «فيه مقال»، وصحَّحه الألباني بشواهده في الإرواء (رقم 1208) [المكتب الإسلامي، ط2].
[9] أخرجه أحمد (3/206) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وحسَّن إسناده ابن كثير في التفسير (3/375) [دار طيبة، ط2]، والألباني في الإرواء (5/34) [المكتب الإسلامي، ط2].
[10] أشراط الساعة وذهاب الأخيار وبقاء الأشرار (102) [أضواء السلف، ط1، 1425هـ].
قال القرطبي: «إن إبراهيم عليه السلام قال لنمرود: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: 258] ، وإن الملحدة والمنجمين عن آخرهم ينكرون ذلك، ويقولون: هو غير كائن؛ فيطلعها الله تعالى يومًا من المغرب لِيُرِيَ المنكرين قدرته أن الشمس في ملكه إن شاء أطلعها من المشرق، وإن شاء أطلعها من المغرب»[1].
ومن الحكمة في خروج الشمس من مغربها أيضًا بيان أن باب التوبة قد أغلق، وأن ليس للإنسان إلا ما قدم، يقول ابن حجر: «قال الحاكم أبو عبد الله: «الذي يظهر أن طلوع الشمس يسبق خروج الدابة، ثم تخرج الدابة في ذلك اليوم أو الذي يقرب منه». قلت: والحكمة في ذلك أن عند طلوع الشمس من المغرب يغلق باب التوبة، فتخرج الدابة تميز المؤمن من الكافر تكميلاً للمقصود من إغلاق باب التوبة»[2].
[1] التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (3/1347) [دار المنهاج، ط1، 1425هـ]، وينظر: القناعة في ما يحسن الإحاطة به من أشراط الساعة (58).
[2] فتح الباري (11/361) [المطبعة السلفية ومكتبتها، ط2، 1400هـ].
1 ـ «الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة»، لصديق خان.
2 ـ «الإشاعة لأشراط الساعة»، للبرزنجي.
3 ـ «أشراط الساعة وذهاب الأخيار وبقاء الأشرار»، لعبد الملك بن حبيب الأندلسي.
4 ـ «أشراط الساعة»، ليوسف الوابل.
5 ـ «البحور الزاخرة» (ج1)، للسفاريني.
6 ـ «التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» (ج3)، للقرطبي.
7 ـ «شرح العقيدة الطحاوية»، لابن أبي العز.
8 ـ «شرح العقيدة الطحاوية» (ج2)، لصالح بن عبد العزيز آل الشيخ.
9 ـ «فتح الباري» (ج11)، لابن حجر العسقلاني.
10 ـ «القناعة في ما يحسن الإحاطة به من أشراط الساعة»، للسخاوي.
11 ـ «لوامع الأنوار البهية» (ج2)، للسفاريني.
12 ـ «النهاية أو الفتن والملاحم» (ج1)، لابن كثير.