حرف الطاء / الطي

           

قال ابن فارس: «الطاء والواو والياء أصل صحيح يدل على إدراج شيء حتى يدرج بعضه في بعض ثم يحمل عليه تشبيهًا، يقال: طويت الثوب والكتاب طيًّا أطويه، ويقال: طوى الله عمر الميت، والطوي: البئر المطوية، ومن الباب: أطواء الناقة؛ وهي طرائق شحم جنبيها، والطيان: الطاوي البطن، ويقال: طوى؛ وذلك أنه إذا جاع وضمر صار كالشيء الذي لو ابتغي طيّه لأمكن، فإن تعمد للجوع قال: طوى يطوي طيًّا، وذلك في القياس صحيح»[1].


[1] مقاييس اللغة (3/429) [دار الجيل، ط2].


الطيّ صفة فعلية ثابتة لله كما يليق بجلاله وعظمته.



يجب الإيمان بما وصف الله به نفسه، ووصفه به رسوله صلّى الله عليه وسلّم ومنه صفة الطي فيجب إثباتها لله كما يليق بجلاله وعظمته سبحانه.



الطي صفة من صفات الله الفعلية، وقد تنوعت دلالة النصوص عليها، فتارة يخبر الله تعالى بأنه يطوي السماوات، كما في قوله سبحانه: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ *} [الأنبياء] .
وتارة يخبر تعالى بأن طيّه السماوات يكون بيمينه كما في قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [الزمر] .
وثبت عن النبي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يقبض الله الأرض، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟»[1].


[1] أخرجه البخاري (كتاب الرقاق، رقم 6519)، ومسلم (كتاب صفة القيامة والجنة والنار، رقم 2787).


قال ابن القيِّم رحمه الله في صدد حديثه عن صفة اليد والرد على من أوّلها: «ورد لفظ: (اليد) في القرآن والسُّنَّة وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مائة موضع ورودًا متنوعًا متصرفًا فيه مقرونًا بما يدل على أنها يد حقيقة من الإمساك والطي والقبض والبسط والمصافحة»[1].
وقال الغنيمان: «قوله: «يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه» ؛ القبض هو: أخذ الشيء باليد وجمعه، والطي هو ملاقاة الشيء بعضه على بعض، وجمعه ولفِّه، وهو قريب من القبض، وهذا من صفات الله تعالى الفعلية التي تتعلق بمشيئته وإرادته، وهي ثابتة بآيات كثيرة وأحاديث صحيحة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهي مما يجب الإيمان به؛ لأن ذلك داخل في الإيمان بالله تعالى، ويحرم تأويلها المخرج لمعانيها عن ظاهرها، وقد دلَّ على ثبوتها لله تعالى العقل أيضًا، فإنه لا يمكن لمن نفاها إثبات أن الله هو الخالق لهذا الكون المشاهد؛ لأن الفعل لا بد له من فاعل، والفاعل لا بد له من فعل، وليس هناك فعل معقول إلا ما قام بالفاعل، سواءً كان لازمًا كالنزول والمجيء، أو متعديًا كالقبض والطي، فحدوث ما يحدثه ـ تعالى ـ من المخلوقات تابع لما يفعله من أفعاله الاختيارية القائمة به تعالى.
وما صرح به في هذا الحديث من القبض والطي، قد جاء صريحًا أيضًا في كتاب الله تعالى، كما قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [الزمر] . والأحاديث والآثار عن السلف في صريح الآية، والحديث المذكور في الباب، كثيرة وظاهرة جلية»[2].


[1] مختصر الصواعق (388) [دار الحديث، القاهرة، ط1، 1412هـ].
[2] شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للغنيمان (1/122 ـ 123) [دار العاصمة، ط2].


ينفي المتكلمون بصفة عامة الأفعال الاختيارية عن الله تعالى، سواء كانت أفعالاً متعدية كالطي والقبض ونحوهما، أو لازمة كالنزول والاستواء ونحوهما؛ خوفًا ـ بزعمهم ـ من حلول الحوادث في ذاته، فتسلطوا على هذه الصفات بالتحريف والإبطال؛ حيث جعلتها المعتزلة من باب الخيال والتمثيل المحض.
قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] : «من غير تصور قبضة وطي يمين وإنما هو تخييل لعظمة شأنه وتمثيل حسي»[1].
وقال أيضًا في الآية موضع آخر: «وما هي إلا تصويرات وتمثيلات لاقتداره، وأن كل مقدور وإن عظم وجل، فهو مستصغر إلى جنب قدرته»[2].
وحذا الرازي حذوه في تفسير الآية فقال: «وليس الغرض منه إلا تصوير أن كل مقدور وإن عظم فهو حقير بالقياس إلى قدرته»[3].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وهؤلاء الجهمية لهم قدح في كلا الأصلين ـ يعني: التوحيد والرسالة ـ فإنهم لا يقدرون الله حق قدره فلا يقبض عندهم أرضًا ولا يطوي السماء بيمينه»[4].
وقال الغنيمان: «وهو تعالى حي قيوم، فعال لما يريد، فمن أنكر قيام الأفعال الاختيارية به تعالى، فإن معنى ذلك أنه ينكر خلقه لهذا العالم المشاهد، وغير المشاهد، وينكر قوله: {إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *} [فصلت] ، فالعقل دلَّ على ما جاء به الشرع. وما صرح به في هذا الحديث من القبض والطي، قد جاء صريحًا أيضًا في كتاب الله تعالى، كما قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [الزمر] . والأحاديث والآثار عن السلف في صريح الآية، والحديث المذكور في الباب، كثيرة وظاهرة جلية، لا تحتمل تأويلاً ولا تحتاج إلى تفسير، ولهذا صار تأويلها تحريفًا وإلحادًا فيها»[5].


[1] الكشاف (1/328) [دار إحياء التراث العربي].
[2] الكشاف (3/420).
[3] مفاتيح الغيب (24/217) [دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1421هـ].
[4] بيان تلبيس الجهمية لرد بدعهم الكلامية لشيخ الإسلام ابن تيمية (3/787 ـ 788) [طبعة مجمع الملك فهد، 1426هـ]..
[5] شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (1/122 ـ 123) للشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان [دار العاصمة، ط2، 1422هـ].


1 ـ «بيان تلبيس الجهمية» (ج3)، لابن تيمية.
2 ـ «شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري» (ج1)، للغنيمان.
3 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي السقاف.