الطيِّب: اسمٌ من طاب يطيب طيبًا، وأصل مادته: (ط ـ ي ـ ب)، والطاء والياء والباء أصل واحد صحيح يدل على خلاف الخبيث، والسلامة منه، كما يدل على الطهارة والزكاة والحلال، والاستطابة: الاستنجاء؛ لأن الرجل يطيب نفسه مما عليه من الخبث بالاستنجاء، والطيبات من الكلام: أفضله وأحسنه، والكلم الطيب: التوحيد، وقيل: كل ذكر ودعاء، والكلمة الطيبة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وسمَّى رسول الله المدينة طابة يريد أنها طاهرة من الخبث والنفاق، والأرض الطيبة: التي تصلح للنبات، والريح الطيبة: اللينة، والطعمة الطيبة: الحلال[1].
[1] انظر: العين (7/461) [مكتبة الهلال]، ومقاييس اللغة (3/435) [دار الجيل، ط2، 1420هـ]، ولسان العرب (1/564) [دار صادر، ط1، 1412هـ].
قال ابن رجب رحمه الله: «والطيِّب هنا معناه الطاهر والمعنى أن الله سبحانه وتعالى مقدس منزه عن النقائص والعيوب كلها»[1].
[1] جامع العلوم والحكم (99) [دار المعرفة، ط1، 1408هـ]، وانظر: أحكام القرآن لابن العربي (4/11) [دار الكتب العلمية]، والتيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي (1/254) [مكتبة الإمام الشافعي، ط3].
لأنه سبحانه وتعالى الطيب في ذاته، فهي أكمل الذوات، المتصفة بأعلى وأكمل الصفات، والطيب في أسمائه؛ لإنبائها عن أحسن المعاني، وأشرف الدلالات، والطيب في أفعاله؛ لأنها في غاية الحق والصواب، فلا يفعل إلا الأكمل، والأحسن، والطيب في أقواله؛ فهي صدق في الأخبار، وعدل في الأوامر والنواهي[1].
[1] انظر: أسماء الله الحسنى لماهر المقدم (268) [مكتبة الإمام الذهبي، ط28، 1434هـ].
لم يرد اسم الطِّيب في القرآن الكريم، وإنما ورد في السُّنَّة المطهرة الطيبة مطلقًا منونًا مُرادًا به العلمية ودالًّا على كمال الوصفية، وذلك فيما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيُّها الناس إنّ الله طيِّب لا يقبل إلا طيِّبا، وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ *} [المؤمنون] ، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] ، ثمَّ ذكر الرَّجل يُطيل السَّفر أشعث أغبر يمدُّ يديه إلى السَّماء: يا ربّ يا ربّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك!»[1].
[1] أخرجه مسلم (كتاب الزكاة، رقم 1015).
قال ابن منده رحمه الله: «ومن أسماء الله عزّ وجل: الطيب»[1].
2 ـ وقال القاضي عياض رحمه الله: «ومعنى تسمية الله بالطيب هنا ـ ولم يأت في حديث الأسماء ـ أي: المنزه عن النقائص، بمعنى: القدوس»[2].
وقال القرطبي رحمه الله: « «إن الله طيب» ؛ أي: منزّه عن النقائص والخبائث، فيكون بمعنى: القدوس، وقيل: طيب الثناء، ومستلذ الأسماء عند العارفين بها، وعلى هذا فطيب من أسماء الله الحسنى المعدود في جملتها المأخوذ من السُّنَّة»[3]
وقال ابن تيمية رحمه الله: «فإن الشارع قد ذكر أنه يحب اتصاف العبد بمعاني أسماء الله تعالى؛ كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله جميل يحب الجمال»[4]، «إنه وتر يحب الوتر»[5]، «إنه طيب لا يقبل إلا طيبًا»»[6].
وقال ابن عثيمين رحمه الله في تعداد الأسماء الواردة في السُّنَّة: «ومن سُنَّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الجميل، الجواد، الحكم، الحيي، الرب، الرفيق، السبوح، السيد، الشافي، الطيب، القابض»[7].
[1] كتاب التوحيد (380).
[2] إكمال المعلم (3/283)
[3] المفهم (9/27)، كتاب الزكاة.
[4] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 91).
[5] أخرجه البخاري (كتاب الدعوات، رقم 6410)، ومسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2677).
[6] بيان تلبيس الجهمية (6/519) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف]، وانظر: مجموع الفتوى (22/484).
[7] القواعد المثلى مع شرح فتح العلي الأعلى (80) [مكتبة الفرقان، ط1، 1424هـ].
المسألة الأولى: صفة الطِّيْب:
إن من صفات الله تعالى صفة الطِّيْب، وهي مشتقة من اسم الله الطَّيِّب[1].
المسألة الثانية: حكم تسمية المخلوق بالطيّب:
يجوز التسمي بهذا الاسم من قبل المخلوقين، ولكن مع ملاحظة الفرق بين إطلاقه على الخالق فيطلق على ما يليق بجلاله وكماله، وبين تسمية المخلوق به على ما يليق بعجزه ونقصه، وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سمى أحد أولاده بالطيب، وسمى عليٌّ رضي الله عنه رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم بالطيب، ففي سنن ابن ماجه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «لما غسل النبي صلّى الله عليه وسلّم ذهب يلتمس منه ما يلتمس من الميت فلم يجده. فقال: بأبي الطيب، طبت حيًّا وطبت ميتًا»[2].
وقال المباركفوري رحمه الله: «قوله: «يا أيها الناس إن الله طيب ولا يقبل إلا طيبًا» قال القاضي رحمه الله: الطيب ضد الخبيث، فإذا وصفه به تعالى أريد به أنه منزه عن النقائص مقدس عن الآفات، وإذا وصف به العبد مطلقًا أريد به أنه المتعري عن رذائل الأخلاق وقبائح الأعمال والمتحلي بأضداد ذلك، وإذا وصف به الأموال أريد به كونه حلالاً من خيار الأموال»[3].
المسألة الثالثة: محبة الله لصفاته:
إن الله عزّ وجل يحب صفاته، ويحب من العبد أن يتعبَّد له بها، فهو طيب يحب الطيبين وكل ما هو طيب، وهو عفو يحب العفو، وهكذا، فإذا كان يحب صفاته وهي قائمة بذاته، فكيف بمحبته لذاته[4].
[1] انظر: صفات الله عزّ وجل للسقاف (169).
[2] أخرجه ابن ماجه (كتاب الجنائز، رقم 1467)، وصحح إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (2/26) [دار العربية، ط2]، والألباني في تعليقه على سنن ابن ماجه.
[3] تحفة الأحوذي (8/266) [دار الكتب العلمية]. وانظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (9/241).
[4] انظر: الصواعق المرسلة (4/1458 ـ 1459) [دار العاصمة ط3، 1418هـ]، وزاد المعاد (1/65) [مؤسسة الرسالة، ط27، 1415هـ].
الفرق بين الطيّب والطاهر:
أن الطيب قد ينفك عن الطاهر وكذا على العكس؛ لأنه كم من طيب لا يكون طاهرًا، وكذا أيضًا كم من طاهر لا يكون طيبًا. فبين الطيب والطاهر عموم وخصوص من وجه؛ لتصادقهما في الزعفران، وتفارقهما في المسك والتراب[1].
أما في أسماء الله تعالى فالطيب يرادف اسم الله القدوس، فمدلولهما واحد، إلا أن يكون القدوس يدل على تنزيه ذات الله من النقائص، والطيب تنزيهه عن العيوب والنقائص في ذاته وفي أفعاله وأسمائه وصفاته، فيكون من هذه الناحية (الطيب) أعم من (القدوس)، وذكر العلماء: أن من معاني القدوس: المبارك، والذي تقدسه الملائكة، فيكون من هذه المعاني أعم من الطيب، فالطيب أعم من حيث متعلقه، والقدوس أعم من حيث معناه، والله أعلم[2].
[1] الكليات للكفوي (400) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1419هـ 1998م]، ودستور العلماء (2/195) [دار الكتب العلمية، ط1، 1421هـ].
[2] انظر: النهج الأسنى للمحمود (82) [مكتبة الامام الذهبي، ط4، 1433هـ]، وأسماء الله الحسنى لماهر مقدم (267 ـ 268) [دار الإمام الذهبي، ط26، 1433هـ].
من آثار الإيمان بهذا الاسم على العبد: أنه لا يرضى إلا بالطيب، ولا يسكن إلا إليه ولا يطمئن قلبه إلا به، فله من الكلام الكلم الطيب الذي لا يصعد إلى الله تعالى إلا وهو خال من الفحش والتفحش، ومن الأعمال إلا أطيبها وهي الأعمال التي اجتمعت على حسنها الفطر السليمة مع الشرائع النبوية؛ كأن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا.
وله أيضًا من الأخلاق أطيبها وأزكاها كالحلم والوقار والسكينة والرحمة.
وكذلك لا يختار من المطاعم إلا أطيبها وهو الحلال الهنيء المريء.
وكذلك لا يختار من المناكح إلا أطيبها وأزكاها، ومن الرائحة إلا أطيبها وأزكاها، ومن الأصحاب والعشراء إلا الطيبين منهم.
فالله سبحانه وتعالى جعل الطيب بحذافيره في الجنة فقد أخلصت للطيبين، وهي حرام على غير الطيبين[1].
[1] انظر: زاد المعاد (1/65)، وجامع العلوم والحكم لابن رجب (99 ـ 100).
1 ـ «بدائع الفوائد» (ج2)، لابن القيِّم.
2 ـ «جامع العلوم والحكم»، لابن رجب.
3 ـ «زاد المعاد» (ج1)، لابن القيِّم.
4 ـ «طريق الهجرتين»، لابن القيِّم.
5 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي السقاف.
6 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق العباد البدر.
7 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في الأسماء الحسنى»، للتميمي.
8 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى» (ج3)، للحمود.
9 ـ «أسماء الله الحسنى»، لماهر مقدم.
10 ـ «بيان تلبيس الجهمية» (ج6)، لابن تيمية.