حرف الظاء / ظل العرش

           

الظلّ : قال ابن فارس: «الظاء واللام أصل واحد يدل على ستر شيء لشيء، وهو الذي يسمى الظل، وكلمات الباب عائدة إليه، فالظلُّ ظل الإنسان وغيره، ويكون بالغداة والعشي، والفيء لا يكون إلا بالعشي، وتقول: أظلَّتني الشجرة، وظل ظليل: دائم»[1].
وقال الفيروزآبادي: «الظل، بالكسر: نقيض الضحّ، أو هو الفيء، أو هو بالغداة، والفيء بالعشي، ج: ظلال وظلول وأظلال، والجنة.
ومنه: {وَلاَ الظِّلُّ وَلاَ الْحَرُورُ *} [فاطر] »[2].
العرش : قال الفيروز آبادي: «العرش: عرش الله تعالى، وسرير الملك، والعِزّ، وقوام الأمر، ومنه: ثُلّ عرشه، وركن الشيء، ومن البيت: سقفه، والخيمة، والبيت الذي يستظل به، كالعريش»[3].


[1] مقاييس اللغة (3/461) [دار الجيل، ط2]، وانظر: تهذيب اللغة (14/257) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م].
[2] القاموس المحيط (1028) [مؤسسة الرسالة، ط8].
[3] القاموس المحيط (597).


ظل العرش: هو الظل الذي يكون للعرش يوم القيامة ليستظل فيه المؤمنون حين دنو الشمس من رؤوس الخلائق في الموقف[1].


[1] انظر: روضة المحبين (485) [دار الكتب العلمية، 1412هـ]، وفتح الباري لابن حجر (11/394 ـ 395) [دار المعرفة، 1379هـ]، وتعليق الألباني على الترغيب والترهيب (1/386) بواسطة موسوعة الألباني (3/366) لشادي آل نعمان [مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية، صنعاء، ط1، 1431هـ]، والقول الواضح المبين في المراد بظل الله الذي وعد به لربيع بن هادي المدخلي [مقال منشور].


يجب الإيمان بظل العرش الذي يظل الله فيه المؤمنين يوم القيامة في الموقف لثبوته بالسُّنَّة النبوية[1].


[1] انظر: التوحيد لابن منده (3/190 ـ 192) [الجامعة الإسلامية، ط1]، وفتح الباري لابن حجر (2/144)، وتعليق الألباني على الترغيب والترهيب (1/386) [بواسطة موسوعة الألباني (3/366)]، والقول الواضح المبين في المراد بظل الله الذي وعد به المؤمنين العاملين.


أصل العرش: هو الشيء المسقف، يقال: عرشْت الكرم؛ إذا جعلت له كهيئة سقف، واعترش العنب؛ أي: ركب عرشه، والعرش شبه هودج للمرأة، شبيهًا في الهيئة بعرش الكرم، وعرشت البئر جعلت له عريشًا، وسمّي مجلس السلطان عرشًا؛ اعتبارًا بعلوه، ويكنى بالعرش عن العز والسلطان والمملكة، قيل فلان ثل عرشه[1].
والظل: الظل المعروف، ويأتي بمعنى النعيم، والجانب والستر، والكنف، والخاصة، ومنه: أنا في ظلك، وبمعنى: العز[2].


[1] انظر: مفردات غريب القرآن للأصفهاني (329) [دار المعرفة، بيروت].
[2] انظر: فتح الباري لابن حجر (11/312).


ورد الظل في النصوص تارة مضافًا إلى الله، وتارة أخرى مفسرًا بأنه ظل العرش، فمن وروده مضافًا إلى الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله»[1].
وأما وروده مفسرًا بظل العرش فقد وقع في أحاديث كثيرة منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أنظر معسرًا، أو وضع له، أظلَّه الله في ظل عرشه يوم القيامة»[2].
ومن مجموع هذين الحديثين وما جاء في معناهما في هذه المسألة يظهر جليًّا أن الظل المضاف إلى الله عزّ وجل في بعض الأحاديث هو ظل عرشه، وهي إضافة تشريف، وليست من إضافة الصفة إلى الموصوف، وعليه فإن الظل ليس من صفات الله عزّ وجل.
وأحاديث ظل العرش كثيرة، وكثير منها صحيح، قال الذهبي بعد أن سرد طائفة منها: «وقد ورد في ظل العرش أحاديث تبلغ التواتر»[3]، ووافقه الألباني على ذلك[4].
وقد تتبّع ابن حجر أحاديث ظل العرش، وفي ذلك يقول: «ثم تتبعت بعد ذلك الأحاديث الواردة في مثل ذلك، فزادت على عشر خصال، وقد انتقيت منها سبعة وردت بأسانيد جياد، ونظمتها في بيتين تذييلاً على بيتي أبي شامة، وهما:
وزد سبعة: إظلال غاز، وعونه
وإنظار ذي عسر، وتخفيف حمله
وإرفاد ذي غرم، وعون مكاتب
وتاجر صدق في المقال وفعله»[5].
ثم ذكر أنه قام بالجمع مرتين أخريين، ثم قال: «وقد أوردت الجميع في الأمالي وقد أفردته في جزء سميته: (معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال)»[6].


[1] أخرجه البخاري (كتاب الأذان، رقم 660)، ومسلم (كتاب الزكاة، رقم 1031).
[2] أخرجه الترمذي (أبواب البيوع، رقم 1306) وقال: حسن صحيح، وأحمد (14/329) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1417هـ]، وصحَّحه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (رقم 909) [مكتبة المعارف، ط5].
[3] العلو للعلي الغفار للذهبي (68) [المكتبة السلفية، ط2، 1388هـ].
[4] انظر: مختصر العلو للألباني (105) [المكتب الإسلامي، ط1، 1401هـ].
[5] فتح الباري لابن حجر (2/144).
[6] فتح الباري لابن حجر (2/144).


بيَّن أهل العلم أن المراد بالظل الوارد في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله هو ظل العرش، وفيما يلي إيراد بعض كلامهم في ذلك:
قال ابن منده رحمه الله: «بيان آخر يدل على أن العرش ظل يستظل فيه من يشاء الله من عباده»[1]، ثم أورد تحته طائفة من الأدلة الدالة على ذلك ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وأكّد ابن القيِّم في مواضع عديدة من كتبه أن المقصود بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «في ظله» في حديث السبعة هو ظل العرش، ومن كلامه في ذلك: «إذا تأملت السبعة الذين يظلهم الله عزّ وجل في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله وجدتهم إنما نالوا ذلك الظل بمخالفة الهوى فإن الإمام المسلط القادر لا يتمكن من العدل إلا بمخالفة هواه»[2].
وقال أيضًا: «الباب الرابع عشر في بيان أشق الصبر على النفوس: مشقة الصبر بحسب قوة الداعي إلى الفعل وسهولته على العبد، فإذا اجتمع في الفعل هذان الأمران كان الصبر عنه أشق شيء على الصابر، ولذلك استحق السبعة المذكورين في الحديث الذين يظلهم الله في ظل عرشه لكمال صبرهم ومشقته»[3].
وأورد الطحاوي بعض طرق حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، وبيّن أن بعضها جاء بلفظ: «يظلهم الله في ظله» وبعضها بلفظ: «يظلهم الله تعالى في ظل عرشه» [4]، ثم قال: «ثم نظرنا في الأصل المذكور في هذا الحديث ما المراد به فلم يكن في حديث مالك عن خبيب بن عبد الرحمن ما يدل على ذلك ما هو؟ وهو قوله: يظلهم الله في ظل عرشه فأخبر بذلك أن الظل المراد في هذا الحديث هو ظل عرش الله عزّ وجل»[5].


[1] كتاب التوحيد لابن منده (3/190 ـ 192).
[2] روضة المحبين ونزهة المشتاقين (485).
[3] عدة الصابرين (55 ـ 56) [دار الكتب العلمية].
[4] أخرجه بهذا اللفظ: سعيد بن منصور في سننه بسند حسن من حديث سلمان رضي الله عنه، كما ذكر ابن حجر في فتح الباري (2/144) [دار المعرفة].
[5] شرح مشكل الآثار (15/73) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1415هـ].


المسألة الأولى: المراد بالظل الذي يُظلّ الله به بعض عباده يوم القيامة:
اختلف أهل العلم في المراد بالظل الذي يظل الله فيه من يشاء من عباده المؤمنين يوم القيامة على أقوال:
القول الأول: أن الظل هو صفة من صفات الله تعالى التي تليق بجلاله وعظمته، وقد ذهب إلى هذا القول ابن باز رحمه الله، فقد سئل عن حديث السبعة الذين يظلهم الله عزّ وجل في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فهل يوصف الله تعالى بأن له ظلاً؟ فأجاب: «نعم، كما جاء في الحديث، وفي بعض الروايات: «في ظل عرشه»، لكن في الصحيحين: «في ظله» ، فهو له ظل يليق به سبحانه، لا نعلم كيفيته، مثل سائر الصفات، الباب واحد عند أهل السُّنَّة والجماعة، والله ولي التوفيق»[1].
القول الثاني: أن المراد بالظل هو ظل يخلقه الله يوم القيامة؛ ليظلل فيه من يشاء من عباده المؤمنين، وليس هو من صفات الله، وهذا ما ذهب إليه ابن عثيمين رحمه الله، فقال: «والمراد بالظل هنا: ظل يخلقه الله عزّ وجل يوم القيامة، يظلل فيه من شاء من عباده، وليس المراد ظل نفسه ؛ لأن الله نور السماوات والأرض»[2].
القول الثالث: أن المراد بالظل هو ظل العرش يظل الله فيه يوم القيامة من يشاء من عباده.
وبهذا قال جمهور أهل العلم ومنهم الذين تقدمت أقوالهم؛ كالطحاوي وابن مندة وابن القيِّم، وهو الراجح؛ لأن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «يظلهم الله في ظله» جاء مفسرًا في بعض الروايات بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «يظلهم الله تعالى في ظل عرشه» كما ذكر الطحاوي.
وأما القول الأول فهو مبني على حديث: «يظلهم الله في ظله» وبعد ثبوت الروايات الأخرى المفسرة لهذا الظل بظل العرش، فلا مجال للقول به. ولعل القائلين بهذا القول لم تصح عندهم تلك الروايات المفسرة له، أو قدموا ما في الصحيحين على غيره، ومعلوم أن الحديث إذا ثبت يجب الأخذ به، وقد نص غير واحد من الحفاظ كأبي جعفر الطحاوي والذهبي وابن حجر وغيرهم على ثبوت روايات ظل العرش.
وأما القول الثاني: وهو قول الشيخ ابن عثيمين بأن المراد بالظل ليس ظل العرش، وإنما هو ظل يخلقه الله يوم القيامة من الغمام أو من غيره، ليظلل فيه من يشاء من عباده، فهو مبني على الاجتهاد؛ لأن الحديث لم يصح عنده، ولو صح عنده لقال به كما ذكر[3].
المسألة الثانية: هل هناك من يستظل بظل العرش غير السبعة؟
ظاهر الحديث الحصر في هؤلاء السبعة، لكن جاء ما يدل على أن الله عزّ وجل يُظلّ في ظله غير هؤلاء، فعن أبي اليسر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أنظر معسرًا أو وضع عنه أظله الله في ظله»[4].
قال ابن حجر في حديث «سبعة يظلهم الله» : «قوله: «سبعة» ظاهره اختصاص المذكورين بالثواب المذكور، ووقع في صحيح مسلم من حديث أبي اليسر مرفوعًا: «من أنظر معسرًا أو وضع له أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» [5]، وهاتان الخصلتان غير السبعة الماضية، فدل على أن العدد المذكور لا مفهوم له»[6].


[1] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز (28/402).
[2] شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (3/346 ـ 347) [دار الوطن، طبعة عام 1425هـ].
[3] المرجع السابق (3/348).
[4] أخرجه مسلم (كتاب الزهد والرقائق، رقم 3006).
[5] وهو الحديث المتقدّم.
[6] فتح الباري لابن حجر (2/143 ـ 144).


الإيمان بدنو الشمس من رؤوس الخلائق يوم القيامة وحاجة الناس الماسة إلى الظل، وأن الله أعد ظل عرشه لعباده المؤمنين الصادقين دون غيرهم، يدفع المؤمن إلى السعي لتحقيق إيمانه بالله، والبحث عن الخصال الموصلة إلى هذا الظل، وفي مقدمتها تحقيق التوحيد لله رب العالمين.



1 ـ «صحيح ابن حبان» (ج16).
2 ـ كتاب «التوحيد» (ج3)، لابن منده.
3 ـ «شرح مشكل الآثار» (ج15)، للطحاوي.
4 ـ «التمهيد» (ج2)، لابن عبد البر.
5 ـ «عدة الصابرين»، لابن القيِّم.
6 ـ «فتح الباري» (ج2)، لابن حجر.
7 ـ «معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال»، لابن حجر[1].
8 ـ «شرح رياض الصالحين» (ج3)، لابن عثيمين.
9 ـ «القول الواضح المبين في المراد بظل الله الذي وعد به المؤمنين العاملين»، لربيع بن هادي المدخلي [مقال].
10 ـ «موسوعة الألباني في العقيدة» (ج3)، لشادي آل نعمان.


[1] هذا كتاب ذكره ابن حجر ولم نقف عليه.