حرف الألف / الأسماء الحسنى

           

الأسماء: جمع اسم، والاسم كلمة مشتقة من (السُّمُو) وهو بمعنى: الرِّفْعة والعُلُو، وَالأَْصْل فِيهِ: سِمْوٌ بِالْوَاو، وَجمعه أَسْماء، مثل قِنْو وأَقْناء[1]. قال الجوهري: «والاسم مشتقٌّ من سَمَوْتُ؛ لأنّه تنويهٌ ورفعةٌ»[2]، ولأن صاحبه بمنزلة المرتفع به[3]. قال ابن تيمية رحمه الله: «فالاسم يظهر به المسمى ويعلو»[4].
والنحاة لم يعرِّفوا الاسم وذلك لوضوحه عندهم، ولذلك اكتفى سيبويه عن تعريف الاسم ـ بعد تعريف الفعل والحرف ـ بقوله: «الاسم: رجل، وفرس، وحائط»[5]. وقد عرَّفه بعضهم بأنه «اللفظ الذي وضع دلالة على المعنى، والمعنى هو الشيء الموجود في العيان ـ إن كان من المحسوسات ـ كزيد وعمرو ـ وفي الأذهان ـ إن كان من المعقولات ـ كالعلم والإرادة»[6].
الحسنى: ضد السُّوأى[7]. والحسنى: «تأنيث الأحسن. يقال: الاسم الأحسن والأسماء الحسنى»[8]. ومعنى حسنى: أي: بالغة في الحسن غايته لتضمنها معانٍ كاملة عظيمة.


[1] انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج (1/40) [دار عالم الكتب، ط1، 1408هـ]. وتهذيب اللغة (13/79) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م].
[2] الصحاح (6/2383) [دار العلم، ط4، 1990م].
[3] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/101) [دار الكتب المصرية، ط2، 1384هـ].
[4] قاعدة في الاسم والمسمى ضمن مجموع الفتاوى (6/208) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف].
[5] انظر: الكتاب لسيبويه (1/12) [مكتبة الخانجي، ط3، 1408هـ].
[6] نتائج الفكر في النحو للسهيلي (1/30) [دار الكتب العلمية، ط1، 1412هـ].
[7] الصحاح (1/62) [دار العلم، ط4، 1990م].
[8] تهذيب اللغة (4/184).


الأسماء الحسنى: «هي التي يُدعى الله بها، وهي التي جاءت في الكتاب والسُّنَّة، وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها»[1].


[1] شرح العقيدة الأصفهانية لابن تيمية (19) [مكتبة الرشد، ط 1، 1415هـ]. وانظر: معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات لمحمد بن خليفة التميمي (29) [أضواء السلف، ط1، 1419هـ].


سبب تسميتها بالحسنى: أنها مشتملة على مدح الموصوف بها وهو الله تعالى وحمده والثناء عليه، ومتضمنة لصفات كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه.



يجب الإيمان بكل ما أخبر الله تعالى من أسمائه وأنها بالغة في الحسن غايته، ولتضمنها صفات كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه.



لا شكَّ أن للأسماء الحسنى في الدين منزلة رفيعة وأهمية عظيمة، فهي أصل العلم والإيمان، وبها استحقاق الله وحده العبادة، ولا تكاد تخلو آية من آياته من ذكرٍ لأسماء الله الحسنى وصفاته العليا؛ بل لا يقوم الدعاء ولا يتحقق إلا بها.



من القرآن الكريم: قول الله تعالى: {قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَانَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110] ، وقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] ، وقوله تعالى: {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى *} [طه] ، وقوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *} [الحشر] .
ومن السُّنَّة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة»[1].
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزن: اللَّهُمَّ إني عبدك، وابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمُك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله عزّ وجل همّه، وأبدله مكان حزنه فرحًا، قالوا: يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات؟ قال: أجل، ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن»[2].


[1] تقدم تخريجه قريبًا.
[2] تقدم تخريجه قريبًا.


قال أبو بكر الإسماعيلي رحمه الله ـ وهو يحكي مذهب أهل السُّنَّة والجماعة ـ: «ويعتقدون أن الله تعالى مدعو بأسمائه الحسنى وموصوف بصفاته التي سمى ووصف بها نفسه، ووصفه بها نبيَّه صلّى الله عليه وسلّم»[1].
وقال ابن بطة العكبري رحمه الله: «إن الله لم يزل عليمًا سميعًا بصيرًا متكلمًا، تامًّا بصفاته العليا وأسمائه الحسنى، قبل كون الكون، وقبل خلق الأشياء، لا يدفع ذلك ولا ينكره إلا الضال الجحود الجهمي المكذب بكتاب الله وسُنَّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم»[2].
وقال أبو الحسن القابسي رحمه الله: «أسماء الله وصفاته لا تعلم إلا بالتوقيف من الكتاب أو السُّنَّة أو الإجماع ولا يدخل فيها القياس»[3].
وقال ابن تيمية رحمه الله: «وليس في أسمائه الحسنى إلا اسم يُمدح به، ولهذا كانت كلها حسنى»[4].


[1] أخرجه ابن قدامة في ذم التأويل (17) [الدار السلفية، ط1، 1406هـ]، والذهبي في العلو للعلي الغفار (230) [مكتبة أضواء السلف، ط1، 1416هـ]، وفي كتاب الأربعين في صفات رب العالمين (94 ـ 95) [مكتبة العلوم والحكم، ط1، 1413هـ]. وقال: وهذا المعتقد سمعناه بإسناد صحيح عنه.
[2] الإبانة الكبرى لابن بطة ـ الكتاب الثالث: الرد على الجهمية ـ (1/214 ـ 215) [دار الراية، ط2، 1418هـ].
[3] نقله عنه ابن حجر في فتح الباري (11/217) [دار المعرفة، ط1379هـ].
[4] منهاج السُّنَّة النبوية (5/282) [جامعة الإمام، ط1، 1406هـ]. وانظر: بيان تلبيس الجهمية (3/298) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف]، ومجموع الفتاوى (6/143) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف].


لكي يكون الاسم من أسماء الله الحسنى لا بد له من شروط، هي:
1 ـ أن يرد ثبوته في الكتاب والسُّنَّة الصحيحة.
2 ـ أن يقتضي المدح والثناء بنفسه، بحيث يكون دالًّا على صفة كمال عظيمة.
3 ـ أن يُدعى الله به.



المسألة الأولى: الاسم والمسمى:
هل الاسم هو المسمى أو هو غيره أو له؟ اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال:
الأول: أن الاسم للمسمى؛ إذ هو دليل على المسمى وعلم عليه، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: 180] ، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا» الحديث[1]؛ فالله تعالى له الأسماء الحسنى وهو المسمى بها، والاسم يراد به المسمى تارة، ويراد به اللفظ الدَّال عليه أخرى، فإذا قلتَ: قال الله كذا، أو سمع الله لمن حمده، فالمراد به المسمى نفسه، وإذا قلت: الله اسم عربي، والرحمن من أسماء الله، فالاسم هنا هو المراد لا المسمى، وهذا اختيار أكثر أهل السُّنَّة[2]، وهو القول الراجح الموافق للكتاب والسُّنَّة.
الثاني: أن الاسم هو المسمى، وهو قول طائفة من أهل السُّنَّة[3]، رادّين بذلك على الجهمية والمعتزلة الذين قالوا: إن الاسم غير المسمى.
الثالث: أن الاسم غير المسمى، وهو قول المعتزلة[4]. وهذا مبني على قولهم: إن أسماء الله مخلوقة، حيث زعموا أن الله تعالى كان في الأزل بلا اسم ولا صفة، فلما خلق الخلق جعلوا له أسماء وصفات، فإذا أفناهم بقي بلا اسم ولا صفة، وهذا القول من أعظم الإلحاد في أسماء الله تعالى، مخالف للأدلة ولما أجمعت عليه الأمة[5].
المسألة الثانية: تفاضل الأسماء الحسنى:
إن أسماء الله تعالى متباينة من جهة معانيها[6]، فكل اسم يدل على معنى غير المعنى الذي يدل عليه الآخر، فهناك أسماء تدل على صفة واحدة، وهناك أسماء تدل على أكثر من صفة؛ كاسم الخالق؛ فإنه يدل على صفة الخلق بالمطابقة وعلى صفتي العلم والقدرة بالالتزام، لذلك وقع التفاضل فيها. وعلى هذا يعتقد أهل السُّنَّة والجماعة أن أسماء الله الحسنى متفاضلة فيما بينها. وأيضًا التفاضل فيها من جهة اشتمال كلام الله تعالى عليها، وكلام الله تعالى بعضه أفضل من بعض كما دل على ذلك نصوص الكتاب والسُّنَّة[7].
المسألة الثالثة: أسماء الله الحسنى غير محصورة:
من القواعد المقررة عند أهل السُّنَّة والجماعة في باب الأسماء: أن أسماء الله تعالى كلها حسنى ـ كما تقدم ـ، وأن من أوجه حسنها: أنها أسماء كثيرة ليست محصورة بعدد معين، يعجز الخلق عن الإحاطة بها معرفةً وعلمًا.
قال ابن القيم رحمه الله: «إن الأسماء الحسنى لا تدخل تحت حصر ولا تُحد بعدد، فإن لله تعالى أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده، لا يعلمها مَلَك مقرَّب ولا نبي مرسل، كما في الحديث الصحيح: «أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك» [8] فجعل أسماءه ثلاثة أقسام؛ قسم: سمّى به نفسه، فأظهره لمن شاء من ملائكته أو غيرهم، ولم ينزل به كتابه. وقسم: أنزل به كتابه فتعرَّفَ به إلى عباده. وقسم: استأثر به في علم غيبه، فلم يُطلع عليه أحدًا من خلقه، ولهذا قال: «استأثرتَ به» ؛ أي: انفردت بعلمه، وليس المراد انفراده بالتسمي به؛ لأن هذا الانفراد ثابت في الأسماء التي أنزل الله بها كتابه. ومن هذا قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في حديث الشفاعة: «فيفتح عليَّ من محامده بما لا أُحْسِنُه الآن» [9] وتلك المحامد هي بأسمائه وصفاته تبارك وتعالى ، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك»[10].
وأما قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة» [11]. فالكلام جملة واحدة. وقوله: «ومن أحصاها دخل الجنة» صفةٌ لا خبر مستقبل. والمعنى: له أسماء متعددة، مِن شأنها أن من أحصاها دخل الجنة، وهذا لا ينفي أن يكون له أسماء غيرها. وهذا كما تقول: لفلان مئة مملوك قد أعدهم للجهاد، فلا ينفي هذا أن يكون له مماليك سواهم معدون لغير الجهاد، وهذا لا خلاف بين العلماء فيه»[12].
المسألة الرابعة: أسماء الله توقيفية:
من القواعد المقررة عند أهل السُّنَّة والجماعة في باب الأسماء والصفات: أن أسماء الله توقيفية، بمعنى: أنهم يثبتون ما أثبته الله لنفسه من الأسماء الحسنى الواردة في نصوص القرآن والسُّنَّة الصحيحة دون أن يتجاوزوا هذه النصوص؛ أو أن يقحموا العقل في إثباتها، إذ لا مجال للعقل فيها؛ لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء فوجب الوقوف في ذلك على النص.
المسألة الخامسة: أسماء الله أعلام وأوصاف:
فهي مترادفة باعتبار دلالتها على الذات، ومتباينة باعتبار دلالتها على الصفات.
من القواعد المقررة عند أهل السُّنَّة والجماعة في باب الأسماء والصفات: أن أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف، فهي أعلام باعتبار دلالتها على الذات، وأوصاف باعتبار ما دلت عليه من المعاني، وهي بالاعتبار الأول، مترادفة لدلالتها على مسمى واحد، وهو الله عزّ وجل وبالاعتبار الثاني متباينة لدلالة كل واحد منهما على معناه الخاص فـ(الحي، العليم، القدير، السميع، البصير، الرحمن، الرحيم، العزيز، الحكيم) كلها أسماء لمسمى واحد، وهو الله سبحانه وتعالى، لكن معنى الحي غير معنى العليم، ومعنى العليم غير معنى القدير، وهكذا.
المسألة السادسة: دلالة أسماء الله تعالى على ذاته وصفاته تكون بالمطابقة والتضمن والالتزام:
من القواعد المقررة عند أهل السُّنَّة والجماعة في باب الأسماء: أن كل اسم من أسماء الله الحسنى يدل على ذاته والصفة المختصة به بطريق المطابقة، وعلى أحدهما بطريق التضمن، وعلى الصفة الأخرى بطريق اللزوم. فإنَّ اسم السميع يدل على ذات الرب وسمعه بالمطابقة، وعلى الذات وحدها، وعلى السمع وحده بالتضمن، ويدل على اسم الحي وصفة الحياة بالالتزام[13].
المسألة السابعة: أسماء الله تعالى منها ما يطلق عليه مفردًا ومقترنًا بغيره ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده بل مقرونًا بمقابله:
«إن أسماءه تعالى منها ما يطلق عليه مفردًا ومقترنًا بغيره وهو غالب الأسماء؛ كالقدير والسميع والبصير والعزيز والحكيم وهذا يسوغ أن يدعى به مفردًا ومقترنًا بغيره، فتقول: يا عزيز يا حليم يا غفور يا رحيم، وأن يفرد كل اسم، وكذلك في الثناء عليه والخبر عنه بما يسوغ لك الإفراد والجمع، ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده بل مقرونًا بمقابله؛ كالمانع والضار والمنتقم، فلا يجوز أن يفرد هذا عن مقابله؛ فإنه مقرون بالمعطي والنافع والعفو، فهو المعطي المانع، الضار النافع، المنتقم العفو، المعز المذل؛ لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذه بما يقابله؛ لأنه يراد به أنه المنفرد بالربوبية وتدبير الخلق والتصرف فيهم عطاءً ومنعًا ونفعًا وضرًّا وعفوًا وانتقامًا، وأما أن يثنى عليه بمجرد المنع والانتقام والإضرار فلا يسوغ، فهذه الأسماء المزدوجة تجري الأسماء منها مجرى الاسم الواحد، الذي يمتنع فصل بعض حروفه عن بعض، فهي وإن تعددت جارية مجرى الاسم الواحد، ولذلك لم تجئ مفردة، ولم تطلق عليه إلا مقترنة، فاعلمه. فلو قلت: يا مذل يا ضار يا مانع وأخبرت بذلك لم تكن مثنيًا عليه ولا حامدًا له حتى تذكر مقابلها»[14].
المسألة الثامنة: ضابط الإيمان بأسماء الله تعالى:
لتحقيق الإيمان بالأسماء الحسنى لا بد من:
1 ـ الإيمان بالاسم.
2 ـ الإيمان بما دلَّ عليه من المعنى.
3 ـ الإيمان بما يتعلق به من الآثار.
فنؤمن بأن الله رحيمٌ ذو رحمة وسعت كل شيء. قدير ذو قدرة، ويقدر على كل شيءٍ. عليم ذو علم ويعلم كل شيء. غفور ذو مغفرة ويغفر لعباده[15].
المسألة التاسعة: الإلحاد في أسماء الله تعالى:
نهى الله تعالى عن الإلحاد في أسمائه فقال: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *} [الأعراف] .
فدلَّت الآية على وجوب مجانبة الإلحاد في أسماء الله الحسنى، والإلحاد في أسماء الله سبحانه: هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها، وهو أنواع عديدة يجمعها هذا الوصف. وبهذه القاعدة المهمة حمى أهل السُّنَّة جناب أسماء الله الحسنى[16].
وهو أنواع:
الأول: أن تسمى الأصنام بأسماء الله؛ كتسميتهم العزَّى من العزيز.
الثاني: تسميته بما لا يليق بجلاله؛ كتسمية النصارى له أبًا.
الثالث: وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص؛ كقول اليهود: إنه فقير.
الرابع: تعطيل الأسماء عن معانيها، وجحد حقائقها؛ كقول الجهمية: سميع بلا سمع، بصير بلا بصر.
الخامس: تمثيل صفاته تعالى بصفات خلقه.
المسألة العاشرة: حكم التسمي بأسماء الله تعالى:
ينقسم التسمي بأسماء الله تعالى إلى قسمين:
أ ـ ما لا يجوز التسمي بها، وهي الأسماء المختصة بالله تعالى؛ كلفظ الجلالة الله والرحمن والخالق والباري والقيوم أو بغير ذلك مما لا ينبغي إلا لله تعالى. ومن سمّى غير الله باسم من الأسماء المختصة بالله تعالى، فهو مشرك في الأسماء والصفات[17].
ب ـ ما كان من الأسماء له معنى كلي تتفاوت فيه أفراده؛ كالملك والعزيز والرحيم والجبار، فيجوز تسمية غيره بها، فقد سمّى الله نفسه بهذه الأسماء وسمّى بعض عباده بها؛ كقوله تعالى: {قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} [يوسف: 51] ، وقوله كذلك: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ *} [غافر] ولا يلزم من ذلك التماثل؛ لأن الإضافة تقتضي التخصيص، فما يضاف إلى الله منها يخصه ويليق به سبحانه وبجلاله وكماله، وما يضاف منها إلى المخلوق فعلى معنى خاص يليق بالمخلوق وبنقصه وبضعفه[18].
المسألة الحادية عشر: معنى الإحصاء الوارد في الحديث:
أسماء الله تعالى كلها حسنى ـ كما تقدم ـ، وأن من أوجه حسنها أنها أسماء كثيرة ليست محصورة بعدد معين، يعجز الخلق عن الإحاطة بها معرفة وعلمًا.
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من أحصاها دخل الجنة» [19] فيه خمسة أقوال:
أحدها: من استوفاها حفظًا.
والثاني: من أطاق العمل بمقتضاها، مثل أن يعلم أنه سميع فيكف لسانه عن القبيح، وأنه حكيم فيسلم لحكمته.
والثالث: من عقل معانيها.
والرابع: من أحصاها عدًّا وإيمانًا بها. قاله الأزهري.
والخامس: أن يكون المعنى: من قرأ القرآن حتى يختمه لأنها فيه[20].
والذي يترجح أن الإحصاء يشمل أمورًا ثلاثة:
أحدها: إحصاء ألفاظها وعددها.
الثاني: فهم معانيها ومدلولها.
الثالث: دعاء الله تعالى بها[21].
المسألة الثانية عشر: هل يمكن معرفة الأسماء التسعة والتسعين على وجه التعيين؟
لا يمكن معرفة الأسماء التسعة والتسعين على وجه التعيين؛ لأنه لم يصح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم تعيين هذه الأسماء، والحديث المروي عنه في تعيينها ضعيف، والصحيح: أن سردها إدراجٌ من بعض الرواة[22].
ولعل النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يبيّنها لحكمة؛ وهي: أن يطلبها الناس ويتحروها في كتاب الله وسُنَّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فيحصل لهم بذلك التعبد لله تعالى بجميع أسمائه[23]، والله أعلم. قال ابن العربي رحمه الله: «أُخفيت هذه الأسماء المتعددة في جملة الأسماء الكلية، لندعوه بجميعها، فنصيب العدد الموعود به فيها»[24].


[1] تقدم تخريجه قريبًا.
[2] قاعدة في الاسم والمسمى ضمن مجموع الفتاوى (6/187 ، 198، 209)، وشرح الطحاوية (82) [وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، ط1، 1418هـ].
[3] قاعدة في الاسم والمسمى ضمن مجموع الفتاوى (6/187 ـ 188).
[4] انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (542) [مكتبة وهبة، ط2، 1408هـ].
[5] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/101) [دار الكتب المصرية، ط2، 1384هـ].
[6] مع التنبيه على أنها مترادفة من جهة كونها أسماءً لذات واحدة.
[7] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (17/52 ـ 53)، والقواعد المثلى لابن عثيمين (11) [الجامعة الإسلامية، ط3، 1421هـ].
[8] تقدم تخريجه قريبًا.
[9] أخرجه البخاري (كتاب تفسير القرآن، رقم 4712)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 194)، بنحوه.
[10] أخرجه مسلم (كتاب الصلاة، رقم 486).
[11] أخرجه البخاري (كتاب الشروط، رقم 2736)، ومسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2677).
[12] بدائع الفوائد (1/293 ـ 294) [دار الكتاب العربي].
[13] انظر ما يتعلق بالمسألة الخامسة والسادسة: القواعد المثلى لابن عثيمين (8 ـ 11).
[14] بدائع الفوائد لابن القيم (1/167).
[15] مختصر الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية لعبد العزيز السلمان (27). [ط12، 1418هـ].
[16] انظر: القواعد المثلى لابن عثيمين (16).
[17] انظر: مجموع الفتاوى (6/35)، وتحفة المودود بأحكام المولود (125) [مكتبة دار البيان، ط1، 1391هـ].
[18] انظر: فتاوى اللجنة الدائمة (المجموعة الثانية) (2/368 ـ 369) [رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء]. وانظر أيضًا: التدمرية لابن تيمية (21 ـ 24) [مكتبة العبيكان، ط6، 1421هـ].
[19] تقدم تخريجه قريبًا.
[20] انظر: غريب الحديث لابن الجوزي (1/219 ـ 220) [دار الكتب العلمية، ط1، 1405هـ]، وشأن الدعاء للخطابي (26) [دار الثقافة العربية، ط3، 1412هـ].
[21] انظر: بدائع الفوائد لابن القيم (1/164)، والقول المفيد (2/258) [دار ابن الجوزي، ط2، 1424هـ].
[22] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/383)، ومدارج السالكين (3/433)، وتفسير ابن كثير (2/425)، وبلوغ المرام من أدلة الأحكام لابن حجر (419) [دار الفلق، ط7، 1424هـ]، وسبل السلام للصنعاني (2/554) [دار الحديث]، وأحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين للدبيخي (207) [دار المنهاج، ط1، 1407هـ].
[23] انظر: مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (1/123) [دار الوطن، ط1، 1412هـ].
[24] أحكام القرآن لابن العربي (2/340) [دار الكتب العلمية، ط3، 1424هـ]. وانظر: فتح الباري لابن حجر (11/221) [دار المعرفة، ط1379هـ].


من ثمرات معرفة أسماء الله الحسنى:
1 ـ أنّ معرفة الأسماء الحسنى ودلالاتها من أعظم الطرق إلى معرفة الرّب تعالى وكمال صفاته[1].
2 ـ أن «من عرف أسماء الله ومعانيها فآمن بها كان إيمانه أكمل ممن لم يعرف تلك الأسماء بل آمن بها إيمانًا مجملاً»[2].
3 ـ أن من عرف أسماء الله الحسنى واستقرأ آثارها في الخلق والأمر، رأى الخلق والأمر منتظمين بها أكمل انتظام.
4 ـ أن أعرف الناس بأسماء الله وصفاته أشدهم حبًّا له.
5 ـ أن معرفة الأسماء الحسنى وإحصاءها سبب لدخول الجنة.
6 ـ أن إحصاء الأسماء الحسنى والعلم بها أصل للعلم بكل معلوم من خلق أو أمر[3].


[1] انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (3/331) [جامعة الإمام، ط2، 1411هـ].
[2] مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/233 ـ 234).
[3] انظر: معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى للتميمي (375 ـ 378) [أضواء السلف، ط1، 1419هـ].


1 ـ مذهب الفلاسفة والجهمية المحضة: وهو نفي جميع الأسماء الحسنى، ووصف الله تعالى بالصفات السلبية على وجه التفصيل، ولا يثبتون له إلا وجودًا مطلقًا يمتنع تحققه في الأعيان، بل لا حقيقة له إلا في الأذهان[1].
2 ـ المعتزلة ومن وافقهم: الذين أثبتوا أسماء الله تعالى ولكنهم نفوا أن تدل الأسماء على معان ومدلولات، وقد أرجعوا الصفات إلى الذات[2]، فقالوا: سميع بذاته، عليم بذاته[3]، وإنما نفوا الصفات لاعتقادهم أنها أعراض، وأن قيام العرَض بالله يقتضي حدوثه، فقالوا حينئذ: إن القرآن مخلوق، وجعلوا جميع ما يضاف إلى الله من باب إضافة المخلوق إلى الخالق[4].
3 ـ الأشاعرة: لا ينكرون ثبوت الأسماء الحسنى، لكنهم لا يثبتون جميع الصفات التي تدل عليها الأسماء الحسنى، وبذلك فرقوا بين الأسماء والصفات في الثبوت والتوقيف[5]، وذهب بعض الأشاعرة إلى جواز إطلاق بعض الأسماء لله وإن لم يرد بها نص ولا إجماع، وذلك كاسم القديم، والذات وغيرهما[6].
وما ذهب إليه هؤلاء هو خلاف مذهب السلف القائم على إثبات الأسماء والصفات وإجرائها على حقيقتها اللائقة بالله تعالى إثباتًا دون تمثيل وتنزيهًا دون تعطيل، كما أنه تعالى قد أمر العبد بالتوقف عما ليس له به علم فقال: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً *} [الإسراء] .
قال ابن عبد البر رحمه الله: «وما غاب عن العيون فلا يصفه ذوو العقول إلا بخبر ولا خبر في صفات الله إلا ما وصف نفسه به في كتابه أو على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فلا نتعدى ذلك إلى تشبيه أو قياس أو تمثيل أو تنظير فإنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *} [الشورى] »[7].


[1] انظر: النبوات لابن تيمية (1/578) [أضواء السلف، ط1]، ومجموع الفتاوى (3/7 ـ 8)، (12/311).
[2] وهذا قول باطل بلا شك؛ لأنا إذا قلنا: ذاته علمه فهذا يوجب التغاير. كذلك فإن حقيقة السمع مغايرة لحقيقة العلم ولحقيقة القدرة، فلو كان الكل عبارة عن حقيقة ذاته لزم القول بأن الحقائق الثلاثة حقيقة واحدة، وهذا عندهم باطل. انظر: المعتزلة وأصولهم الخمسة وموقف أهل السُّنَّة منها لعواد المعتق (87) [دار العاصمة، ط1، 1420هـ].
[3] انظر: شرح الأصول الخمسة لعبد الجبار المعتزلي (183) [مكتبة وهبة، ط2]، والمعتزلة وأصولهم الخمسة (100).
[4] انظر: مجموع الفتاوى (6/147 ـ 148).
[5] انظر: الأسماء الحسنى معانيها وآثارها والرد على المبتدعة فيها لرفيع أوَّوْنلا بُصيري (443) [رسالة دكتوراه مقدمة لقسم العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة، عام 1413هـ].
[6] انظر: المنهاج في شعب الإيمان للحليمي (1/188) [دار الفكر، ط1، 1399هـ]، والأسماء والصفات للبيهقي (1/37) [مكتبة السوادي، ط1، 1413هـ].
[7] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (7/145) [وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، 1387هـ].


1 ـ «أسماء الله الحسنى»، للغصن.
2 ـ «بدائع الفوائد» (ج1)، لابن القيم.
3 ـ «شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسُّنَّة»، لسعيد بن علي القحطاني.
4 ـ «شرح العقيدة الأصفهانية»، لابن تيمية.
5 ـ «القواعد الكلية في الأسماء والصفات»، لإبراهيم البريكات.
6 ـ «القواعد المثلى»، لابن عثيمين.
7 ـ «مختصر الصواعق المرسلة»، لابن الموصلي.
8 ـ «المعتزلة وأصولهم الخمسة وموقف أهل السُّنَّة منها»، لعواد بن عبد الله المعتق.
9 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في الأسماء الحسنى»، لمحمد بن خليفة التميمي.
10 ـ «مواقف الطوائف من توحيد الأسماء والصفات»، لمحمد بن خليفة التميمي.
11 ـ «ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها؛ دراسة تربوية للآثار الإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى»، لعبد العزيز بن ناصر الجليل.