العَدْل نقيض الجور، ويطلق العَدْل والعِدْل على المِثْل وعلى الاستقامة.
قال ابن فارس: «العين والدال واللام أصلان صحيحان، لكنهما متقابلان كالمتضادين، أحدهما: يدل على استواء، والآخر: يدل على اعوجاج، فالأول: العدل من الناس المرضيِّ، المستوي الطريقة، يقال: هذا عَدْل، وهما عدل.
قال زهير:
متى يشتجر قوم يقُلْ سرواتهم
هم بيننا فهم رضًا وهم عدل
وتقول: هما عدلان أيضًا، وهم عدول، وإن فلانًا لعدل بيِّن العدل والعدُولَة، والعدل: الحكم بالاستواء، ويقال للشيء يساوي الشيء: هو عِدْله، وعدلت بفلان فلانًا وهو يعادله، والمشرك يعدِل بربه تعالى عن قولهم علوًّا كبيرًا؛ كأنه يسوّي به غيره، ومن الباب: العِدْلان: حِملا الدابة، سمّيا بذلك لتساويهما، والعديل الذي يعادلك في المحْمل، والعدل قيمة الشيء وفداؤه، قال الله تعالى: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ} [البقرة: 123] ؛ أي: فدية، وكل ذلك من المعادلة وهي المساواة، والعَدْل: نقيض الجور، تقول: عدل في رعيته، ويوم معتدل إذا تساوى حالا حره وبرده، وكذلك في الشيء المأكول، ويقال: عدلته حتى اعتدل؛ أي: أقمته حتى استقام واستوى.
فأما الأصل الآخر فيقال في الاعوجاج: عدل وانعدل؛ أي: انعرج»[1].
[1] مقاييس اللغة (4/246 ـ 247) [دار الجيل، ط2، 1420هـ]، وانظر: تهذيب اللغة (2/123) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م].
الإيمان باتصاف الله بالعدل الكامل في جميع شؤونه كما يليق بجلاله وعظمته، فبعدله يتصرف على خلقه؛ لأنه على صراط مستقيم في قوله وفعله وقضائه وقدره، وأمره ونهيه، وثوابه وعقابه، فخبره كله صدق، وقضاؤه كله عدل، وأمره كله مصلحة، والذي نهى عنه كله مفسدة، وثوابه لمن يستحق الثواب بفضله ورحمته، وعقابه لمن يستحق العقاب بعدله وحكمته[1].
[1] انظر: الفوائد لابن القيم (23) [دار الكتب العلمية، ط2، 1393هـ].
جاء في السُّنَّة الصحيحة ما يدل على اتصاف الله سبحانه بصفة العدل، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «لما كان يوم حنين آثر النبي صلّى الله عليه وسلّم أناسًا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسًا من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة، قال رجل: والله إن هذه القسمة ما عُدِل فيها، وما أريد بها وجه الله، فقلت: والله لأخبرن النبي صلّى الله عليه وسلّم فأتيته فأخبرته، فقال: فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم؟ رحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر»[1].
[1] أخرجه البخاري (كتاب فرض الخمس، رقم 3150)، ومسلم (كتاب الزكاة، رقم 1062).
جاء عن أهل العلم ما يوضح اتصاف الله بالعدل، فمن ذلك قول الخطابي رحمه الله: «العدل: هو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم، وأصله المصدر من قولك: عدل يعدل عدلاً، فهو عادل، أقيم مقام المصدر، وحقيقته: ذو العدل كقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] ويقال: عدلت الشيء أعدله عدلاً؛ إذا قومتَه، ومنه الاعتدال في الأمور وهو الاستقامة فيها»[1].
وقال ابن القيِّم رحمه الله:
«والعَدْلُ مِنْ أوْصَافِهِ فِي فِعْلِهِ
وَمَقَالِهِ وَالحُكْمِ فِي المِيزانِ
فعلى الصراط المستقيم إلهنا
قولاً وفعلاً ذاك في القرآن»[2].
وقال السعدي رحمه الله: «الذي يحكم بين عباده في الدنيا والآخرة بعدله وقسطه. فلا يظلم مثقال ذرة، ولا يحمِّل أحدًا وزر أحد، ولا يجازي العبد بأكثر من ذنبه، ويؤدي الحقوق إلى أهلها، فلا يدع صاحب حق إلا أوصل إليه حقه، وهو العدل في تدبيره وتقديره»[3].
[1] شأن الدعاء للخطابي (62) [دار الثقافة العربية، ط3، 1412هـ].
[2] الكافية الشافية (3/727 ـ 728) [دار عالم الفوائد، ط1، 1428هـ].
[3] تفسير السعدي (948).
يتعلق بهذه الصفة اسم (العدل) وهو لم يرد بصيغة الاسم؛ وإنما ورد مقيدًا في مثل قوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *} [الأنعام] [1].
[1] انظر: معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى للتميمي (171) [أضواء السلف، ط1، 1419هـ]، وصفات الله عزّ وجل للسقاف (247) [الدرر السنية، ودار الهجرة، ط3، 1426هـ].