حرف العين / العَرْض

           

العَرْضُ: إظهار الشيء وإبرازه، قال ابن منظور: «عَرَضَ الشيء عليه يَعرِضُه عَرْضًا: أراه إياه وعرضت له الشيء؛ أي: أظهرته له وأبرزتُه له»[1].


[1] لسان العرب (7/166، 168) [دار صادر، ط3]، وانظر: مقاييس اللغة (4/269) [دار الفكر، 1399هـ]، والكليات (624) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1413هـ].


العَرْضُ: له معنيان: خاص، وعام.
فمعناه الخاص: الحساب اليسير، وهو المكلف تعرض عليه ذنوبه، ثم يتجاوز له عنها كما فسره النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ومعناه العام: «عَرْضُ الخلائق كلهم على ربهم عزّ وجل بادية له صفحاتهم لا تخفى عليه منهم خافية، وهذا يدخل فيه من يناقش الحساب ومن لا يحاسب»[1].


[1] معارج القبول (2/206) [دار الكتب العلمية، ط1].


الإيمان به واجب؛ لدلالة النصوص على ذلك، وهو أحد أفراد الإيمان باليوم الآخر.



ليس أحد من المكلفين إلا ستعرض صحائفهم على الله تعالى لا يخفى منها شيء، فأما المؤمن فيحاسب حسابًا يسيًرا، وأما الكافر فيحاسب حسابًا عسيرًا.



قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ *فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا *} [الانشقاق] ، وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ *} [الحاقة] ، وقال سبحانه: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا *} [الكهف] .
ومن السُّنَّة: حديث عائشة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك» . فقلت يا رسول الله: أليس قد قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ *فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا *} [الانشقاق] ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما ذلك العرض، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب»[1].


[1] أخرجه البخاري (كتاب الرقاق، رقم 6537)، ومسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم 2876).


قال ابن مسعود: «يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات: عرضتان معاذير وخصومات، والعرضة الثالثة: تطير الصحف في الأيدي»[1].
وقال حافظ الحكمي: «العرض له معنيان؛ معنى عام، وهو عرض الخلائق كلهم على ربهم عزّ وجل... والمعنى الثاني: عرض معاصي المؤمنين عليهم، وتقريرهم بها، وسترها عليهم ومغفرتها لهم»[2].


[1] أخرجه الطبري في تفسيره (23/584) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وسنده صحيح. انظر: تفسير ابن كثير (8/213).
[2] معارج القبول للحكمي (2/822)، وانظر: التذكرة للقرطبي (240)، وشرح العقيدة الطحاوية (412 ـ 413).


العرض الكائن يوم القيامة ثلاثة أنواع[1]:
الأول: عرض عام لجميع الخلائق برهم وفاجرهم أمام الله تعالى، ومن أدلته قوله تعالى: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الكهف: 48] ، وقوله سبحانه: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ *} [الحاقة] .
وقد دلَّ على هذا النوع من العرض أيضًا النصوص المثبتة لحشر العباد في صعيد واحد، ومجيء الرب تعالى وتكليمه إيَّاهم.
الثاني: عرض خاص بالمؤمنين، وهو الحساب اليسير كما مر في الحديث الآنف الذكر، وكما في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم، أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته، وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد: {هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ *}»[2].
الثالث: عرض خاص بالكفار والمنافقين، وهو المناقشة، وهو عرض فضيحة على رؤوس الأشهاد، لا ستر فيه ولا مغفرة، وقد دلَّ على هذا النوع من العرض قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ *} [هود] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وهذا يتناول كل كافر ممن كذَّب على الله بادعاء الرسالة كاذبًا، ويتناول كل من كذب رسولاً صادقًا»[3].


[1] رسائل الآخرة (3/915 ـ 925).
[2] أخرجه البخاري (كتاب المظالم والغصب، رقم 2441)، ومسلم (كتاب التوبة، رقم 2768).
[3] مجموع الفتاوى (15/93) [دار الوفاء، ط3، 1426هـ].


دل الحديث الآنف على أن هناك فرقًا بين العرض والحساب، فالعرض: هو الحساب اليسير، وصاحبه مغفور له وناج بإذن الله تعالى، والحساب: هو المناقشة، وصاحبه غير مغفور له وهالك[1].


[1] معارج القبول (2/206) [دار الكتب العلمية، ط1].


من ثمرات الإيمان بالعرض: أن يحرص العبد على فعل الخيرات، ويجتهد في تحصيل الطاعات، ويبتعد عن المعاصي وعن المهالك؛ لأنه يعلم علم اليقين أنه سيأتي اليوم الذي ستعرض أعماله، وتكشف الصحائف على ما قدمت يداه[1].


[1] انظر: التذكرة للقرطبي (289).


1 ـ «التذكرة»، للقرطبي.
2 ـ «تفسير ابن كثير».
3 ـ «العاقبة في ذكر الموت»، لعبد الحق الإشبيلي.
4 ـ «البعث والنشور»، للبيهقي.
5 ـ «شرح العقيدة الطحاوية»، لابن أبي العز.
6 ـ «شرح العقيدة الواسطية»، للهراس.
7 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
8 ـ «معارج القبول»، لحافظ الحكمي.
9 ـ «البخور الزاخرة في أمور الآخرة»، للسفاريني.
10 ـ «البدور السافرة في أمور الآخرة»، للسيوطي.