العَرْضُ: له معنيان: خاص، وعام.
فمعناه الخاص: الحساب اليسير، وهو المكلف تعرض عليه ذنوبه، ثم يتجاوز له عنها كما فسره النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ومعناه العام: «عَرْضُ الخلائق كلهم على ربهم عزّ وجل بادية له صفحاتهم لا تخفى عليه منهم خافية، وهذا يدخل فيه من يناقش الحساب ومن لا يحاسب»[1].
[1] معارج القبول (2/206) [دار الكتب العلمية، ط1].
قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ *فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا *} [الانشقاق] ، وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ *} [الحاقة] ، وقال سبحانه: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا *} [الكهف] .
ومن السُّنَّة: حديث عائشة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك» . فقلت يا رسول الله: أليس قد قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ *فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا *} [الانشقاق] ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما ذلك العرض، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب»[1].
[1] أخرجه البخاري (كتاب الرقاق، رقم 6537)، ومسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم 2876).
قال ابن مسعود: «يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات: عرضتان معاذير وخصومات، والعرضة الثالثة: تطير الصحف في الأيدي»[1].
وقال حافظ الحكمي: «العرض له معنيان؛ معنى عام، وهو عرض الخلائق كلهم على ربهم عزّ وجل... والمعنى الثاني: عرض معاصي المؤمنين عليهم، وتقريرهم بها، وسترها عليهم ومغفرتها لهم»[2].
[1] أخرجه الطبري في تفسيره (23/584) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وسنده صحيح. انظر: تفسير ابن كثير (8/213).
[2] معارج القبول للحكمي (2/822)، وانظر: التذكرة للقرطبي (240)، وشرح العقيدة الطحاوية (412 ـ 413).
العرض الكائن يوم القيامة ثلاثة أنواع[1]:
الأول: عرض عام لجميع الخلائق برهم وفاجرهم أمام الله تعالى، ومن أدلته قوله تعالى: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الكهف: 48] ، وقوله سبحانه: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ *} [الحاقة] .
وقد دلَّ على هذا النوع من العرض أيضًا النصوص المثبتة لحشر العباد في صعيد واحد، ومجيء الرب تعالى وتكليمه إيَّاهم.
الثاني: عرض خاص بالمؤمنين، وهو الحساب اليسير كما مر في الحديث الآنف الذكر، وكما في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم، أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته، وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد: {هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ *}»[2].
الثالث: عرض خاص بالكفار والمنافقين، وهو المناقشة، وهو عرض فضيحة على رؤوس الأشهاد، لا ستر فيه ولا مغفرة، وقد دلَّ على هذا النوع من العرض قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ *} [هود] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وهذا يتناول كل كافر ممن كذَّب على الله بادعاء الرسالة كاذبًا، ويتناول كل من كذب رسولاً صادقًا»[3].
[1] رسائل الآخرة (3/915 ـ 925).
[2] أخرجه البخاري (كتاب المظالم والغصب، رقم 2441)، ومسلم (كتاب التوبة، رقم 2768).
[3] مجموع الفتاوى (15/93) [دار الوفاء، ط3، 1426هـ].
1 ـ «التذكرة»، للقرطبي.
2 ـ «تفسير ابن كثير».
3 ـ «العاقبة في ذكر الموت»، لعبد الحق الإشبيلي.
4 ـ «البعث والنشور»، للبيهقي.
5 ـ «شرح العقيدة الطحاوية»، لابن أبي العز.
6 ـ «شرح العقيدة الواسطية»، للهراس.
7 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
8 ـ «معارج القبول»، لحافظ الحكمي.
9 ـ «البخور الزاخرة في أمور الآخرة»، للسفاريني.
10 ـ «البدور السافرة في أمور الآخرة»، للسيوطي.