العِصْمَة: مصدر الفِعل الثلاثي المجرَّد (عصمَ)، والعين والصاد والميم أصلٌ واحدٌ صحيحٌ يدلُّ على إمساكٍ ومَنعٍ وملازَمة؛ فالعِصْمَة: المَنع والحِفظ، يُقال: عصمَه الطعام؛ أي: منعه من الجوع، واعتصمَ بالله: امتنعَ بلُطفه من المعصية[1].
[1] انظر: الصحاح (5/1986) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م]، ومقاييس اللغة (4/331) [دار الفكر، ط2، 1418هـ]، والقاموس المحيط (1469) [مؤسسة الرسالة، ط5، 1416هـ].
عِصْمَة الأنبياء: هي حفظ الله لأنبيائه فيما يبلغون عنه، ومن الذنوب والمعاصي، وعدم إقرارهم عليها[1].
وقيل: هي «لُطْف من الله تعالى يحمل النبيَّ على فِعْل الخير، ويزجُره عن الشَّر، مع بقاء الاختيار؛ تحقيقًا للابتلاء والامتحان»[2].
وبعبارة مختصرة: هي«مَلَكة اجتناب المعاصي مع التمكُّن منها»[3]، أو: فِعْل المأمور والحسنات وترك المحذور والسَّيِّئات[4].
والذي يعنينا هنا: الكلام على عِصمتهم عليهم السلام من الخطأ في التشريع، ومن الوقوع في الذُّنوب والمعاصي.
[1] انظر: النبوات لابن تيمية (2/874)، ومجموع الفتاوى له (4/319)، والإرشاد إلى صحيح الاعتقاد للفوزان (188) [دار ابن الجوزي، ط4، 1420هـ].
[2] نسيم الرياض في شرح الشفا للخفاجي (4/39) [دار الكتاب العربي، بيروت]، والكليات للكفوي (645) [مؤسسة الرسالة، ط1]، ودستور العلماء (2/233) [دار الكتب العلمية، ط1، 1421هـ].
[3] التعريفات للجرجاني (195) [دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1405هـ]، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (516) [دار الفكر، بيروت، ط1، 1410هـ]، ودستور العلماء للأحمد نكري (2/233).
[4] انظر: منهاج السُّنَّة النبويَّة (6/406، 7/85) [جامعة الإمام محمد بن سعود، ط1، 1406هـ].
بالعصمة تحفظ الرسالة، فالأنبياء عليهم السلام معصومون فيما يخبرون به عن الله سبحانه وفي تبليغ رسالاته باتفاق الأمة، فالعصمة في تبليغ رسالات الله ضرورية للأنبياء والرسل؛ كي لا يقع الخطأ والغلط في أداء أوامر الله ونواهيه، وأحكام الله وإرشاداته، فيسددون بالوحي ونزول الملائكة عليهم، فما ينطقون عن الهوى، ويجب اتباعهم في كل ما يقولونه ويأمرون به، لسلامتهم من الخطأ، والزلل بخلاف غيرهم[1].
[1] انظر: مجموع الفتاوى (10/289) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، ط1416هـ]، والتصوف: المنشأ والمصادر لإحسان إلهي ظهير (201) [إدارة ترجمان السُّنَّة، لاهور، ط1، 1406هـ].
أما الدَّليل على عصمة الأنبياء عليهم السلام في تبليغ الرِّسالة ـ زيادةً على الإجماع ـ فقول الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى *} [النجم] ، وقوله عزّ وجل: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى *إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى *} [الأعلى] ، وقوله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ *لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ *ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ *فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ *} [الحاقة] ؛ وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئًا فخذوا به؛ فإنِّي لن أكذب على الله عزّ وجل»[1].
[1] أخرجه مسلم (كتاب الفضائل، رقم 2361).
قال ابن تيمية: «الأنبياء صلوات الله عليهم معصومون فيما يخبرون به عن الله سبحانه وفي تبليغ رسالاته باتفاق الأمة؛ ولهذا وجب الإيمان بكل ما أوتوه وهذه العصمة الثابتة للأنبياء هي التي يحصل بها مقصود النّبوة والرسالة والعصمة فيما يبلغونه عن الله ثابتة؛ فلا يستقرّ في ذلك خطأ باتفاق المسلمين»[1].
وقال الذهبي: «اتفقوا على عصمتهم فيما يبلغونه وهو مقصود الرسالة، وقد يقع منهم الذنب ولا يقرون عليه ولا يقرون على خطأ ولا فسق أصلاً فهم منزهون عن كل ما يقدح في نبوتهم. وعامة الجمهور الذين يجوزون عليهم الصغائر يقولون إنهم معصومون من الإقرار عليها»[2].
وقال ابن باز: «قد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ـ ولا سيما محمد صلّى الله عليه وسلّم ـ معصومون من الخطأ فيما يبلغونه عن الله عزّ وجل، قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى *مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى *وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى *عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى *} [النجم] ، فنبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم معصوم في كل ما يبلغ عن الله قولاً وعملاً وتقريرًا، هذا لا نزاع فيه بين أهل العلم»[3].
[1] مجموع الفتاوى (10/289)، وانظر: منهاج السُّنَّة النبويَّة (1/470).
[2] المنتقى من منهاج الاعتدال (50).
[3] مجموع فتاوى ابن باز (6/271).
المسألة الأولى: العصمة قبل النبوة:
اختلف العلماء في وقت عصمة الأنبياء عليهم السلام؛ أكانت قبل نبوّتهم أيضًا أم اختصّت بوقت النبوة فحسب[1]؟ والصحيح ـ والله أعلم ـ: أنهم كانوا معصومين من الكفر قبل النبوة ـ كما هو مذهب كثير من أهل السُّنَّة ـ، ومن الجهل بالله وصفاته والتشكّك في شيء من ذلك، وكانوا منزهين أيضًا من كلّ عيب، ومعصومين مما يوجب الريب.
المسألة الثانية: العصمة من الذنوب:
الأنبياء عليهم السلام ـ على الصحيح، وهو قول أكثر علماء الإسلام ـ معصومون من الوقوع في الكبائر دون الصَّغائر والخطإ والنِّسيان والسَّهو التي لا تعلق لها بالتبليغ؛ فيجوز وقوعها منهم، لكنهم لا يصرون ولا يقرُّون عليها؛ بل يتداركون ذلك بالتوبة والاستغفار وصدق الإنابة إلى الله تعالى، فينالون بذلك أعلى الدّرجات، ولم يذكر الله تعالى في كتابه عن نبي من الأنبياء ذنبًا إلا ذكر توبته معه؛ لينزهه عن النقص والعيب. إلا أنَّ وقوع تلك الصَّغائر منهم ليس ممَّا يزري بمناصبهم ومكانتهم ومراتبهم السَّامية العلية، أو يوهم انتقاصهم؛ بل هذه الذُّنوب التي وقعت منهم وعوتبوا عليها يخف أمرها بالنِّسبة إلى غيرهم، وإنَّما عددت عليهم وعوتبوا عليها بالنِّسبة إلى مناصبهم وعلو أقدارهم، ثم إنَّ الله تعالى قد تاب عليهم وغفر لهم وتجاوز عنهم، وطهَّرهم منها؛ فلا يكون وقوع الذَّنب منهم نقصًا بحال وقد تابوا منه.
وليس في وقوعها منهم منافاة للاقتداء بهم، فالأمر بالاقتداء بهم لا يستلزم أن تكون أفعالهم كلّها طاعة؛ وإنَّما يكون الاقتداء بهم في فعل الطَّاعات وما يقرّون عليه، وفي المسارعة إلى التوبة من صغائر السّيّئات والإنابة إلى ربّ البريّات سبحانه وتعالى.
ومن الأدلة على جواز وقوع ذلك منهم ومسارعتهم إلى التوبة قوله تعالى عن آدم عليه السلام: {فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سُوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى *ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى *} [طه] ، وقوله عن نوح عليه السلام: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ *} [هود] ، وقوله عن إبراهيم عليه السلام: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ *} [الشعراء] ، وقول عن موسىعليه السلام: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ *} [القصص] ، وقوله عنه أيضًا: {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ *} [الأعراف] ، والآيات في هذا الباب كثيرة.
وفي «الصحيحين» أنَّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنَّما أنا بشر مثلكم؛ أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكّروني» [2]، وكان صلّى الله عليه وسلّم يدعو بهذا الدعاء: «اللَّهُمَّ اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني. اللَّهُمَّ اغفر لي جِدّي وهزلي وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي. اللَّهُمَّ اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به منّي؛ أنت المقدّم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير»[3].
فهذه الأدلة ـ وغيرها كثير ـ فيها رد على من استعظم وقوع الذّنوب من الأنبياء بحجَّة أنَّ هذا ينافي الكمال والاقتداء بهم، وقد قدمنا: أنَّه ليس في هذا انتقاص لهم أو إزراء بمراتبهم السامية؛ لأنَّ الله تعالى قد تاب عليهم وغفر لهم وتجاوز عنهم، وطهرهم من تلك الذنوب[4].
المسألة الثالثة: العصمة في تبليغ الشريعة:
حقيقة الإيمان بعصمة الأنبياء: أنه يجب على المسلم أن يعتقد أنَّ الأنبياء عليهم السلام معصومون فيما يخبرون به عن الله عزّ وجل وفي تبليغ رسالاته باتفاق المسلمين[5]، فلا يستقر في ذلك خطأ، ولا يخبرون بشيء من الوحي بخلاف ما هو به ـ لا قصدًا وعمدًا ولا سهوًا وغلطًا ـ، ولا يكتمون شيئًا ممّا أمروا بتبليغه من الوحي أو يكذبون فيه أو ينسونه أو يقصّرون في بلاغه؛ لأنَّ هذه العصمة هي التي يحصل بها مقصود النّبوّة والرّسالة والبعثة، ونفيها عنهم يناقض مقصود الرّسالة ومدلول المعجزة.
المسألة الرابعة: العصمة خاصة بالأنبياء لا يشاركهم فيها أحد:
يعتقد المسلم أنَّ عصمة الأنبياء الثابتة لهم لا يشاركهم فيها أحد من البشر مطلقًا؛ فهي من خصائصهم التي اختصّوا بها عن سائر البشر[6].
المسألة الخامسة: عصمة غير الأنبياء:
اختلف العلماء في عصمة الملائكة، بعد إجماعهم على أنَّ حكم المرسلين من الملائكة كحكم الأنبياء في العصمة. والصَّواب: عصمة جميعهم، وتنزيه مناصبهم عن جميع ما يحطّ من رتبتهم ومنزلتهم عن جليل مقدارِهم؛ لقول الله عزّ وجل عنهم: {لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ *} [التحريم] ، وقوله سبحانه: {وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ *} [الأنبياء] ، وغير ذلك من الأدلَّة[7].
[1] انظر في هذه المسألة: الشِّفا للقاضي عياض (2/719، 793)، وتفسير آيات أشكلت لابن تيميَّة (1/181، 230) [مكتبة الرشد، ط1]، ومجموع الفتاوى له (10/309)، ولوامع الأنوار البهيَّة للسَّفاريني (2/304).
[2] أخرجه البخاري (كتاب الصَّلاة، رقم 401)، ومسلم (كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم 572)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، في قصَّة سَهْوه صلّى الله عليه وسلّم في الصَّلاة.
[3] أخرجه البخاري (كتاب الدعوات، رقم 6398)، ومسلم (كتاب الذِّكْر والدُّعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2719)، واللفظ له.
[4] انظر: الشِّفا للقاضي عياض (2/746)، والمُفهِم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي (1/434)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/308) [دار إحياء التراث العربي، 1405هـ]، وإرشاد الفحول للشوكاني (1/98) [دار الكتاب العربي،، ط1، 1419هـ].
[5] انظر في هذا الإجماع: الشِّفا للقاضي عياض (2/746) [طبعة عيسى البابي الحلبي]، والمُفهِم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (1/434) [دار ابن كثير ودار الكلم الطيِّب، دمشق، ط1، 1417هـ]، ومجموع الفتاوى (10/289، 15/148، 18/7)، ومنهاج السُّنَّة النبويَّة (1/470، 2/396، 3/372)، ومختصر الفتاوى المصريَّة للبعلي الحنبلي (99) [مطبعة المدني، ط1، 1405هـ].
[6] انظر: الشِّفا للقاضي عياض (2/746، 784)، والجامع لأحكام القرآن (1/308، 11/255)، وشرح صحيح مسلم النووي (3/53) [دار إحياء التراث العربي، ط2، 1392هـ]، ومجموع الفتاوى (4/319، 10/289، 309، 15/147، 18/7، 20/88، 35/100)، ومنهاج السُّنَّة النبويَّة (1/470، 2/396، 407، 410، 411، 3/372)، وجامع الرَّسائل لابن تيميَّة (1/276)، والرَّسُل والرِّسالات للأشقر (97) [دار النفائس، ط12].
[7] انظر في هذه المسألة: الشِّفا للقاضي عياض (2/851)، والحبائك في أخبار الملائك (252) [دار الكتب العلمية، ط2]، وسُبُل الهُدى والرَّشاد للصالحي (11/495) [دار الكتب العلمية، ط1، 1414هـ].
غلا الشّيعة الإماميّة الاثنا عشريّة في عصمة الأنبياء، وأشركوا أئمّتهم في هذه العصمة؛ فزعموا عصمة الأنبياء والأئمّة من الذّنوب صغيرها وكبيرها؛ فلا يقع منهم ذنب أصلاً، لا عمدًا ولا نسيانًا، لا قبل النّبوّة والإمامة ولا بعدهما[1]!
ودعاهم القول بعصمة الأئمّة إلى القول بقيام الأئمّة مقام النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في النّبوة والححة؛ لأنّ المعصوم واجب الاتباع مطلقًا؛ وجرّهم هذا إلى ادّعاء نزول الوحي بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على فاطمة وأئمّتهم، وكلام الملائكة لهم بهذا الوحي[2].
وهذا في حقيته قدح وخدش في عقيدة ختم النّبوة واختصاص نبيِّنا صلّى الله عليه وسلّم بها، فضلاً عن كونه كفرًا لا يمتري فيه أحد.
ونجد أيضًا أن الصوفية يعتقدون في أوليائهم ما يعتقد الشيعة في أئمتهم من تأليههم، وجعلهم أنبياء أو كالأنبياء، معصومين. قال ابن عربي: «وأما صور تلقيات الموحدين الخطابية: فهو أن تنبعث اللطفية الإنسانية مجردة عن الفكر طالبة ما لا تعلم منه إلا نسبة الوجود إليه بتقييدها به، فإذا نزل هذا العقل بحضرة من الحضرات نزل إليه بحكم التدلي أو برز له أو ظهر له اسم من الأسماء الحسنى بما فيه من الأسرار، فيهبه بحسب تجريده وصحة قصده وعصمته في طريقه، فيرجع إلى عالم كونه عالمًا بما ألقي إليه من علم ربه بربه، أو من علم ربه بضرب من كونه، ثم ينزل نزولاً آخر، هكذا أبدًا، {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأحقاف: 9] ، وهو خير البشر وأكثرهم عقلاً وأصحهم فكرة وروية فأين الفكر هنا؟ هيهات! تلف أصحاب الأفكار والقائلون باكتساب النبوة والولاية، كيف لهم ذلك والنبوة والولاية مقامان وراء طور العقل ليس للعقل فيهما كسب بل هما اختصاصان من الله تعالى لمن شاء»[3].
فاستعمل شيخ الصوفية الأكبر العصمة للأنبياء والأولياء، وسوّى بينهما، ولم ير الفرق في كونهما مصطفين مختارين من قبل الله عزّ وجل، ومنزلتهما ومكانتهما لا تدركان بالعقل، ومنصبهما لا يكتسب.
وقال في مقام آخر: «إن من شرط الإمام الباطن (يعني: الولي) أن يكون معصومًا، وليس الظاهر إن كان غيره مقام العصمة»[4].
وبمثل ذلك قال أبو الحسن الشاذلي: «إن من خواص القطب إمداد الله له بالرحمة والعصمة والخلافة والنيابة»[5].
[1] انظر: بحار الأنوار للمجلسي (25/211، 350) [دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3]، ومرآة العقول له (4/352) [طبعة إيران، 1325هـ]. ولمزيد من التفصيل راجع: أصول مذهب الشِّيعة للقفاري (2/775).
[2] انظر: أصول الكافي للكليني (1/176، 271، 240) [دار الكتب الإسلامية، طهران، ط3، 1388هـ]، وبحار الأنوار للمجلسي (17/155، 26/44، 68، 73، 54/237)، وبصائر الدَّرجات الكبرى للصَّفَّار (43، 93) [المختصر، طبعة النجف، 1370هـ]، والشِّفا للقاضي عياض (2/1070). ولمزيد من التفصيل راجع: أصول مذهب الشيعة للقفاري (1/310، 2/586، 612، 623)، وعقيدة خَتم النُّبوَّة للغامدي (143).
[3] كتاب التراجم لابن عربي من مجموعة رسائله (4). نقلاً عن كتاب التصوف لإحسان إلهي ظهير (201).
[4] الفتوحات المكية لابن عربي (3/183).
[5] كتاب القصد للشاذلي نقلاً عن كتاب الصلة بين التصوف والتشيع (1/417).
1 ـ «إرشاد الفحول» (ج1)، للشوكاني.
2 ـ «تلخيص كتاب الاستغاثة» (ج1)، لابن كثير.
3 ـ «جامع الرَّسائل» (ج1)، لابن تيميَّة.
4 ـ «الرُّسُل والرِّسالات»، لعمر الأشقر.
5 ـ «الشِّفا» (ج2)، للقاضي عياض.
6 ـ «لوامع الأنوار البهيَّة» (ج2)، للسَّفاريني.
7 ـ «مجموع الفتاوى» (ج4، 10، 15، 18، 20، 35)، لابن تيميَّة.
8 ـ «مختصر الفتاوى المصريَّة»، للبعلي الحنبلي.
9 ـ «منهاج السُّنَّة النبويَّة»، لابن تيمية.
10 ـ «النبوات» (ج2)، لابن تيمية.