العقيدة في اللغة: مشتقة من العَقْد وهو نقيض الحَلِّ، يقال: عَقَدَه يَعْقِدُه عَقْدًا؛ إذا ربطه بقوة، ومنه الإحكام والإبرام والتوثيق، ومنه عقد اليمين.
قال ابن منظور: «العَقْد نقيض الحَلِّ. عَقَدَه يَعْقِدُه عَقْدًا وتَعْقادًا وعَقَّده، وعَقَدَ قَلْبه على الشيء: لَزِمَه»[1]. وقال ابن فارس: «العين والقاف والدال أصل واحد يدل على شدٍّ وشدَّة وثوق، إليه ترجع فروع الباب كلها»[2]. وقال الفيومي: «اعْتَقَدْتُ كذا: عَقَدْتُ عليه القلب والضمير، حتى قيل: العَقِيدَةُ ما يدين الإنسان به، وله عَقِيدَةٌ حسنة سالمة من الشكّ»[3].
[1] لسان العرب (3/296 ـ 298).
[2] مقاييس اللغة (4/86).
[3] المصباح المنير (2/575)، وانظر: مفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهاني (576) [دار القلم، ط2، 1418هـ].
تطلق العقيدة في الاصطلاح الخاص الإسلامي ويراد بها: الإيمان الجازم بالله تعالى، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وبكل ما جاء في القرآن الكريم، والسُّنَّة الصحيحة من أصول الدين، وأمور الغيب، وأخباره[1].
ومن أقوال العلماء في تعريف العقيدة ما يلي:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «فإن الاعتقاد هو الكلمة التي يعتقدها المرء»[2].
ـ وقال الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله: «هي تصميم القلب والاعتقاد الجازم الذي لا يخالطه شك في المطالب الإلهية[3]، والنبوات، وأمور المعاد، وغيرها مما يجب الإيمان به»[4].
[1] انظر: تسهيل العقيدة الإسلامية لابن جبرين (1) [دار العصيمي، ط2].
[2] مجموع الفتاوى (4/74).
[3] المقصود بالمطالب الإلهية: الإيمان بالله في ربوبيته وألوهيته، والإيمان بأسمائه وصفاته وغير ذلك مما يجب الإيمان به.
[4] العقيدة الإسلامية وتاريخها ضمن رسائل الجامي في العقيدة والسُّنَّة (13) [دار ابن رجب، طبعة عام: 1414هـ].
يجب أن يتدين كل عبد بعقيدة الإسلام القائمة على الإيمان الجازم بالله تعالى، وبما يجب له من التوحيد والإيمان بملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وبما يتفرع عن هذه الأصول ويلحق بها مما هو من أصول الإيمان. فالعقيدة الإسلامية هي دينُ الله الحقّ الذي رضيَه دينًا لعبادِه أجمعين ولن يقبل من عباده دينًا سواه. قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ *} [آل عمران] .
العقيدة الصحيحة هي التي تصحح الأخلاق، وتحمي الإنسان من الانزلاق، وليس ذلك إلا في العقيدة الإسلامية؛ عقيدة السلف أهل السُّنَّة والجماعة أصحاب الحديث.
فالعقيدة هي السُّنَّة، وهي الإيمان الجازم بالله تعالى، وبما يجب له من التوحيد والإيمان بملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وبما يتفرع عن هذه الأصول ويلحق بها مما هو من أصول الإيمان، وأكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا؛ فإذا صحت العقيدة، حسنت الأخلاق تبعًا لذلك؛ فالعقيدة الصحيحة (عقيدة السلف) عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة التي تحمل صاحبها على مكارم الأخلاق، وتردعه عن مساوئها.
1 ـ أن جميع الرسل أرسلوا بالدعوة للعقيدة الصحيحة؛ قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ *} [الأنبياء] .
2 ـ أن تحقيق العقيدة الصحيحة وإفراد الله بالعبادة هو الغاية الأولى من خلق الإنس والجن؛ قال سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ *} [الذاريات] .
3 ـ أن قبول الأعمال متوقف على صحة اعتقاد العبد، فإذا فسدت العقيدة وانحرف صاحبها عن الحق، فقد ترد عليه سائر أعماله.
4 ـ أن العقيدة تحدد العلاقة بين العبد وخالقه، في معرفته وتوحيده وعبادته.
قال ابن عثيمين رحمه الله: «أما العقيدة الإسلامية فأسسها الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وقد دلَّ على هذه الأسس كتاب الله وسُنَّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم»[1].
ـ وقال الفوزان: «العقيدة الإسلامية هي التي بعث الله بها رسله، وأنزل بها كتبه، وأوجبها على جميع خلقه الجن والإنس، فكل الرسل جاؤوا بالدعوة إلى هذه العقيدة، وكل الكتب الإلهية نزلت لبيانها وبيان ما يبطلها ويناقضها أو ينقصها، وكل المكلفين من الخلق أُمِروا بها، وإن ما كان هذا شأنه وأهميته لجدير بالعناية والبحث والتعرف عليه قبل كل شيء، خصوصًا وأن هذه العقيدة تتوقف عليها سعادة البشرية في الدنيا والآخرة»[2].
[1] رسائل في العقيدة لابن عثيمين (11).
[2] الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد (9) [دار ابن الجوزي، ط4، 1420هـ].
المسألة الأولى: موضوعات علم العقيدة:
علم العقيدة: بمفهوم أهل السُّنَّة والجماعة اسم عَلَم على العِلْم الذي يُدرس ويَتَناول جوانب التوحيد، والإيمان، والإسلام، وأمور الغيب، والنبوات، والقدر، والأخبار، وأصول الأحكام القطعية، وما أجمع عليه السلف الصالح من أمور العقيدة؛ كالولاء والبراء، والواجب تجاه الصحابة، وأمهات المؤمنين ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ، ويدخل في ذلك الرد على الكفار، والمبتدعة، وأهل الأهواء، وسائر الملل والنحل، والمذاهب الهدامة، والفِرَق الضالَّة، والموقف منهم، إلى غير ذلك من مباحث العقيدة.
المسألة الثانية: منهج تلقي العقيدة الإسلامية:
العقيدة الإسلامية الصحيحة قائمة على منهج متميز في الاستدلال والتلقي، وهو منهج السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان، من أئمة العلم والهدى، ويقوم ذلك على الأسس التالية:
1 ـ الاقتصار في منهج تلقي العقيدة على الوحي:
وذلك بالاعتماد على الكتاب والسُّنَّة، والاعتصام بهما، في الاعتقاد والعمل، كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً *} [النساء] .
2 ـ التسليم لما جاء به الوحي، مع إعطاء العقل مكانه في الفهم والتدبر:
لما كانت العقيدة مبنية على التسليم لما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلّى الله عليه وسلّم كانت وظيفة العقل هي التدبر في نصوص الوحي، والامتثال لما جاءت به من الأمر والنهي، دون معارضة للنصوص، إذ العقل السليم لا يمكن بأي وجه من الوجوه أن يعارض النص الصريح.
المسألة الثالثة: عدم التفريق بين الكتاب والسُّنَّة في الاستدلال على العقيدة:
القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية كلاهما وحي من عند الله تعالى، فلا يجوز التفريق بينهما في الاستدلال، وقد بيَّن الله تعالى أن كلام النبي صلّى الله عليه وسلّم وحي كالقرآن الكريم، فقال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى *} [النجم] ، كما لا يجوز التفريق بين نصوص السُّنَّة النبوية في الاستدلال على العقيدة بالأخذ بالمتواتر دون الآحاد، فلم يكن ذلك معروفًا عند السلف؛ بل كانوا يعتقدون ويعملون بكل ما صح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسُنَّته صلّى الله عليه وسلّم كلها حجة بنفسها في جميع مسائل الدين.
المسألة الرابعة: صحة فهم النصوص والاعتماد على فهم الصحابة رضي الله عنهم:
لا شك أن فهم نصوص الوحي ركيزة أساسية في صحة الاستدلال بها على مسائل الاعتقاد، وذلك بالأخذ بظواهرها الواضحة وترك التأويل المذموم، والاعتماد في ذلك على فهم الصحابة رضي الله عنهم حيث أخذوا بظواهر النصوص واعتقدوا ما دلَّت عليه، ولم يسلكوا مسلك التأويل ولا التفويض؛ بل سلكوا في ذلك مسلك الإيمان والتسليم بكل ما جاءت به النصوص، وهم الذين عايشوا الوحي، وصحبوا النبي صلّى الله عليه وسلّم فلم يؤثر عنهم الأخذ بمسالك الضلال، كما هي طريقة أهل الكلام.
المسألة الخامسة: خصائص العقيدة الإسلامية:
من أبرز خصائص عقيدة أهل السُّنَّة ما يلي:
1 ـ ربانية المصدر: فهي وحي من عند الله عزّ وجل، قال تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ *} [البقرة] ، وقال أيضًا على لسان نبيه: {قُلْ لاَ أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام: 50] .
2 ـ موافقة الفطرة: فهي منسجمة مع الفطرة السليمة؛ بل هي أصل الفطر، وهذا ما دلَّ عليه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة؛ فأبواه يهوِّدانه، أو ينصِّرانه، أو يمجِّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟» [1]، ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30] .
3 ـ اليسر والوضوح والسهولة: إذ يستطيع أن يفهمها الناس على اختلاف مستوياتهم العقلية والثقافية والاجتماعية.
4 ـ الإيجابية: فهي تتجاوب مع رغبات الإنسان وطموحاته، فهي معه لتحقيق هذه الرغبات بالطرق السليمة.
5 ـ الشمولية والتوازن: تمتاز العقيدة الإسلامية بنظرتها الشمولية للكون والإنسان والحياة؛ فهي قد عرفت الإنسان تعريفًا كاملاً من بدايته إلى مستقره، وتطرقت إلى أمور الحياة سواء في الدنيا أو في الآخرة، وما يترتب على الإنسان في كلتا الحياتين، ووازنت بين كل هذه المراحل موازنة دقيقة.
6 ـ الثبات: إن العقيدة الإسلامية ليست نظريات صاغها البشر، ولكنها من عند الله، وثباتها هذا لا يعني تجميد النشاط الإنساني، وإنما يعني الالتزام بمقاييس ثابتة، يقاس نشاط البشر بها، وفي حقائق الإسلام الثابتة يستطيع الإنسان أن يتحرك ويرتقي، ويطور من وسائل معيشته.
7 ـ الوسطية: تمتاز العقيدة الإسلامية بكونها وسطًا بين الغلو والجفاء، والإفراط والتفريط، والزيادة والنقصان وأهلها أهل وسطية واعتدال، فهم الوسط في فرق الأمة، كما أن هذه الأمة هي الوسط في الأمم، قال الله عزّ وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] .
8 ـ الواقعية: فهي ليست عقيدة خيالية؛ بل تتماشى مع واقع الإنسان ومتطلبات وجوده، فهي ليست من باب الخيال الذي يصعب تطبيقه؛ بل قال الله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] .
9 ـ عقيدة مبرهنة: فهي لا تكتفي بمخاطبة أتباعها مخاطبة إلزامية؛ بل تتبع قضاياها بالحجة والبراهين العقلية والنقلية[2].
[1] أخرجه البخاري (كتاب الجنائز، رقم 1358)، ومسلم (كتاب القدر، رقم 2658).
[2] انظر: دراسات في العقيدة الإسلامية (17).
الفرق بين العقيدة والشريعة:
لا بد في كل دين من شيئين: العقيدة والشريعة، أو المعبود والعبادة، والدين الإسلامي ينقسم إلى: عقيدة وشريعة.
فأما العقيدة فيراد بها الأمور التي تصدق بها النفوس، وتطمئن إليها القلوب وتكون يقينًا عند أصحابها لا شك فيها ولا ريب.
وأما الشريعة فتعني التكاليف العملية التي دعا إليها الإسلام؛ كالصلاة والزكاة والصيام وبر الوالدين وغيرها، ولا بد في كل دين وطاعة ومحبة من شيئين؛ أحدهما: الدين المحبوب المطاع، وهو المقصود المراد، والثاني: نفس صورة العمل التي تطاع ويعبد بها، وهو السبيل والطريق والشريعة والمنهاج والوسيلة[1].
[1] يُنظر: جامع المسائل لابن تيمية (2/226) [عالم الفوائد، ط1]، وقاعدة في المحبة له (40) [مكتبة التراث الإسلامي، مصر].
1 ـ «الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد»، للفوزان.
2 ـ «بحوث في عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة»، لناصر العقل.
3 ـ «حراسة العقيدة»، لناصر العقل.
4 ـ «رسائل في العقيدة»، لابن عثيمين.
5 ـ «العقيدة الصحيحة وما يضادها»، لابن باز.
6 ـ «عقيدة المسلمين والرد على الملحدين والمبتدعين»، لصالح البليهي.
7 ـ «العقيدة في الله»، لعمر الأشقر.
8 ـ «محاضرات في العقيدة والدعوة»، للفوزان.
9 ـ «المدخل إلى الثقافة الإسلامية»، لخالد القاسم وآخرين.
10 ـ «منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السُّنَّة والجماعة»، لعثمان بن علي حسن.