حرف العين / علم الحروف

           

علم : قال ابن فارس رحمه الله: «العين واللام والميم أصل صحيح واحد يدل على أثر بالشيء، يتميز به عن غيره، من ذلك العلامة وهي معروفة»[1].
والعِلم : نقيض الجهل، وهو بمعنى المعرفة، يقال: عَلِم عِلمًا وعلم هو نفسه، وعلمت الشيء: عرفته، والعِلم قياسه قياس العَلَم والعلامة، ويقال: تعلمت الشيء: إذا أخذت علمه، والباب كله قياس واحد[2].
الحروف : قال ابن فارس رحمه الله: «الحاء والراء والفاء ثلاثة أصول: حدُّ الشيء، والعدول، وتقدير الشيء»[3].
الحروف : جمع حرف، والحرف من كل شيء طرفه وشفيره، وحدّه، والحرف: واحد حروف التهجي، وعند النحاة: ما جاء لمعنى وليس باسم ولا فعل، ويطلق الحرف على اللغة، والوجه، والطريقة، كما يقال: نزل القرآن على سبعة أحرف؛ أي: على سبع لغات من لغات العرب[4].


[1] مقاييس اللغة (4/109) [دار الجيل، ط1420هـ].
[2] انظر: الصحاح (5/1990) [دار العلم للملايين، ط3]، ومقاييس اللغة (4/109)، ولسان العرب (9/371) [دار إحياء التراث العربي، ط3، 1419هـ]، وترتيب القاموس المحيط (3/301) [دار عالم الكتب، ط4، 1417هـ].
[3] مقاييس اللغة (2/42).
[4] انظر: الصحاح (4/1342)، ومقاييس اللغة لابن فارس (3/450)، ولسان العرب (3/127)، وترتيب القاموس المحيط (1/622).


هو نوع من أنواع الكهانة، وهو كتابة أبي جاد وتقطيع حروف (أبجد هوز حطي كلمن) وتعلمها لمن يدعي بها علم الغيب[1].
وقيل: هو علم باحث عن خواص الحروف إفرادًا وتركيبًا، وموضوعه الحروف الهجائية، ومادته الأوفاق[2] والتراكيب، وحقيقته التنجيم، ودعوى علم الغيب، وقيل: هو من تفاريع علم السيمياء أحد أنواع علم السحر والشعوذة[3].


[1] انظر: تيسير العزيز الحميد (2/735 ـ 736) [دار الصميعي، ط1، 428هـ]، وفتح المجيد (338) [دار ابن الأثير، ط15، 1434هـ]، وحاشية ابن قاسم على كتاب التوحيد (207) [ط5، 1424هـ].
[2] الأوفاق: نوع من أنواع السحر، وهي ترجع إلى مناسبات الأعداد على شكل مخصوص مربع، وحقيقتها دعوى منازعة الرب تعالى فيما لا يقدر إليه إلا هو. انظر لمعرفة طريقته: الفروق للقرافي (4/137) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1429هـ].
[3] انظر: الفروق للقرافي (4/137)، وكشف الظنون لحاجي خليفة (1/650 ـ 651) [دار إحياء التراث العربي].


من أسمائه : حروف أبي جاد، وعلم أسرار الحروف، وعلم خواص الحروف، وعلم الخواص الروحانية من الأوفاق، وعلم التصريف بالحروف والأسماء، وعلم الحروف النورانية والظلمانية، وعلم التصرف بالاسم الأعظم، وعلم الكسر والبسط، وعلم الجفر[1] والجامعة، وتارة يسمى علم السيمياء، وكلها من العلوم المحظورة شرعًا[2].


[1] الجفر: كتاب ينسبه الرافضة إلى جعفر الصادق كذبًا وزورًا، يستخدم فيه أسرار الحروف ومعرفة أحداث المستقبل. انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (35/183) [مجمع الملك لطباعة المصحف، ط2، 1425هـ]، والتنجيم والمنجمون للمشعبي (312) [مكتبة الصديق، ط1].
[2] انظر: الفروق للقرافي (4/248)، وكشف الظنون لحاجي خليفة (1/14).


علم الحروف وهو ما يسمى بحروف أبي جاد على قسمين[1]:
أحدها: وهو ما كان من علوم السحر، وضربًا من ضروبه، وهو كتابة أبي جاد كتابة مربوطة بسير النجوم، وحركتها، وطلوعها، وغروبها، والاستدلال بها على الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله تعالى، ونحو ذلك، فهذا محرم، بل هو شرك وكفر بالله.
الثاني: وهو ما كان من باب الحساب، أو التأريخ، وما أشبهه، فهذا مباح، ولا بأس به، وما زال الناس يؤرخون بها.
قال سليمان بن عبد الله: «وكتابة أبي جاد وتعلمها لمن يدّعي معرفة علم الغيب هو الذي يُسمَّى علم الحرف، ولبعض المبتدعة فيه مصنف، فأما تعلمها للتهجي وحساب الجُمل فلا بأس بذلك»[2].


[1] انظر: القول المفيد لابن عثيمين (1/548 ـ 549) [دار ابن الجوزي، ط2، 1423هـ].
[2] تيسير العزيز الحميد (2/735 ـ 736) [دار الصميعي، ط1، 1428هـ]


حقيقة علم الحروف : هي نوع من أنواع الكهانة، والتنجيم، وتتضمن دعوى علم الغيب، وطريقته: أن السحرة أو الكهان يكتبون الحروف الأبجدية، ويجعلون لكل حرف منها قدرًا من العدد معلومًا عندهم، ويجرون على أسماء الآدميين والأزمنة والأمكنة وغيرها، ثم يجرون على هذه الأعداد عملية حسابية من جمع وطرح بطريقة ما، وينسب العدد الباقي إلى الأبراج الاثني عشر، ثم يقضون بالنحوس والسعود، وبأوقات الحوادث والملاحم، وبمدد الملك وأعمار الناس، إلى آخر ذلك من أمور الغيب التي استأثر الله بها عن جميع خلقه[1].


[1] انظر: معارج القبول (2/7 ـ 1 ـ 702) [دار ابن الجوزي، ط6، 1430هـ]، والتمهيد لشرح كتاب التوحيد لصالح آل الشيخ (325) [دار التوحيد، ط1، 1424هـ].


قال تعالى: {قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ *} [النمل] .
عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له»[1].
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «إن قومًا يحسبون أبا جاد وينظرون في النجوم، ولا أرى لمن فعل ذلك من خلاق»[2].


[1] أخرجه البزار في مسنده (9/52) [مكتبة العلوم والحكم، ط1، 1418هـ]، والطبراني في الكبير (18/162) [مكتبة ابن تيمية، ط2]، وأشار إلى ضعفه ابن الملقن في البدر المنير (8/518) [دار الهجرة، ط1]، لكن ذكر له الألباني شاهدين، وقواه بهما. انظر: السلسلة الصحيحة (5/228) [مكتبة المعارف، ط1، 1416هـ].
[2] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (جامع معمر، رقم 19805)، والبيهقي في السنن الكبرى (كتاب القسامة، رقم 16514).


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «فإذا كان المسلمون باتفاق كل ذي عقل؛ أَوْلَى أهل الملل بالعلم، والعقل، والعدل، وأمثال ذلك، مما يناسب عندهم آثار المشتري، والنصارى أبعد عن ذلك، وأَوْلى باللهو، واللعب، وما يناسب عندهم آثار الزهرة، كان ما ذكروه ظاهر الفساد، ولهذا لا تزال أحكامه كاذبة متهافتة، حتى إن كبير الفلاسفة الذي يسمونه: فيلسوف الإسلام يعقوب بن إسحاق الكندي عمل تسييرًا لهذه الملة، زعم أنها تنقضي ثلاث وتسعين وستمائة، وأخذ ذلك منه من أخرج مخرج الاستخراج، من حروف كلام ظهر في الكشف لبعض من أعاده، ووافقهم على ذلك من زعم أنه استخرج بقاء هذه الملة من حساب الجمل، الذي للحروف التي في أوائل السور، وهي مع حذف التكرير أربعة عشر حرفًا، وحسابها في الجملة الكثير ستمائة وثلاثة وتسعون. فهذه الأمور التي توجد في ضلال اليهود والنصارى، وضلال المشركين، والصابئين من المتفلسفين، والمنجمين: مشتملة من هذا الباطل على ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وهذه الأمور وأشباهها خارجة عن دين الإسلام محرمة فيه، فيجب إنكارها، والنهي عنها على المسلمين على كل قادر بالعلم والبيان، واليد واللسان، فإن ذلك من أعظم ما أوجبه الله من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهؤلاء وأشباههم أعداء الرسل، وسوس الملل»[1].
وقال عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله: «كتابة أبي جاد وتعلمها لمن يدّعي بها علم الغيب هو الذي جاء فيه الوعيد، وهو الذي يسمى علم الحروف، فيقطعون حروف (أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظع)، فيجعلون الألف واحدًا، والباء اثنين إلى نهاية الحرف العاشر، ثم يبدؤون بالكاف عشرة، واللام عشرين، وهكذا إلى الشين مائتين، إلى أن تتم هذه الحروف، وأما تعلمها للتهجي، وحساب الجمل فلا بأس به»[2].
وقال حافظ الحكمي: «ومنها ـ أي من أنواع السحر والتنجيم ـ: ما يفعله من يكتب حروف أبي جاد، ويجعل لكل حرف منها قدرًا معلومًا، ويجري على ذلك أسماء الآدميين، والأزمنة، والأمكنة، وغيرها، ويجمع جمعًا معروفًا عنده، ويطرح طرحًا خاصًّا، ويثبت إثباتًا خاصًّا، وينسبه إلى الأبراج الاثني عشر المعروفة عند أهل الحساب، ثم يحكم على تلك القواعد بالسعود والنحوس، وغيرها، مما يوحيه إليه الشيطان وهذا الكاذب المفتري يدّعي علم ما استأثر الله بعلمه، ويدّعي أنه يدركه بصناعة اخترعها، وأكاذيب اختلقها، وهذا من أعظم الشرك في الربوبية، ومن صدقه به، أو اعتقده فيه كفر، والعياذ بالله»[3].
وقال ابن عثيمين رحمه الله: «ظاهر كلام ابن عباس أنه يرى كفرهم؛ لأن الذي ليس له نصيب عند الله هو الكافر؛ إذ لا ينفى النصيب مطلقًا عن أحد من المؤمنين وإن كان له ذنوب عذب بها بقدر ذنوبه، أو تجاوز الله عنها ثم صار آخر أمره إلى نصيبه الذي يجده عند الله»[4].


[1] مجموع الفتاوى (35/189 ـ 190).
[2] حاشية على كتاب التوحيد (208).
[3] معارج القبول (2/701 ـ 702).
[4] القول المفيد على كتاب التوحيد (1/549). وانظر: شرح صحيح مسلم للنووي (14/176).


المسألة الأولى: صلة الصوفية والرافضة بعلم الحروف:
علم الحروف من العلوم التي اهتم بها الصوفية والرافضة، كما أوضح ذلك ابن خلدون في مقدمته حيث يقول: «علم أسرار الحروف وهو المسمَّى لهذا العهد بالسيمياء نقل وضعه من الطلسمات إليه في اصطلاح أهل التصرف من المتصوفة، فاستعمل استعمال العام في الخاص، وحدث هذا العلم في الملة بعد صدر منها وعند ظهور الغلاة من المتصوفة وجنوحهم إلى كشف حجاب الحس وظهور الخوارق على أيديهم والتصرفات في عالم العناصر، وتدوين الكتب والاصطلاحات... فحدث لذلك علم أسرار الحروف، وهو من تفاريع علم السيمياء لا يوقف على موضوعه ولا تحاط بالعد مسائله، تعددت فيه تأليف البوني وابن عربي وغيرهما ممن اتّبع آثارهما»[1].
بل إن الصوفية أنفسهم قد صرحوا بأن من علومهم علم الحروف وعلم الأوفاق، فابن سبعين يقول في رسائله: «وهذه السيمياء تنقسم إلى خمسة أقسام: الكاذبة منها التي يذكرها مسلمة المجريطي صاحب رسائل إخوان الصفا، والشكوك منها الذي يزعم ابن مسرة أنه وصله، والصحيح منها الذي إذا وصف للفقيه سماه كرامة وإذا ذكر للحكيم سماه تصريفًا وإذا ذكر للمقرب المحقق سماه فتنة»[2].
ومن أظهر الدلائل على ارتباط الصوفية بعلوم السحر ومنها علم الحروف ما ذكره الشيخ أحمد البوني في كتابه (شمس المعارف الكبرى) وهو من أشهر الكتب التي يعتمد عليها من يتعامل بالسحر في هذه الأيام والأيام السالفة، حيث ذكر سنده لعلم الحرف الذي هو موضوع الكتاب وقد نقل عن البوني أسانيده بعلم أسرار الحروف الذي يمثله شمس المعارف، وكانت تلك الأسانيد على أقطاب الصوفية[3].
وأمّا الرافضة فقد كان لهم عناية ورعاية بعلم الحروف وأسرارها، ومن أهم مؤلفاتهم فيها كتاب الجفر المنسوب زورًا وبهتانًا إلى جعفر الصادق رحمه الله، ونسبته إليه كذب عليه باتفاق أهل العلم به. وكتاب الجفر قسمان، الجفر الأكبر والجفر الأصغر، وإن الجفر الأكبر إشارة إلى المصادر الوفقية التي هي أ، ب، ت، ث، إلخ، وإنها ألف وفق، وإن الجفر الأصغر إشارة إلى المصادر الوفقية التي هي مركبة من أبجد إلى قرشت، وهي سبع مئة وفق وهذا كله من أكاذيب الرافضة وافترائهم على آل البيت[4].
وممَّا تقدم يعلم أن علم أسرار الحروف من علوم السحر التي اهتم بها الصوفية والرافضة تأليفًا وشرحًا وتعلمًا، ومن ثم كان لهم إسهام كبير في بث الفساد وإضلال العباد وإشاعة الشرك في البلاد قديمًا وحديثًا.
المسألة الثانية: حروف أبي جاد والاستدلال بها على المغيبات:
حروف أبي جاد هي: أبجد هوّز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ، وتعلمها ينقسم إلى قسمين:
الأول: تعلم مباح بأن تُتعلَّم لحساب الجُمّل وما أشبه ذلك، فهذا لا بأس به وللعلماء عناية بها في التاريخ لمواليد العلماء ووفياتهم ونحو ذلك.
الثاني: تعلم محرم وهو كتابة (أبي جاد) كتابة مربوطة بسير النجوم وحركاتها وطلوعها وغروبها والنظر في النجوم والاستدلال بها بالموافقة أو المخالفة على ما سيحدث في الأرض، وأرباب هذه الطريقة يزعمون أن لهذه الحروف علاقة ورابطة قوية بحياة الإنسان ومستقبله وبالكون وما يحدث فيه من حوادث، ويزعمون أنهم يعرفون حوادث العالم من هذه الحروف.
والذي ينبغي أن يعلم أن هذه الحروف ليست أسماء لمسميات، ولا علاقة لها بمستقبل الإنسان ولا بحياته، وإنما ألفت ليعرف تأليف الأسماء من حروف المعجم بعد معرفة حروف المعجم، ثم إن كثيرًا من أهل الحساب صاروا يجعلونها علامات على مراتب العدد فيجعلون الألف واحدًا، والباء اثنين، والجيم ثلاثة وهكذا، ثم أخذ هؤلاء هذا الاصطلاح ولفقوا عليه الأباطيل وادعوا أنه علم وبه تعرف الأمور الغيبية، وربطوه بالتنجيم لخفاء التنجيم على كثير من الناس، والعلم لا يؤخذ عن مثل هذه النظريات الفاسدة ولا من هذه العقليات الجاهلية الباطلة بل لا بدَّ فيه من عقل مصدق ونقل محقق، وهذا الذي يزعمونه ما هو إلا ادّعاء علم استأثر الله به، وهذا بلا شك من أعظم الشرك في الربوبية، ومن صدق به واعتقد فيه كفر والعياذ بالله[5].


[1] مقدمة ابن خلدون (413).
[2] الكشف عن حقيقة الصوفية لمحمد القاسم (866).
[3] المرجع السابق (862 ـ 863).
[4] التنجيم والمنجمون لعبد المجيد المشعبي (311 ـ 314).
[5] المصدر السابق (317 ـ 318).


لعلم الحروف آثار سلبية كثيرة من أبرزها:
1 ـ إضعاف إيمان العباد بالقدر خيره وشره.
2 ـ ذهاب عقيدة التوكل على الله، والاستخارة فيما يقدمون عليه من أمور.
3 ـ انتشار الخرافات والأكاذيب، وتصديق الكُهَّان والعرَّافين والسحرة فيما يدعونه.



1 ـ «إعانة المستفيد لشرح كتاب التوحيد»، للفوزان.
2 ـ «التنجيم والمنجمون»، لعبد المجيد المشعبي.
3 ـ «تيسير العزيز الحميد»، لسليمان بن عبد الله.
4 ـ «رسالة شريفة فيما يتعلق بالأعداد والأوفاق والحروف»، للصنعاني.
5 ـ «علم الغيب في الشريعة الإسلامية»، لأحمد الغنيمان.
6 ـ «القبورية: نشأتها ـ آثارها ـ موقف العلماء منها»، لأحمد المعلم.
7 ـ «القول المفيد على كتاب التوحيد»، لابن عثيمين.
8 ـ «الكشف على حقيقة الصوفية»، لمحمد القاسم.
9 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
10 ـ «معارج القبول»، لحافظ حكمي.