حرف الألف / أشراط الساعة

           

الأشراط: جمع شَرَط، والمراد به العلامة التي تميز الشيء عن غيره. قال ابن فارس رحمه الله: «الشين والراء والطاء أصلٌ يدل على عَلَم وعلامة»[1]. وأشراط الشيء أوائله، ومنه: شُرط السلطان، وهم خيار أصحابه المقدمون على غيرهم من أتباعه، جعلوا لأنفسهم علامات يعرفون بها للأعداء[2].
والساعة: من مادة: (س.و.ع)، و«السين والواو والعين يدل على استمرار الشيء، ومُضيّه»[3]، والساعة سميت بذلك؛ لأنها تمضي وتستمر، والساعة: جزء من أجزاء الزمان[4].


[1] مقاييس اللغة (533) [دار إحياء التراث العربي، 1429هـ].
[2] ينظر: مقاييس اللغة (533)، والنهاية في غريب الحديث والأثر (637) [مؤسسة الرسالة ناشرون، ط1، 1432هـ].
[3] مقاييس اللغة (476).
[4] ينظر: مقاييس اللغة (476)، ومفردات القرآن للراغب (434) [دار القلم، ط1، 1412هـ].


الأشراط: هي «العلامات التي يعقبها قيام الساعة»[1].
والمراد بالساعة: الوقت الذي تقوم فيه القيامة، وسميت كذلك لأنها تفجأ الناس في ساعة، فيموت الخلق كلهم بصيحة واحدة. أو: أنها ساعة خفيفة يحدث فيها أمر عظيم؛ فلقلة الوقت الذي تقوم فيه سماها ساعة[2].
فأشراط الساعة: هي علامات القيامة التي تسبقها وتدل على قربها[3]. وقيل: «ما ينكره الناس من صغار أمورها قبل أن تقوم الساعة»[4].


[1] فتح الباري (13/79).
[2] ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (614)، وتاج العروس (21/241) [دار الهداية].
[3] أشراط الساعة (74) [دار ابن الجوزي، ط27، 1430هـ].
[4] النهاية في غريب الحديث والأثر (637).


دلالة المعنى اللغوي على المعنى الشرعي بيِّنة، وذلك أن أشراط الساعة هي علاماتها التي تسبقها في الوقت للدلالة عليها.



سميت بذلك لدلالتها على قرب الساعة ووقوعها.



تسمى أيضًا: أمارات الساعة، والأمارة هي العلامة[1]، وهذه التسمية ثابتة من حديث جبريل عليه السلام المشهور، وفيه: «قال: فأخبرني عن أمارتها» [2]، وفي رواية: «قال: فأخبرني عن أماراتها» [3]. وتسمى كذلك: علامات الساعة، ثبت ذلك في حديث أبي هريرة وأبي ذر رضي الله عنهما عند النسائي، وفيه: «ولكن لها علامات تعرف بها»[4].


[1] النهاية في غريب الحديث والأثر (46).
[2] رواه مسلم (كتاب الايمان، رقم 8).
[3] أخرجه أبو داود (كتاب القدر، رقم 4695)، والنسائي (كتاب الإيمان وشرائعه، رقم 4990)، وأحمد (1/434) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1428هـ]، وقال أحمد شاكر، في تعليقه على الحديث رقم (367): إسناده صحيح.
[4] أخرجه النسائي (كتاب الإيمان وشرائعه، رقم 4991)، وصححه الألباني. إرواء الغليل (1/33).


الإيمان بأشراط الساعة واجب، فهي جزء من الإيمان باليوم الآخر الذي هو من أركان الإيمان.



الساعة غيب من غيب الله لا يعلم أحد بوقوعها إلا الله تعالى، لكن الله جعل لها علامات تدل على قربها، فالإيمان بوقوع هذه العلامات دليل على الإيمان باليوم الآخر الذي هو ركن من أركان الإيمان.



هذه الأشراط قد ذكرها الله جملة في القرآن، فقال: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18] ؛ أي: دنت. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفيه: قال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها»[1].


[1] أخرجه البخاري (كتاب تفسير القرآن، رقم 4777)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 9).


قال الطحاوي رحمه الله: «ونؤمن بأشراط الساعة: من خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام من السماء، ونؤمن بطلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة الأرض من موضعها»[1]. وقال أبو عمر الداني: «إن الإيمان واجب بما جاء عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وثبت بالنقل الصحيح، وتداول حمله المسلمون من ذكر وعيد الآخرة، وذكر الطوام، وأشراط الساعة، وعلاماتها، واقترابها»[2]. وقال السخاوي: «الوارد في أشراط الساعة وعلاماتها كثير، ومنه ما هو محتج به، ومنه ما لا يثبت»[3]. وقال صديق حسن خان: «ويجب الإيمان بكل ما أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، وصح به الخبر عنه، مما شهدناه أو غاب عنا أنه صدق وحق، سواء في ذلك ما عقلناه، أو جهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه، وكان يقظة لا منامًا، ومن ذلك: أشراط الساعة»[4].


[1] شرح الطحاوية (760) [الرسالة العالمية، ط2، 1433هـ].
[2] الرسالة الوافية (243) [دار الإمام أحمد، ط1، 1421هـ].
[3] القناعة في ما يحسن الإحاطة به من أشراط الساعة (73)، [أضواء السلف، ط1، 1422هـ]، بتصرف.
[4] قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر (127) [تحقيق: عاصم القريوتي، ط1، 1404هـ].


تنقسم أشراط الساعة إلى قسمين باعتبار وقت خروجها[1]:
أ ـ أشراط صغرى : وهي التي تسبق الساعة وتتقدمها بأزمنة بعيدة، مثل: قبض العلم، وتفشي الجهل، والتطاول في البنيان. وهي من حيث ظهورها على ثلاثة أنواع:
1 ـ أشراط ظهرت وانقضت، مثل: انشقاق القمر في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن أهل مكة سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يريهم آية، فأراهم القمر شقتين، حتى رأوا حِراء بينهما»[2].
2 ـ أشراط ظهرت ولا تزال تظهر، وهي أغلب أشراط الساعة الصغرى، مثل التطاول في البنيان، كما في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعض أمارات الساعة، فقال: «وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاه يتطاولون في البنيان» [3]. ومثل: قبض العلم، وتفشي الجهل، وكثرة القتل، كما ورد في حديث عبد الله بن مسعود، وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن بين يدي الساعة أيامًا ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج» والهرج: القتل[4]. وتفشي الجهل وقبض العلم إنما هو بموت العلماء، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد؛ ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً فسئلوا؛ فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا»[5].
3 ـ أشراط لم تظهر بعد، مثل ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال ويفيض، وحتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحدًا يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا»[6]. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقوم الساعة حتى يكلم السباعُ الإنسَ، ويكلم الرجلَ عذبةُ سوطه، وشراكُ نعله، ويخبره فخذُه بما أحدث أهله بعده»[7].
ب ـ أشراط كبرى : وهي الآيات العظام التي تقارب قيام الساعة مقاربة وشيكة، وتلك الأشراط علامة لانتهاء الدنيا وانقضائها، وهي على قسمين:
1 ـ قسم يدل على قرب الساعة مثل: ظهور الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، وخروج يأجوج ومأجوج، والخسوف.
2 ـ قسم يدل على حصولها، مثل: طلوع الدخان، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، والنار التي تخرج من قعر عدن تحشر الناس[8].
كما تنقسم أشراط الساعة باعتبار مكان وقوعها إلى قسمين:
أ ـ أشراط يكون وقوعها في السماء، مثل: انشقاق القمر، ومنها طلوع الشمس من مغربها.
ب ـ أشراط يكون وقوعها على الأرض وهي أكثر أشراط الساعة.
وتنقسم أشراط الساعة من حيث موافقتها للعادة، إلى قسمين:
أ ـ ما اعتاد الناس وقوعه؛ كالتطاول في البنيان، وتفشي الجهل، وقبض العلم.
ب ـ نوع غير معتاد، مثل طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة. قال ابن أبي العز رحمه الله: «خروج الدابة بشكل غريب غير مألوف ثم مخاطبتها الناس ووسمها إياهم بالإيمان أو الكفر فأمر خارج عن مجاري العادات»[9].


[1] ينظر: صحيح أشراط الساعة (21) [مكتبة السوادي، ط3، 1416هـ].
[2] أخرجه البخاري (كتاب المناقب، رقم 3868)، ومسلم (كتاب صفة القيامة والجنة والنار، رقم 2800).
[3] رواه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 8).
[4] أخرجه البخاري (كتاب الفتن، رقم 7062، 7063)، ومسلم (كتاب العلم، رقم 2672).
[5] أخرجه البخاري (كتاب العلم، رقم 100)، ومسلم (كتاب العلم، رقم 2673).
[6] أخرجه مسلم (كتاب الزكاة، رقم 157).
[7] أخرجه الترمذي (أبواب الفتن، رقم 2181) وصحَّحه، وأحمد (18/315) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والحاكم في المستدرك (كتاب الفتن والملاحم، رقم 8442)، والبيهقي في دلائل النبوة (6/41) [دار الكتب العلمية، ط1، 1405هـ] وقال: «هذا إسناد صحيح»، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 122).
[8] ينظر: لوامع الأنوار البهية (2/140) [المكتب الإسلامي، ومكتبة أسامة]، والبحور الزاخرة في علوم الآخرة (1/549) [دار غراس، ط1، 1428هـ].
[9] شرح الطحاوية (758) [مؤسسة الرسالة، ط2].


1 ـ الاستعداد الدائم لليوم الآخر.
2 ـ معرفة العبد أن خلقه لم يكن عبثًا.
3 ـ أن الدنيا عبارة عن محطة للآخرة.
4 ـ تحقق معجزة النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم، وصدقه في كل ما أخبر به صلّى الله عليه وسلّم.
5 ـ من صفات المؤمنين الإيمان بالغيب، وأشراط الساعة هي غيب بالنسبة للمؤمن حتى تقع.



شاء الله عزّ وجل أن يكون موعد الساعة من الغيب الذي لم يطلع عليه أحد من عباده، إذ لو كان معلومًا لهم؛ لتكدرت حياتهم، وتوقف نشاطهم، ولربما أصابهم اليأس والقنوط. لذا فإنه لا مصلحة للعباد في معرفة وقت الساعة؛ وإنما جعل الله دلائل وعلامات دالة عليها؛ ليكونوا من موعدها في حذر دائم واستعداد مستمر. قال القرطبي: «قال العلماء رحمهم الله : والحكمة في تقديم أشراط الساعة ودلالة الناس عليها: تنبيه الناس عن رقدتهم، وحثهم على الاحتياط لأنفسهم بالتوبة والإنابة؛ كيلا يعافصوا[1] بالحول بينهم وبين تدارك الفوارط منهم. فينبغي للناس أن يكونوا بعد ظهور أشراط الساعة قد نظروا لأنفسهم، وانفطموا عن الدنيا، واستعدوا للساعة الموعود بها، والله أعلم»[2].


[1] عفص الشيء: ثناه وعطفه، والمراد: أنه قد يقع للعبد ما يثنيه عن أن يتدارك ما وقع منه من تفريط. ينظر: لسان العرب (7/55) [دار صادر، ط3، 1414هـ].
[2] التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (3/1217).


ذهب بعض أهل الكلام وتبعهم بعض المعاصرين[1] إلى رد بعض أشراط الساعة؛ لأنها أخبار آحاد، وأن الآحاد لا تثبت بها العقائد بزعمهم، وهذه حجة واهية؛ إذ إن الأمة مجمعة على قبول خبر الآحاد، بل السلف مجمعون على ذلك، قال ابن أبي العز: «خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول عملاً به وتصديقًا له: يفيد العلم اليقيني عند جماهير الأمة، وهو أحد قسمي المتواتر، ولم يكن بين سلف الأمة في ذلك نزاع»[2]، وقال ابن حجر: «قد شاع فاشيًا عمل الصحابة والتابعين بخبر الواحد من غير نكير؛ فاقتضى الاتفاق منهم على القبول»[3].


[1] ينظر: أشراط الساعة للوابل [دار ابن الجوزي، ط27، 1430هـ].
[2] شرح الطحاوية (541) [دار الرسالة العالمية، ط2، 1433هـ]، وفتح الباري (13/234)
[3] فتح الباري (13/234).


1 ـ «الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة»، لصديق خان.
2 ـ «الإشاعة لأشراط الساعة»، للبرزنجي.
3 ـ «أشراط الساعة»، ليوسف الوابل.
4 ـ «التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» (ج3)، للقرطبي.
5 ـ «البحور الزاخرة في علوم الآخرة» (ج1)، للسفاريني.
6 ـ «شرح صحيح مسلم» (ج18)، للنووي.
7 ـ «صحيح أشراط الساعة»، لمصطفى أبو النصر الشلبي.
8 ـ «فتح الباري» (ج13)، لابن حجر.
9 ـ «القناعة في ما يحسن الإحاطة من أشراط الساعة»، للسخاوي.
10 ـ «لوامع الأنوار البهية» (ج2)، للسفاريني.
11 ـ «النهاية أو الفتن والملاحم» (ج1)، لابن كثير.