العلم نقيض الجهل، قال ابن فارس: «العين واللام والميم أصلٌ صحيح واحد، يدلُّ على أثَرٍ بالشيء يتميَّزُ به عن غيره...وتعلّمت الشَّيءَ؛ إذا أخذت علمَه»[1].
والكلام : من مادة (ك ـ ل ـ م)، والكاف واللام والميم أصلان؛ أحدهما يدل على نطق مفهم، والآخر على جراح. والكلامُ: اسم جنسٍ يقع على القليل والكثير، والكَلِمُ لا يكون أقلّ من ثلاث كلمات؛ لأنَّه جمع كَلِمَةٍ[2].
[1] مقاييس اللغة (4/109) [دار الجيل، ط1، 1411هـ]. وانظر: لسان العرب (12/416) [دار صادر، ط1]، والقاموس المحيط (4/117) [دار الكتب العلمية، ط1].
[2] انظر: مقاييس اللغة (5/131) [دار الجيل]، والصحاح (5/2023) [دار العلم للملايين، ط4].
لقد تعددت الأقوال في سبب تسمية علم الكلام بهذا الاسم إلى ما يزيد على عشرة أقوال، ومما قيل في ذلك:
1 ـ أن مسألة (كلام الله) كانت أشهر مباحثه، وأكثرها نزاعًا وجدلاً، وردّ ابن تيمية رحمه الله هذا السبب، بدليل أن المتكلمين كانوا يُسَمَّون بهذا الاسم قبل نشوء النزاع في مسألة الكلام[1].
2 ـ أنه إنما يتحقق بالمباحثة وإدارة الكلام من الجانبين.
3 ـ أن علم الكلام يتعلق بمباحث ليس تحتها عمل، بل هي كلامٌ نظري لفظي، فصار الكلام هنا بمقابل الفعل.
وقيل غير ذلك[2].
والذي يظهر في سبب التسمية ـ باعتبار موقف السلف في ذمهم لهذا العلم ـ أنه سُمِّي بذلك نظرًا لما يحتويه من كثرة الكلام والجدل في جانب العقائد، والإغراق في الإيرادات العقلية البعيدة عن الأدلة الشرعية في المسائل التي مبناها على الوقوف على نصوص الشرع.
قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: «إنما سُمي هؤلاء أهل الكلام؛ لأنهم لم يفيدوا علمًا لم يكن معروفًا، وإنما أتوا بزيادة كلام قد لا يفيد»[3].
[1] مناظرة في العقيدة الواسطية ضمن مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (3/184) [مكتبة ابن تيمية، ط2].
[2] انظر: الملل والنحل للشهرستاني (1/36) [دار المعرفة، 1404هـ]، وشرح العقائد النسفية للتفتازاني (10 ـ 11) [مكتبة الكليات الأزهرية، ط1، 1407هـ]، وشرح المقاصد له (1/164 ـ 165)، والمواقف للإيجي (8 ـ 9)، ومقدمة ابن خلدون (565)، ومذاهب الإسلاميين لعبد الرحمن بدوي (1/28 ـ 32) [دار العلم للملايين، ط3، 1983م].
[3] شرح الطحاوية (226) [مؤسسة الرسالة، ط2]. وانظر: موقف المتكلمين من الاستدلال بنصوص الكتاب والسُّنَّة لسليمان الغصن (1/24) [دار العاصمة، ط1].
يزعم المتكلمون أن علم الكلام مرادفٌ لعلم الاعتقاد وعلم التوحيد.
وهذه مغالطة سافرة، فلم يقل بذلك أحد من سلف الأمة وأئمتها؛ وذلك لأن هذين العلمين (العقيدة وعلم الكلام) متباينان في الأصل والمنشأ، وفي المسائل، وفي الدلائل.
فأما تباينهما في الأصل: فإن علم الكلام هو علمٌ مُوَلَّدٌ من الأصول الفلسفية في غالب مبانيه[1]، وأما علم العقيدة والتوحيد فمصدره الكتاب والسُّنَّة وإجماع سلف الأمة.
وأما تباينهما في المسائل: فإن كثيرًا من مسائل علم الكلام بعيدة كل البعد عن المسائل والأبواب المقررة في علم التوحيد، بل إن عامَّة كتب الكلام قد أهملت أهم أبواب التوحيد، ألا وهو توحيد الألوهية، الذي هو إفراد الله تعالى بالعبادة، وهو الغاية من بعثة الرسل.
وأما تباينهما في الدلائل: فإن علم العقيدة مبني على التوقيف، فمصدره: الكتاب والسُّنَّة وإجماع سلف الأمة، وأما علم الكلام فمبني على قواعد وأصول فلسفية عقلية.
وهاهنا تسمية أخرى يسمونه بها وهي: أصول الدين.
[1] وإثبات العلاقة والصلة بين علم الكلام والفلسفة قد شهد به جمع من الأئمة من أهل السُّنَّة وغيرهم، ومنهم الإمام أبو حنيفة، والشهرستاني في الملل والنحل (1/30).
لقد تواتر النقل عن أئمة السلف في ذمّ علم الكلام، وأهل الكلام، والأمر بهجرهم والتحذير منهم ومن كتبهم، وبيان أنهم مبتدعة ضالُّون، مخالفون للسُّنَّة، مباينون لأهل السُّنَّة.
وكلام السلف في ذمِّ المتكلمين متواتر، حتى إنهم حرموا بيع كتب الكلام والفلسفة، وأتلفوها، ومنعوا تداولها[1]، وحتى خصَّ بعضهم مصنفات مستقلة في ذم الكلام وأهله[2]، وصار ذم علم الكلام إجماعًا مستقرًا لهم.
قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: «أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ، ولا يُعَدُّون عند الجميع في جميع الأمصار في طبقات العلماء، وإنما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه»[3]، وقد قرر هذا الإجماع من أئمة السلف: البغوي، وابن قدامة، وابن تيمية، وابن رجب[4]، كما اعترف بهذا الإجماع عدد من المتكلمين أنفسهم، كالغزالي وغيره[5].
وقد تنبَّه بعض علماء الكلام لما يؤدي إليه هذا العلم من مفاسد، فذموه وحذروا الناس منه، حين وقفوا على غاية هذا العلم، وانتهى أمرهم إلى الشك والاضطراب، سواء فيما يذكرونه بأقوالهم، أو ما تشهد به أحوالهم، حتى قال بعضهم بتكافؤ الأدلة؛ أي: تساوي دلالتها في طرفي النفي والإثبات، وكلامهم في ذلك مشهور، وتتبعه طويل غير ميسور[6]، وها هو أحد كبار المنتسبين لعلم الكلام والمنافحين عنه ـ أبو حامد الغزالي ـ يقول في أشهر كتبه (إحياء علوم الدين) في ذم علم الكلام وبيان حدوثه: «اعلم أن حاصل ما يشتمل عليه علم الكلام من الأدلة التي ينتفع بها فالقرآن والأخبار مشتملة عليه، وما خرج عنهما فهو: إما مجادلة مذمومة، وهي من البدع كما سيأتي بيانه، وإما مشاغبة بالتعلق بمناقضات الفرق لها، وتطويل بنقل المقالات التي أكثرها تُرَّهات وهذيانات تزدريها الطباع، وتمجها الأسماع، وبعضها خوض فيما لا يتعلق بالدين، ولم يكن شيء منه مألوفًا في العصر الأول، وكان الخوض فيه بالكلية من البدع»[7].
[1] انظر: الكامل في التاريخ لابن الأثير (6/72) [دار الكتب العلمية، ط2]، وسير أعلام النبلاء (5/45 ـ 46)، وطبقات الأمم للقاضي الصاعد (66) [المطبعة الكاثوليكية، 1912م].
[2] انظر في ذم الكلام وأهله: السُّنَّة للخلال (1/196)، (3/552) [دار الراية، ط1، 1410هـ]، وشرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة للالكائي (1/114) وما بعدها، والغنية عن الكلام وأهله للخطابي (388)، وذم الكلام وأهله للهروي، والمفهم للقرطبي (6/690 ـ 694)، وتحريم النظر في كتب الكلام للموفق ابن قدامة، والفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/244 ـ 247).
[3] جامع بيان العلم وفضله (2/942) [دار ابن الجوزي، ط1، 1414هـ].
[4] انظر: شرح السُّنَّة للبغوي (1/216)، والبرهان في بيان القرآن لابن قدامة (56) [دار الكتب العلمية، ط1، 1425هـ]، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (3/183 ـ 184)، والعقود الدرية لابن عبد الهادي (235 ـ 236) [دار الكاتب العربي]، وفتح الباري لابن رجب (5/101 ـ 102) [دار ابن الجوزي، ط2، 1422هـ].
[5] إحياء علوم الدين (1/94 ـ 95) [دار المعرفة]. وانظر: درء التعارض (7/145، 274 ـ 275)، والاستقامة (1/81) [جامعة الإمام، ط1، 1403هـ].
[6] انظر: نهاية الإقدام للشهرستاني (3)، ودرء تعارض العقل والنقل (1/158 ـ 164)، والتسعينية (3/772 ـ 775) [مكتبة المعارف، ط1، 1420هـ]، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (4/28، 50، 73)، واجتماع الجيوش الإسلامية (194 ـ 195) [دار الكتب العلمية، ط1]، والصواعق المرسلة (2/665 ـ 669) [دار العاصمة، ط3، 1418هـ]، والعلو للذهبي (258) [دار أضواء السلف، ط1، 1416هـ]، وتاريخ الإسلام له (32/235) [دار الكتاب العربي، ط1]، وميزان الاعتدال (5/411) [دار الكتب العلمية، ط1]، شرح العقيدة الطحاوية (228).
[7] إحياء علوم الدين (1/22). وانظر: المنقذ من الضلال له (101 ـ 103) [دار الأندلس].
لقد تعددت أقوال المتكلمين في تعريف علم الكلام وبيان حقيقته، وحاصل ما ذكروه يرجع إلى أن علم الكلام: علم يُراد به إثبات العقائد الدينية الإسلامية، بإيراد الحجج العقلية الشاهدة لها، ودفع الشبه الواردة عليها[1].
وهم يذكرون أنه شامل لإثبات العقائد التي تنتسب إلى الإسلام عمومًا، سواء كان ذلك صوابًا في نفس الأمر أو خطأ أو كفرًا، فيُدخِلون فيه علم المخالفين لهم من الفرق الكلامية الأخرى، كالمعتزلة مثلاً بالنسبة للأشاعرة.
[1] انظر: رسالة أبي حيان في العلوم (21)، والمواقف للإيجي (7) [دار عالم الكتب]، والتعريفات للجرجاني (162 ـ 163) [دار الكتاب العربي، ط1، 1405هـ]، وشرح المقاصد للتفتازاني (1/162، 163، 165) [دار المعارف النعمانية، ط1، 1401هـ]، ومقدمة ابن خلدون (458) [دار القلم، ط5، 1984م]، وكشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (1/29) [مكتبة لبنان، ط1، 1996م].
من البيِّن أن هذا التعريف قد ورد في سياق المدح والتزكية لهذا العلم، إذ إن المعرِّفين له هم ممن ينتسب إلى هذا العلم، وهذا المدح مخالف لما أجمع عليه أهل السُّنَّة من ذمهم لعلم الكلام كما سيأتي، وقد تقدم بيان الشيخ العثيمين لحقيقة هذا العلم.
وما زعمه المتكلمون في تعريفهم السابق من أن الغاية من علم الكلام هو الحجاج والدفاع عن العقائد الدينية: هو أمر لم يفلحوا في الوصول إليه، إذ إنهم قد انحرفوا عن الطريق الصحيح الموصل إلى تحصيله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «فالكلام الذي ابتدعوه وزعموا أنهم به نصروا الإسلام وردُّوا به على أعدائه كالفلاسفة لا الإسلام نصروا، ولا لعدوه كسروا، بل كان ما ابتدعوه أفسدوا به حقيقة الإسلام على من اتبعهم» واستمر يذكر أسباب ذلك ودوافعه[1].
ولقد ظهرت بوادر الكلام المذموم في الدين منذ القرن الأول، حيث ظهر شيء من الجدال في مسائل القدر في عهد النبوة، ثم بزغ من يسأل عن متشابه القرآن سؤال مشكك في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إلا أن تلك البوادر سرعان ما قوبلت بالحسم القوي من قبل النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه من بعده، واستمرت العقيدة الإسلامية راسخة، متصلة بنبع الوحي الصافي، سالمة من شوائب الكلام الفاسد.
ـ ولكن بعد ذلك اتسعت رقعة الدولة الإسلامية، ودخل أبناء البلاد المفتوحة في الإسلام، وقد كانوا على ديانات مختلفة، مشوبة بمبادئ فلسفية لم ينفك أصحابها منها، فتسربت بعض تلك الأفكار إلى بعض المنتسبين للإسلام، فظهرت فرقة القدرية الأوائل في أواخر زمن الصحابة، على يد معبد الجهني، وغيلان الدمشقي.
ثم استمر الكلام المذموم في الترعرع والانتشار، ومما ساعد على ذلك: حركة الترجمة الكبيرة لكتب الفلاسفة، وذلك في زمن الدولة العباسية، حيث ترجمت كتب اليونان الفلسفية، وانتشرت في الأمة، فكان ذلك سببًا في كثرة المجادلات والخصومات في الدين، فظهرت بدعة إنكار الصفات والكلام على يد الجعد بن درهم، والجهم بن صفوان، وكانت معتمدة على القوانين الكلامية المستقاة من الأصول الفلسفية.
ثم انتشر هذا العلم وانتقلت قواعده إلى كثير من الفرق المنتسبة للإسلام.
وبهذا فإن أبرز الفِرق التي تنتسب إلى علم الكلام: فرقة المعتزلة، ومن تبعهم من الزيدية والإباضية والرافضة الإمامية، وكذا الكلابية والأشاعرة، والماتريدية، والكرامية، والسالميَّة[2] وغيرهم[3].
[1] شرح حديث النزول (163) [دار العاصمة، ط1، 1414هـ].
[2] وهذه الفرق (الكلابية فمن بعدهم) يطلق عليهم لقب: (متكلمة الصفاتية)؛ نظرًا لإثباتهم بعض الصفات، بخلاف من قبلهم، فإنهم ينفونها، انظر في هذا الإطلاق: مجموع الفتاوى لابن تيمية (4/88، 150، 175) (5/196، 317) (6/15، 73) (12/366)، ودرء التعارض (1/266) (4/31) [دار الكتب العلمية].
[3] انظر: منهاج السُّنَّة النبوية (1/306 ـ 309) [مؤسسة قرطبة، ط1، 1406هـ]، والصواعق المرسلة (3/1069 ـ 1079)، وجناية التأويل الفاسد لمحمد أحمد لوح (41 ـ 42)، وموقف المتكلمين من الاستدلال بنصوص الكتاب والسُّنَّة لسليمان الغصن (1/36 ـ 45).
لقد كان موقف السلف في تحريم علم الكلام موقفًا مبنيًا على أصول شرعية، وأدلة مرعية، ومن ذلك:
1 ـ أن الله قد ضمن لنا الكفاية في القرآن والسُّنَّة، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ *} [العنكبوت] ، فالرجوع إلى علم الكلام لتحصيل العقائد اعتراض على تلك الكفاية، والشرع قد تضمن من الأدلة النقلية والعقلية ما هو أظهر في البيان، وأقرب لتحصيل المراد، وأسلم من اللوازم الفاسدة[1]، وقد أقر بذلك أئمتهم، ولكنهم حادوا عن موجبه[2].
2 ـ المواد الفاسدة التي تضمنها علم الكلام، كدليل الحدوث، والتركيب ونحوها، والتي نقلت عن قدماء الفلاسفة الملحدين، وما تضمنته مقدماتها من أمور معارضة للشرع، بل وللعقل الصحيح أيضًا.
3 ـ أنه بدعة في الدين، فالطرق الكلامية لم يأت بها النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولم يستعملها الصحابة، ولم يدعوا الناس إليها، وهذا يعلم بالضرورة وباعتراف المتكلمين أنفسهم[3].
قال أبو الوفاء بن عقيل: «أنا أقطع أن الصحابة ماتوا وما عرفوا الجوهر والعرَض، فإن رضيت أن تكون مثلهم فكن، وإن رأيت أن طريقة المتكلمين أَوْلى من طريقة أبي بكر وعمر فبئس ما رأيت»[4].
4 ـ مناقضته لكثير من الأصول والعقائد الثابتة في الشرع.
5 ـ أن الدين قد جاء هداية لكل الناس، وهذا العلم المولَّد من الفلسفة لا يدركه إلا شراذم من الناس، فيستحيل أن يكون أعظم باب في الدين (العقيدة والتوحيد) مبنيًّا وموقوفًا على ما لا يدركه إلا الندرة، لما في مقدماته من الغموض والخفاء والصعوبة والنزاع[5]، فلو كان الإيمان بالله موقوفًا على هذا العلم ـ كما يزعم أصحابه ـ لكان بيان ذلك من أهم الواجبات، فلمَّا لم يأت ذلك البيان جزمنا ببطلانه[6].
6 ـ تحقق إجماع السلف على ذمه، والإجماع حجة معتبرة.
7 ـ الآثار الوخيمة، واللوازم الفاسدة التي أثمرها هذا العلم الفاسد في الأمة عمومًا، وعند أصحابه خصوصًا، ومعلوم أن بطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم.
[1] انظر: درء التعارض (3/87) (8/238)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (16/456)، ومنهاج السُّنَّة النبوية (2/272 ـ 273).
[2] انظر: رسالة إلى أهل الثغر (185)، وإحياء علوم الدين للغزالي (1/105)، والمحيط في النبوات لعبد الجبار المعتزلي (المجلد الرابع)، عن العواصم والقواصم لابن الوزير (3/439).
[3] انظر: رسالة إلى أهل الثغر للأشعري (198 ـ 201)، وفيصل التفرقة للغزالي (97 ـ 99)، وترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان لابن الوزير (224).
[4] انظر: تلبيس إبليس (105)، ودرء التعارض (8/48).
[5] وتلك الصعوبة اعترف بها المتكلمون أنفسهم، انظر: رسالة إلى أهل الثغر للأشعري (186 ـ 188)، والمحيط بالتكليف لعبد الجبار المعتزلي (35 ـ 36).
[6] انظر: ترجيح أساليب القرآن، ودرء تعارض العقل والنقل (1/120)، والبرهان القاطع في إثبات الصانع لابن الوزير (77 ـ 103).
سئل الإمام أبو حنيفة رحمه الله: «ما تقول فيما أحدث الناس من الكلام في الأعراض والأجسام، فقال: مقالات الفلاسفة، عليك بالأثر وطريقة السلف، وإيَّاك وكل محدثة، فإنها بدعة»[1].
وقال الإمام مالك بن أنس رحمه الله: «لو كان الكلام علمًا لتكلم فيه الصحابة والتابعون كما تكلموا في الأحكام والشرائع، ولكنه باطل يدل على باطل»[2]، وقال: «من طلب الدين بالكلام تزندق»[3]، وقال بنحو ذلك القاضي أبو يوسف رحمه الله[4].
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: «لأن يبتلى المرء بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك بالله خير له من النظر في الكلام، فإني قد اطّلعت من أهل الكلام على أشياء ما ظننتها قط»[5].
4 ـ وقال الإمام أحمد رحمه الله: «لا يفلح صاحب كلام أبدًا، ولا تكاد ترى أحدًا نظر في الكلام إلا وفي قلبه دغل»[6].
[1] أخرجه المقرئ في: أحاديث في ذم الكلام وأهله (86) [دار أطلس، ط1، 1417هـ]، والهروي في ذم الكلام وأهله (5/206) [مكتبة العلوم والحكم، ط1]. وانظر: الحجة في بيان المحجة (1/115) [دار الراية، ط2]، والفتاوى الكبرى لابن تيمية (3/172) (5/245) [دار المعرفة]، والآداب الشرعية لابن مفلح (1/226) [مؤسسة الرسالة، ط2]، ويلاحظ هنا أن الكلام في الأعراض والأجسام من أخص المباحث التي قررها المتكلمون، وبنوا عليها عقائدهم، كما هو بيِّن من كتبهم.
[2] شرح السُّنَّة للبغوي (1/217) [المكتب الإسلامي، ط2، 1403هـ]. وانظر: شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة (1/148) [دار طيبة، 1402هـ].
[3] أخرجه الهروي في ذم الكلام وأهله (5/71).
[4] انظر: أخبار القضاة لوكيع (3/258) [دار عالم الكتب]، وشرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة (2/147)، وذم الكلام وأهله للهروي (5/202)، وسير أعلام النبلاء للذهبي (8/537) [مؤسسة الرسالة، ط9، 1413هـ].
[5] حلية الأولياء لأبي نعيم (9/111) [دار الكتاب العربي، ط4، 1405هـ]، وشرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة للالكائي (1/146)، والحجة في بيان المحجة (1/224)، وشرح السُّنَّة للبغوي (1/217)، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (6/691) [دار ابن كثير، ط1].
[6] جامع بيان العلم (2/95)، والمفهم (6/691)، وتلبيس إبليس (91) [دار الكتاب العربي، ط1، 1405هـ].
المسألة الأولى: المراد بالكلام الذي ذمه السلف:
إنَّ السلف في ذمهم لعلم الكلام لم يريدوا ذم جنس الكلام ومطلق الكلام، فإن كل آدميٍّ يتكلم، ولم يريدوا ذم الاستدلال والنظر والجدل الذي أمر الله به ورسوله، ولم يذموا كلامًا هو الحق، وإنما ذموا الكلام الباطل، وهو المخالف للكتاب والسُّنَّة وهو المخالف للعقل أيضًا[1].
فهذا الموقف الصارم للسلف من علم الكلام لا يفهم منه أن أهل السُّنَّة ينهون عن جميع الأدلة العقلية، بل إن كلامهم في استعمال الصحيح منها مشهور، وإنما نهى السلف عن الفاسد من تلك الأدلة الكلامية، والتي كانت ـ في غالب أمرها ـ مأخوذة من أصول الفلاسفة ونحوهم، التي جعلها المتكلمون معارضة لما جاء في الكتاب والسُّنَّة[2].
المسألة الثانية: سبب ذم السلف لعلم الكلام:
لقد كان ذم السلف لعلم الكلام منطلقًا من أسباب عديدة، حدت بهم إلى مجانبته والتحذير منه، ومن تلك الأسباب:
1 ـ المعاني الفاسدة التي تضمنها علم الكلام، من إنكاره ما أثبته الله، وإثبات ما نفاه، ومن القول على الله بغير علم[3].
2 ـ أن هذا العلم مظنة الفتنة والزيغ على من نظر فيه، لما تضمنه من عرض العقيدة بأسلوب فلسفي جدلي عقيم، صعب المنال، بخلاف الأسلوب القرآني في تقرير العقيدة الصحيحة وبيانها.
3 ـ إيمانهم أن الكفاية في الدين والعقائد قد تحققت بما جاء في الكتاب والسُّنَّة، فلا حاجة لما سواهما، كما قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ *} [العنكبوت] .
4 ـ أنه يسعهم ما وسع الصحابة والتابعين من أئمة القرون الأولى، من ترك الخوض في الكلام المذموم، فإنهم تركوا الخوض فيه لما فيه من فساد[4].
5 ـ الآثار الفاسدة لهذا العلم على أهله، من إفضاءه بهم إلى الشك والحيرة، ومن الفرقة والاختلاف بين أهله.
6 ـ أن هذا العلم غاية ما فيه ـ لو صح ـ التركيز على إثبات وجود الله، وربوبيته، وهذا أمر فطري، وهو بمجرده لا يدخل صاحبه في الإسلام، في حين قصر المتكلمون في بيان التوحيد الذي بدأ الأنبياء دعوتهم به، وهو توحيد العبادة[5].
إلى غير ذلك من الأسباب[6].
المسألة الثالثة: تحريف المتكلمين لكلام السلف في مرادهم بذم علم الكلام:
لما رأى بعض المتكلمين من أصحاب المذاهب كلامَ أئمتهم وعموم السلف في ذم علم الكلام، حرفوا مرادهم إلى أحد أمرين:
1 ـ فقال بعضهم: إن ذم السلف لعلم الكلام إنما كان من أجل ما تضمنه من مصطلحات حادثة، كالجوهر والعرَض، وقالوا: الأمر في هذا قريب، ومثل هذا لا يقتضي الذم، كما لو أحدث الناس آنية يحتاجون إليها، أو سلاحًا يحتاجون إليه لمقاتلة العدو، وقاسوها على المصطلحات الحادثة في بقية العلوم[7].
وهذه مغالطة من قائلها، وليس الأمر كذلك، بل إن المقصود الأكبر من ذم السلف لعلم الكلام هو ما تضمنه من المعاني الفاسدة في المسائل والدلائل، والمناقِضَةِ لما تقرر في الكتاب والسُّنَّة والعقل الصحيح، ولما خلفه من آثار فساده.
وحتى المصطلحات التي أحدثها المتكلمون من الجوهر والعرض ونحوها قد لزم عليها من المفاسد في المعاني الشيء الكثير، للباطل الذي تضمنته، والاشتراك والاحتمال في كثير منها، فليست بمثابة المصطلحات التي أحدثت في بقية العلوم، فإن أولئك السلف (كالإمام الشافعي وغيره) لم يمانعوا في استخدام المصطلحات في بقية العلوم، إذا لم تتضمن معانيَ فاسدة[8].
2 ـ وقال بعض المتكلمين: إن ذم السلف قد كان مقصورًا على فرقةٍ معينة، وهم القدرية، وقد زعموا ذلك من أجل أن يخرجوا طوائفهم من ذم السلف[9].
وهذا تحريف آخر منهم لكلام السلف، فكلام السلف بيِّن وواضح في أنهم لم يقصدوا بذلك الذم فرقةً كلاميّة بخصوصها، بل أرادوا بالذم عموم الفرق التي جعلت القواعد الكلامية أصلاً لها في تقرير عقائدها، كذمهم لمن اعتمد طريقة الأعراض وحدوث الأجسام والتركيب ونحو ذلك، وهي طرق قد استخدمها كل المتكلمين، من الجهمية والمعتزلة والكرامية والأشعرية والماتريدية وغيرهم، فهم جميعًا داخلون في ذلك الذم، حتى من حدَث من تلك الطوائف بعد السلف الأوائل، فكلام السلف يتناولهم ما داموا يعتمدون قواعد علم الكلام[10].
[1] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (13/147، 306) (12/460 ـ 461)، ودرء التعارض (7/181 ـ 184)، والصواعق المرسلة (4/1274).
[2] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (16/469 ـ 470)، ودرء التعارض (1/194)، (7/153 ـ 166).
[3] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (17/304)، ودرء التعارض (7/177).
[4] انظر: الحجة في بيان المحجة (1/111).
[5] انظر: التدمرية، ضمن مجموع الفتاوى (3/98).
[6] انظر: موقف المتكلمين من الاستدلال بنصوص الكتاب والسُّنَّة لسليمان الغصن (1/88 ـ 96)، وحقيقة التوحيد بين أهل السُّنَّة والمتكلمين للسلمي (63 ـ 65).
[7] انظر: إحياء علوم الدين للغزالي (1/95، 96).
[8] انظر: درء التعارض (1/232، 233).
[9] انظر: تبيين كذب المفتري لابن عساكر (344) [دار الكتاب العربي، ط4، 1403هـ]
[10] انظر: درء تعارض العقل والنقل (1/172، 232) (2/205 ـ 207) (7/170، 176).
الفرق بين علم الكلام والفلسفة والمنطق:
هذه العلوم الثلاثة بينها نوع اشتراك ونوع امتياز، وبيان التمايز والفرق بينها يكون ببيان حقيقة كل منها.
ـ أمّا علم الكلام، فقد سبق بيان حدِّه وحقيقته.
ـ وأمّا علم المنطق، فهو: علم بقوانين تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر[1].
ـ وأمّا علم الفلسفة، فلقد كثرت أقوال الفلاسفة قديمًا وحديثًا في تعريفها، واختلفت في بيان مجالاته، وما يدخل فيه من المعارف.
وممَّا قيل في تعريفه: إنه محبَّة الحكمة، وإن معنى الفيلسوف: محبُّ الحكمة[2].
وفُسِّرت هذه الحكمة بأنها: البحث عن حقائق الأشياء على ما هي عليه في الوجود بقدر الطاقة البشرية[3].
ثم يذكرون أن للفلسفة فروعًا، وهي عند كثير منهم أربعة فروع: المنطق، والطبيعيات، والإلهيات، والهندسة مع الحساب[4].
ومن هنا تكون العلاقة بين هذه العلوم الثلاثة (الفلسفة، علم الكلام، والمنطق) من ناحية الموضوع: علاقة عموم وخصوص، فعلم الفلسفة عام لمسائل الوجود والحياة، فيبحث في الحقيقة أنَّى كانت دينية أو طبيعية أو غير ذلك، وفي الآلة الذهنية التي يسير عليها في ذلك البحث، وأمّا علم الكلام فيختص ببحث العقائد الدينية، وعلم المنطق يختص بتلك الآلة الذهنية[5].
وأمّا ما بينها من اشتراك وتداخل، فحاصله أن علم الكلام قد تأثر كثيرًا بالفلسفة، خصوصًا بقسم الإلهيات منها، حيث انتقلت كثير من أدلة الفلاسفة وطرقهم في المعرفة بل وبعض عقائدهم إلى علم الكلام، إلا أن علماء الكلام ـ نظرًا لانتسابهم للإسلام ـ قد حاولوا أن يضفوا على تلك المسائل والدلائل نوعًا من الشرعية، وإن يهذبوا بعضها.
ويذكر البعض أن كتب الفلسفة لمّا تُرجمت، فُتِن بعض الناس بعلم المنطق منها، وما زعمه المنطقيون من كون علمهم يعصم الذهن من الغلط، فاعتمدوه في التعليم، وأدخلوه في علوم الشرع، وصنفوا فيه، حتى زعم بعض الغلاة أن من لم يعرفه فلا ثقة بعلومه أصلاً![6]، هذا مع اعترافهم أنهم قد تلقوه من خصومهم، ثم لم يزالوا يستقون من علم الفلسفة حتى أخذوا من القسم الإلهي منها، ونشأ من جراء ذلك علم الكلام، وبدأوا يزجُّون بالقواعد الفلسفية فيه تدريجيًا، حتى صارت مصنفات علم الكلام المتأخرة مملوءة بالمادة الفلسفية بما لا يوجد مثله عند متقدميهم.
قال القنوجي: «خلط المتأخرون من المتكلمين مسائل علم الكلام بمسائل الفلسفة؛ لعروضها في مباحثهم وتشابه موضوع علم الكلام بموضوع الإلهيات، ومسائله بمسائلها، فصارت كأنها فن واحد، ثم غيروا ترتيب الحكماء في مسائل الطبيعيات والإلهيات، وخلطوهما فنًّا واحدًا، قدموا الكلام في الأمور العامَّة، ثم أتبعوه بالجسمانيات وتوابعها إلى آخر العلم، كما فعله الإمام ابن الخطيب [الرازي] في (المباحث المشرقية)، وجميع من بعده من علماء الكلام، وصار علم الكلام مختلطًا بمسائل الحكمة، وكتبه محشوة بها، كأنَّ الغرض من موضوعهما ومسائلهما واحد، والتبس ذلك على الناس»[7].
[1] انظر: التعريفات للجرجاني (321) [دار النفائس، ط1، 1424هـ]، والإشارات والتنبيهات لابن سينا (1/117) [دار المعارف، ط3]، والبصائر النصيرية للساوي (25، 26) [دار الفكر اللبناني، ط1، 1997م].
[2] انظر: رسالة في آراء الحكماء اليونانيين، ضمن مجموع (أفلاطون في الإسلام) لبدوي (328)، والحدود والرسوم للفيلسوف الكندي ضمن مجموع: (المصطلح الفلسفي عند العرب) للأعسم (197) [الهيئة المصرية العامة للكتب، ط2، 1989م]، والحدود الفلسفية للفيلسوف الخوارزمي، ضمن نفس المجموع (206)، والملل والنحل للشهرستاني (2/58)، ومقدمة ابن خلدون (514) [دار القلم، ط5، 1984م]، والصفدية لابن تيمية (2/323).
[3] انظر: التعريفات للجرجاني (123)، والحدود والرسوم للفيلسوف الكندي ضمن مجموع (المصطلح الفلسفي عند العرب) للأعسم (201)، ورسالة في أقسام العلوم العقلية ضمن تسع رسائل في الحكمة (طبيعيات لابن سينا) (83) [دار قابس، ط1، 1406هـ].
[4] انظر: مقدمة ابن خلدون (442).
[5] انظر: مقدمة ابن خلدون (431)، وضحى الإسلام لأحمد أمين (3/529) [دار الكتاب العربي، ط1، 1425هـ]، وأثر علم الكلام على المنتسبين إليه (34).
[6] انظر: المستصفى للغزالي (1/45) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1417هـ].
[7] أبجد العلوم (2/110) [دار الكتب العلمية، ط 1978هـ]. وانظر: منهاج السُّنَّة (3/288)، وشرح المقاصد للتفتازاني (1/14)، وأثر علم الكلام على المنتسبين إليه (35).
لقد كان لعلم الكلام المبتَدَع آثارٌ وخيمة على أهل هذا العلم، وجرّ ويلاتٍ كبيرة على الأمة الإسلامية، ومن آثاره بإيجاز[1]:
أولاً: آثاره السيئة على المتكلمين في منهج الاستدلال، ومن ذلك:
1 ـ اعتماد العقل (الفاسد) أساسًا في تقرير العقائد.
2 ـ الإعراض عن الكتاب والسُّنَّة، وإهمالهما، وعدم استفادة اليقين منهما، وتقديم عقولهم الفاسدة عليهما، وعدم الاحتجاج بالآحاد من السُّنَّة (أو ما توهموه آحادًا) في مسائل الاعتقاد.
3 ـ الجهل بإجماع السلف في باب الاعتقاد، حيث خرق المتكلمون إجماعات كثيرة في عدد من المسائل وأصول الاستدلال عند السلف.
4 ـ تحريف المعاني اللغوية لنصوص العقيدة، إذا خالفت ما قرروه بالعقل.
ثانيًا: آثاره السيئة على المتكلمين في العقائد، حيث ترتب على هذا العلم وقواعده الفاسدة أن تبنَّى أصحابه كثيرًا من البدع القولية والعملية والاعتقادية في غالب أبواب الاعتقاد والدين، كعقائد النفي والتعطيل أو التحريف أو التمثيل في باب أسماء الله وصفاته أو بعضها، كما نتجت عنه بدع الإرجاء والغلو في باب الإيمان، وكذلك بدع الجبر والقدر في باب القدر وغيرها.
ثالثًا: آثاره السيئة على الجوانب الفكرية والشخصية، والإيمانية والسلوكية.
فمن ذلك: أن علم الكلام قد أورث أهله تناقضًا واختلافًا كبيرًا، فتشتت أصحابه إلى مذاهب كثيرة في أصول الدين، مع اتفاقهم على اعتماد علم الكلام، فصاروا شيعًا متفرقين، حتى كفّر بعضهم بعضًا[2].
كما أثمر هذا العلم عند أصحابه الحيرة والاضطراب، والشك والريب، فكان الكثير منهم يتذبذب بين المذهب ونقيضه، وكَثُرَ التحول المذهبي عندهم، وقد اعترف بذلك الشك كبراؤهم[3].
رابعًا: أثر علم الكلام في موقف أهله من سلف الأمة، حيث لمزوا السلف الصالح بكل نقيصة، ورموهم بالألقاب القبيحة، كقولهم عن السلف: إنهم مشبهة، وحشوية، وغثاء، وعامة، وجهلة، وغير ذلك، حتى إن الصحابة لم يسلموا من لمزهم، أو من لمز بعضهم، بل ولا الأنبياء، وكلامهم في ذلك في كتبهم مشهور[4].
[1] انظر تفصيلها في: وأثر علم الكلام على المنتسبين إليه وموقف أهل السُّنَّة والجماعة وكبار المتكلمين منه (93) وما بعدها، [رسالة ماجستير في جامعة أم القرى].
[2] انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي (151 ـ 152) [دار الآفاق الجديدة، ط2، 1977م]، والبصائر والذخائر للتوحيدي (7/249) [دار صادر، ط1، 1408هـ]، والانتصار لأصحاب الحديث للسمعاني (4 ـ 27، 46) [مكتبة أضواء المنار، ط1، 1417هـ].
[3] انظر: تلبيس إبليس لابن الجوزي (104 ـ 105)، ودرء التعارض (8/47)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (4/50، 73) والعلو للعلي الغفار (258)، وتاريخ الإسلام للذهبي (32/232).
[4] انظر: عقيدة السلف وأصحاب الحديث (299) [دار العاصمة، ط2، 1419هـ]. ومجموع الفتاوى لابن تيمية (5/110 ـ 111)، وقلب الأدلة على الطوائف المضلة في توحيد الربوبية والأسماء والصفات، لتميم القاضي، الباب الرابع (قلب الألقاب) [رسالة ماجستير في جامعة الإمام، قسم العقيدة].
1 ـ «أثر علم الكلام على المنتسبين إليه، وموقف أهل السُّنَّة والجماعة وكبار المتكلمين منه»، لوليد بن صالح باصمد، [رسالة ماجستير في جامعة أم القرى، قسم العقيدة].
2 ـ «جناية التأويل الفاسد على العقيدة الإسـلامية»، لمحـمـد أحـمد لوح.
3 ـ «الحجة في بيان المحجة»، لقوام السُّنَّة الأصبهاني.
4 ـ «درء تعارض العقل والنقل»، لابن تيمية.
5 ـ «ذم الكلام وأهله»، للهروي.
6 ـ «شرح العقيدة الطحاوية»، لابن أبي العز.
7 ـ «الصواعق المرسلة»، لابن القيم.
8 ـ «قصد السبيل إلى ذم الكلام والتأويل»، لمحمد صدِّيق حسن خان.
9 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
10 ـ «منهاج السُّنَّة النبوية»، لابن تيمية.
11 ـ «موقف المتكلمين من الاستدلال بنصوص الكتاب والسُّنَّة»، لسليمان الغصن.