علا يعلو علوًّا؛ إذا ارتفع فهو عال وعليّ، والعلي: ذو العلو والارتفاع على خلقه[1]، قال ابن فارس رحمه الله: «العين واللام والحرف المعتل ياءً كان أو واوًا أو ألفًا، أصلٌ واحد يدلُّ على السموّ والارتفاع، لا يشذُّ عنه شيء. ومن ذلك: العَلاَء والعُلُوّ. ويقولون: تَعالى النّهارُ؛ أي ارتفع. قال الخليل: أصل هذا البناء العُلُوّ. فأمّا العَلاء فالرِّفعة، وأمّا العُلُوّ فالعظمة والتجبُّر. يقولون: علا المَلِك في الأرض عُلُوًَّا كبيرًا. قال الله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ} [القصص: 4] ، ويقولون: رجلٌ عالي الكعب؛ أي: شريف. قال:
لما عَلاَ كعبك لي عَلِيتُ.
ويقال لكلِّ شيءٍ يعلُو: علا يَعْلُو. فإن كان في الرِّفعة والشرف قيل: عَلِيَ يَعْلَى. ومن قَهَر أمرًا فقد اعتلاه واستعلى عليه وبه»[2].
[1] انظر: تفسير الطبري (3/13) [دار الفكر، 1405هـ].
[2] مقاييس اللغة (4/112 ـ 113) [دار الجيل، ط1]. وانظر: المحكم والمحيط الأعظم (2/350) [دار الكتب العلمية، 2000م]، والمفردات في غريب القرآن (346) [دار المعرفة]، ولسان العرب (15/83) [دار صادر، ط1]، والقاموس المحيط (4/412) [دار الكتب العلمية، ط1، 1415هـ].
العلو صفة ذاتية ثابتة لله عزّ وجل بالكتاب والسُّنَّة والإجماع، فالله عزّ وجل له العلو المطلق من جميع الوجوه: علو الذات، وعلو القدر والصفات، وعلو القهر. فهو الذي على العرش استوى، وعلى الملك احتوى، وبجميع صفات العظمة والكبرياء والجلال والجمال وغاية الكمال اتصف، وإليه فيها المنتهى[1].
[1] انظر: صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة لعلوي السقاف (223) [دار الهجرة، ط2، 1422هـ]، وتفسير السعدي (734) [مؤسسة الرسالة، 1421هـ].
يجب الإيمان بعلو الله وفوقيته على جميع خلقه ذاتًا وقدرًا وقهرًا؛ لدلالة نصوص الكتاب والسُّنَّة على ذلك؛ إيمانًا بريئًا من تمثيل الممثلين وتعطيل المعطلين[1].
الحقيقة:
قد تضمن العلو الذي ينعت الله عزّ وجل به نفسه في كتابه أنه متعال عما لا يليق به من الشركاء والأولاد، فليس كمثله شيء، وهذا يقتضي ثبوت صفات الكمال له دون ما سواه، وأنه لا يماثله غيره في شيء من صفات الكمال، بل هو متعال عن أن يماثله شيء، وتضمن أنه عال على كل ما سواه، قاهر له، قادر عليه، نافذة مشيئته فيه، وأنه عال على الجميع، فوق عرشه[2]، فجميع معاني العلو ثابتة لله من كل وجه؛ له علو الذات: فإنه فوق المخلوقات، وعلى العرش استوى؛ أي: علا وارتفع، وله علو القدر؛ وهو علو صفاته وعظمتها فلا يماثله صفة مخلوق، بل لا يقدر الخلائق كلهم أن يحيطوا ببعض معاني صفة واحدة من صفاته، وله علو القهر؛ فإنه الواحد القهار الذي قهر بعزته وعلوه الخلق كلهم، فنواصيهم بيده، وما شاء كان لا يمانعه فيه ممانع، وما لم يشأ لم يكن، فلو اجتمع الخلق على إيجاد ما لم يشأه الله لم يقدروا، ولو اجتمعوا على منع ما حكمت به مشيئته لم يمنعوه، وذلك لكمال اقتداره، ونفوذ مشيئته، وشدة افتقار المخلوقات كلها إليه من كل وجه[3].
[1] انظر: التحفة المدنية في العقيدة السلفية لحمد بن ناصر آل معمر (1/48) [دار العاصمة، الرياض، ط1].
[2] انظر: مجموع الفتاوى (16/123) [طبعة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1416هـ].
[3] انظر: التوضيح المبين للسعدي (37) [دار عالم الفوائد، تصحيح محمد آل بسام، ط1، 1420هـ].
تنوعت دلالة النصوص عل إثبات علو الله عزّ وجل على خلقه، قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: «والنصوص الواردة المتنوعة المحكمة على علو الله على خلقه وكونه فوق عباده التي تقرب من عشرين نوعًا»[1]، فمن ذلك ما يلي:
أحدها: التصريح بالفوقية، قال تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50] ، وكقوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ *} [الأنعام] .
الثاني: التصريح بالعروج إليه، نحو قوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ *} [المعارج] .
الثالث: التصريح بالصعود إليه، كقوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] .
الرابع: التصريح برفعه بعض الـمـخـلـوقـات إلـيـه، كـقـولـه: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا *} [النساء] .
الخامس: التصريح بالعلو المطلق الدال على جميع مراتب العلو ذاتًا وقدرًا وشرفًا، كقوله: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ *} [البقرة] .
السادس: التصريح بتنزيل الكتاب منه، كقوله: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} [السجدة] .
وقد دل الإجماع على إثبات صفة العلو لله عزّ وجل[2].
[1] شرح العقيدة الطحاوية (285) [المكتب الإسلامي، ط9، 1408هـ].
[2] انظر: الحجة في بيان المحجة (2/108) [دار الراية، ط2، 1419هـ].
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: «العلي: ذو العلو على كل شيء، هو فوق كل شيء وكل شيء دونه»[1].
وقال ابن خزيمة رحمه الله: «والله قد وصف نفسه في غير موضع من تنزيله ووحيه، وأعلمنا أنه العلي العظيم، أفليس العلي ـ يا ذوي ـ الحجا ما يكون عاليًّا لا كما تزعم المعطلة الجهمية أنه أعلى وأسفل ووسط ومع كل شيء وفي كل موضع من أرض وسماء وفي أجواف جميع الحيوان، ولو تدبروا آية من كتاب الله ووفقهم الله لفهمها لعقلوا أنهم جهّال لا يفهمون ما يقولون، وبان لهم جهل أنفسهم وخطأ مقالتهم»[2].
وقال قوام السُّنَّة التيمي رحمه الله: «وقد أجمع المسلمون أن الله هو العلي الأعلى، ونطق بذلك القرآن في قوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *} [الأعلى] ، فثبت أن لله تعالى علو الذات، وعلو الصفات، وعلو القهر والغلبة»[3].
وقال ابن تيمية رحمه الله: «فالسلف والأئمة يقولون: إن الله عزّ وجل فوق سماواته، مستو على عرشه، بائن من خلقه كما دل على ذلك الكتاب والسُّنَّة وإجماع سلف الأمة، وكما علم المباينة والعلو بالمعقول الصريح الموافق للمنقول الصحيح وكما فطر الله عزّ وجل على ذلك خلقه من إقرارهم به وقصدهم إياه»[4].
وقال ابن القيم رحمه الله: «وهو فوق سماواته مستو على عرشه بائن من خلقه»[5].
[1] تفسير الطبري (1/11).
[2] التوحيد وإثبات صفات الرب عزّ وجل (1/257) [مكتبة الرشيد، ط5، 1994م].
[3] الحجة في بيان المحجة (2/108).
[4] مجموع الفتاوى (2/297).
[5] مدارج السالكين (3/411).
الله تبارك وتعالى له جميع أنواع العلو، ومن أنكر شيئًا منها، فقد ضلّ ضلالاً بعيدًا، وقد جاءت النصوص بإثبات أنواع ثلاثة من العلو لله تعالى، وهي:
1 ـ علو الذات، فالله تبارك وتعالى مستو على عرشه، بائن من خلقه، وعرشه فوق جميع مخلوقاته، كما قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [يونس: 3] . وهو مع هذا مطلع على خلقه، محيط بهم، مدبر لأمورهم الظاهرة والباطنة.
2 ـ علو القهر والغلبة، وهو: قهره تعالى لجميع المخلوقات، فالعالم العلوي والسفلي كلهم خاضعون لعظمته مفتقرون إليه في كل شؤونهم، فلا ينازعه منازع، ولا يغلبه غالب، وكل مخلوقاته تحت قهره وسلطانه، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وقد وصف الحق تبارك وتعالى نفسه بصفات كثيرة تدل على علو القهر والغلب كالعزيز، والقوي، والقدير، والقاهر والغالب ونحو ذلك. قال سبحانه: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ *} [الأنعام] . فهو الواحد القهار الذي قهر بعزته وعلوه الخلق كلّهم، فنواصيهم بيده، وما شاء كان لا يمانعه فيه ممانع، وما لم يشأ لم يكن فلو اجتمع الخلق على إيجاد ما لم يشأه الله لم يقدروا، ولو اجتمعوا على منع ما حكمت به مشيئته لم يمنعوه، وذلك لكمال اقتداره، ونفوذ مشيئته وشدة افتقار المخلوقات كلها إليه من كل وجه.
3 ـ علو المكانة والقدر، فصفاته كلها صفات كمال، وله من كل وصف ونعت أكمله وغايته.
وهذا القسم هو الذي أطلق عليه القرآن: (المثل الأعلى) كما في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ لاَ يؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *} [النحل] ، فالمثل الأعلى: الصفات العليا التي لا يستحقها غيره، فالله هو الإله الواحد الأحد، وهو متعال عن الشريك والمثيل والند والنظير: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *اللَّهُ الصَمَدُ *لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ *وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} [الإخلاص] [1].
[1] انظر: توضيح الكافية الشافية للسعدي (3/377) [ضمن المجموعة الكاملة له]، والحق الواضح المبين (224)، [مركز صالح بن صالح الثقافي، ط2، 1412هـ].
المسألة الأولى: من أسماء الله الحسنى الدالة على صفة العلو اسمه تعالى (العلي):
«فإن من لوازم اسم العلي العلو المطلق بكل اعتبار، فله العلو المطلق من جميع الوجوه علو القدر وعلو القهر وعلو الذات فمن جحد علو الذات، فقد جحد لوازم اسمه العلي»[1].
«واسمه العلي يُفسر بهذين المعنيين: يفسر بأنه أعلى من غيره قدرًا فهو أحق بصفات الكمال، ويفسر بأنه العالي عليهم بالقهر والغلبة فيعود إلى أنه القادر عليهم وهم المقدورون. وهذا يتضمن كونه خالقًا لهم وربًّا لهم، وكلاهما يتضمن أنه نفسه فوق كل شيء، فلا شيء فوقه»[2]. قال ابن القيم رحمه الله: «العلي: الذي علا عن كل عيب وسوء ونقص، ومن كمال علوه ألاَّ يكون فوقه شيء، بل يكون فوق كل شيء»[3].
وقد ورد اسم الله (العلي) في القرآن الكريم في ثمانية مواضع، منها قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ *} [البقرة] ، أما في السُّنَّة فقد ورد هذا الاسم الجليل في أحاديث، منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قضى الله تعالى الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحق وهو العلي الكبير. فيسمعها مسترق السمع» الحديث[4]. وهذا الاسم الجليل لله تعالى ثابت بإجماع المسلمين[5].
فيجب الإيمان باسم الله العلي الذي سمَّى الله به نفسه وسمَّاه به رسوله على الوجه اللائق به تعالى؛ لدلالة نصوص الكتاب والسُّنَّة.
المسألة الثانية: ومن أسماء الله الحسنى الدالة على صفة العلو اسمه تعالى: (الأعلى):
الأعلى أفعل تفضيل، فعله: علا يعلو علوًّا، فالأعلى هو الذي ارتفع عن غيره وفاقه في وصفه، والأعلى والعلي والمتعالي أسماء ثابتة لله تعالى واشتقاق هذه الأسماء واحد، ومعناها متقارب، وهو الأعلى سبحانه بمعنى العالي، قال الأزهري: «والأعلى هو الله الذي هو أعلى من كل عالٍ. واسمه الأعلى؛ أي: صفته أعلى الصفات. والعلاء الشرف. وذو العلاء صاحب الصفات العلا، والعلا جمع العليا؛ أي: جمع الصفة العليا والكلمة العليا. ويكون العلا جمع الاسم الأعلى»[6].
والأعلى اسم من أسماء الله الحسنى بدلالة الكتاب والسُّنَّة؛ فمن ذلك قول الله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *} [الأعلى] ، وقال الله تعالى: {إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى *} [الليل] ، وعن حذيفة رضي الله عنه في صفة صلاة النبي صلّى الله عليه وسلّم وفيه: «ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريبًا من قيامه»[7].
فيجب الإيمان باسم الله الأعلى الذي سمَّى الله به نفسه وسمَّاه به رسوله على الوجه اللائق به تعالى؛ لدلالة نصوص الكتاب والسُّنَّة.
وقد دلَّ اسم الله الأعلى على ثبوت العلو المطلق لله من جميع الوجوه؛ علو الذات، وعلو القدر والصفات، وعلو القهر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «و(الأعلى) يجمع معاني العلو جميعها، وأنه الأعلى بجميع معاني العلو. وقد اتفق الناس على أنه علا على كل شيء بمعنى أنه قاهر له قادر عليه، متصرف فيه، وعلى أنه عال عن كل عيب ونقص، فهو عال عن ذلك منزه عنه»[8].
المسألة الثالثة: اسم الله (المتعال):
من أسماء الله الحسنى الدالة على صفة العلو اسمه تعالى (المتعال)، ومعناه: أنه علا كل شيء، وقد أحاط بكل شيء علمًا، وقهر كل شيء، فخضعت له الرقاب ودان له العباد، طوعًا وكرهًا[9].
فالمتعال دال أيضًا على جميع معاني العلو؛ علو الذات، والقهر والعظمة، والقدر[10].
وقد ورد اسم المتعال في القرآن الكريم مرة واحدة، في قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ *} [الرعد: 9] .
وقد ذكره البيهقي في الأسماء الحسنى[11]. وقال الأصبهاني: «اسمه تعالى المتعال؛ أي: تعالى عمَّا يقول الظالمون علوًّا كبيرًا، وقيل: تعالى فوق خلقه»[12].
المسألة الرابعة: وصف الله تعالى بذي المعارج:
من الأوصاف المضافة الدالة على علو الله: ذو المعارج، ومعناه: ذو العلو والدرجات والفواضل والنعم[13]، وقال الخطابي: «هو الذي يُصعد إليه بأعمال العباد، وإليه يُصعد بأرواح المؤمنين»[14]، وقال الحليمي: «هو الذي إليه يُعرج بالأرواح والأعمال»[15]، وقال الأصفهاني في بيان معنى ذي المعارج: «ومعناه: تُعرج أعمال الخلق إليه، كما قال عزّ وجل: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] ، فملائكة النهار تعرج بأعمالكم بالنهار، وملائكة الليل تعرج بأعمالكم بالليل»[16].
فالله تعالى تُعرج إليه الأعمال والأرواح، وإليه تعرج الملائكة، وهو الذي يرفع درجات المؤمنين، ويزيد في الفواضل والنعم؛ فهو سبحانه وتعالى ذو المعارج على الحقيقة.
وقد ورد في القرآن الكريم ما يدل على إطلاق ذلك لله عزّ وجل، وهو قوله تعالى: {مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ *تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ *} [المعارج] ، وثبت في حديث صحيح عند أبي داود وغيره عن جابر رضي الله عنه قال: أهلَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ فذكر التلبية مثل حديث ابن عمر[17] ـ قال: والناس يزيدون: «ذا المعارج» ونحوه من الكلام، والنبي صلّى الله عليه وسلّم يسمع فلا يقول لهم شيئًا»[18]، وفي رواية: «لبَّيك ذا المعارج، لبَّيك ذا الفواضل، فلم يعب على أحد منهم شيئًا»[19].
ولقد عدَّ بعض أهل العلم هذا من الأسماء الحسنى؛ لكونه من الأسماء المضافة الثابتة في حق الله عزّ وجل، قال ابن تيمية: في عدّ الأسماء المضافة من أسماء الله الحسنى: «كذلك أسماؤه المضافة مثل: أرحم الراحمين، وخير الغافرين، ورب العالمين، ومالك يوم الدين، وأحسن الخالقين، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه، ومقلب القلوب وغير ذلك مما ثبت في الكتاب أو السُّنَّة، وثبت الدعاء بها بإجماع المسلمين وليس هذا من التسعة والتسعين»[20].
وممن عدَّه أيضًا: الخطابي[21]، والحليمي[22]، والبيهقي[23]، والأصفهاني[24]، وابن العربي[25]، وابن تيمية[26]، وابن الوزير[27]، وبعض المتأخرين والمعاصرين[28].
ولم يعدّه بعض أهل العلم ضمن أسماء الله الحسنى[29]، وأنكر بعضهم أن يكون من أسماء الله الحسنى[30].
المسألة الخامسة: ذكر أهل العلم أن الله تعالى: رفيع الدرجات:
ومعنى ذلك أنه رفيع المنزلة، ويرفع من يشاء في الدرجات والمنازل، قال ابن العربي: «رفيع الدرجات، لا يلحق مرتبته أحد بحال»[31].
وقد ورد وصف الله عزّ وجل برفيع الدرجات صريحًا في القرآن، قال تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} [غافر: 15] ، وورد ما يدل على معاني رفع الدرجات في كثير من الآيات، كقوله تعالى: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [الأنعام: 83، ويوسف: 76] ، وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [الأنعام: 165] ، وقوله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ *} [الزخرف] ، وغيرها من الآيات.
وقد عدّ هذا الاسم ضمن أسماء الله الحسنى بعض من العلماء منهم: ابن العربي[32]، وابن تيمية[33] وابن حجر في التلخيص[34]، وبعض المعاصرين[35].
وذكر الحليمي[36]، والبيهقي[37]، وابن حجر في الفتح[38]: (الرفيع) دون المضاف إليه، واستدلوا له بقوله تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ} [غافر: 15] ، ولم يعدّه الكثيرون ضمن ما عدوه من أسماء الله الحسنى.
المسألة السادسة: الجمع بين صفتي العلو والمعية: لا تعارض ولا تنافيَ بين علو الله وفوقيته وبين معيته لخلقه أينما كانوا؛ فعُلوُّه تعالى أمر ثابت له، وهو من لوازم ذاته. ودنوه ومعيته لعباده؛ لأنه أقرب إلى كل أحد من حبل الوريد، فهو على عرشه عَليٌّ على خلقه، ومع ذلك فهو معهم في كل أحوالهم، ولا منافاة بين الأمرين؛ وذلك متقرر من وجهين:
أولاً: أنه لا منافاة بينهما في الواقع، فقد يجتمعان في شيء واحد، ولذلك تقول: ما زلنا نسير والقمر معنا، مع أنه في السماء.
الثاني: أنه لو فرض أن بينهما منافاة في حق المخلوق لم يلزم أن يكون بينهما منافاة في حق الخالق؛ لأنه ليس كمثله شيء، وهو تعالى بكل شيء محيط[39].
المسألة السابعة: العلو مقارن للظهور، فكلما كان الشيء أعلى كان أظهر، وكل واحد من العلو والظهور يتضمن معنى الآخر:
ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الصحيح: «وأنت الظاهر فليس فوقك شيء» [40]، ولم يقل فليس أظهر منك شيء؛ لأن الظهور يتضمن العلو والفوقية، فقال: فليس فوقك شيء. ومنه قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا *} [الكهف] ؛ أي: يعلوا عليه، ويقال: ظهر الخطيب على المنبر؛ إذا علا عليه، ويقال للجبل العظيم: علم؛ لأنه لعلوه وظهوره يعلم ويعلم به غيره[41].
المسألة الثامنة: إذا كانت صفة العلو والفوقية صفة كمال لا نقص فيه، ولا تستلزم نقصًا، ولا توجب محذورًا، ولا تخالف كتابًا ولا سُنَّة ولا إجماعًا فنفي حقيقتها يكون عين الباطل والمحال الذي لا تأتي به شريعة أصلاً، فكيف إذا كان لا يمكن الإقرار بوجوده تعالى وتصديق رسله والإيمان بكتابه وبما جاء به رسوله صلّى الله عليه وسلّم إلا بذلك، فكيف اذا انضم إلى ذلك شهادة العقول السليمة، والفطر المستقيمة، والنصوص الواردة المتنوعة المحكمة على علو الله عزّ وجل على خلقه وكونه فوق عباده التي تقرب من عشرين نوعًا[42].
المسألة التاسعة: ما يطلقه المتكلمون من الألفاظ المجملة في هذا الباب كالجهة والحيز ومن خلاله ينفون العلو باعتبار نفي الجهة والحيز، فمذهب أهل السُّنَّة فيها أنهم لا ينفونها ولا يثبتونها على الإطلاق، فهي لم ترد لا في الكتاب ولا في السُّنَّة، ولا قالها أحد من سلف وخيار الأمة في حق الله تعالى لا نفيًا ولا إثباتًا، وحينئذٍ فإطلاق القول بنفيها أو إثباتها ليس من مذهب السلف، وإنما يستفصلون في المعنى، فإن كان المعنى حقًا يليق بجلال وكمال الله تعالى قبلوه، وإن كان باطلاً ردوه ونفوه، واللفظ يتوقفون فيه على كلا الحالين[43].
المسألة العاشرة: المعنى الصحيح لبعض الآيات:
قال الإمام أحمد رحمه الله: «وإنما معنى قول الله عزّ وجل: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} [الأنعام: 3] يقول: هو إله من في السماوات وإله من في الأرض وهو الله على العرش وقد أحاط علمه بما دون العرش لا يخلو من علم الله مكان ولا يكون علم الله في مكان دون مكان»[44]
وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف 84] ؛ يعني: إله أهل السماء وإله أهل الأرض، وذلك موجود في اللغة؛ تقول: فلان أمير في خراسان وأمير في بلخ وأمير في سمرقند؛ وإنما هو في موضع واحد ويخفى عليه ما وراءه، فكيف العالي فوق الأشياء لا يخفى عليه شيء من الأشياء يدبره فهو إله فيهما[45].
[1] مدارج السالكين (1/31) [دار الكتاب العربي، ط2، 1393هـ].
[2] مجموع الفتاوى (16/358).
[3] شفاء العليل (180).
[4] أخرجه البخاري (كتاب التفسير، رقم 4800).
[5] انظر: الحجة في بيان المحجة (2/108).
[6] تهذيب اللغة (3/118 ـ 119) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م].
[7] أخرجه مسلم (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، رقم 772).
[8] مجموع الفتاوى (16/119) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، 1425هـ].
[9] تفسير ابن كثير (4/437) [دار طيبة، ط2]. وانظر: نفس المصدر (5/449)، وتفسير الطبري (16/366) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وتفسير البغوي (4/299) [دار طيبة، ط4، 1417هـ].
[10] انظر: تفسير السعدي (414) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ]، شرح أسماء الله الحسنى (82) [دار الإيمان، دار القمة]، وفقه الأسماء الحسنى (146) [دار التوحيد، ط1، 1429هـ].
[11] انظر: الأسماء والصفات للبيهقي (1/97).
[12] الحجة في بيان المحجة (1/134).
[13] انظر: تفسير الطبري (29/85) [دار ابن حزم، ط1، 1423هـ]، وتفسير القرطبي (21/222)، وتفسير ابن كثير (14/126).
[14] شأن الدعاء (104) [دار الثقافة العربية، ط3، 1412هـ].
[15] المنهاج (1/210) [دار الفكر، ط1، 1399هـ].
[16] الحجة في بيان المحجة (1/164) [دار الراية، ط2].
[17] حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه البخاري (كتاب الحج، رقم 1549)، ومسلم (كتاب الحج، رقم 1184). وألفاظ التلبية فيه هي: «لبيك اللَّهُمَّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك».
[18] أخرجه أبو داود (كتاب المناسك، رقم 1813)، وأحمد (22/325) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن خزيمة (كتاب المناسك، رقم 2626)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1591) [مؤسسة غراس، ط1].
[19] أخرجه البيهقي في الكبرى (كتاب الحج، رقم 9032)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (4/202).
[20] مجموع فتاوى ابن تيمية (22/485).
[21] شأن الدعاء للخطابي (104).
[22] المنهاج في شعب الإيمان (1/210).
[23] الأسماء والصفات (1/229) [مكتبة السوادي].
[24] الحجة في بيان المحجة (1/164).
[25] أحكام القرآن (2/342) [دار الكتب العلمية، ط3].
[26] انـظـر: المـسـتـدرك على مجموع فتاوى ابن تيمية (1/56).
[27] إيثار الحق (160) [دار الكتب العلمية، ط2، 1407هـ].
[28] انظر: الجوائز والصلات لنور الحسن (85) [مطبعة الفاروقية، الهند، 1297هـ] والنهج الأسمى لحمود النجدي (2/344) [مكتبة الإمام الذهبي، الكويت]، ومعتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى لمحمد التميمي (197) [أضواء السلف، ط1، 1419هـ].
[29] كابن منده، وابن حزم، والغزالي، وغيرهم.
[30] مثل: عمر الأشقر في كتابه أسماء الله وصفاته في معتقد أهل السُّنَّة والجماعة (64 ـ 65) [دار النفائس، ط2].
[31] أحكام القرآن (2/344).
[32] أحكام القرآن (2/342).
[33] المستدرك على مجموع فتاوى ابن تيمية (1/56).
[34] تلخيص الحبير (4/3212) [مؤسسة قرطبة، ط1، 1416هـ].
[35] انظر: معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى (173، و198) [أضواء السلف، ط1، 1419هـ].
[36] انظر: المنهاج في شعب الإيمان (1/190).
[37] انظر: الأسماء والصفات (1/54).
[38] فتح الباري (11/257) [دار السلام، ط1].
[39] انظر: القواعد الحسان (8/39) [ضمن مجموع مؤلفات السعدي، وشرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين (1/404).
[40] أخرجه مسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2713).
[41] انظر: مجموع الفتاوى (6/208).
[42] انظر: شرح الطحاوية (318) [المكتب الإسلامي، ط4، 1391هـ].
[43] انظر: مجموع الفتاوى (5/304).
[44] الرد على الجهمية (148 ـ 149) [دار الثبات، ط1، 1424هـ].
[45] مجموع فتاوى ابن تيمية (5/70).
الفرق بين الأعلى والعلي والمتعال:
هذه الصيغ كلها مما ثبت تسمية الله عزّ وجل به، وكلها تشترك في الدلالة على معنى العلو والعظمة والجلال لله عزّ وجل، علو الذات والقَدْر والقهر.
و«الفرق بين العلي والأعلى: أن العلي يدل على كثرة الصفات ومتعلقاتها وتنوعها، والأعلى يدل على عظمتها»[1]، والأعلى أبلغ من العلي، والمتعال أبلغها كلها[2].
الفرق بين العلو والاستواء:
الفرق بين العلو والاستواء من جهات متعددة:
1 ـ العلو صفة ذاتية، والاستواء صفة فعلية.
2 ـ العلو ثابت بالسمع والعقل والفطرة والحس، وأما الاستواء فهو ثابت بالسمع فقط.
قال ابن تيمية رحمه الله: «علوه على المخلوقات وصف لازم له، كما أن عظمته وكبرياءه وقدرته كذلك، وأما الاستواء فهو فعل يفعله سبحانه وتعالى بمشيئته وقدرته، ولهذا قال فيه: ثم استوى، ولهذا كان الاستواء من الصفات السمعية المعلومة بالخبر، وأما علوه على المخلوقات فهو عند أئمة أهل الإثبات من الصفات العقلية المعلومة بالعقل مع السمع»[3].
3 ـ علو الله عام على جميع خلقه، أما الاستواء فلم يرد إلا خاصًّا مقيدًا بالعرش.
4 ـ الاستواء أحد أدلة العلو وليس العكس.
[1] فتح الرحيم الملك العلام للسعدي (44) [دار ابن الجوزي، ط2، 1422هـ].
[2] مجموع الفتاوى (5/237).
[3] مجموع الفتاوى (5/523).
أن الإنسان إذا علم بأن الله تعالى فوق كل شيء، فإنه يعرف مقدار سلطانه وسيطرته على خلقه، وحينئذٍ يخافه ويعظمه، وإذا خاف الإنسان ربه وعظمه، فإنه يتقيه فيؤدي ما أوجب الله عليه، ويدع ما حرم عليه، ومتى آمن العبد بعلو الله المطلق ذاتًا وقدرًا ومكانًا، وفوقيته على سائر بريته، وقهره لهم جميعًا، اتجه إليه بقلب خاشع، وجعله له صمدًا يعرج قلبه إليه مناجيًا له مطرقًا، واقفًا بين يديه في السؤال والرغبة والرهبة والذل والمحبة[1].
[1] انظر: أسماء الله الحسنى لماهر مقدم (46) [مكتبة الإمام الذهبي، ط4، 1431هـ].
1 ـ الإيمان باسم الله العلي وما تضمنه من صفة العلو يورث العبد تعظيمًا لله وذلاً بين يديه وتنزيهًا له عن النقائص والعيوب، وإخلاصًا في عبادته، وبعدًا عن اتخاذ الأنداد والشركاء[1].
2 ـ من شهد مشهد علو الله على خلقه، وفوقيته لعباده، واستواءه على عرشه، وتعبّد بمقتضى هذه الصفة، استحيا أن يصعد إليه من كلمه ما يخزيه ويفضحه هناك.
3 ـ من يشهد تدبيره من الإماتة والإحياء والتولية والعزل والخفض والرفع والعطاء والمنع وكشف البلاء وإرساله وتقلب الدول ومداولة الأيام بين الناس إلى غير ذلك استغنى بالله عن غيره[2].
[1] فقه الأدعية والأذكار (149) للبدر [مطابع الحميضي، ط1، 1429هـ].
[2] طريق الهجرتين (1/78) [دار ابن القيم، ط2].
مذهب المخالفين[1]:
خالف أهلَ السُّنَّة المبتدعةُ عمومًا، وهم في علو الله عزّ وجل على خلقه على ثلاثة أقوال:
القول الأول: هو إنكار العلو، ويزعمون أن الله ليس في مكان، فينكرون أن يكون فوق أو تحت أو يمين أو شمال، ويقولون: هو لا في جهة، وهذا قول الجهمية، والأشعرية ومن وافقهم[2].
القول الثاني: أنه في كل مكان ولا يخلو منه مكان، وهذا قول بشر المريسي والنجارية من المعتزلة، والسالمية، ونسب هذا القول شيخ الإسلام إلى صوفية وعبَّاد الجهمية[3].
القول الثالث: أن الله مستو على عرشه، وهو مع ذلك بذاته في كل مكان، ونسب هذا القول أبو الحسن الأشعري إلى زهير الأستري، ونسبه شيخ الإسلام ابن تيمية لبعض السالمية والصوفية[4].
أما الرد على هؤلاء إجمالاً فإنه يقال:
1 ـ إن الأدلة الصريحة والكثيرة الدالة على علو الله تعالى ترد جميع أقوال المخالفين، وقد تقدمت الإشارة إلى جزء منها.
2 ـ إجماع سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة الذين يُقتدى بهم على إثبات العلو لله تعالى، وأنه مستو على عرشه سبحانه وتعالى، بائن من خلقه.
3 ـ الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها بأنه تعالى عال على خلقه، فما من داع إلا ويجد في نفسه ضرورة تأخذه إلى جهة العلو، مما فيه الدلالة البينة على صفة الفوقية لله تعالى.
4 ـ إن الله خلق الخلق، فإما أن يكون خلقه داخل نفسه أو خارجها، والأول محال؛ لأنه يكون محلاً للأقذار، فلم يبق إلا الثاني، وهو أن خلقه خارج نفسه، وإذا كان كذلك، فإما أن الله تعالى فوق الخلق أو تحته أو يمينه أو شماله، ولا يمكن أن يكون خلقه فوقه فإن لازم ذلك أن يكون الله عزّ وجل تحت العالم، فهي صفة دونية، ولا يمكن أن يكون خلقه يمينه أو شماله؛ لأنها صفة مماثلة، ولم يقل بهذا أحد من العالمين، ولم يبق إلا أن يكون خلقه تحته، وهو سبحانه له الفوقية، وهي صفة كمال للخالق، وهو أَوْلى بذلك، فثبت بذلك صفة العلو عقلاً كما ثبتت شرعًا وفطرة[5].
5 ـ رد دعوى الجسمية والتحيز التي جعلوها لازمة للإثبات؛ فهذه ألفاظ مجملة لم ترد في الكتاب ولا في السُّنَّة، فلا يجوز أن تجعل حاكمة على النصوص الشرعية، فترد دلالة النص المحكم لأجلها! وهذا من أعظم الجناية على النصوص الشرعية، ولئن كان هذا مساغًا لكان مطردًا في كل صفة من صفات الله تعالى، فتنفى كل الصفات بدعوى الجسمية والتحيز والتركيب ونحوها مما لم ينزل الله تعالى بها من سلطان.
[1] انظر في صفة العلو وإثباتها والردود على المخالفين في هذه الصفة: الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد بن حنبل، وإثبات صفة العلو لابن قدامة المقدسي، واجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم، والعلو للعلي الغفار للذهبي.
[2] انظر: المغني لعبد الجبار المعتزلي (5/215، 216)، والتمهيد للباقلاني (300)، والاقتصاد للغزالي (164)، والإرشاد للجويني (58، 59)، والمواقف للإيجي (270).
[3] انظر: مقالات الإسلاميين (1/236، 286، 351)، والملل والنحل للشهرستاني بهامش الفصل (1/55، 113، 114)، ومجموع الفتاوى (2/298).
[4] انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري (1/171)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (2/299).
[5] انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (5/152).
1 ـ «إثبات صفة العلو»، لابن قدامة.
2 ـ «اجتماع الجيوش الإسلامية»، لابن القيم.
3 ـ «أسماء الله الحسنى وصفاته العليا من كتب ابن القيم»، لعماد زكي البارودي.
4 ـ «كتاب التوحيد» (ج2)، لابن منده.
5 ـ «كتاب التوحيد» (ج1)، لابن خزيمة.
6 ـ «توضيح الكافية الشافية»، للسعدي.
7 ـ «الحق الواضح المبين»، السعدي.
8 ـ «شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة»، اللالكائي.
9 ـ «شرح العقيدة الطحاوية»، لابن أبي العز.
10 ـ «الصواعق المرسلة»، لابن القيم.
11 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى» (ج1)، لمحمد حمود النجدي.