هو: أبو اليقظان عمَّار بن ياسر بن عامر بن مالك العنسي حليف بني مخزوم، وأمه سمية مولاة لهم[1]. قدم ياسر والد عمار من اليمن إلى مكة قبل الإسلام، وحالف أبا حذيفة بن عامر المخزومي، وكانت لهذا الرجل جارية اسمها سمية بنت خياط، ويقال: بنت سلْم من لخْم، تزوجها ياسر وولدت له عمارًا فأعتقها أبو حذيفة، وكانوا يعيشون معه إلى أن مات، ولما جاء الإسلام أسلم آل ياسر ودخلوا في دين الله[2].
[1] الإصابة (4/575) [دار الجيل، ط1] وانظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/1136) [دار الجيل، ط1] وسير أعلام النبلاء (1/406) [مؤسسة الرسالة، ط3]، والبداية والنهاية (10/650) [دار هجر، ط1].
[2] انظر: أسد الغابة في معرفة الصحابة (4/691) [دار الفكر، بيروت] وتهذيب الكمال في أسماء الرجال (21/215 ـ 216) [مؤسسة الرسالة، ط1].
ولد قبل الإسلام في مكة، واستشهد في معركة صفين التي وقعت بين معاوية وعلي رضي الله عنهما سنة سبع وثلاثين للهجرة، وكان عمار رضي الله عنه في جيش أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه[1]، وكان عمره ثلاثًا وتسعين سنة[2]، وقيل: كان أربعًا وتسعين سنة، وقيل: إحدى وتسعين سنة[3].
[1] انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (3/1140)، وأسد الغابة في معرفة الصحابة (3/632)، والإصابة في تمييز الصحابة (4/575)، وتقريب التهذيب (رقم 4836).
[2] انظر: الإصابة في تمييز الصحابة (4/575).
[3] انظر: أسد الغابة في معرفة الصحابة (3/631).
هو أحد السابقين الأولين إلى الإسلام، حيث أسلم هو وأبوه وأمه في وقت مبكر[1]، فقد روى البخاري بإسناده عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما أنه قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر»[2].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «كان أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وعمَّار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد»[3].
قال ابن عبد البر: «كان عمَّار وأمه سمية ممَّن عُذِّب في الله، ثم أعطاهم عمار ما أرادوا بلسانه، واطمأن بالإيمان قلبه، فنزلت فيه: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] ، وهذا مما اجتمع أهل التفسير عليه[4]. وهاجر إلى أرض الحبشة، وصلّى القبلتين، وهو من المهاجرين الأولين، ثم شهد بدرًا والمشاهد كلها، وأبلى ببدر بلاء حسنًا، ثم شهد اليمامة، فأبلى فيها أيضًا، ويومئذ قطعت أذنه»[5].
وروى الحاكم عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن أبيه، قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر، فلم يتركوه حتى سبَّ النبي صلّى الله عليه وسلّم، وذكر آلهتهم بخير ثم تركوه، فلمَّا أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما وراءك؟ قال: شرٌّ يا رسول الله، ما تُرِكت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير، قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالإيمان، قال: إن عادوا فعد»[6].
وقال ابن حجر: «كان من السابقين الأولين هو وأبوه، وكانوا ممن يعذب في الله، فكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يمر عليهم فيقول: «صبرًا آل ياسر، موعدكم الجنة»[7] . واختلف في هجرته إلى الحبشة، وهاجر إلى المدينة... ثم استعمله عمر على الكوفة، وكتب إليهم: إنه من النجباء من أصحاب محمد»[8]. وشهد جميع المشاهد؛ بدرًا وما بعدها[9].
[1] انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/1136) وأسد الغابة في معرفة الصحابة (4/691 ـ 692)، وتهذيب الكمال في أسماء الرجال (21/216)، وسير أعلام النبلاء (1/408 ـ 409)، والإصابة في تمييز الصحابة (4/575، و7/712).
[2] أخرجه البخاري (كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، رقم 3660).
[3] أخرجه ابن ماجه (المقدمة، رقم 150)، وأحمد (6/382) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن حبان (كتاب إخباره صلّى الله عليه وسلّم عن مناقب الصحابة، رقم 7083)، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/23) [دار العربية، ط2]: (رجاله ثقات)، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1/66) [مكتبة المعارف، ط1، 1417هـ].
[4] نقل هذا الإجماع ابن حجر في الإصابة (4/575).
[5] الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/1135).
[6] أخرجه الطبري في تفسيره (17/304) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والحاكم في المستدرك (كتاب التفسير، رقم 3362) وصححه، وفي سنده انقطاع.
[7] أخرجه الحاكم في المستدرك (كتاب معرفة الصحابة، رقم 5666) بلفظ: (أبشروا آل عمار وآل ياسر...) وصححه، وقال الألباني: «حسن صحيح». التعليق على فقه السيرة للغزالي (107، 108، حاشية رقم1) [دار الكتب الحديثة، ط6، 1965م].
[8] الإصابة في تمييز الصحابة (4/575).
[9] انظر: البداية والنهاية (10/650).
لعمَّار بن ياسر رضي الله عنهما فضائل عديدة ومناقب جمَّة؛ منها:
أ ـ أنه أحد المبشرين بالجنة؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم له ولأمه وأبيه وهم تحت تعذيب المشركين: «صبرًا آل ياسر، موعدكم الجنة»[1].
ب ـ شهد له النبي صلّى الله عليه وسلّم بأنه ملئ إيمانًا إلى مشاشه، فقد روى ابن ماجه بإسناده عن هانئ بن هانئ قال: دخل عمَّار على علي رضي الله عنهما فقال: مرحبًا بالطيب المطيب. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ملئ عمار إيمانًا إلى مشاشه»[2].
ج ـ سمَّاه النبي صلّى الله عليه وسلّم بالطيب المطيب، فقد جاء من حديث علي رضي الله عنه أنه قال: «كنت جالسًا عند النبي صلّى الله عليه وسلّم فاستأذن عمّار بن ياسر فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ائذنوا له، مرحبًا بالطّيّب المطيّب» »[3].
د ـ شهد له النبي صلّى الله عليه وسلّم بالتسديد في الأمور، فقد جاء من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عمَّار ما عرض عليه أمران إلا اختار الأرشد منهما»[4].
هـ شهد له النبي صلّى الله عليه وسلّم بالثبات على الحق والدعوة إليه حتى الممات، كما ثبت في الصحيح من حديث عكرمة أنه قال: قال لي ابن عباس ولابنه علي: «انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا من حديثه، فانطلقنا فإذا هو في حائط يصلحه، فأخذ رداءه فاحتبى ثم أنشأ يحدثنا حتى أتى ذكر بناء المسجد، فقال: كنا نحمل لبنة لبنة وعمَّار لبنتين لبنتين، فرآه النبي صلّى الله عليه وسلّم فينفض التراب عنه، ويقول: «ويح عمَّار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار» ، قال: يقول عمَّار: أعوذ بالله من الفتن»[5]. وهذه منقبة عظمى لكنها لا تدل على العصمة عن الخطأ.
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: «كنا جلوسًا عند النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي وأشار إلى أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمَّار، وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه »[6].
[1] سبق تخريجه.
[2] أخرجه ابن ماجه (المقدمة، رقم 147)، وابن حبان (كتاب إخباره صلّى الله عليه وسلّم عن مناقب الصحابة، رقم 7076)، وحسن إسناده ابن حجر في الإصابة (4/575)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 5888).
[3] أخرجه الترمذي (أبواب المناقب، رقم 3798) وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (المقدمة، رقم 146)، وأحمد (2/169) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والحاكم (كتاب معرفة الصحابة، رقم 5662) وصححه.
[4] أخرجه الترمذي (أبواب المناقب، رقم 3799) وقال: حديث غريب، وابن ماجه (المقدمة، رقم 148)، وأحمد (41/322) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والحاكم (كتاب معرفة الصحابة، رقم 5665)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 835).
[5] أخرجه البخاري (كتاب الصلاة، رقم 447).
[6] أخرجه الترمذي (أبواب المناقب، رقم 3799) وحسنه، وابن حبان (كتاب إخباره صلّى الله عليه وسلّم عن مناقب الصحابة، رقم 6902)، والحاكم (كتاب معرفة الصحابة، رقم 4451) وصححه، وحسن إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة (3/235).
المسألة الأولى: معنى حديث: «تقتل عمَّار الفئة الباغية»:
قال ابن تيمية رحمه الله: «والحديث ثابت صحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم عند أهل العلم بالحديث، والذين قتلوه هم الذين باشروا قتله»[1].
وقال أيضًا: «ليس لهم أن يقاتلوا عليًّا، ولا يمتنعوا عن مبايعته وطاعته، وإن لم يكن علي مأمورًا بقتالهم، ولا كان فرضًا عليه قتالهم بمجرد امتناعهم عن طاعته، مع كونهم ملتزمين شرائع الإسلام، وإن كان كل من المقتتلين مسلمين مؤمنين»[2]
المسألة الثانية: ما يقال من ضرب عثمان إياه وانتقام عمَّار من عثمان رضي الله عنهما يوم الدار:
ذُكر أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أمر بضرب عمَّار بن ياسر رضي الله عنه، فضُرب ضربًا شديدًا حتى فتق أمعاءه، أو كسر أضلاعه[3]، وأن عمَّارا انتقم لنفسه من عثمان يوم الدار فشارك في قتله، ومما احتجوا به على هذا ما روي عن مسروق بن الأجدع، أنه قال لعمَّار: «علام قتلتم عثمان؟ فقال: على شتم أعراضنا وضرب أبشارنا. فقال: والله ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به ولو صبرتم لكان خيرًا للصابرين.
وخرج أبو موسى فلقي الحسن بن علي فضمه إليه، وقال لعمَّار: يا أبا اليقظان أعدوت على أمير المؤمنين عثمان قتلته؟ فقال: لم أفعل، ولم يسؤني ذلك»[4].
الرد عليهم : والحق أن هذه الآثار والروايات غالبها ليس له أسانيد، وما له إسناد ففي ثبوته نظر، بل جزم بعض الباحثين المختصين[5] بأنه لم يقف على رواية صحيحة الإسناد تدل على أن عثمان ضرب عمَّارا، ثم ذكر طائفة منها وأشار إلى ضعف أسانيدها، ثم قال: «هذا ما ورد في ضرب عمَّار، وهو ضعيف الإسناد، وعلى فرض صحته، وأن عثمان رضي الله عنه ضرب عمَّارًا رضي الله عنه فإن ذلك لا يقدح في أحد منهما، ونشهد أنهما في الجنة، وأنهما من أكابر أولياء الله المتقين، وولي الله قد يصدر منه ما يستحق عليه العقوبة الشرعية فكيف بالتعزير»[6].
وذكر الحافظ أبو نعيم أن ضرب عثمان لعمَّار رضي الله عنهما غير ثابت، ولو ثبت لما استوجب طعنًا في عثمان رضي الله عنه فيقول: «فإذا طعن وقال، ضرب عمَّارًا. قيل له: هذا غير ثابت عنه، ولو ثبت ذلك فللأئمة أن يؤدبوا رعيتهم إذا رأى واجبًا لهم، فإن كان ذلك ظلمًا ألا ترى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم اقتص على نفسه وأقاد، وكذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما أدّبا رعيتيهما باللطم والدرة، فأقادا من نفسيهما، وأما عثمان رضي الله عنه فنُقم عليه ما لم ينقم على واحد منهم»[7].
وأما مشاركة عمَّار رضي الله عنه في قتل عثمان رضي الله عنه فهذا أيضًا كذب محض، فإن جميع الروايات التي تساق في هذا الأمر كلها ليس فيها إسناد يحتج به، وعليه فمن يدّعي مشاركة عمَّار في قتال عثمان فليدل ببرهانه إن كان من الصادقين[8]، وأما هذه الروايات التي لا خطام لها ولا زمام فهي مردودة، ولذا جزم غير واحد بوضعها: قال القاضي أبو بكر ابن العربي: «قالوا معتدين متعلقين برواية كذابين: جاء عثمان في ولايته بمظالم ومناكير، منها: ضربه لعمَّار حتى فتق أمعاءه، ولابن مسعود: حتى كسر أضلاعه، ومنعه عطاءه»[9]. وقال محققو تاريخ الطبري في هذه الروايات: «ولقد بينا كذب وزيف الروايات التي ذكرت ذلك، وسنذكر بعد قليل رواية صحيحة في إعلان عمَّار أنه لم يشارك في ذلك»[10].
وقالوا أيضًا: «ولقد لفق المبتدعة من نسج خيالهم روايات كثيرة عن مشاركة عمَّار في هذه الفتنة، وأن سيدنا عثمان رضي الله عنه أدَّبه في مسألة، فحمل عمَّار رضي الله عنه في نفسه شيئًا من الكراهية لعثمان، وكل ذلك غير صحيح»[11].
[1] منهاج السُّنَّة (4/418).
[2] منهاج السُّنَّة (4/426).
[3] انظر: النص الكامل لكتاب العواصم من القواصم لابن العربي (280) وما بعدها [مكتبة دار التراث، مصر].
[4] البداية والنهاية (10/445، 446).
[5] وهو الدكتور محمد بن عبد الله الغبان.
[6] فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه (1/90، 91) [مكتبة العبيكان، ط1، 1419هـ].
[7] الإمامة والرد على الرافضة لأبي نعيم الأصبهاني (315) [مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط3، 1415هـ].
[8] انظر: الحاشية من صحيح (تاريخ الطبري الخلافة الراشدة) (3/349) [دار ابن كثير، ط1، 1428هـ] وانظر أيضًا من نفس المصدر (3/52)، وتحقيق مواقف الصحابة في الفتن من روايات الإمام الطبري (2/14 ـ 42) [دار طيبة، ومكتبة الكوثر، ط1، 1415هـ].
[9] النص الكامل لكتاب العواصم من القواصم (280).
[10] الحاشية من صحيح (تاريخ الطبري ـ الخلافة الراشدة) (3/349). وانظر أيضًا (3/52) منه.
[11] الحاشية من صحيح (تاريخ الطبري ـ الخلافة الراشدة) (3/349).
1 ـ «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» (ج3)، لابن عبد البر.
2 ـ «أسد الغابة في معرفة الصحابة» (ج4)، لابن الأثير.
3 ـ «الإصابة في تمييز الصحابة» (ج4)، لابن حجر.
4 ـ «الإمامة والرد على الرافضة»، لأبي نعيم.
5 ـ «البداية والنهاية» (ج10)، لابن كثير.
6 ـ «تحقيق مواقف الصحابة في الفتن من روايات الإمام الطبري والمحدثين» (ج2)، لمحمد أمحزون.
7 ـ «سير أعلام النبلاء» (ج1)، للذهبي.
8 ـ «صحيح (تاريخ الطبري ـ الخلافة الراشدة») (ج3)، تحقيق: محمد طاهر ومحمد صبحي حلاق.
9 ـ «فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه» (ج1)، لمحمد عبد الله الغبان.
10 ـ «النص الكامل لكتاب العواصم من القواصم»، لأبي بكر ابن العربي.