حرف العين / عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله عنه

           

هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي[1].
يجتمع نسبه مع نسب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في كعب بن لؤي بن غالب[2].
أمّا كنيته رضي الله عنه فقد اشتهر بأبي حفص، ويلقب بالفاروق، وهو رضي الله عنه جدير بهذا اللقب؛ فإنه ممَّن فرَّق الله به بين الإسلام والكفر بعد إسلامه وبعد توليه الخلافة، وظهر به الإسلام وخفقت راياته في أرجاء المعمورة[3].


[1] نسب قريش للزبيري (346، 347) [مكتبة ابن تيمية، ط3]، وعنه الحاكم في المستدرك (3/80، 81) [دار الفكر، بيروت، ط1، 1398هـ].
[2] وينظر: محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لابن المبرد الحنبلي (1/131) [عمادة البحث العلمي، الجامعة الإسلامية، ط 1، 1420هـ].
[3] ينظر: دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية رضي الله عنه لعبد السلام آل عيسى (1/75 ـ 79) [عمادة البحث العلمي، الجامعة الإسلامية، ط 1، 1423هـ].


مولده :
تعددت الأخبار في تحديد العام الذي ولد فيه عمر رضي الله عنه، فقيل: إنه ولد بعد عام الفيل بثلاثة عشر عامًا[1]، فعلى هذا يكون النبي صلّى الله عليه وسلّم أسنَّ من عمر بثلاثة عشر عامًا، وهذا يشهد له ما ثبت في الصحيح من أنَّ النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر وعمر ماتوا وهم أبناء ثلاث وستين[2]؛ حيث إن عمر رضي الله عنه مكث بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة عشر عامًا، فيكون عمره يوم وفاته مساويًا لعمر النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وقيل: ولد قبل حرب الفِجار الأعظم بأربع سنين[3]. وحرب الفجار وقعت في الجاهلية وكان عمر النبي صلّى الله عليه وسلّم عشرين عامًا[4].
وقيل: كان عمره صلّى الله عليه وسلّم أربعة أو خمسة عشر عامًا[5].
فعلى القول الأول يكون النبي صلّى الله عليه وسلّم أكبر من عمر رضي الله عنه بستة عشر عامًا، وعلى الثاني يكون أكبر منه بأحد عشر عامًا أو عشرة أعوام.
وفي رواية أنه ولد بعد الفجار بأربع سنوات[6].
والقول الأول هو الراجح؛ لموافقته ما في الصحيح كما تقدم، والله أعلم.
وأما وفاته :
توفي رضي الله عنه شهيدًا على يد أبي لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة؛ حيث ضربه بخنجر كان معه وهو قائم يصلي في المحراب، في صلاة الصبح من يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة، سنة ثلاث وعشرين هجرية، طعنه ست طعنات، ورجع العلج بخنجره لا يمر بأحد إلا ضربه، حتى ضرب ثلاثة عشر رجلاً، ثم نحر نفسه هذا المجوسي الهالك، قبَّحه الله تعالى.
حُمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى منزله، والدم يقطر من جرحه، فجعل يفيق ثم يغمى عليه، يذكرونه بالصلاة فيفيق، ويقول: «نعم، ولا حظَّ في الإسلام لمن تركها»، ثم صلى في الوقت، عندها سأل عمَّن قتله، وكان يرجو ربه أن لا يكون مسلمًا، فأجيب بأنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، وبعد أن حمد الله قال رضي الله عنه: «الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل سجد لله سجدة واحدة، ثم قال: قبَّحهُ الله، لقد كنا أمرنا به معروفًا»[7].
لقد كانت رغبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يدفن مع صاحبيه؛ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه، فعندما كان يعاني آلام جراحاته القاتلة وأحس بدنو أجله قال لابنه عبد الله: «انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل: يقرأ عليك عمرُ السلامَ، ولا تقل: أمير المؤمنين؛ فإني لست اليوم للمؤمنين أميرًا، وقل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، فسلَّم وأستأذن ثم دخل عليها، فوجدها قاعدة تبكي فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت: كنت أريده لنفسي، ولأوثرن به اليوم على نفسي، فلمَّا أقبل، قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء، قال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه، فقال: ما لديك، قال: الذي تحبه يا أمير المؤمنين، أذنت، قال: الحمد لله؛ ما كان من شيء أهم إليَّ من ذلك، فإذا أنا قضيت فاحملوني، ثم سلِّم فقل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردّتني فردوني إلى مقابر المسلمين»[8].
فدفن رضي الله عنه مع صاحبيه، كما كان ملازمًا لهما في حياته، وهم كذلك يوم القيامة بإذن الله تعالى.


[1] كما عند خليفة بن خياط في تاريخه (153) [دار طيبة، الرياض، ط2، 1405هـ]، بإسناد ضعيف جدًّا، فيه عبد العزيز بن عمران الزهري، وهو متروك. انظر: تقريب التهذيب (رقم 4114) [دار الرشيد، ط4].
[2] أخرجه مسلم (كتاب الفضائل، رقم 2348).
[3] كما عند خليفة بن خياط في تاريخه (153)، وابن شبَّة في تاريخ المدينة (2/225، 226)، والبلاذري في أنساب الأشراف (145) [مؤسسة الشراع العربي، ط1، 1409هـ]، والطبري في تاريخه (2/562 ـ 563)، كلّهم من طريق الواقدي عن أسامة بن زيد بن أسلم. والواقدي متروك، وأسامة بن زيد بن أسلم ضعيف من قبل حفظه. انظر: التقريب (98، 498).
[4] السيرة النَّبوية لابن هشام (1/243) [مكتبة المنار، ط1، 1409هـ].
[5] المصدر السَّابق (1/241) من كلام ابن هشام.
[6] ذكرها ابن الأثير في أسد الغابة (4/53) [دار إحياء التراث العربي، لبنان] من غير سند، قال: روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: «ولدت بعد الفجار الأعظم بأربع سنين».
[7] ينظر: تاريخ الرسل والملوك للطبري (2/560)، والمحن لأبي العرب (63) [دار العلوم، الرياض، ط1، 1404هـ]، والكامل في التاريخ (2/446 ـ 447)، والبداية والنهاية (7/137).
[8] أخرجه البخاري (كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، رقم 3700). وينظر: صحيح ابن حبان (15/352، رقم 6918)، ومنهاج السُّنَّة النبوية (6/12) [مؤسسة قرطبة، ط1].


ذكر ابن إسحاق رحمه الله أنَّ إسلام عمر رضي الله عنه كان بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة، والتي كانت في شهر رجب من السَّنة الخامسة للبعثة[1].
وروي أنَّ إسلامه رضي الله عنه كان في السَّنة السادسة من البعثة[2].
وثبت في الصحيح[3] أن ابن عمر رضي الله عنهما شهد ما تعرض له عمر رضي الله عنه من تهديد قريش له لما أسلم وعقل ذلك، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما ولد بعد البعثة بسنتين؛ لأن عمره كان يوم غزوة أُحد أربعة عشر عامًا[4]، وكانت أُحد بعد البعثة بستة عشر عامًا، فإذا كان إسلام عمر رضي الله عنه في السَّنة الخامسة من البعثة يكون عمرُ ابن عمر ثلاث سنوات، وهو سن لا يعقل فيه الطفل غالبًا، والذي يظهر أن الأقرب للصواب أن يكون إسلام عمر في السَّنة السادسة أو السابعة[5].


[1] السيرة النبوية (1/422) [دار المعرفة، ط: 1403هـ]، وقال ابن حجر رحمه الله: «جعل ابن إسحاق إسلام عمر بعد هجرة الحبشة، وقد ذكر من وجه آخر أن إسلامه كان عقب هجرة الحبشة الأولى»، فتح الباري (7/1).
[2] أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/269، 270) [دار صادر، 1405هـ]، من طريق الواقدي.
[3] أخرجه البخاري (كتاب مناقب الأنصار، رقم 3864، 3865).
[4] أخرجه البخاري (كتاب الشهادات، رقم 2664)، ومسلم (كتاب الإمارة، رقم 1868).
[5] ينظر: البداية والنهاية (3/79)، حيث رجَّح ابن كثير رحمه الله تأخَّر إسلام عمر رضي الله عنه حتى السُّنَّة التاسعة من البعثة.


إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يلي أبا بكر الصدّيق في الفضل؛ فهو أفضل الناس على الإطلاق بعد الأنبياء والمرسلين وأبي بكر، وهذا ما يلزم المسلم اعتقاده في أفضليته رضي الله عنه، وهو معتقد الفرقة الناجية أهل السُّنَّة والجماعة[1]، وقد وردت الأحاديث الكثيرة والأخبار الشهيرة بفضائل الفاروق رضي الله عنه، ومنها:
1 ـ إيمانه رضي الله عنه وعلمه ودينه :
جاء في منزلة إيمانه رضي الله عنه ما رواه عبد الله بن هشام أنه قال: كنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر: «يا رسول الله، لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا؛ والذي نفسي بيده حتى أكون أحبّ إليك من نفسك» . فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحبُّ إليّ من نفسي. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الآن يا عمر» »[2].
وأما علمه ؛ فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بينما أنا نائم شربت ـ يعني: اللبن ـ حتى أنظر إلى الرِّيِّ يجري في ظفري أو في أظفاري، ثم ناولت عمر ، فقالوا: فما أوَّلته قال: العلم» [3].
وأما دينه؛ فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بينما أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علي عمر وعليه قميص اجتره ، قالوا: فما أوَّلته يا رسول الله؟ قال: الدين»[4].
2 ـ هيبة عمر رضي الله عنه وخوف الشيطان منه :
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: «استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه، عالية أصواتهن على صوته، فلمَّا استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخل عمر ورسول الله يضحك. فقال: أضحك الله سنك يا رسول الله. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلمَّا سمعن صوتك ابتدرن الحجاب» . قال عمر: فأنت أحق أن يَهَبْن يا رسول الله، ثم قال عمر: يا عدوات أنفسهن، أتَهَبْنني ولا تَهَبْن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلن: نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيهًا يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا[5] قطُّ إلا سلك فجًّا آخر» »[6]، هذا الحديث فيه بيان فضل عمر رضي الله عنه وأنه من كثرة التزامه الصواب لم يجد الشيطان عليه مدخلاً ينفذ إليه[7].
3 ـ ملهم هذه الأمة :
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد كان فيما قبلكم من الأمم مُحَدَّثُون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر» [8]، هذا الحديث تضمن منقبة عظيمة للفاروق رضي الله عنه، وقد اختلف العلماء في المراد بالمحدَّث.
فقيل : المراد بالمحدث: الملهم.
وقيل : من يجري الصواب على لسانه من غير قصد.
وقيل : مكلَّم؛ أي: تكلمه الملائكة بغير نبوة، بمعنى أنها تكلمه في نفسه وإن لم ير مكلِّمًا في الحقيقة، فيرجع إلى الإلهام، وفسَّره بعضهم بالتفرس[9].
4 ـ عبقرية عمر الفاروق رضي الله عنه:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رأيت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب، فجاء أبو بكر فنزع ذنوبًا أو ذنوبين نزعًا ضعيفًا والله يغفر له، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غربًا، فلم أر عبقريًا يفري فريه حتى روي الناس وضربوا بعطن» [10]، وهذا الحديث فيه فضيلة ظاهرة لعمر رضي الله عنه تضمنها قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فجاء عمر بن الخطاب فاستحالت غربًا...» الحديث. ومعنى «استحالت»: صارت وتحولت من الصغر إلى الكبر، وأمّا «العبقري» فهو السيد، وقيل: الذي ليس فوقه شيء، ومعنى «ضرب الناس بعطن»؛ أي: أرووا إبلهم ثم آووا إلى عطنها، وهو الموضع الذي تساق إليه بعد السقي لتستريح. وهذا المنام الذي رآه النبي صلّى الله عليه وسلّم مثال واضح لما جرى للصديق وعمر رضي الله عنهما في خلافتهما وحسن سيرتهما وظهور آثارهما وانتفاع الناس بهما، فقد حصل في خلافة الصديق قتال أهل الردة وقطع دابرهم وأشاع الإسلام رغم قصر مدة خلافته، فقد كانت سنتين وأشهرًا، فوضع الله فيها البركة وحصل فيها من النفع الكثير ولما توفي الصديق خلفه الفاروق فاتسعت رقعة الإسلام في زمنه وتقرر للناس من أحكامه ما لم يقع مثله، فكثر انتفاع الناس في خلافة عمر لطولها، فقد مصّر الأمصار، ودوّن الدواوين، وكثرت الفتوحات والغنائم. ومعنى قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فلم أر عبقريًا من الناس يفري فريه» ؛ أي: لم أر سيدًا يعمل عمله ويقطع قطعه. ومعنى قوله صلّى الله عليه وسلّم: «حتى ضرب الناس بعطن» ، قال القاضي عياض: «ظاهره أنه عائد إلى خلافة عمر خاصة، وقيل: يعود إلى خلافة أبي بكر وعمر جميعًا؛ لأن بنظرهما وتدبيرهما وقيامهما بمصالح المسلمين تم هذا الأمر». «وضرب الناس بعطن»؛ لأن أبا بكر قمع أهل الردة، وجمع شمل المسلمين وألَّفهم، وابتدأ الفتوح ومهد الأمور، وتمت ثمرات ذلك وتكاملت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما[11].
5 ـ غيرة عمر رضي الله عنه وبشرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم له بقصر في الجنة :
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رأيتني دخلت الجنة، فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طليحة، وسمعت خشفة فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصرًا بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لعمر، فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك. فقال عمر: بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار!؟» [12]، وفي رواية: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر، فذكرت غيرته فوليت مدبرًا. فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله[13]؟» . هذان الحديثان اشتملا على فضيلة ظاهرة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم برؤيته قصرًا في الجنة للفاروق، وهذا يدل على منزلته عند الله تعالى[14].
6 ـ أحب أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليه بعد أبي بكر رضي الله عنه:
قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: قلت: «يا رسول الله؛ أيُّ الناس أحبّ إليك؟ قال: عائشة ، فقلت: من الرجال؟ قال: أبوها ، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب، فعدّ رجالاً»[15].
7 ـ تبشيره رضي الله عنه بالجنة:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: «كنت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في حائط من حيطان المدينة، فجاء رجل فاستفتح فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «افتح له وبشره بالجنة» ، ففتحت له، فإذا أبو بكر، فبشرته بما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فحمد الله، ثم جاء رجل فاستفتح، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «افتح له وبشره بالجنة» ، ففتحت له فإذا هو عمر، فأخبرته بما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم، فحمد الله، ثم استفتح رجل، فقال لي: «افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه» ، فإذا عثمان، فأخبرته بما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فحمد الله، ثم قال: الله المستعان»[16].


[1] عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة في الصحابة الكرام، لناصر الشيخ (1/243) [الجامعة الإسلامية، ط 1، 1430هـ].
[2] أخرجه البخاري (كتاب الأيمان والنذور، رقم 6632).
[3] أخرجه البخاري (كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، رقم 3681)، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2391).
[4] أخرجه البخاري (كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، رقم 3691)، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2390).
[5] الفج: الطريق الواسع، ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (3/412) [دار الفكر، ط 2، 1399هـ].
[6] أخرجه البخاري (كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، رقم 3683)، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2396).
[7] عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة في الصحابة (1/348).
[8] أخرجه البخاري (كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، رقم 3689)، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2398).
[9] فتح الباري (7/50)، وشرح النووي (15/166) [دار الفكر، بيروت، 1401هـ].
[10] أخرجه البخاري (كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، رقم 3682)، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2393).
[11] شرح النووي (15/161 ـ 162).
[12] أخرجه البخاري (كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، رقم 3679)، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2395).
[13] أخرجه البخاري (كتاب بدء الخلق، رقم 3242)، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2395).
[14] عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة في الصحابة (1/245).
[15] أخرجه البخاري (كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، رقم 3662)، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2384).
[16] أخرجه البخاري (كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، رقم 3693)، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2403).


لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعرفون لعمر رضي الله عنه منزلته ومكانته من النبي صلّى الله عليه وسلّم، ويعرفون له فضله وبلاءه في الإسلام، قال عبد الله بن حوالة رضي الله عنه: «أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو بجب رومة، وهو يكتب الناس، فرفع رأسه إلي، فقال: يا عبد الله بن حوالة، أكتبك؟ فقلت: ما خار الله لي ورسوله، فجعل عليّ يرفع رأسه إلي فقال: أكتبك؟ فقلت: ما خار الله لي ورسوله، فرأيت في الكتاب أبا بكر وعمر، فقلت: إنهما لا يكتبان إلا في خير، فقلت: نعم، فكتبني»[1].
وقال أبو شريح الكعبي رضي الله عنه: «أذن لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قتال بني بكر حتى أصبنا منهم ثأرنا وهو بمكة، ثم أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم برفع السيف، فلقي رهط منا الغد رجلاً من هذيل في الحرم، يؤم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليسلم، وكان قد وترهم في الجاهلية، وكانوا يطلبونه، فقتلوه، وبادروا أن يخلص إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيأمن، فلمَّا بلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غضب غضبًا شديدًا، والله ما رأيته غضب غضبًا أشد منه، فسعينا إلى أبي بكر وعمر وعلي نستشفعهم، وخشينا أن نكون قد هلكنا...»، الحديث[2].
وقد شهد كبار الصحابة وخيارهم رضي الله عنهم بعظم منزلة عمر رضي الله عنه بينهم، وبفضله عليهم بعد صاحبيه النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر بن أبي قحافة الصدّيق رضي الله عنه.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: «كنا نخير بين الناس زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان»[3].
وقال محمد بن الحنفية رحمه الله: «قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: أبو بكر. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر. وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين»[4].
وقال علي رضي الله عنه: «خير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أبو بكر، وخير الناس بعد أبي بكر عمر»[5].
وقال رضي الله عنه: «سبق رسول الله، وصلّى[6] أبو بكر، وثلث عمر، ثم خبطتنا فتنة ما شاء الله»[7].
وقال سويد بن غفلة الجعفي لعلي رضي الله عنه وقد دخل عليه في خلافته: «يا أمير المؤمنين، إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعمر بغير الذي هما له أهل من الإسلام؛ لأنهم يرون أنك تضمر لهما على مثل ذلك، وأنهم لم يجترؤا على ذلك إلا وهم يرون أنك موافق ذلك. ثم ذكر حديث خطبة علي رضي الله عنه وكلامه في أبي بكر وعمر، وقوله في آخره: ألا ولن يبلغني عن أحد يفضلني عليهما إلا جلدته حد المفتري»[8].
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: «ما رأيت أحدًا قط بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من حين قبض، كان أجدّ وأجود حتى انتهى من عمر بن الخطاب»[9].
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «سمعت غير واحد من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منهم عمر بن الخطاب، وكان أحبهم إلي»[10].
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «كان عمر إذا سلك بنا طريقًا وجدناه سهلاً»[11].
وقال رضي الله عنه: «إذا ذكر الصالحون فحيّهلا بعمر»[12].
وقد شهد التابعون ومن جاء بعدهم لعمر رضي الله عنه بالفضل كما شهد له بذلك صحابة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعرفوا له قدره ومنزلته في الإسلام.
قال سالم بن أبي حفصة رحمه الله: سألت أبا جعفر [الباقر] وجعفر [الصادق] عن أبي بكر وعمر؟ فقالا لي: «يا سالم تولّهما، وابرأ من عدوهما، فإنهما كانا إمامَي هدى». قال: وقال لي جعفر: «يا سالم أبو بكر جدي، أيسب الرجل جده!؟» قال: وقال لي: «لا نالتني شفاعة محمد صلّى الله عليه وسلّم في القيامة إن لم أكن أتولاّهما وأبرأ من عدوهما»[13].
وقال مسروق بن الأجدع رحمه الله: «حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السُّنَّة»[14].
وقال محارب بن دثار رحمه الله: «بغض أبي بكر وعمر نفاق»[15].
وقال مجاهد بن جبر المكي رحمه الله: «كنا نتحدث أو نُحدَّث أن الشياطين كانت مصفدة في زمن عمر رضي الله عنه»[16].
وقال أبو جعفر الباقر رحمه الله: «من لم يعرف فضل أبي بكر وعمر فقد جهل السُّنَّة»[17].
وقال جعفر الصادق رحمه الله: «برئ الله ممن تبرأ من أبي بكر وعمر»[18].
والآثار الدالة على مكانة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كثيرة جدًّا؛ مما يدل على منزلته العظيمة عند أهل السُّنَّة والجماعة الذين سلمت ألسنتهم وقلوبهم لأصحاب النبي الكريم صلّى الله عليه وسلّم.


[1] أخرجه أحمد (28/213) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن أبي عاصم في السُّنَّة (2/590) [المكتب الإسلامي، ط1]، وصحح سنده البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (8/6) [دار الوطن، ط1].
[2] أخرجه أحمد (26/298) [مؤسسة الرسالة، ط1] واللفظ له، والبيهقي في السنن الكبرى (كتاب الديات، رقم 16138)، وضعف إسناده محققو المسند.
[3] أخرجه البخاري (كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، رقم 3655).
[4] أخرجه البخاري (كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، رقم 3671).
[5] أخرجه ابن ماجه (المقدمة، رقم 106)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1/24) [المكتب الإسلامي، ط 2، 1408هـ].
[6] قال ابن الأثير رحمه الله: «المُصَلِّي في خَيل الحلبة هو الثاني، سُمِّي به لأن رأسه عند صَلا الأول، وهو ما عن يمين الذنب وشماله»، النهاية في غريب الحديث (3/50).
[7] أخرجه أحمد (2/289) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والحاكم (كتاب معرفة الصحابة، رقم 4426) وصححه.
[8] أخرجه ابن الأعرابي في معجمه (1/303) [دار ابن الجوزي، ط1]، والآجري في الشريعة (4/1725) [دار الوطن، ط2].
[9] أخرجه البخاري (كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، رقم 3687).
[10] أخرجه مسلم (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، رقم 826).
[11] أخرجه الدارمي (كتاب الفرائض، رقم 2907)، وسعيد بن منصور في سننه (1/37، 38) [دار الكتب العلمية، ط1].
[12] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (جامع معمر، رقم 20406)، وابن أبي شيبة في المصنف (كتاب الفضائل، رقم 31975)، وأحمد في فضائل الصحابة (1/263) [مؤسسة الرسالة، ط1].
[13] أخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة (1/175)، وعبد الله بن أحمد في السُّنَّة (227).
[14] أخرجه عبد الله بن أحمد في السُّنَّة (238)، بإسناد حسن.
[15] أخرجه الخلال في السُّنَّة (290) [دار الراية، الرياض، ط1، 1410هـ].
[16] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6/354).
[17] أخرجه أحمد في فضائل الصحابة (1/135، 136) ـ وهو من زيادات عبد الله ـ.
[18] أخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة (1/160)، وعبد الله بن أحمد في السُّنَّة (227).


المسألة الأولى: كان عمر رضي الله عنه مستشارًا للنبي صلّى الله عليه وسلّم:
قال رضي الله عنه: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما»[1].
وقال صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر وعمر: «لو اتفقتما لي ما شاورت غيركما»[2].
المسألة الثانية: كان عمر رضي الله عنه من جباة الزكاة وعمال الصدقة للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وممن يأتمنه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على أموال المسلمين:
استعمل رضي الله عنه عبد الله بن السعدي على الصدقة، فلما فرغ من عمله أعطاه عطاءه وعمالته، فقال: إنما عملت وأجري على الله، فقال عمر: خذ ما أعطيت، فإني عملت على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فَعَمَّلني، فقلت مثل قولك، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أعطيت شيئًا من غير أن تسأل فكل وتصدق»[3] . ولم يبين عمر رضي الله عنه العمل الذي استعمله عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم، وثبت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم بعثه لجباية الصدقات[4].
المسألة الثالثة: كتابته للوحي:
فقد ذكر أهل السير أنه كان من كُتَّاب الوحي للنبي صلّى الله عليه وسلّم[5].
المسألة الرابعة: قيامه بالفتوى والقضاء:
فقد روي أن عمر رضي الله عنه كان من أهل الفتوى في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأنه كان من قضاة النبي صلّى الله عليه وسلّم[6].
المسألة الخامسة: إشارته على أبي بكر رضي الله عنه بجمع القرآن بعد موقعة اليمامة:
كانت موقعة اليمامة إحدى المواقع التي قاتل فيها المسلمون المرتدين بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكانت في أواخر السَّنة الحادية عشرة وأول الثانية عشرة، وقُتل فيها مسيلمة الكذاب، وقُتل فيها من المسلمين ستمائة وقيل سبعمائة، وكان فيهم عدد كبير من قراء القرآن رضي الله عنهم[7]. فخشي عمر رضي الله عنه من استمرار مقتل القراء واستشهادهم في حروب الردة، كما حدث في يوم اليمامة؛ فيفضي ذلك لضياع القرآن الذي حفظه القراء في صدورهم، وتلقوه من النبي صلّى الله عليه وسلّم مباشرة غضًّا كما نزل، وحيث إن القرآن الذي كتب لم يكن مجموعًا في مكان واحد، بل كان متفرقًا، فأشار رضي الله عنه على أبي بكر بجمع القرآن، ثم شرح الله صدر أبي بكر لذلك، فأمر زيد بن ثابت بجمع القرآن[8].
المسألة السادسة: خلافته رضي الله عنه:
لقد وردت عدة أحاديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فيها إشارة إلى خلافة أبي بكر رضي الله عنه من بعده صلّى الله عليه وسلّم، وخلافة عمر رضي الله عنه من بعد أبي بكر رضي الله عنه، وأحقيتهما بالخلافة من بعده صلّى الله عليه وسلّم، ولكن هذه الأحاديث ليس فيها تصريح باستخلافه صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر وعمر من بعده، بل إن عدم استخلافه صلّى الله عليه وسلّم لخليفة من بعده أمر ثابت.
قال عمر رضي الله عنه: «إن أستخلِفْ فقد استخلَفَ من هو خير مني أبو بكر، وإن أتركْ فقد تركَ من هو خير مني؛ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم»[9].
ومن تلك الأحاديث التي فيها الإشارة إلى خلافة الخلفاء من بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم:
ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما من أن رجلاً أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون[10] منها، فالمستكثر والمستقل، وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء، فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، بأبي أنت والله لتدعني فأعبرها، فقال النبي رضي الله عنه: «اعبُرها» ، قال: أما الظلة فالإسلام، وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن وحلاوته تنطف، فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله، ثم يأخذ به رجل من بعدك، فيعلو به، ثم يأخذه رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذه رجل آخر فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به، فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت أصبت أم أخطأت؟ قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا» . قال: فوالله لتحدثني بالذي أخطأت. قال: «لا تقسم»[11].
قال ابن حجر رحمه الله: «قال القاضي عياض: والسبب في اللغة الحبل والميثاق، والذين أخذوا به بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم واحدًا بعد واحد هم الخلفاء الثلاثة وعثمان هو الذي انقطع به ثم اتصل»[12].
تعتبر خلافة عمر رضي الله عنه رمزًا لأمن واستقرار الدولة الإسلامية واتساعها، وعزة الأمة الإسلامية، وقد أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك وهذا من معجزاته صلّى الله عليه وسلّم، وشهد بذلك صحابة النبي صلّى الله عليه وسلّم[13].
قال عمر رضي الله عنه لأصحابه: «أيكم يحفظ قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الفتنة؟ قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: أنا أحفظ كما قال، قال: هات؛ إنك لجريء، قال حذيفة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فتنة الرجل في أهله، وماله، وجاره تكفرها الصلاة والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» ، قال عمر: ليست هذه، ولكن التي تموج كموج البحر. قال: يا أمير المؤمنين، لا بأس عليك منها، إن بينك وبينها بابًا مغلقًا. قال: يفتح الباب أو يكسر؟ قال: لا، بل يكسر. قال: ذلك أحرى أن لا يغلق، قال الصحابة رضي الله عنهم: قلنا: علم عمر الباب؟ قال حذيفة: نعم، كما أن دون غدٍ الليلة، إني حدثته حديثًا ليس بالأغاليط»[14].
ففي هذا الحديث إخبار بعدم وقوع الفتن في عهد عمر؛ فقد مثل حياة عمر بباب لحائط الفتنة وراءه، ومثَّل موته رضي الله عنه بكسر هذا الباب، وأنه إذا مات فإن الباب لن يغلق؛ لأنه كسر كسرًا ولم يفتح. وهو إشارة إلى أن الفتن سوف تظهر بعد موته، ولن يكون لها مانع أو رادّ.
وقد بدأت الفتنة بعد خلافته قبل مقتل عثمان رضي الله عنه ثم تتابعت الفتن، وظهرت الأهواء والبدع في الأمة الإسلامية[15].


[1] أخرجه الترمذي (أبواب الصلاة، رقم 169) وحسنه، وأحمد (1/311) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن خزيمة (كتاب الصلاة، رقم 1341)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 2781).
[2] أخرجه إسحاق في مسنده (2/88) [مكتبة الإيمان، ط1]. وهو عند أحمد (29/517) [مؤسسة الرسالة، ط1]، بلفظ: (لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما)، وقال الهيثمي: (رجاله ثقات، إلا أن ابن غنم لم يسمع من النبي صلّى الله عليه وسلّم). مجمع الزوائد (9/53) [مكتبة القدسي]، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (رقم 1008).
[3] أخرجه البخاري (كتاب الأحكام، رقم 7163)، ومسلم (كتاب الزكاة، رقم 1045)، واللفظ له.
[4] كما عند مسلم (كتاب الزكاة، رقم 983) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمر على الصدقة...» الحديث.
[5] ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله في السيرة النبوية (4/692) [دار المعرفة، 1403هـ]، وغيره.
[6] أخرج ابن سعد في الطبقات (2/334) [دار صادر، ط1] عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن أبا بكر وعمر كانا يفتيان في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم. وأخرج وكيع في أخبار القضاة (1/105) [المكتبة التجارية الكبرى، ط1] عن قتادة قال: (كان قضاة أصحاب محمد ستة)، وذكر منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
[7] ينظر: ما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (6/330) [دار الكتب العلمية، ط1]، وابن حجر في الفتح (9/12)، وقد ذكر الذهبي أسماء ممن استشهد في موقعة اليمامة من الصحابة رضي الله عنهم. ينظر: تاريخ الإسلام ـ عهد الخلفاء الراشدين ـ (54 ـ 73) [دار الكتاب العربي، ط1، 1407هـ].
[8] أخرجه البخاري (كتاب تفسير القرآن، رقم 4679).
[9] أخرجه البخاري (كتاب الأحكام، رقم 7218)، ومسلم (كتاب الإمارة، رقم 1823). قال ابن العربي: «أجمعت الأمة على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ما نصَّ على أحد يكون بعده». العواصم من القواصم (185).
[10] يتكففون: تكفف الشيء: طلبه بكفه.
[11] أخرجه البخاري (كتاب التعبير، رقم 7046)، ومسلم (كتاب الرؤيا، رقم 2269).
[12] فتح الباري لابن حجر (12/435).
[13] دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية رضي الله عنه (2/559).
[14] أخرجه البخاري (كتاب المناقب، رقم 3586)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 144).
[15] ينظر: فتح الباري (6/603 ـ 607).


لقد أعلن الرافضة قبَّحهم الله التكفير والتفسيق واللعن لعمر، ومما يعتقدونه فيه:
أنَّ عمر بن الخطاب كان كافرًا، يُبطن الكفر، ويُظهر الإسلام[1]، ويزعمون أنَّ كفر عمر مساوٍ لكفر إبليس، إن لم يكن أشد منه[2].
وقال شيخ الدولة الصفوية المجلسي: «لا مجال لعاقلٍ أن يشكَّ في كفر عمر، فلعنة الله ورسوله عليه، وعلى كلِّ من اعتبره مسلمًا، وعلى كلِّ من يكفُّ عن لعنه»[3].
ويحتفل الرافضة بيوم مقتله ويجعلونه عيدًا، وأنَّ لهذا اليوم عندهم أكثر من اثنين وسبعين اسمًا؛ منها: يوم تنفيس الكربة، ويوم ندامة الظالم، ويوم فرح الشيعة... ويذكرون أناشيد كثيرة، تُقال في هذه الأعياد[4]، ويُلقبون أبا لؤلؤة: ببابا شجاع الدين، ويدعون الله أن يحشرهم معه[5].
قال المجلسي: «فقد حصل الإجماع على كفره بعد إظهاره الإيمان»[6].
ولقد أجمع الرافضة على وجوب لعن الشيخين، وعلى التبرؤ منهما رضي الله عنهما، بل وعدّوا ذلك من ضروريات دين الإمامية[7]، ومنكر الضروري عندهم كافر كما تقدم، وأنَّ من لعنهما في المساء لم يكتب عليه ذنب حتى يصبح[8]. وقال المجلسي: «إنَّ أبا بكر وعمر كانا كافرين، الذي يحبهما فهو كافر أيضًا»[9].
وأنه ما أهريق في الإسلام من دم، ولا اكتسب مال من غير حلِّه، ولا نكح فرج حرام، إلا كان ذلك في عنق أبي بكر وعمر رضي الله عنهما[10] و«إنهما لم يكن عندهما مثقال ذرَّة في الإسلام»[11].
وقال آيتهم المعاصر عبد الحسين المرشتي: «إنَّ أبا بكر وعمر هما السببان لإضلال هذه الأمة إلى يوم القيامة»[12].
وحكم الرافضة على من زعم بأنَّ لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما نصيب في الإسلام: أنَّ الله تعالى لا يكلمه يوم القيامة، ولا يُزكيه، وله عذاب أليم[13].
وفي كتاب مفتاح الجنان (أو مفتاح النيران!) لعباس القمي، دعاء علماء الشيعة المشهور على أبي بكر وعمر وابنتيهما عائشة وحفصة، والذي هو من أذكار الصباح والمساء عندهم، ونصه: «اللَّهُمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد، والعن صنمي قريش وجبتيها، وطاغوتيها، وإفكيها، وابنتيهما اللذين خالفا أمرك وأنكرا وحيك، وجحدا إنعامك، وعصيا رسولك، وقلبا دينك، وحرَّفا كتابك، وأحبا أعداءك...وألحدا في آياتك.. فقد أخربا بيت النبوة...وقتلا أطفاله، وأخليا منبره من وصيِّه، ووارث علمه، وجحدا إمامته، وأشركا بربهما... وخلدهما في سقر، وما أدراك ما سقر، لا تبقي ولا تذر، اللَّهُمَّ العنهم بكل منكر أتوه، وحق أخفوه... ونفاق أسروه....»[14].
ويسمونهما رضي الله عنهما بفرعون وهامان[15]، وبالوثنين[16]، وباللات والعزى[17].
وصرَّح علماء الشيعة بأن مهديهم المنتظر يحيي أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ثمَّ يصلبهما على جذع نخلة، ويقتلهما كلَّ يوم ألف قتلة[18].
والعياذ بالله تعالى، فأعرضوا بذلك عن النصوص الصحيحة الصريحة الواردة في فضل هذا الخليفة الراشد، والتي سبق بيان بعضها فقط، ليقعوا فيه بأهوائهم وانحرافهم عن المعتقد الواجب في حق هذا الصحابي الجليل، وغيره من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، ورضي الله عن الصحابة أجمعين، والله المستعان.


[1] الصراط المستقيم للبياضي (3/129)، وإحقاق الحق للتستري (284)، وعقائد الإمامية للزنجاني (3/27).
[2] البرهان (2/310)، وبحار الأنوار (8/220)، وتفسير العياشي (2/223 ـ 224).
[3] جلاء العيون للمجلسي (45).
[4] دلائل الإمامة لابن رستم الطبري (257، 258)، والصراط المستقيم (2/26) و(3/29)، والبحار الأنوار (20/330)، والأنوار النعمانية (1/108 ـ 111)، وفصل الخطاب للنوري الطبرسي (219).
[5] الكنى والألقاب لعباس القمي (1/147)، وبحار الأنوار (95/198).
[6] العيون والمجالس (1/9).
[7] الاعتقادات للمجلسي (90، 91).
[8] ضياء الصالحين لمحمد الجوهري (513).
[9] حق اليقين للمجلسي (522)، وكشف الأسرار للخميني (112).
[10] رجال الكشي (41).
[11] وصول الأخيار إلى أصول الأخبار للعاملي (94).
[12] كشف الاشتباه للمرشتي (98).
[13] أصول الكافي (1/373، 374).
[14] مفاتيح الجنان لعباس القمي (114)، وممن ذكر هذا الدعاء كاملاً من علماء الشيعة: الكفعمي في البلد الأمين (511 ـ 514)، وفي المصباح (الجنة الواقية) (548 ـ 557)، والكاشاني في علم اليقين (2/701 ـ 703)، وأسد الله الطهراني الحائري في مفتاح الجنان (113 ـ 114)، ومنظور حسين في تحفة عوام مقبول (423، 424)، وغيرهم كثير.
[15] قرة العيون للكاشاني (432 ـ 433).
[16] ينظر: تفسير العياشي (2/116)، وبحار الأنوار (27/58).
[17] إكمال الدين لابن بابويه الملقب بالصدوق (246)، ومقدمة البرهان للعاملي (294).
[18] إيقاظ من الهجعة بتفسير البرهان على الرجعة للحر العاملي (287).


1 ـ «أخبار مكة»، للفاكهي.
2 ـ «أسد الغابة»، لابن الأثير.
3 ـ «البداية والنهاية»، لابن كثير.
4 ـ «تاريخ الإسلام ـ عهد الخلفاء الراشدين ـ»، للذهبي.
5 ـ «تاريخ الخلفاء»، للسيوطي.
6 ـ «دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية رضي الله عنه»، لعبد السلام آل عيسى.
7 ـ «السُّنَّة»، لابن أبي عاصم.
8 ـ «السُّنَّة»، للخلاّل.
9 ـ «السيرة النَّبوية»، لابن كثير.
10 ـ «السيرة النَّبوية»، لابن هشام.
11 ـ «السيرة النَّبوية في ضوء المصادر الأصلية»، لمهدي رزق الله.
12 ـ «شرح صحيح مسلم»، للنووي.
13 ـ «عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة في الصحابة الكرام»، لناصر بن علي عائض حسن الشيخ.
14 ـ «فضائل الصحابة»، لأحمد بن حنبل.
15 ـ «محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب»، لابن المبرد الحنبلي.
16 ـ «منهاج السُّنَّة النبوية»، لابن تيمية.