حرف العين / العيافة

           

قال ابن فارس رحمه الله: «العين والياء والفاء أصلٌ صحيح واحد يدلّ على كراهة. وعاف الشيء يعافه عيفًا وعيافة وعيافًا وعيفانًا: كرهه فلم يشربه طعامًا أو شرابًا»[1].
والعيافة : مصدر الفعل عاف يعيف عيفًا؛ إذا زجر وحدس وظنّ، وقد غلب على كراهية الطعام. ويقال: عافت الطير؛ إذا كانت تحوم على الماء وعلى الجيف تعيف عيفًا، وتتردد ولا تمضي، تريد الوقوع، فهي عائفة. والعائف: الذي يعيف الطير فيزجرها، وربما قيل للمتكهن: عائف[2].


[1] مقاييس اللغة (4/196) [دار الجيل، ط 1420هـ].
[2] انظر: المحكم والمحيط الأعظم (2/257) [دار الكتب العلمية، ط1، 1421هـ]، وتهذيب اللغة (3/147) [الدار المصرية للتأليف والترجمة]، ولسان العرب (9/261) [دار إحياء التراث العربي، ط3، 1419هـ]، ومقاييس اللغة (4/197).


زجر الطير والتفاؤل أو التشاؤم بأسمائها وأصواتها وأعمارها وممراتها، والاستدلال بذلك على الحوادث واستعلام ما غاب[1].


[1] انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (3/330) [دار إحياء التراث العربي]، وبلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب (3/307) [دار الكتب العلمية]، والمسائل التي خالف فيها رسول الله أهل الجاهلية (2/855).


المعنى اللغوي للعيافة أوسع من المعنى الشرعي؛ إذ إن الشرعي هو جزء منه، وهو يتضمن معنى الكراهة، وذلك أن يرى غرابًا، أو طائرًا، أو غير ذلك فيتطير به، ويقع في نفسه الكراهة[1]، فالمعنى الشرعي أخص من المعنى اللغوي.


[1] انظر: مقاييس اللغة (4/197).


الطيرة.



العيافة من الأمور المحرمة شرعًا، وهي من كبائر الذنوب، وذلك لأنها جبت، وهو من جملة السحر والطيرة والكهانة، وكل هذه مما تضافرت النصوص من الكتاب والسُّنَّة على حرمتها والنهي عنها.



زجر الطير للتشاؤم بها أو التفاؤل، والاستدلال بأسمائها وأصواتها وأعمارها وممراتها وأحوالها على الحوادث، واستعلام ما غاب عنهم، والاعتبار في ذلك غالبًا بأسمائها؛ كما يتشاءم بالعُقاب على العِقاب، وبالغراب على الغربة، ونحوها. فحقيقتها التكلم بالغيب عند سنوح طائر أو حيوان، والفكر فيه بعد مغيبه، والعيافة نوع من أنواع التطير[1].


[1] انظر: بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب (3/307)، وحاشية على كتاب التوحيد لابن قاسم (195) [دار الكتب العلمية]، والقول المفيد (1/514) [دار ابن الجوزي، ط2، 1423هـ]، والتمهيد لشرح كتاب التوحيد لصالح آل الشيخ (308) [دار التوحيد، ط1، 1424هـ].


قال الله تبارك وتعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51] .
وعن قبيصة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت»[1].


[1] أخرجه أبو داود (كتاب الطب، رقم 3907)، وأحمد (25/256) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن حبان (كتاب النجوم والأنواء، رقم 6131)، وقد اختلف أهل العلم في تضعيفه وتصحيحه، فحسَّنه النووي في رياض الصالحين (409) [مكتبة المورد، ط1، 1422هـ]، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (رقم 1794) [مكتبة المعارف].


قال العلامة ابن القيم رحمه الله: «وأما تلك الحكايات المتضمنة لإصابتهم في بعض الأحوال، فليست بأكثر من الحكايات عن أصحاب الكشف، والفأل، وزجر الطائر، والضرب بالحصى، والطرق، والعيافة، والكهانة، والخط، والحدس، وغيرها، من علوم الجاهلية، وأعني بالجاهلية: كل من ليس من أتباع الرسل؛ كالفلاسفة، والمنجمين، والكهان، وجاهلية العرب الذين كانوا قبل النبي صلّى الله عليه وسلّم، فإن هذه كانت علومًا لقوم ليس لهم علم، بما جاءت به الرسل»[1].
وقال الشيخ رشيد رضا رحمه الله: «والطيرة والعيافة من سُنَّة الجاهلية التي نسختها السُّنَّة النبوية؛ لأنها من مفسدات الفطرة»[2].
وقال الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله: «ولا خلاف بين العلماء في منع العيافة، والكهانة، والعرافة، والطرق، والزجر، والنجوم، وكل ذلك يدخل في الكهانة؛ لأنها تشمل جميع أنواع ادعاء الاطلاع على علم الغيب»[3].


[1] مفتاح دار السعادة (3/266) [دار ابن عفان، ط1، 1416هـ].
[2] تفسير المنار (4/171).
[3] أضواء البيان (1/482).


هناك فروق عدة بين العيافة والطيرة، يمكن إجمالها في ما يلي[1]:
1 ـ العيافة تكون بالطير فقط، أما الطيرة فهو اسم عام لما فيه تشاؤم أو تفاؤل بشيء من الأشياء فتكون بالطير، والوحش، والزمان والمكان، والأشخاص، والأرقام، وغير ذلك.
2 ـ الطيرة قد لا يعمد إليها الإنسان بل قد توافقه وتصادفه دون أن يعمد إليها، بخلاف العيافة فإنها تقصد حيث تزجر الطير وينشأ عن ذلك ما ينشأ من تفاؤل أو تشاؤم.
3 ـ العيافة والطيرة يتفقان في تأثيرهما في القلوب، فهما قد يوجبان إمضاءً أو ردًّا.


[1] انظر: حاشية ابن قاسم (195)، والتمهيد لشرح كتاب التوحيد (308)، والطيرة لمحمد بن إبراهيم الحمد (11).


العيافة من السحر، وذلك أن العيافة يستند فيها الإنسان إلى أمر لا حقيقة له؛ فماذا يعني كون الطائر يذهب يمينًا أو شمالاً أو أمامًا أو خلفًا؛ فهذا لا أصل له، وليس بسبب شرعي ولا حسي، فإذا اعتمد الإنسان على ذلك؛ فقد اعتمد على أمر خفي لا حقيقة له، وهذا سحر[1].
وإنما كانت من السحر؛ لأنّ السحر شيءٌ خفيٌّ يؤثر في النفوس، والعيافة من التأثر بالطير وبزجرها وبانتقالها من هنا إلى هنا، أو بحركاتها شيء خفي دخل في النفس فأثر فيها من جهة الإقدام أو الكف، فكانت نوعًا من السحر لأجل ذلك[2].


[1] القول المفيد على كتاب التوحيد (1/517).
[2] التمهيد لشرح كتاب التوحيد (308).


1 ـ الوقوع في براثن الشرك بالله تعالى، والذي لا يغفره الله تعالى إلا بالتوبة.
2 ـ إساءة الظن بالله تعالى، والطعن في قدرته، وعلمه سبحانه بالغيب، وهذا من أعظم الذنوب أثرًا على العائف، أو من طلب العيافة.
3 ـ التشبه بأعمال الجاهلية، وقد جاء الوعيد الشديد فيمن تشبَّه بالكفار.



نُهي عن العيافة؛ لما فيها من تعلق القلوب بغير الله تعالى، والنظر والالتفات إلى الأسباب التي لم يشرعها الله تعالى، ولا أمر بها رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وذلك كله من الشرك بالله تعالى.
وفي تعاطي العيافة تشبُّه بأهل الجاهلية، وقد نهينا عن التشبّه بهم؛ لأن في ذلك وعيدًا شديدًا، والمطلوب شرعًا وعقلاً اتقاء كل ما فيه وعيد من الله تعالى.



1 ـ «بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب»، للآلوسي.
2 ـ «مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية وأثرها السيئ على الأمة الإسلامية»، لإدريس محمود إدريس.
3 ـ «الشرك ومظاهره»، لمبارك الميلي.
4 ـ «رسائل في العقيدة»، محمد إبراهيم الحمد.
5 ـ «القول المفيد على كتاب التوحيد»، لابن عثيمين.
6 ـ «المسائل التي خالف فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أهل الجاهلية»، لمحمد بن عبد الوهاب، [مع شرحها ليوسف السعيد].
7 ـ «التمهيد لشرح كتاب التوحيد»، لصالح بن عبد العزيز آل الشيخ.
8 ـ «الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية»، لآمال بنت عبد العزيز العمرو.
9 ـ «نواقض الإيمان القولية والعملية»، لعبد العزيز آل عبد اللطيف.