حرف العين / العين (صفة لله تعالى)

           

قال ابن فارس رحمه الله: «العين والياء والنون: أصل واحد يدل على عضو به يبصر ويُنظر، ثم يشتق منه، والأصل في جميعه ما ذكرنا»[1].
العين الناظرة لكل ذي بصر ورؤية، وهي: حاسة البصر، وتجمع على أعين، وعيون، وأعيان، وتطلق على عدة معان: العين الجارية، والعين الجاسوس، والعين الدينار، والعين المال الناض، وغيرها[2].


[1] مقاييس اللغة (4/199) [دار الجيل، ط 1420هـ].
[2] انظر: الصحاح (6/2170) [دار العلم للملايين، ط3، 1404هـ]، ومقاييس اللغة (4/199).


صفة ذاتية خبرية لله تعالى، نثبتها له على ما يليق بجلاله وعظمته، بل نثبت له عينين ـ كما دلَّت على ذلك الأدلة ـ على وجه الكمال والجمال، بلا خوض في الكيفية، ولا تمثيل لها بأعين المخلوقات، ولا تأويل ينفي دلائلها.



مما تقدم من التعريفين تتبين العلاقة بينهما، وأنهما دالاَّن على محل الإبصار، لكن التعريف الشرعي هنا مختص بوصف الله تعالى، وهذا يقتضي حمله على غاية الكمال والجمال، والوقوف عنده فقط دون الخوض في الكيفية.



وجوب إثبات أن لله تعالى عينين تليقان به، هما غاية في الكمال والجمال، لا نقص فيهما بوجه من الوجوه، ولا تماثل أعين المخلوقين.



قول الله تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14] ، وقوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي *} [طه] ، وقوله تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48] .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله لا يخفى عليكم، إن الله ليس بأعور ـ وأشار بيده إلى عينه ـ وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية»[1].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] إلى قوله تعالى: {سَمِيعًا بَصِيرًا *} [النساء] ، رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم يضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه[2].


[1] أخرجه البخاري (كتاب التوحيد، رقم 7407)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 169).
[2] أخرجه أبو داود (كتاب السُّنَّة، رقم 4728)، ومن طريقه البيهقي في الأسماء والصفات (1/462) [مكتبة السوادي، ط1]، وابن حبان (كتاب الإيمان، رقم 265)، قال ابن حجر في الفتح (13/373) [دار المعرفة]: (أخرجه أبو داود بسند قوي على شرط مسلم)، وصححه الألباني في قصة المسيح الدجال (64) [المكتبة الإسلامية].


قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} [هود: 37] : «بعين الله تبارك وتعالى »[1].
وقال ابن خزيمة: «باب ذكر إثبات العين لله على ما ثبّته الخالق البارئ لنفسه في محكم تنزيله، وعلى لسان نبيه صلّى الله عليه وسلّم، قال الله جلّ جلاله لنبيه نوح صلوات الله عليه: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} [هود: 37] ، وقال : {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14] ، وقال عزّ وجل في ذكر موسى {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي *} [طه] ، وقال: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48] ، فواجب على كل مؤمن أن يثبت لخالقه وبارئه ما ثبت الخالق البارئ لنفسه»[2].
ونقل أبو الحسن الأشعري من مقالة أصحاب الحديث وأهل السُّنَّة: «وأن الله على عرشه، وأن له عينين بلا كيف»[3].
ونقل ذلك عنه ابن تيمية في الفتوى الحموية[4].


[1] أخرجه الطبري في تفسيره (15/309) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/116) [مكتبة ألسوادي، ط1].
[2] كتاب التوحيد لابن خزيمة (1/96) [مكتبة الرشد، ط2، 1411هـ]. وانظر: شرح السُّنَّة (1/155) [دار الكتب العلمية، ط1، 1412هـ].
[3] مقالات الإسلاميين (290) [دار فرانز شتايز، ط3، 1400هـ].
[4] انظر: مجموع الفتاوى (5/90).


الثابت لله عزّ وجل عينان تليقان بجلاله وعظمته، ويدل على ذلك حديث وصف الدجال بأنه أعور، ونفي العور عن الله تعالى، والعور مرض في إحدى عيني كل ذي عينين[1]، فكان الحديث دليلاً ظاهرًا على وصف الله تعالى بأن له عينين تليقان بجلاله وعظمته[2].
«ووجه الدلالة أنه لو كان لله أكثر من اثنتين، لكان البيان به أوضح من البيان بالعور؛ لأنه لو كان لله أكثر من عينين، لقال: إن ربكم له أعين؛ لأنه إذا كان له أعين أكثر من ثنتين، صار وضوح أن الدجال ليس برب أبين. وأيضًا: لو كان لله عزّ وجل أكثر من عينين، لكان ذلك من كماله، وكان ترك ذكره تفويّتا للثناء على الله؛ لأن الكثرة تدل على القوة والكمال والتمام، فلو كان لله أكثر من عينين، لبيَّنها الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ لئلاَّ يفوتنا اعتقاد هذا الكمال، وهو الزائد على العينين الثنتين»[3].
ولا ينافي هذا ورود العين لله تعالى بصيغة الجمع كما في قوله سبحانه وتعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14] ، وبصيغة المفرد كما في قوله عزّ وجل: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي *} [طه] .
فالجمع يراد به التعظيم والمطابقة بين المضاف والمضاف إليه وهو (نا) الدال على التعظيم، وذلك مثل قوله تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس: 71] ، مع ورود الدليل الصريح على أن لله تعالى يدين.
وقد يقال بأن الجمع هنا لا ينافي التثنية على القول بأن أقل الجمع اثنان.
وأما صيغة المفرد فلا تعارض التثنية؛ لأن المفرد المضاف لا يمنع التعدد فيما كان متعددًا[4]، ومثال هذا قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34] ، وقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] .


[1] مقاييس اللغة (4/184).
[2] نقض الدارمي على بشر المريسي (305) [مكتبة الرشد، ط1، 1418]، والتوحيد لابن خزيمة (98)، وشرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للغنيمان (1/280) [مكتبة لينة، ط2، 1413هـ]، والصفات الإلهية لمحمد أمان الجامي (317) [المكتبة الأثرية، المدينة المنورة].
[3] شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين (263).
[4] انظر: الصواعق المرسلة (1/255) [دار العاصمة، ط1، 1408هـ]، شرح الواسطية لابن عثيمين (270).


1 ـ الإيمان بغاية الكمال والجمال التي عليها صفات الله تعالى، فله الصفات العلا، ومن ذلك أن له عينين تليقان بعظمته وجلاله وجماله، فيثبتها المؤمن على هذا الوجه بعيدًا عن واردات التشبيه، وشبهات التعطيل.
2 ـ التعبّد لله تعالى بمراقبته؛ فهو مطلع على عباده، لا يغيب عن بصره شيء.
3 ـ التعبّد لله تعالى بالتوكل عليه، والتذلل بين يديه؛ فهو يحب أن يرى عبده متذللاً بين يديه، منزلاً حاجته على بابه، فيشكر له ذلك فيعطيه سؤله ويقضي حاجته ويعينه على مطلوبه، ويجزيه من الثواب أعظم مما طلب وسأل.
4 ـ الثقة بنصر الله تعالى للمؤمنين، وانتقامه من الظالمين، فالظالم وإن امتد به الزمان سنين، فإنه لن يغيب عن عين الله تعالى، فالله تعالى يملي له حتى إذا أخذه لم يفلته.
5 ـ انتظام أمر الكون بنظر الله تعالى له وإحاطته به، فلا يغيب عن خالقه ومدبره منه مثقال ذرة.
6 ـ تأييد الله تعالى لأنبيائه ورسله وعباده الصالحين؛ فهو معهم يسمع ويرى، فكفى به شهيدًا، وكفى به وليًّا وكفى به نصيرًا.
7 ـ عاقبة السوء الواقعة على أعداء الله ورسله، وإن اغتروا بامتداد زمن وظاهر زينة، إلا أن الظلم حبل مقطوع بأخذ شديد من عزيز لا تخفى عليه خافية.



خالف عموم المتكلمين من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة المتأخرين، فأنكروا إثبات صفة العين لله تعالى؛ بحجة أن هذا يستلزم التشبيه والتجسيم والتركيب، وأَوَّلوا ذلك إلى معنى العلم[1] أو شدة الحراسة والحفظ[2].
وقالوا أيضًا: إن حمل الآيات الدالة عليها على ظاهرها يقتضي المماسة والمخالطة، في مثل قوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي *} [طه] [3].


[1] شرح الأصول الخمسة (227) [مكتبة وهبة، ط3].
[2] أساس التقديس للرازي (96) [مؤسسة الكتب الثقافية، ط1، 1415هـ]، ومقالات الإسلاميين (195).
[3] انظر: شرح الواسطية لابن عثيمين (271)، ومجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (2/275).


أن دعوى التشبيه والتجسيم والتركيب ما هي إلا لوازم باطلة في رد الإثبات، وإلا فالإثبات لا يلزم أي شيء من ذلك، إضافة إلى أنها ألفاظ مجملة لا يجوز أن يرد بها المحكم من النصوص الشرعية.
وقد تقدم أن إثبات العينين لله تعالى هو على غاية الكمال والجمال اللائق بالله عزّ وجل، دون تشبيه له بأحد من خلقه، أو تكييف بكيفية معينة، الشأن في كل صفة ثابتة لله عزّ وجل.
أما القول بأن إثبات ظاهر الآيات يستلزم المماسة، فهو باطل أشد البطلان؛ إذ إن المثبت من الآيات هو صفة العين، وهو معنى واضح معلوم من ظاهر الآيات، أما المماسة والممازجة أو أن تكون العين هي آلة الصنع ونحو ذلك، فكل هذا ليس من ظاهر الآيات في شيء، فلا يمكن لأحد يفهم لغة الخطاب أن يفهم من هذه الآيات هذه اللوازم الباطلة، فلا يدعى على أهل السُّنَّة أنهم أَوَّلوا الظاهر لما لم يأخذوا بهذه اللوازم؛ لأنها ليست ظاهرًا أصلاً لدلالات الآيات.
والكلام حين يفهم منه معنى حقيقي فهو الظاهر المراد، لا استعمالات أفراد الألفاظ في معان أخر[1].


[1] وانظر في الرد: شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للغنيمان (1/283).