حرف الغين / الغضب

           

الغين والضاد والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على شدَّة وقُوّة[1]، وهو ضد الرضا[2].
والغضب عند المخلوق منه المحمود ومنه المذموم[3].


[1] مقاييس اللغة (4/428) [دار الفكر، 1399هـ].
[2] القاموس المحيط (154) [مؤسسة الرسالة، ط2].
[3] لسان العرب (1/648) [دار صادر].


صفة فعلية لله تعالى تليق بجلاله وعظمته، كما أثبت ذلك هو لنفسه، وجعله متعلقًا بوقوع موجبه كالشرك به، ومخالفة أمره ونحو ذلك.



العلاقة ظاهرة بين التعريفين من حيث إفادة عدم الرضا، إلا أن المعنى الشرعي مختص بمعنى الكمال والمدح في هذا الوصف، أما التعريف اللغوي فيدخل فيه الغضب بمعنى لا يدل على الكمال، كما هو الواقع في حال كثير من الناس في وقوع الغضب منهم على حظوظ يفوِّتون معها العدل والأمانة.



وجوب إثبات صفة الغضب لله تعالى على وجه الكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه.



الغضب صفة فعلية لله تعالى، تليق بعظمته سبحانه، ومن المعلوم أن من كان يوصف بالرضا والغضب أكمل ممَّن لا يوصف بهما، أو لا يوصف إلا بأحدهما؛ فوضع الشيء في موضعه هو محل التمدح والكمال.
قال أبو العباس ابن تيمية: «ولهذا وُصف الرب بالعلم دون الجهل، والقدرة دون العجز، والحياة دون الموت، والسمع والبصر والكلام دون الصم والعمي والبكم، والضحك دون البكاء، والفرح دون الحزن. وأما الغضب مع الرضا، والبغض مع الحب، فهو أكمل ممن لا يكون منه إلا الرضا والحب دون البغض والغضب للأمور التي تستحق أن تذم وتبغض، ولهذا كان اتصافه بأنه يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويعز ويذل، أكمل من اتصافه بمجرد الإعطاء والإعزاز والرفع؛ لأن الفعل الآخر حيث تقتضي الحكمة ذلك أكمل ممن لا يفعل إلا أحد النوعين ويخل بالآخر في المحل المناسب له، ومن اعتبر هذا الباب، وجده على قانون الصواب، والله الهادي لأولي الألباب»[1].


[1] الرسالة الأكملية، مجموع الفتاوى (6/92).


قال الله تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ *} [النور] ، وقال تعالى: {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى *} [طه] ، وقال تعالى: {فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الأنفال: 16] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لما قضى الله الخلق كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي»[1].


[1] أخرجه البخاري (كتاب بدء الخلق، رقم 3194)، ومسلم (كتاب التوبة، رقم 2751).


قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا} [الزخرف: 55] : «أغضبونا»[1].
وروي مثل ذلك عن مجاهد، وقتادة، والسدي، وعبد الرحمن بن زيد[2].
وقال الخلال: «وذهب أحمد بن حنبل رضي الله عنه إلى أن الله تعالى يغضب ويرضى، وأن له غضبًا ورضًا، وقرأ أحمد قوله عزّ وجل: {وَلاَ تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى *} [طه] ، فأضاف الغضب إلى نفسه»[3].
وقال الطحاوي في عقيدته: «والله يغضب ويرضى، لا كأحد من الورى»[4].
وقال أبو العباس ابن تيمية: «ووصف نفسه بالغضب فقال: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ} [الفتح: 6] ، ووصف عبده بالغضب في قوله: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} [الأعراف: 150] ، وليس الغضب كالغضب»[5].
وقال ابن أبي العز: «ومذهب السلف وسائر الأئمة إثبات صفة الغضب، والرضا، والعداوة، والولاية، والحب، والبغض، ونحو ذلك من الصفات، التي ورد بها الكتاب والسُّنَّة، ومنع التأويل الذي يصرفها عن حقائقها اللائقة بالله تعالى»[6].
وقال محمد الأمين الشنقيطي: «واعلم أن الغضب صفة وصف الله بها نفسه إذا انتهكت حرماته، تظهر آثارها في المغضوب عليهم، نعوذ بالله من غضبه ، ونحن معاشر المسلمين نمرها كما جاءت، فنصدق ربَّنا في كل ما وصف به نفسه، ولا نكذب بشيء من ذلك، مع تنزيهنا التام له عن مشابهة المخلوقين سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا»[7].


[1] تفسير الطبري (21/622) [مؤسسة الرسالة، ط1].
[2] المصدر السابق (21/622).
[3] عقيدة الإمام أحمد للخلال (109) [دار قتيبة، ط1، 1408هـ].
[4] شرح الطحاوية (2/684) [مؤسسة الرسالة، ط5].
[5] التدمرية (29) [ط1، 1405هـ].
[6] شرح العقيدة الطحاوية (2/685).
[7] أضواء البيان (4/147) [دار الفكر، ط1، 1415هـ].


ـ ورود الأسف في النصوص:
يقول الله تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ *} [الزخرف] ، ومعنى قوله: {آسَفُونَا}؛ أي: أسخطونا، كما ورد عن ابن عباس[1]، وعن الضحاك وغيره: أغضبونا[2].
فالأسف بمعنى الغضب[3].


[1] أخرجه الطبري في تفسيره (21/622) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وسنده حسن.
[2] انظر: تفسير ابن جرير الطبري (21/621)، وتفسير ابن كثير (7/232)، وتفسير السعدي (767).
[3] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/442، 662)، والعقيدة الواسطية مع شرح ابن عثيمين (224)، ومجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (5/30).


1 ـ الخوف من الله تعالى، والحذر من عاقبة غضبه سبحانه، فيطاع أمره، ويجتنب ما نهى عنه.
2 ـ الاعتبار بحال المغضوب عليهم، والاستعاذة من حالهم، والحذر من سلوك سبيلهم.
3 ـ أن يكون غضب المؤمن موافقًا لما يُغضب الله تعالى، ويجتنب الغضب الذي يبغضه الله تعالى.
4 ـ ظهور سُنَّة الله تعالى في أعدائه المكذبين لرسله، المعادين لأوليائه، بنزول العقوبة بهم، وجعلهم عبرة لمن بعدهم، كما قصَّ الله تعالى عن كثير منهم.
5 ـ الفرقان بين الحق والباطل؛ بظهور سبيل الله وعلوِّها، ودحر سبيل الشيطان وزهوقها؛ فلا تستوي عاقبة من رضي عنه الله عزّ وجل ومن غضب عليه، فمن عقل أدرك الفرقان.
6 ـ ظهور آثار الذنوب والمعاصي في الأرض من المصائب والابتلاءات، فما نزل بلاء إلا بذنب، وما ارتفع إلا بتوبة، وكما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ *} [الشورى] .



خالف في هذه الصفة عموم المتكلمين من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، فنفوها عن الله تعالى؛ بحجة استلزامها للتشبيه وإضافة النقص إلى الله تعالى؛ إذ إن الغضب ـ كما يقولون ـ غليان دم القلب، والله تعالى منزَّه عن مثل هذا.
يقول فخر الدين الرازي: «الغضب عبارة عن التغير الذي يعرض للإنسان في مزاجه عند غليان دم قلبه؛ بسبب مشاهدة أمر مكروه وذلك محال في حق الله تعالى، فهو محمول على إرادته لمن عصاه الإضرار من جهة اللعن والأمر بذلك»[1].
والرد عليهم:
الرد بنفي هذا اللازم الذي ذكروه في إثبات الصفة، فأهل السُّنَّة يثبتونها لله تعالى على وجه الكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه من الوجه، ولا مماثلة فيه لشيء من صفات المخلوقين.
وما هذه الإلزامات التي يوردونها على الإثبات إلا تدليس وتلبيس لرد الحق؛ فإنهم أخذوا في مسمى الصفة خصائص المخلوق ثم نفوها جملة عن الخالق، وهذا في غاية التلبيس والإضلال، فإن الخاصية التي أخذوها في الصفة لم تثبت لها لذاتها، وإنما تثبت لها بإضافتها إلى المخلوق، ومعلوم أن نفي خصائص صفات المخلوقين عن الخالق لا يقتضي نفي أصل الصفة عنه سبحانه، ولا إثبات أصل الصفة له يقتضي إثبات خصائص المخلوق له، كما أن ما نفي عن صفات الرب تعالى من النقائص والتشبيه لا يقتضي نفيه عن صفة المخلوق، ولا ما ثبت لها من الوجوب والقِدَم والكمال يقتضي ثبوته للمخلوق لإطلاق الصفة على الخالق والمخلوق، فالصفة الثابتة لله مضافة إليه لا يتوهم فيها شيء من خصائص المخلوقين لا في لفظها ولا في ثبوت معناها، وكل من نفى عن الرب تعالى صفة من صفاته لهذا الخيال الباطل لزمه نفي جميع صفات كماله؛ لأنه لا يعقل منها إلا صفة المخلوق، بل ويلزمه نفي ذاته؛ لأنه لا يعقل من الذوات إلا الذوات المخلوقة، ومعلوم أن الرب سبحانه وتعالى لا يشبهه شيء منها[2].


[1] تفسير الرازي (مفاتيح الغيب) (3/168) [دار الكتب العلمية، ط1، 1421هـ].
[2] انظر: جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام لابن القيم (85) [عالم الكتب، بيروت]، والرسالة الأكملية لابن تيمية، مجموع الفتاوى (6/119).


1 ـ «أضواء البيان»، للشنقيطي.
2 ـ «التدمرية»، لابن تيمية.
3 ـ «تفسير الطبري».
4 ـ «جلاء الأفهام»، لابن القيم.
5 ـ «شرح العقيدة الطحاوية»، لابن أبي العز.
6 ـ «الصفات الإلهية في الكتاب والسُّنَّة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه»، لمحمد أمان الجامي.
7 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي عبد القادر السقاف.
8 ـ «عقيدة الإمام أحمد»، لأبي بكر الخلال.
9 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.