حرف الألف / الأصابع

           

قال ابن فارس رحمه الله: «الصاد والباء والعين أصل واحد، ثم يستعار، فالأصل إصبع الإنسان، واحدةُ أصابعه. قالوا: هي مؤنّثة. وقالوا: قد يذكَّر»[1].
والأُصْبَعُ: واحدة الأَصابِع، يذكر ويؤنث، وفيه لغات؛ يقال: إِصْبَعٌ، بتثليث الهمزة، ومع كلِّ حركةٍ تُثَلَّثُ الباءُ، فهذه تِسْعُ لُغاتٍ، والعاشرة: أُصْبوعٌ[2]، ويقال: صَبعت بفلانٍ وعلى فلانٍ أَصبَعُ صبْعًا؛ إذا أشرت نحوه، مغتابًا له، وصبَعت فلانًا على فلان: دللته عليه بالإشارة[3].


[1] مقاييس اللغة (3/330) [دار الجيل، 1420هـ].
[2] انظر: القاموس المحيط (736) [مؤسسة الرسالة، ط8]، وتاج العروس (21/312) [دار الهداية].
[3] انظر: مقاييس اللغة (3/330 ـ 331)، والصحاح (3/1241) [دار العلم للملايين، ط3، 1404هـ]، ولسان العرب (7/279) [دار إحياء التراث العربي، ط3، 1419هـ].


الأصابع: صفة ذاتية خبرية ثابتة لله عزّ وجل بنصوص السُّنَّة على ما يليق بجلال الله وعظمته[1].


[1] انظر: الصفات الإلهية في الكتاب والسُّنَّة النبوية لمحمد أمان جامي (309) [الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، ط2، 1413هـ].


يجب إثبات صفة الأصابع لله عزّ وجل من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، لثبوتها عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.



ثبتت صفة الأصابع لله عزّ وجل بنصوص السُّنَّة، ومنها: ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «جاء حبر من اليهود إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنه إذا كان يوم القيامة جعل الله السماوات على إصبع والأرضين على إصبع، والماء والثرى على إصبع، والخلائق على إصبع ثم يهزهن، ثم يقول: أنا الملك. أنا الملك. قال: فلقد رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم يضحك حتى بدت نواجذه تعجبًا وتصديقًا لقوله»[1].
وفي لفظ آخر: «إذا كان يوم القيامة جعل الله السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع فيقول: أنا الملك»[2].
وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر أن يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك». فقلت: يا رسول الله آمنّا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: «نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كما يشاء»[3].
وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: «الميزان بيد الرحمن إن شاء يرفع أقوامًا ويضع آخرين، وقلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن، إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه»[4].
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن»[5].


[1] أخرجه البخاري (كتاب التوحيد، برقم 7513)، ومسلم (كتاب صفة القيامة والجنة والنار، برقم 2786).
[2] أخرجه البخاري (كتاب تفسير القرآن، برقم 4811)، ومسلم (كتاب صفة القيامة والجنة والنار، برقم (2786).
[3] أخرجه الترمذي (أبواب القدر، رقم 2140) وحسَّنه، وأحمد (19/160) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1685).
[4] أخرجه ابن ماجه (المقدمة، رقم 199)، وأحمد في مسنده (29/178) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والحاكم في المستدرك (كتاب الدعاء، رقم 1926) وصححه على شرط مسلم، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (5/126).
[5] أخرجه مسلم (كتاب القدر، رقم 2654).


قال ابن قتيبة رحمه الله: «ونحن نقول: إنَّ هذا الحديث صحيح، وإن الذي ذهبوا إليه في تأويل الإصبع لا يشبه الحديث؛ لأنه عليه السلام قال في دعائه: «يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك» . فقالت له إحدى أزواجه: أوَ تخاف يا رسول الله على نفسك؟ فقال: «إنَّ قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الله عزّ وجل» ، فإن كان القلب عندهم بين نعمتين من نعم الله تعالى؛ فهو محفوظ بتينك النعمتين؛ فلأي شيء دعا بالتثبيت؟ ولِم احتج على المرأة التي قالت له: أتخاف على نفسك؟ بما يؤكد قولها؟ وكان ينبغي أن لا يخاف إذا كان القلب محروسًا بنعمتين. فإن قال لنا: ما الإصبع عندك ها هنا؟ قلنا: هو مثل قوله في الحديث الآخر: «يحمل الأرض على إصبع» ، وكذا على إصبعين، ولا يجوز أن تكون الإصبع ها هنا نعمة، وكقوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] ، ولم يجز ذلك. ولا نقول: إصبعٌ كأصابعنا، ولا يدٌ كأيدينا، ولا قبضةٌ كقبضاتنا؛ لأن كل شيء منه عزّ وجل لا يشبه شيئًا منّا»[1].
وقال ابن خزيمة في كتابه «التوحيد»: «باب إثبات الأصابع لله عزّ وجل»، وذكر بأسانيده ما يثبت ذلك، ثم قال: «والصواب والعدل في هذا الجنس مذهبًا، مذهب أهل الآثار ومتبعي السنن، واتفقوا على جهل من يسميهم مشبهة، إذ الجهمية المعطلة جاهلون بالتشبيه كيف يكون مشبِّهًا من يثبت لله أصابع على ما بيَّنه النبي المصطفى صلّى الله عليه وسلّم للخالق البارئ»[2].
وقال الآجري: «باب الإيمان بأن قلوب الخلائق بين إصبعين من أصابع الرب عزّ وجل، بلا كيف»[3].
وقال البغوي: «والإصْبَع المذكورة في الحديث صفة من صفات الله عزّ وجل، وكذلك كل ما جاء به الكتاب أو السُّنَّة من هذا القبيل من صفات الله تعالى؛ كالنفس، والوجه، والعين، واليد، والرِّجل، والإتيان، والمجيء، والنُّزُول إلى السماء الدنيا، والاستواء على العرش، والضحك، والفرح»[4].


[1] تأويل مختلف الحديث (303) [المكتب الإسلامي، ط2].
[2] كتاب التوحيد (1/191) [مكتبة الرشد، ط1].
[3] الشريعة للآجرّي (3/1156) [دار الوطن، ط1].
[4] شرح السُّنَّة (1/168) [المكتب الإسلامي، ط2].


المسألة الأولى: عدد الأصابع لله عزّ وجل:
ورد في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه السابق ذكر خمسة أصابع، وهذا مما يفيد أن لله تعالى خمسة أصابع.
قال عبد الله بن مانع: سألت شيخنا ـ يعني: ابن باز رحمه الله ـ عن حديث إثبات الأصابع لله هل هو للحصر، وأن الأصابع خمس؟
الجواب: «نعم؛ لأن الأصابع استوعبت الخلائق، وسائر الخلق على إصبع»[1].
المسألة الثانية: بيان معنى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن»:
قال ابن تيمية رحمه الله: «وأما قوله: «قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن» : فإنه ليس في ظاهره أن القلب متصل بالأصابع، ولا مماس لها، ولا أنها في جوفه، ولا في قول القائل: هذا بين يدي ما يقتضي مباشرته ليديه، وإذا قيل: السحاب المسخر بين السماء والأرض، لم يقتض أن يكون مماسًّا للسماء والأرض، ونظائر هذا كثيرة»[2].


[1] مسائل الإمام ابن باز (37) [دار التدمرية، ط1].
[2] مجموع الفتاوى (3/45).


أنكر اتصافَ الله تعالى بالأصابع: الجهميةُ المعطلةُ ومن سار على طريقتهم من معتزلة وأشاعرة وغيرهم، فمنهم من نفى ثبوت الخبر بها، ومنهم من لم يسعه إنكار الخبر فأوّلَ الصفة على المجاز؛ فقالوا: هي النعمة، أو القدرة، كما أوّلوا اليدين بذلك، أو أنها إصبع للملائكة ونحو ذلك[1].
وبطلان مذهبهم يتبين بما يأتي:
الأول: أن إطلاق لفظ الأصابع على القدرة أو النعمة خلاف الأصل، وهو خلاف الظاهر.
الثاني: أن تأويل الأصابع بالقدرة أو النعمة صرف للفظ عن الأصل والظاهر بغير دليل وهو مردود.
الثالث: أن الأحاديث الواردة في ذكر الأصابع لا تحتمل تأويلها بالقدرة، أو النعمة؛ لأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه، ولا يمكن أن يقال هي بين نعمتين، أو قدرتين.
الرابع: وكذلك ما ورد أنه يضع الخلائق على إصبع، ونحو ذلك، يمنع تأويلها بالقدرة، أو النعمة[2].
وحاصل الرد عليهم: هو أن من تأول الأصابع بالقدرة، والنعمة، يرد عليه بمثل من تأول اليد بالنعمة، أو القدرة.


[1] يُنظر: الأسماء والصفات للبيهقي [دار الجيل، ط1].
[2] انظر: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (ص303)، وبيان تلبيس الجهمية (7/372 ـ 378) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، ط1]، ومختصر الصواعق المرسلة للموصلي (391 ـ 399)، والعقائد السلفية بأدلتها النقلية والعقلية لأحمد بن حجر البنعلي (1/115 ـ 116).


1 ـ «أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات والمتشابهات»، لمرعي بن يوسف الكرمي.
2 ـ «بيان تلبيس الجهمية»، لابن تيمية.
3 ـ «تأويل مختلف الحديث»، لابن قتيبة الدِّينَوَري.
4 ـ «التوحيد وإثبات صفات الرب عزّ وجل»، لابن خزيمة.
5 ـ «شرح السُّنَّة»، للبغوي.
6 ـ «الشريعة»، لأبي بكر الآجرّي.
7 ـ «الصفات الإلهية في الكتاب والسُّنَّة»، لمحمد أمان جامي.
8 ـ «الصفات الإلهية»، لمحمد خليفة التميمي.
9 ـ «صفات الله عزّ وجل»، لعلوي السقاف.
10 ـ «العلو للعلي الغفار»، للذهبي.