قال ابن فارس: «الغين والواو واللام أصل صحيح يدل على خَتْل وأخذ من حيث لا يدري، ويقال: غاله يغوله: أخذه من حيث لم يدر. قالوا: والغول بعد المفازة؛ لأنه يغتال من مرَّ به، والغُول من السعالي، سمِّيت؛ لأنها تغتال»[1].
الغَول والغُول: يقعان على معنيين متقاربين، أحدهما: البعد، والآخر: الهلاك. فالغَول: المصدر، والغُول: بضم المعجمة الاسم، وجمعه: أغوال وغِيلاَن. وقيل: هو كل ما اغتالك من جني أو شيطان أو سبع فهو غول، وهو معنى قول من قال: الغول: كل شيء ذهب بالعقل[2].
[1] مقاييس اللغة (4/402) [دار الجيل، ط1420هـ].
[2] انظر: الصحاح (5/1785) [دار العلم للملايين، ط3، 1404هـ]، وتهذيب اللغة (8/170) [الدار المصرية للتأليف والترجمة]، ومقاييس اللغة (4/402).
الغُول : واحد الغيلان، جنس من الجن والشياطين، وقيل: من السَّعالي، وهم سحرة الجن، لهم تلبيس وتخييل وتضليل[1].
[1] انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (3/396) [دار إحياء التراث العربي]، ومعالم السنن للخطابي (4/402) [المطبعة العلمية، حلب، ط1، 1352هـ]، وشرح السُّنَّة للبغوي (12/173) [المكتب الإسلامي، ط2، 1403هـ].
اختلفت أقوال أهل العلم في حقيقة الغول على أقوال:
أولها: أنّ الغول شيء يخوَّف به لا وُجود له. قاله الدَّميري في حياة الحيوان، وزعم أنه قول المحققين. وهذا القول مردودٌ بالأحاديث الثابتة في إثبات الغول، وبالمشاهدة.
قال حافظ الحكمي رحمه الله: «وأما قول من قال: إنّ المراد في الحديث نفي وُجود الغيلان مطلقًا فليس بشيء؛ لأنّ ذلك مكابرة للأمور المشاهَدة المعلومة بالضرورة في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم وقبله وبعده، من إتيانهم وانصرافهم ومخاطبتهم وتشكلهم، والله أعلم»[1].
ثانيها: أنّ الغول كان موجودًا ثم رفعه الله سبحانه وتعالى، كما رجحه الطحاوي؛ حيث قال رحمه الله: «وقد ذكرنا في الباب الذي قبل هذا عنه أنه قال: «لا غول»، ففي هذا نفيه للغول، فقال قائل: قد يكون هذا على التضادّ؟ قيل له: ليس ذلك بحمد الله على التضادّ؛ إذا كان يحتمل أن يكون الغول كان على ما في حديث أبي أيوب[2] ثمّ رفعه الله تعالى عن عباده على ما في حديث جابر[3]، وذلك أولى ما جمعت عليه الآثار المروية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذا أو فيما أشبهه، وما وجد السبيل إلى ذلك»[4]. وهذا ليس بشيء.
الثالث: وهو الصواب؛ وهو أن الغول: جنس من الشياطين والجن تتراءى للناس في الفلاة، فتتغول تغوّلاً؛ أي: تتلون تلونًا في صور شتى، وتغولهم عن الطريق، وتضلهم، فأبطل النبي صلّى الله عليه وسلّم تأثيرها؛ ولم ينف لعين الغول ووجودها كونًا وأنها معدومة، وإنما أبطل اعتقاد الجاهلية في تصرفها في نفسها، أو أنها لا تستطيع أن تضل أحدًا مع ذكر الله تعالى، بل لا تقدر على شيء إلا بإذن الله تعالى[5].
[1] معارج القبول (3/1168) [دار ابن الجوزي، ط6].
[2] يأتي ذكره في الأدلة.
[3] سيأتي ضمن الأدلة أيضًا.
[4] شرح مشكل الآثار (2/257) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1415هـ].
[5] انظر: النهاية في غريب الحديث (3/396)، ومعالم السنن (4/234)، وشرح السُّنَّة للبغوي (12/173).
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا عَدوى ولا طِيَرة ولا غول» [1]. وفي رواية أخرى عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا عدوى ولا غول ولا صفر»[2].
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه كانت له سهوة فيها تَمْر فكانت تجيء الغُول فتأخذ منه. قال: فشكا ذلك إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «فاذهب فإذا رأيتها فقل: بسم الله أجيبي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» . قال: فأخذها فحلفت أن لا تعود فأرسلها. فجاء إلى رسول الله فقال: «ما فعل أسيرك؟» قال: حلفت أن لا تعود. فقال: «كَذبت وهي معاودة للكذب» الحديث[3].
[1] أخرجه مسلم (كتاب السلام، رقم 2222).
[2] أخرجه مسلم (كتاب السلام، رقم 2222).
[3] أخرجه الترمذي (أبواب فضائل القرآن، رقم 2880) وحسَّنه، وأحمد (38/563) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (رقم 1469) [مكتبة المعارف، ط5].
قال الخطابي رحمه الله: «قوله: «لا غول» ليس معناه نفي الغول عينًا، وإبطالها كونًا، وإنما فيه إبطال ما يتحدثون عنها من تغولها، واختلاف تلونها في الصور المختلفة، وإضلالها الناس عن الطريق، وسائر ما يحكون عنها، مما لا يعلم له حقيقة. يقول: لا تصدقوا بذلك، ولا تخافوها، فإنها لا تقدر على شيء من ذلك، إلا بإذن الله عزّ وجل»[1].
وقال البغوي رحمه الله: «قوله «ولا غول»: ليس معناه نفي الغول كونًا، وإنما أراد أن العرب كانت تقول: إن الغيلان تظهر للناس في الفلوات، في الصور المختلفة، فتضلهم وتهلكهم، ويقال: تغول تغولاً؛ أي: تلون. فأخبر الشرع أنها لا تقدر على شيء، من الإضلال والإهلاك، إلا بإذن الله عزّ وجل»[2].
وقال ابن الأثير رحمه الله: «الغول: أحد الغيلان، وهي جنس من الجن والشياطين، كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة، تتراءى للناس فتتغول تغولاً؛ أي: تتلون تلونًا، في صور شتَّى، وتغولهم؛ أي: تضلهم عن الطريق، وتهلكهم، فنفاه النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأبطله»[3].
[1] معالم السنن (4/402).
[2] شرح السُّنَّة (12/173).
[3] النهاية في غريب الحديث والأثر (3/396).
اعتقاد ما كان يعتقده أهل الجاهلية في الغيلان يورث القلق والحزن في القلوب، وينغص على المرء معيشته وأحواله، ولا شك أن هذا ما تحرص عليه الشياطين؛ كما قال تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ *} [المجادلة] .
ومن آثار اعتقاد تأثير الغيلان ضعف التوكل على الله سبحانه وتعالى في قلب المرء المؤمن، وضعف اليقين في قدرة الله تعالى، وأنه الضار النافع وحده، بل قد يذهب ذلك كله، وهذا لا يوجد إلا في قلب المشرك بالله تعالى .
1 ـ «بلوغ المنى والظفر في بيان «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر»»، لابن فهد.
2 ـ «الشرك ومظاهره»، لمبارك الميلي.
3 ـ «فتح الباري»، لابن حجر العسقلاني.
4 ـ «فتح المجيد»، لعبد الرحمن بن حسن.
5 ـ «القول المفيد على كتاب التوحيد»، لابن عثيمين.
6 ـ «لطائف المعارف»، لابن رجب.
7 ـ «شرح صحيح مسلم»، للنووي.
8 ـ «مفتاح دار السعادة»، لابن القيم.
9 ـ «النهاية في غريب الحديث والأثر»، لابن الأثير.