حرف الفاء / الفأل

           

قال ابن فارس رحمه الله: «الفاء والألف واللام: الفأل ما يُتفاءل به»[1].
والفأل: ضد الطيرة، والجمع فؤول. يقال: تفاءلت بكذا وتفأَّلت على التخفيف والقلب، وقد أُولع الناس بترك همزه تخفيفًا. والفأل أن يكون الرجل مريضًا فيسمع آخر يقول يا سالم، أو يكون طالبًا فيسمع آخر يقول يا واجد، يقال تفاءلت بكذا[2].


[1] مقاييس اللغة (4/196) [دار الجيل، ط 1420هـ].
[2] انظر: الصحاح (5/1788) [دار العلم للملايين، ط3]، ولسان العرب (10/166 ـ 167) [دار إحياء التراث العربي، ط3، 1419هـ]، وترتيب القاموس المحيط (3/441) [دار عالم الكتب، ط4، 1417هـ].


الفأل : الكلمة الطيبة أو الحسنة، يسمعها الإنسان، فيتأولها على المعنى الذي يطابق اسمها، إحسانًا بالله تعالى الظنَّ[1].
قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله: «قد أعلم النبي صلّى الله عليه وسلّم أن الفأل إنما هو أن يسمع الإنسان الكلمة الحسنة، فيفأل بها؛ أي: يتبرك بها، ويتأوَّلها على المعنى الذي يطابق اسمها، واستحب الفأل بالكلمة الحسنة يسمعها من ناحية حسن الظن بالله تعالى»[2].


[1] انظر: معالم السنن (4/402) [المطبعة العلمية، حلب، ط1، 1352هـ]، وأعلام الحديث (4/2135) [جامعة أم القرى، مكة، ط1، 1409هـ]، والنهاية في غريب الحديث (3/406) [دار إحياء التراث العربي].
[2] معالم السنن (4/402).


سمِّي الفأل بذلك؛ لأنه مما يتفاءل به، ويتبرك به، على معنى الاستبشار، والفرح بما يسمع من الكلام الحسن.



استعمال الفأل مما أُذن فيه شرعًا، وهو من الأمور المستحبة؛ لما فيه من حسن ظن بالله ، وتقوية للعزائم، وفتح لأبواب الخير، وشحذ للهمم، ولهذا كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يحبه ويعجبه[1].


[1] انظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد (340، 341) [دار التوحيد، ط1، 1424هـ]. وسيأتي تخريج الحديث قريبًا.


حقيقة الفأل أن يفعل أمرًا، أو يعزم عليه، متوكلاً على الله تعالى، فيسمع الإنسان الكلمة الحسنة، أو يرى شيئًا يستحسنه يرجو منه أن يحصل له غرضه الذي قصد تحصيله، كأن يسمع طالبٌ لحاجته أو ضالته رجلاً يقول: يا واجد، فيقع في قلبه أنه يجد حاجته، رجاء بالله تعالى، أو يسمع المريض آخر يقول: يا سليم فيقع في قلبه أنه سيشفى بإذن الله تعالى، وهذا معنى ما فسّر به النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم الفأل[1].


[1] انظر: أعلام الحديث (4/2135، 2136)، والنهاية في غريب الحديث (3/406)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (23/66، 67) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ط2، 1425هـ].


في «الصحيحين» عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنه صلّى الله عليه وسلّم سئل: ما الفأل؟ فقال: «الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم»[1].
وفيهما أيضًا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا عدوى ولا طيرة، وأحب الفأل الصالح»[2].
ولهما عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل» . قيل: وما الفأل؟ قال: «الكلمة الطيبة»[3].


[1] أخرجه البخاري (كتاب الطب، رقم 5754)، ومسلم (كتاب السلام، رقم 2223).
[2] أخرجه البخاري (كتاب الطب، رقم 5756) من حديث أنس، ومسلم (كتاب السلام، رقم 2223) من حديث أبي هريرة، واللفظ له.
[3] أخرجه البخاري (كتاب الطب، رقم 5776)، ومسلم (كتاب السلام، رقم 2224) واللفظ له.


قال البغوي رحمه الله: «وإنما أحبَّ النبي صلّى الله عليه وسلّم الفأل؛ لأن فيه رجاء الخير والعائدة، ورجاء الخير أحسن بالإنسان من اليأس، وقطع الرجاء عن الخير»[1].
وقال أبو عبد الله الحليمي رحمه الله: «وإنما كان صلّى الله عليه وسلّم يعجبه الفأل؛ لأنّ التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب ظاهر، والتفاؤل حُسن ظنّ به، والمؤمن مأمورٌ بحسن الظن بالله تعالى على كل حال»[2].
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: «ليس في الإعجاب بالفأل ومحبته شيء من الشرك، بل ذلك إبانة عن مقتضى الطبيعة وموجب الفطرة الإنسانية التي تميل إلى ما يوافقها ويلائمها، مما ينفعها، كما أخبرهم أنه حُبِّب إليه من الدنيا النساء والطيب»[3].


[1] شرح السُّنَّة للبغوي (12/175) [المكتب الإسلامي، ط2، 1403هـ].
[2] المنهاج في شعب الإيمان (2/25) [دار الفكر، ط1، 1399هـ].
[3] مفتاح دار السعادة (3/306) [دار ابن عفان، ط1، 1416هـ].


قال حافظ الحكمي رحمه الله: «ومن شرط الفأل أن لا يعتمد عليه، وأن لا يكون مقصودًا، بل أن يتفق للإنسان ذلك من غير أن يكون على بال»[1].


[1] معارج القبول (3/1164) [دار ابن الجوزي، ط6، 1430هـ].


ـ حكم استفتاح الفأل من المصحف:
لم ينقل عن السلف فيه شيء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وأما استفتاح الفأل من المصحف فلم ينقل عن السلف فيه شيء، وقد تنازع فيه المتأخِّرون، وذكر القاضي أبو يعلى فيه نزاعًا: ذكر عن ابن بطة أنه فعله، وذكر عن غيره أنه كرهه؛ فإنّ هذا ليس الفأل الذي يحبه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإنه كان يحب الفأل ويكره الطيرة، والفأل الذي يحبه هو أن يفعل أمرًا أو يعزم عليه متوكلاً على الله فيسمع الكلمة الحسنة التي تسرُّه، فهو في كل واحد من محبته للفأل وكراهته للطيرة إنما يسلك مسلك الاستخارة لله والتوكل عليه، والعمل بما شرع من الأسباب، لم يجعل الفأل آمرًا له أو باعثًا له على الفعل، ولا الطيرة ناهيةً له عن الفعل»[1].
وخلاصة الأمر : أنّ التفاؤل بالمصحف أمرٌ غير مشروع وليس من الفأل الذي يعجب النبي صلّى الله عليه وسلّم ويحبه، فتركُه هو المتعين المتحتم تأسيًّا بسلف الأمة وأئمتها، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه.


[1] مجموع الفتاوى لابن تيمية (23/66 ـ 67).


الفرق بين الفأل والطيرة:
1 ـ الفأل لا يحمل الإنسان على الفعل أو عدمه، بل هو مجرد التفاؤل بالكلمة الطيبة، وانشراح الصدر لما يسمعه من الكلام الحسن، في حين أن التطير يحمل الإنسان على الفعل أو الإمساك عنه.
2 ـ الفأل فيه حسن ظنٍّ بالله، والعبد مأمورٌ أن يحسن الظن بالله، والطيرة فيها سوء ظن بالله، والعبد منهيّ عن سوء الظن بالله.
3 ـ الفأل لا يكون مقصودًا، بل يأتي للإنسان من غير أن يكون على بال، والطيرة قد تكون مقصودة ابتداء، ويتعلق قلب المتطير بها فيما يمضيه أو يرده[1].
4 ـ الفأل يفضي بصاحبه إلى الطاعة والتوحيد، والطيرة تفضي بصاحبها إلى المعصية والشرك.
5 ـ الفأل يبعث على انشراح الصدور، وطمأنينتها، ويفتح باب الرجاء، وأما الطيرة فتبعث على ضيق الصدور وانقباضها، وتورث الحزن والآلام، فهي لا خير فيها.


[1] انظر: النهاية في غريب الحديث (3/405)، ومجموع الفتاوى (23/66 ـ 67)، ومفتاح دار السعادة (3/309)، ومعارج القبول (3/1164).


من آثار التفاؤل: سرور القلوب المؤيِّد للآمال، الفاتح باب الرجاء، المسكِّن للخوف، الرابط للجأش، الباعث على الاستعانة بالله والتوكل عليه والاستبشار المقوي لأمله، السارّ لنفسه. فالفأل يفضي بصاحبه إلى الطاعة والتوحيد[1].
يذهب الضيق الذي يوحيه الشيطان، ويسببه في قلب العبد، فهو مبعد لتأثير الشيطان في النفس[2].


[1] انظر: مفتاح دار السعادة (3/312).
[2] انظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد (340، 341).


1 ـ «أعلام الحديث»، لأبي سليمان الخطابي.
2 ـ «الإفصاح عن معاني الصحاح»، لابن هبيرة.
3 ـ «التوكل»، لعبد الله الدميجي.
4 ـ «الشرك ومظاهره»، لمبارك الميلي.
5 ـ «القول المفيد على كتاب التوحيد»، لابن عثيمين.
6 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
7 ـ «معارج القبول»، لحافظ حكمي.
8 ـ «مفتاح دار السعادة»، لابن القيم.
9 ـ «المنهاج في شعب الإيمان»، للحليمي.
10 ـ «النهاية في غريب الحديث والأثر»، لابن الأثير.