الأصل: واحد الأصول، وهو أساس الشيء[1]. وفي تهذيب اللغة: «الأَصْل أَسفل كل شيء، ويقال: استَأْصَلت هذه الشجرة؛ أي: ثَبَتَ أصلها»[2].
أما الدين: فيقول ابن فارس: «الدال والياء والنون أصلٌ واحد إليه يرجع فروعه كلها، وهو جنس من الانقياد والذُّل، فالدِّين: الطاعة، يقال: دَانَ له يَدِين دينًا، إذا أصْحَب وانقاد وطاع»[3]. والدِّين: الجزاء والمكافأة، والطاعة، والدين الإسلام، والدين: العادة والشأن، تقول العرب: ما زال ذلك ديني وديدني؛ أي: عادتي[4]. ولم يرد مصطلح أصول الدين بهذا التركيب في لغة العرب، لكن معناه بحسب مفرداته: أساس الدين، وأساس الإسلام والانقياد.
[1] انظر: الصحاح (4/1623) [دار العلم للملايين، ط3]، مقاييس اللغة (1/109) [دار الجيل، ط1].
[2] تهذيب اللغة (4/223) [الدار المصرية للتأليف].
[3] مقاييس اللغة (2/319).
[4] انظر: لسان العرب (13/169) [دار صادر].
أصول الدين: هي المسائل الكبار من الأمور الاعتقادية والعملية؛ الاعتقادية؛ كالعلم بالله وأسمائه وصفاته ونحوها، والعملية كالصلاة والزكاة وغيرهما.
يقول شيخ الإسلام: «أصول الدين إما أن تكون مسائل يجب اعتقادها قولاً، أو قولاً وعملاً؛ كمسائل التوحيد، والصفات، والقدر، والنبوة، والمعاد، أو دلائل هذه المسائل»[1]. وقال أيضًا: «بل الحق أن الجليل من كل واحد من الصنفين[2] مسائل أصول، والدقيق مسائل فروع، فالعلم بوجوب الواجبات؛ كمباني الإسلام الخمس، وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة؛ كالعلم بأن الله على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، وأنه سميع بصير، وأن القرآن كلام الله، ونحو ذلك من القضايا الظاهرة المتواترة؛ ولهذا من جحد تلك الأحكام العملية المجمع عليها كفر، كما أن من جحد هذه كفر»[3].
وهناك منحيان لما يشمله مصطلح أصول الدين من مسائل:
الأول: أن أصول الدين: اسم لكل ما اتفقت فيه الشرائع مما لا ينسخ ولا يغير؛ سواء كان علميًّا أو عمليًّا. ويدخل فيه عبادة الله وحده ومحبته وخشيته. وهذا اصطلاح غلب على أهل الحديث والتصوف وعليه أئمة الفقهاء وطائفة من أهل الكلام.
الثاني: أن أصول الدين: هي الاعتقاد والعلم بالله، ولا يتعلق بالعمل. وهذا اصطلاح كثير من المتفقهة والمتكلمة المتأخرين، وإن اختلفت مقاصدهم[4].
وأصول الدين: لفظ مجمل، حقيقة معناه عند أهل السُّنَّة، تختلف عن مراد مخالفيهم، بناء على الاختلاف بينهم في بعض مسائل الاعتقاد، ولما يدخله المتكلمون من البدع في أصول الدين.
[1] مجموع الفتاوى (3/295) [مكتبة النهضة الحديثة، 1404هـ]، وانظر: درء التعارض (1/27) [مكتبة ابن تيمية].
[2] أي المسائل الخبرية والعملية.
[3] مجموع الفتاوى (6/56 ـ 57).
[4] انظر: مجموع الفتاوى (19/134) بتصرف.
علم أصول الدين أشرف العلوم؛ لأن شرف العلم بشرف المعلوم، وهو الفقه الأكبر بالنسبة إلى فقه الفروع، ولأن حاجة العباد إليه فوق كل حاجة، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة، ولأنه لا بُدَّ للعبد من معرفة ربه بأسمائه وصفاته وأفعاله، كما أن العقيدة الصحيحة تعصم الدم والمال، وتمنع صاحبها من الخلود في النار[1]؛ بل إن أعمال العبد لا تنفعه مهما كثرت إلا مع العقيدة الصحيحة.
[1] انظر: شرح الطحاوية (1/5 ـ 6) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1408هـ].
انتقد ابن تيمية وابن القيم تقسيم الدين إلى أصول وفروع، وذكروا أنه تقسيم بدعي، مأخوذ عن المعتزلة وغيرهم من المتكلمين. يقول ابن تيمية: «وجماهير أئمة الإسلام ما قسموا المسائل إلى مسائل أصول يكفر بإنكارها، ومسائل فروع لا يكفر بإنكارها. فأما التفريق بين نوع وتسميته مسائل الأصول، وبين نوع آخر وتسميته مسائل الفروع، فهذا الفرق ليس له أصل لا عن الصحابة، ولا عن التابعين لهم بإحسان، ولا أئمة الإسلام، وإنما هو مأخوذ عن المعتزلة، وأمثالهم من أهل البدع، وعنهم تلقاه من ذكره من الفقهاء في كتبهم، وهو تفريق متناقض»[1]. وهذا النقد يحتاج إلى توضيح وتعليل؛ لأننا نجد أن هذا المصطلح (أصول الدين) وارد عند بعض السلف المتقدمين[2]، بل شيخ الإسلام يستخدم هذا الاصطلاح كثيرًا في التعبير عن مسائل الاعتقاد، وكذلك ابن القيم[3]؛ لذا يفسر انتقادهم لهذا التقسيم بالنظر للأسباب الباعثة عليه وهي:
أولاً: ما يريده المتكلمون بأصول الدين، وما أدخلوه فيه من الباطل من نفي الصفات والقدر، والكلام في الجواهر والأعراض ونحوها من الألفاظ المحدثة، التي فيها ما يناقض أصول الدين.
ثانيًا: ما ترتب عند المتكلمين على هذا التقسيم حيث كفروا من ينكر الأصول، ولم يكفروا منكر الفروع، وهو تفريق باطل[4].
ثالثًا: ما وقع بسبب ذلك من احتمال اللفظ لما يريده المتكلمون، فكان لا بد من الاستفصال عند إطلاقه.
وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية أن المراد بأصول الدين: الجليل من المسائل العلمية والعملية[5].
[1] مجموع الفتاوى (23/346)، (6/56)، وانظر: مختصر الصواعق (2/509 ـ 510) [دار الندوة الجديدة، 1405هـ].
[2] شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة للالكائي (1/198) [دار طيبة، ط1]، ورد الإمام الدارمي على بشر المريسي (141) [دار الكتب العلمية]، واعتقاد أهل السُّنَّة للإسماعيلي (55) [دار الريان، ط1، 1413هـ]، والإبانة لابن بطة (2/558) [دار الراية، ط2، 1415هـ].
[3] انظر على سبيل المثال: مجموع الفتاوى (3/341)، (10/355)، ودرء التعارض (1/41، 73)، والصواعق المرسلة (1/348) [دار العاصمة، ط3، 1418هـ]، وإعلام الموقعين (4/375) [دار الجيل، 1973].
[4] مجموع الفتاوى (23/346)، (6/56 ـ 57)، وانظر: مختصر الصواعق (2/509 ـ 510)، ومسائل أصول الدين المبحوثة في علم أصول الفقه لخالد عبد اللطيف (1/40) [الجامعة الإسلامية بالمدينة، ط1، 1426هـ].
[5] مجموع الفتاوى (6/56 ـ 57)، (3/295)، ودرء التعارض (1/27).
أدخل المتكلمون علم الكلام في أصول الدين، وضمنوه ما يقولون به من مقولات باطلة كنفي الصفات، والقدر، ونحوها، بل سمَّى بعضهم ما صنفه في ذلك بأصول الدين[1]، يقول شيخ الإسلام: «وأما ما يدخله بعض الناس في هذا المسمى من الباطل، فليس ذلك من أصول الدين، وإن أدخله فيه، مثل المسائل والدلائل الفاسدة، مثل نفي الصفات والقدر ونحو ذلك من المسائل، ومثل الاستدلال على حدوث العالم بحدوث الأعراض»[2].
[1] انظر: أصول الدين للبغدادي، ومعالم أصول الدين، والأربعون في أصول الدين، والمسائل الخمسون في أصول الدين، ثلاثتها للرازي.
[2] درء التعارض (1/38).
1 ـ «التعريفات الاعتقادية»، لسعد آل عبد اللطيف.
2 ـ «درء تعارض العقل والنقل» (ج1)، لابن تيمية.
3 ـ «شرح العقيدة الطحاوية» (ج1)، لابن أبي العز.
4 ـ «مجموع الفتاوى» (ج19، 23)، لابن تيمية.
5 ـ «مختصر الصواعق المرسلة»، للموصلي.
6 ـ «مسائل أصول الدين المبحوثة في علم أصول الفقه» (ج1)، لخالد عبد اللطيف.
7 ـ «أصول الدين»، للبغدادي.
8 ـ «معالم أصول الدين»، للرازي.
9 ـ «الأربعون في أصول الدين»، للرازي.
10 ـ «المسائل الخمسون في أصول الدين»، للرازي.