الفَتْحُ : ضد الإغلاق. والفتح: النصر، والحكم. والاستفتاح: الاستنصار. والفَتَّاحُ: الحاكم. وتقول: افْتَحْ بيننا؛ أي: احْكم. والفُتاحة بالضم: الحُكْم. والله تعالى الفاتح؛ أي: الحاكم[1].
قال الراغب: «الفتح: إزالة الإغلاق والإشكال، وذلك ضربان؛ أحدهما: يدرك بالبصر كفتح الباب ونحوه وكفتح القفل، والثاني: يدرك بالبصيرة كفتح الهم وهو إزالة الغم، وذلك ضروب؛ أحدها: في الأمور الدنيوية، كغم يفرج، وفقر يزال، والثاني: فتح المستغلق من العلوم، نحو قولك فلان فتح من العلم بابًا مغلقًا، والاستفتاح طلب الفتح أو الفتاح»[2].
[1] مقاييس اللغة (4/496) [دار الفكر، 1399هـ]، الصحاح (2/412) [دار العلم للملايين، ط4]، القاموس المحيط (298) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1407هـ].
[2] المفردات في غريب القرآن (370) [دار المعرفة، لبنان].
صفة فعلية لله تعالى على وجه الكمال المطلق، ومنه اشتق اسمه الفتاح، ويراد بهذه الصفة:
1 ـ فتحه الديني الشرعي: وهو ما أنزله على أنبيائه ورسله من الكتاب والحكمة.
2 ـ فتحه الكوني القدري: وهو ما يبسطه على عباده من الرزق والعطاء.
3 ـ فصله وقضاؤه بين أوليائه وأعدائه في الجزاء الدنيوي، فيحكم بينهم بالحق، فيجعل العاقبة لأوليائه بنصره لهم، ويجعل الخسارة على أعدائه بهلاكهم وإظهار كذبهم.
4 ـ فصله وقضاؤه بين أوليائه وأعدائه في الجزاء الأخروي، بما أنعم على أوليائه من جنته ومزيده، وبما جعله لأعدائه من العذاب المقيم[1].
[1] انظر: الحق الواضح المبين للسعدي (256).
الفتح في صفاته تعالى على معان:
1 ـ فتحه الديني الشرعي: وهو ما أنزله على أنبيائه ورسله من الكتاب والحكمة، وبه تكون هداية الناس واستقامتهم على الصراط المستقيم، ومنه قوله تعالى: {قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 76] .
وقد يكون بهذا الفتح حصول العلم والدلالة دون استجابة ممن فُتح عليه، وهذا يكون بمعنى هداية الدلالة والإرشاد، وقد يكون به حصول العلم والهدى فيمن فُتح عليه، وهذا بمعنى هداية التوفيق، وهذا أعظم الفتح وأسماه.
2 ـ فتحه الكوني القدري: وهو ما يبسطه على عباده من الرزق والعطاء، ومنه قوله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2] ، وقوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 44] .
3 ـ فصله وقضاؤه بين أوليائه وأعدائه في الجزاء الدنيوي، فيحكم بينهم بالحق، فيجعل العاقبة لأوليائه بنصره لهم، وإظهار صدقهم، ويجعل الخسارة على أعدائه بهلاكهم وإظهار كذبهم، وهو أيضًا بمعنى الحكم بين الحق والباطل، فيظهر الحق، ويعلي دلائله، ويزهق الباطل، ويظهر دلائل بطلانه، ومنه قوله تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ *} [الأعراف] ، وقوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ *} [النصر] ، وقوله تعالى: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} [المائدة: 52] .
4 ـ فصله وقضاؤه بين أوليائه وأعدائه في الجزاء الأخروي، بما أنعم على أوليائه من جنته ومزيده، وبما جعله لأعدائه من العذاب المقيم، ومنه قوله تعالى: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ *} [سبأ] .
ولذا سمي يوم القيامة يوم الفتح؛ لما يفتح الله عزّ وجل فيه بين أوليائه وأعدائه، كما قال تعالى: {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لاَ يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ *} [السجدة] [1].
[1] انظر: الحق الواضح المبين للسعدي (256).
منها قول الله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2] .
قوله تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ *} [الأعراف] .
قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف: 96] .
قال ابن عباس رضي الله عنهما ـ في تفسير قوله عزّ وجل: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا} [الأعراف: 89] ـ: «اقض بيننا»[1]. وقال: «الفاتح: القاضي»[2].
وقال قتادة في قوله تعالى: {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا} [سبأ: 26] : «أي يقضي بيننا»[3].
وقال الحليمي: «وهو الحاكم؛ أي: يفتح ما انغلق بين عباده، ويميز الحق من الباطل، ويعلي المحق ويخزي المبطل، وقد يكون ذلك منه في الدنيا والآخرة»[4].
قال ابن القيم:
وكذلك الفتاح من أسمائه
والفتح في أوصافه أمران
فتح بحكم وهو شرع إلهنا
والفتح بالأقدار فتحٌ ثان
والرب فتّاح بذين كليهما
عدلاً وإحسانًا من الرحمن[5]
وقال الشوكاني: «والفتاح: الحاكم بين الخلائق، أو الذي يفتح خزائن الرحمة لعباده»[6].
وقال السعدي: «وفتحه تعالى لعباده نوعان : فتح العلم، بتبيين الحق من الباطل، والهدى من الضلال، ومن هو من المستقيمين على الصراط، ممن هو منحرف عنه. والنوع الثاني: فتحه بالجزاء وإيقاع العقوبة على الظالمين، والنجاة والإكرام للصالحين»[7].
[1] أخرجه الطبري في تفسيره (12/564) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وسنده حسن.
[2] أخرجه البخاري (كتاب التفسير، 3/229) [المكتبة السلفية، ط1، 1400هـ] معلقًا بصيغة الجزم، ووصله الطبري في التفسير (20/405) [مؤسسة الرسالة، ط1]، بسند حسن.
[3] تفسير الطبري (12/564).
[4] نقلاً عن الأسماء والصفات للبيهقي (1/164) [مكتبة السوادي، ط1].
[5] شرح الكافية الشافية لابن عيسى (2/234) [المكتب الإسلامي، ط3، 1406هـ].
[6] تحفة الذاكرين (85) [دار القلم، ط1، 1984م].
[7] تفسير السعدي (3/64) [الرئاسة العامة للإفتاء، 1410هـ].
المسألة الأولى: صفة الفتح لله تعالى:
إن هذا الاسم الجليل يدل على صفة الفتح لله تعالى بالتضمن، وهي صفة فعلية، وقد وردت النصوص من الكتاب والسُّنَّة دالّة على هذه الصفة؛ منها قوله تعالى: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ *} [سبأ] ، وقوله: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ *} [الأعراف] ، وقوله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *} [فاطر] ، وقوله: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} [النساء: 141] .
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال يوم خيبر: «لأعطينّ الرّاية رجلاً يفتح الله على يديه»[1].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال في حديث الشفاعة: «فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجدًا لربّي عزّ وجل ثمّ يفتح الله عليَّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئًا لم يفتحه على أحد قبلي»[2].
المسألة الثانية: تسمية الله تعالى بخير الفاتحين:
ذهب بعض أهل العلم إلى إثبات (خير الفاتحين) من الأسماء المضافة، قال أبو القاسم التيمي رحمه الله: «ومن أسمائه: خير الفاتحين، وخير الراحمين، وخير الغافرين، وأرحم الراحمين. كل هذه الأسماء ممنوعة لا تكون إلا لله عزّ وجل»[3].
وذكر ابن تيمية رحمه الله أن من أسماء الله تعالى الفتاح، وكذلك جاء مفضلاً في قوله: {وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ *} [الأعراف] [4]
المسألة الثالثة: تسمية المخلوق بالفتاح:
القاضي لو سُمِّي فتّاحًا على لغة بعض قبائل أهل اليمن، لا بدَّ أن يصحب تسميته ما تليق بعجز المخلوق؛ لأنه قد يتبع حكمه وقضائه هوى أو جهل، أما الخالق فهو الفتاح على ما يليق بكماله وجلاله، فحكمه وقضاؤه وفتحه مقرون بعلم كما قال: {وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ *} [سبأ] .
المسألة الرابعة: تسمية الله تعالى بالفاتح:
ذهب بعض أهل العلم إلى تسمية الله تعالى بالفاتح. قال ابن منده رحمه الله: «ومن أسماء الله عزّ وجل الفاتح والفتاح»[5].
[1] أخرجه البخاري (كتاب الجهاد والسير، رقم 2942)، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، رقم 2406).
[2] أخرجه البخاري (كتاب التفسير، رقم 4712)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 194).
[3] الحجة في بيان المحجة (1/140).
[4] انظر: المستدرك على الفتاوى (1/48).
[5] كتاب التوحيد (392) [دار الفضيلة، ط1، 1428هـ].
1 ـ التعبّد لله تعالى بطلب الهدى والتقى، وبذل الأسباب المقتضية لذلك.
2 ـ التعبد لله تعالى في طلب الرزق منه، ورجاء الخير والبركة بعطائه؛ فهو الفتاح الذي لا ممسك لعطائه، ولا رادّ لفضله.
3 ـ الحذر من أسباب الحرمان للنعم الدينية والدنيوية الواقع بسبب البعد عن الله تعالى، ومخالفة أمر أنبيائه ورسله.
4 ـ اليقين بوعد الله تعالى الصادق بالنصر والتمكين لمن أطاعه واتقاه، والذل والصغار على من خالف أمره.
5 ـ ابتغاء المؤمن للدار الآخرة؛ فهي محل الفتح الأكبر بين المؤمنين والكافرين، في مفاصلة أشد ما تكون بعدًا بين الفريقين: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ *} [الشورى] .
6 ـ ما أظهره الله تعالى من الدلائل على طريق الحق التي لا تغيب إلا على من عميت بصيرته، وختم على سمعه وقلبه.
7 ـ تصديق الله تعالى لرسله وأنبيائه وأتباعهم بما يجعله لهم من نور الهداية واليقين، وما يظهره من أمارات صدقهم باستقامة الصراط الذي اتبعوه، والنصر والعاقبة الحسنة التي آلت إليها أمورهم.
8 ـ زهوق الباطل واندحار أهله، بما أظهره الله تعالى من ضلالهم، واعوجاج السبل التي يتبعونها، والهزيمة والعاقبة السيئة التي آلت إليها أمورهم، وإن اغتروا بزينة تعاقب عليهم فيها ليل أو نهار.
9 ـ ما يجعله الله تعالى لمن أخلص له واتقاه من علم وهدى، وفتح لما أغلق من علم أو رزق.
10 ـ ما ينعم الله تعالى به على عباده، ويبسطه لهم من رزق، بقسمة اقتضتها حكمته وفضله وعدله سبحانه.
صفة الفتح من الصفات الفعلية الثابتة لله تعالى على وجه الكمال، وقد أنكرها الجهمية والمعتزلة وأوَّلها الأشاعرة، وقد تقدم التفصيل في عرض أقوالهم والرد عليها.
وقد فسر بعض الأشاعرة (الفتاح) بأنه خالق الفتح؛ أي: النصر، وقيل: الحاكم، وهو ـ أي الحُكم ـ إما بالإخبار والقول فيكون صفة كلامية أو بالقضاء والقدر فيرجع إلى صفة القدرة والإرادة[1].
وهذا تأويل للصفة؛ حيث أرجعها لصفة الإرادة والقدرة والخلق، بناء على أنهم لا يقولون إلا بسبع صفات، ويقال: هذا تأويل لا دليل عليه، بل صفة الفتح هي لله جلّ جلاله ثابتة على ما تليق به سبحانه من غير أن تشبه فتح المخلوقين، مثل ما أن للخالق قدرة وإرادة لا تشبه صفة المخلوق، فالصفات بابها واحد.
[1] كتاب المواقف الإيجي (3/318) [دار الجيل، ط1، 1997م].
1 ـ «الأسماء والصفات»، للبيهقي.
2 ـ «توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم»، لابن عيسى.
3 ـ «تفسير السعدي».
4 ـ «تفسير الطبري» (ج12).
5 ـ «الحجة في بيان المحجة»، لقوام السُّنَّة الأصبهاني.
6 ـ «الحق الواضح المبين»، للسعدي.
7 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
8 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي عبد القادر السقاف.
9 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في الأسماء الحسنى»، للتميمي.
10 ـ «نونية ابن القيم».
11 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، للنجدي.