الفسق : هو الخروج عن الطاعة، وأصله: خروج الشّيء من الشّيء على وجه الفساد، ومنه قولهم: فسق الرّطب: إذا خرج عن قشره. وتسمى الفأرة: الفويسقة؛ لخروجها من جحرها على الناس. وفَسَق: جارَ ومالَ عَن طاعَةِ الله عزّ وجل. والتّفسيق ضدّ التّعديل، يقال: فسّقه الحاكم؛ أي: حكم بفسقه، وفسق فسوقًا؛ أي: فجر فجورًا[1].
[1] انظر: تهذيب اللغة (8/315) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م]، ومقاييس اللغة (4/502) [دار الفكر، 1399هـ]، وتاج العروس (22/302 ـ 304) [وزارة الإعلام، الكويت، ط 1408هـ].
يجب على المسلم أن يحذر من الخروج عن طاعة الله، ويبتعد عن الوقوع في الفسق، ويجتنب فعل المنكرات والمعاصي؛ لئلاَّ يكون من الفاسقين الموعودين بالعذاب يوم القيامة.
ويجب كذلك على المسلم الذي يريد لنفسه النجاة أن لا يتعجل في إصدار الحكم على أحد من المسلمين بالفسق، خاصة إذا افتقر إلى الحجة والبيّنة؛ لأن عاقبة هذا الأمر وخيمة، يقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك» [1].
[1] أخرجه البخاري (كتاب الأدب، رقم 6045) واللفظ له، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 61).
الفسق اسم عام يشمل الكفر، والكبائر، وبقية المعاصي. وهو في حقيقته: ميلٌ عن القصد، وانحرافٌ عن الاستقامة[1]. ويأتي في الشرع بمعانٍ عدة، ويستحق وصفَ الفسق: كلُّ من نسيَ حقَّ الله تعالى وأضاع أوامره. قال تعالى: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ *} [الحشر] .
[1] تفسير الطبري (15/291) [دار هجر، ط1].
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ *} [البقرة] ، وقال تعالى: {وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الإِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ} [الحجرات: 11] ، وقال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لاَ يَسْتَوُونَ *أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمْ النَّارُ} [السجدة] .
ومن السُّنَّة حديث عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أربع كلهن فاسق، يقتلن في الحل والحرم: الحدأة، والغراب، والفأرة، والكلب العقور»[1].
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كُفر»[2].
وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك»[3].
[1] أخرجه البخاري (كتاب الحج، رقم 1829)، ومسلم (كتاب الحج، رقم 1198)، واللفظ له.
[2] أخرجه البخاري (كتاب الإيمان، رقم 48)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 64).
[3] تقدم تخريجه.
قال ابن تيميّة رحمه الله: «إنّ الفسق يكون تارةً بترك الفرائض، وتارةً بفعل المحرّمات»[1].
وقال أيضًا: «لفظ المعصية والفسوق والكفر، إذا أطلقت المعصية لله ورسوله دخل فيها الكفر والفسوق، كقوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا *} [الجن] ، وقال تعالى: {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصُوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ *} [هود] »[2].
وقال ابن حجر رحمه الله: «الفسق هو الخروج عن طاعة الله ورسوله، وهو في عُرف الشرع أشد من العصيان، قال الله تعالى: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: 7] »[3].
وقال الألوسي رحمه الله: «الفسق وهو شرعًا: خروج العقلاء عن الطاعة، فيشمل الكفر ودونه من الكبيرة والصغيرة. واختص في العرف والاستعمال بارتكاب الكبيرة، فلا يطلق على ارتكاب الآخرين إلا نادرًا بقرينة»[4].
[1] مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/251) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، 1416هـ].
[2] المصدر السابق (7/259).
[3] فتح الباري (1/112) [دار المعرفة، ط1379هـ].
[4] روح المعاني (1/212) [دار الكتب العلمية، ط1، 1415هـ].
الفسق ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: فسق يخرج عن الإسلام، كفسق إبليس، الذي قال الله تعالى عنه: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50] ، وكان ذلك الفسق منه كفرًا، وقال الله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمْ النَّارُ} [السجدة: 20] يريد الكفار، دل على ذلك قوله: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ *} [السجدة] .
القسم الثاني: الفسق الذي لا يخرج من الملة، وهو على قسمين:
1 ـ فسق الاعتقاد: كفسق أهل البدع الذين ينفون كثيرًا مما أثبت الله ورسوله، جهلاً وتأويلاً، وتقليدًا للشيوخ، ويثبتون ما لم يثبته الله ورسوله[1].
والفسق أعم من البدعة، حيث يطلق الفسق على البدعة وغيرها؛ ولذا قال ابن الصلاح رحمه الله: «كل مبتدع فاسق وليس كل فاسق مبتدعًا، والمراد: المبتدع الذي لا تخرجه بدعته عن الإسلام؛ وهذا لأن البدعة فساد في العقيدة في أصل من أصول الدين، والفسق قد يكون فسادًا في العمل مع سلامة العقيدة»[2].
2 ـ فسق العمل: «كالقذف، وقد سمّى الله القاذف من المسلمين فاسقًا، ولم يخرجه من الإسلام، قال الله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ *} [النور] »[3].
وفسق العمل أمثلته كثيرة، وإطلاقاته متعددة، كما جاء ذلك في النصوص الشرعية، وآثار أهل العلم، ولعل ما يضبط ذلك ما قاله النووي رحمه الله: «وأما الفسق فيحصل بارتكاب الكبيرة، أو الإصرار على الصغيرة»[4].
[1] انظر: مدارج السالكين (1/369).
[2] فتاوى ابن الصلاح (219) [مكتبة العلوم والحكم، ط1، 1407هـ].
[3] تعظيم قدر الصلاة (2/526) [مكتبة الدار، ط1، 1406هـ].
[4] فتاوى النووي (261).
ـ ما يروى عن الحسن من تسمية الفاسق منافقًا:
الحسن البصري رحمه الله لم يقل ما خرج به عن الجماعة، لكنه سمَّى الفاسقَ منافقًا، وقصد الفاسق الذي فيه إيمان وفيه نفاق؛ أي: النفاق الأصغر: وهو النفاق العملي الذي لا يُخرج من الإسلام. فإطلاقه رحمه الله لفظ النفاق على الفاسق هو بهذا الاعتبار[1].
[1] انظر: مجموع الفتاوى (7/523 ـ 524) (11/140).
خالفت المرجئة والوعيدية (وهم الخوارج والمعتزلة) أهلَ السُّنَّة والجماعة في مسألة الفاسق الملي[1]. فذهبت الوعيدية إلى القول بتكفير الفاسق الملي، فالمعتزلة جعلت حكمه الدنيوي في منزلة بين المنزلتين، وقالت بتخليده في النار يوم القيامة، أما الخوارج فقالت: هو كافر في الدنيا والآخرة. وأما المرجئة فقد ذهبت إلى أنه كامل الإيمان[2].
[1] وهو من وقع في موجبات الفسق الأصغر غير المكفِّر.
[2] انظر: غاية المرام في علم الكلام للآمدي (312) [المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة]، وشرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (666، 697) [مكتبة وهبة، ط3، 1416هـ]، والفصل في الملل والنحل لابن حزم (3/188) [دار المعرفة، ط2، 1395هـ]، وأصول الدين للبغدادي (249) [مطبعة الدولة، إستانبول، 1346هـ]. وانظر أيضًا: مجموع الفتاوى (13/48).
يقال لهم: إن مرتكب الكبيرة مع أنه فاسق بكبيرته، إلا أنه لا يخرج من الإيمان بالكلية، فيمكن اجتماع الإيمان مع الفسق الأصغر ـ كما هو مقرر عندهم، ومن ثَمّ فهو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وأمره إلى الله تعالى، إن شاء غفر له برحمته، وإن شاء عذبه بعدله، ومآله إلى الجنة فيما بعد؛ على هذا دلَّت نصوص الكتاب والسُّنَّة أجمع عليه سلف الأمة[1].
[1] انظر: مجموع الفتاوى (3/151 ـ 152).
1 ـ «الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل وكشف شبهات المعاصرين» (ج1)، لمحمد آل خضير.
2 ـ «الإيمان: حقيقته ـ خوارمه ـ نواقضه عند أهل السُّنَّة والجماعة»، لعبد الله الأثري.
3 ـ «الدرر السنية في الأجوبة النجدية (ج1، 2).
4 ـ «الزواجر عن اقتراف الكبائر»، لابن حجر الهيتمي.
5 ـ «الفسق وأحكامه عند أهل السُّنَّة والمخالفين»، لريما بنت مقرن الشيخ.
6 ـ «الفسق والنفاق»، لعبد العزيز العبد اللطيف.
7 ـ «مجموع الفتاوى» (ج7)، لابن تيمية.
8 ـ «المحرر الوجيز» (ج1)، لابن عطية.
9 ـ «مدارج السالكين» (ج1»)، لابن القيم.
10 ـ «نواقض الإيمان الاعتقادية»، لمحمد الوهيبي.