حرف الفاء / الفناء

           

قال الخليل: «الفَناء نقيضُ البقاء، والفعل فَنيَ يَفْنى فَنَاء فهو فانٍ، والفِناء: سعة أمام الدار»[1].
وقال الأزهري: «فَنىَ الرجل يفنى؛ إذا هَرِم وأشرف على الموت»[2].
فالفناء هو الاضمحلال والتلاشي والعدم، وقد يطلق على ما تلاشت قواه وأوصافه مع بقاء عينه، كما يقال: شيخ فان[3].


[1] العين (8/376) [دار مكتبة الهلال]. وانظر: تهذيب اللغة (15/478) [الدار المصرية للتأليف والترجمة]، ولسان العرب (15/164) [دار صادر].
[2] تهذيب اللغة (15/478).
[3] انظر: مدارج السالكين (1/154) [دار الكتاب العربي، 1392هـ].


الفناء مصطلح صوفي، يعرف بأنه: «عدم الإحساس بعالم الملك والملكوت، وهو بالاستغراق في عظمة الباري، ومشاهدة الحق»[1]. وقيل: هو الغيبة عن الأشياء، بأن لا ترى شيئًا إلا الله، ولا تعلم إلا الله، وتكون ناسيًا لنفسك، ولكل الأشياء سوى الله[2]. ويقول شيخ الإسلام: «ما يسمِّيه بعض الصوفية الفناء، وهو استغراق القلب في الحق حتى لا يشعر بغيره»[3]. ويقول الإمام ابن القيم: «ولكن القوم اصطلحوا على وضع هذه اللفظة لتجريد شهود الحقيقة الكونية والغيبة عن شهود الكائنات»[4]. هذا معنى الفناء الغالب عند الإطلاق، ويتبين أكثر عند ذكر أقسامه.


[1] التعريفات (217) [عالم الكتب، ط1، 1407هـ]. وانظر: التوقيف (565) [دار الفكر، دمشق، ط1، 1410هـ]، والمعجم الصوفي للحفني (196) [دار الرشاد، ط1، 1417هـ]، المعجم الفلسفي لجميل صليبا (2/167) [دار الكتاب اللبناني، 1982م].
[2] انظر: المعجم الصوفي (196)، واصطلاحات الصوفية للقاشاني (212) [دار الحكمة، ط1، 1415هـ]، ومعجم الكلمات الصوفية للنقشبندي (191) [مؤسسة الانتشار العربي، ط1]، المعجم الفلسفي لصليبا (2/167).
[3] بغية المرتاد (226) [مكتبة العلوم والحكم، ط1، 1408هـ].
[4] مدارج السالكين (1/154، 155) [دار الكتاب العربي، 1392هـ].


العلاقة بينهما واضحة؛ فالفناء عند الصوفية اضمحلال الشعور بالنفس وتلاشيه أمام شهود الله، فقد أُخذ من المعنى اللغوي الاضمحلال والتلاشي.



يستخدم الصوفية مصطلحات أخرى للتعبير عن معنى الفناء، كلفظ المحو والجمع والاصطلام والسكر، وهذه المصطلحات تشترك معًا في غيبة المتصف بها عن شهود أو وجود ما سوى الله، وقد يفرق بعض الصوفية بينها من حيث السبب الباعث لغيبة الشخص عن ما سوى الله، ومن حيث درجة هذه الغيبة، وحال المتصف بها. يقول شيخ الإسلام مبينًا تقارب هذه الألفاظ: «أن يفنى عن شهود ما سوى الله، وهذا الذي يسميه كثير من الصوفية حال الاصطلام والفناء والجمع ونحو ذلك»[1]. وقال عن السكر: «وكذلك ما يرد على القلوب مما يسمونه السكر والفناء، ونحو ذلك من الأمور التي تغيب العقل بغير اختيار صاحبها»[2]، فهي ألفاظ متقاربة المعنى.


[1] مجموع الفتاوى لابن تيمية (2/370). وانظر المرجع نفسه (10/594)، وشفاء العليل (15).
[2] مجموع الفتاوى لابن تيمية (11/10).


الفناء مصطلح يحتمل عدة معان؛ منها ما هو صحيح، ومنها ما هو نقص، ومنها ما هو كفر.
القسم الأول: الفناء عن عبادة ما سوى الله، والاستعانة به، بحيث لا يعبد إلا الله ولا يستعين إلا بالله، وهذا هو دين الإسلام.
القسم الثاني: الفناء عن شهود ما سوى الله، بحيث يغيب بمشهوده عن شهوده، وهؤلاء ليس مرادهم فناء وجود ما سوى الله في الخارج، بل فناؤه عن شهودهم وحسهم، وهؤلاء إذا لم يتركوا واجبًا لم يضرهم، وإن تركوا مستحَبًّا مشتغلين عنه بما هو أفضل منه لم ينقلوا عن مقامهم، وإن اشتغلوا عما تركوه من المستحَب بما ليس مثله، فانتقالهم إلى ذلك الأفضل أفضل إذا أمكن، وإن تركوا واجبًا أو فعلوا محرمًا مع إمكان العلم والقدرة فهم مؤاخذون على ذلك، وإن كان مع سقوط التمييز لسبب يعذرون به مثل زوال عقل بسبب غير محظور فلا ذم عليهم. وهذا النوع هو الذي يظنه الصوفية غاية السالكين، مع أنه ليس غاية محمودة بل هو فناء الناقصين.
القسم الثالث: وهو فناء الكافرين، وهو جعل وجود الأشياء هو عين وجود الحق، أو وجود نفسه عين وجود الله عزّ وجل، وهذا كفر محض[1].


[1] انظر: الاستقامة (2/142، 143) [مكتبة ابن تيمية]، ومجموع الفتاوى (2/268 ـ 270) [مكتبة النهضة الحديثة، 1404هـ]، ومدارج السالكين (1/149 ـ 155)، (3/378 ـ 380)، بتصرف.


1 ـ «الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية»، لآمال العمرو [رسالة دكتوراه].
2 ـ «الاستقامة» (ج1)، لابن تيمية.
3 ـ «الفناء عند الصوفية وموقف السلف منه»، لسعيد أبو بكر زكريا [رسالة ماجستير].
4 ـ «مجموع الفتاوى» (ج2)، لابن تيمية.
5 ـ «مدارج السالكين» (ج1)، لابن القيم.
6 ـ «اصطلاحات الصوفية»، للقاشاني.
7 ـ «معجم الكلمات الصوفية»، لأحمد النقشبندي.
8 ـ «موسوعة مصطلحات جامع العلوم»، لمجموعة من المؤلفين.