حرف القاف / القدرة

           

القدرة من الفعل الثلاثي (قَدَرَ) الدال على التمكن من فعل الشيء، يقال: قَدَر يَقْدِر فهو قادر وقدير ومقتدر؛ أي: ذو قدرة، وهي الإطاقة والقوة، وضده العجز، ومنه قوله تعالى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] ؛ أي: طاقته. ويدل أيضًا على مبلغ الشيء ومنتهاه، فالقَدْرُ: مبلغ كل شيء، وقدَّر يُقَدِّر تقديرًا فهو قادر ومقدِّر: قضاء الله تعالى للأشياء على مبالغها ومنتهاها الذي أرادها لها سبحانه وتعالى[1]. والقَدْرُ والقُدْرَةُ: الغِنَى واليَسارُ والقوةُ. وذو قُدرةٍ وذو مَقدِرة؛ أي: يسار. ومعناه أنه يبلُغُ بيسارِه وغِنائِه من الأُمور المَبلغَ الذي يوافق إرادتَه[2].


[1] انظر: تهذيب اللغة (9/18 ـ 19) [الدار المصرية]، والصحاح (2/786 ـ 787) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م]، ومقاييس اللغة (876 ـ 877) [دار الفكر، ط2، 1418هـ]، ومفردات ألفاظ القرآن للراغب (657 ـ 659) [دار القلم، ط2، 1418هـ]، والمعجم الوسيط (2/718 ـ 719) [دار الدعوة، ط2، 1972].
[2] مقاييس اللغة (5/63)، والقاموس المحيط (591).


صفة ذاتية لله تعالى بأنه على كل شيء قدير، تام القدرة، لا يمتنع عليه شيء، ولا يعجزه شيء مهما كان، ولا يلابس قدرته عجز بوجه من الوجوه، وكل شيء في هذا الوجود كائن بقدرته ومشيئته[1].


[1] الحجة في بيان المحجة (1/105)، وشأن الدعاء للخطابي (86)، والأسماء والصفات للبيهقي (113)، وتفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (69).


العلاقة ظاهرة، لكن المعنى الشرعي الذي هو وصف لله تعالى هو على أكمل ما يكون عليه المعنى، دون أي نقص بوجه من الوجوه.



وجوب إثبات القدرة التامة لله تعالى على وجه الكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، ونفي أي معنى من معاني العجز عنه سبحانه وتعالى[1].


[1] انظر: معارج القبول (1/129)، وشرح العقيدة الواسطية للهراس (140، 141).


القدرة صفة من صفات الله عزّ وجل الذاتية، فإن الله هو القادر على كل شيء، لا يعجزه شيء، ولا يفوته مطلوب، له القدرة الشاملة، وهذه القدرة لا يتطرق إليها عجزٌ ولا تعب ولا إعياء ولا لغوب.
ويدخل تحت هذا المعنى تقدير الله عزّ وجل لجميع شؤون هذا الخلق، فكل شيء بقضائه وقدره، قال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا *} [الفرقان] ، وقال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ *} [القمر] .



قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ *} [البقرة] ، وقال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا *} [الكهف] .
وعن عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه أنه شكا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعًا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل باسم الله ثلاثًا وقل سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر»[1].
ما جاء في دعاء الاستخارة: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلمِكَ وأستَقدِرُكَ بِقُدرَتِكَ»[2].


[1] أخرجه مسلم (كتاب السلام، رقم 2202).
[2] أخرجه البخاري (كتاب الدعوات، رقم 6382).


قال ابن جرير الطبري ـ في تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *} [التغابن] ـ: «يقول: وهو على كلّ شيء ذو قدرة، يقول: يخلق ما يشاء، ويميت من يشاء، ويغني من أراد، ويفقر من يشاء ويعزّ من يشاء، ويذلّ من يشاء، لا يتعذّر عليه شيء أراده؛ لأنه ذو القدرة التامة التي لا يعجزه معها شيء»[1].
وقال البيهقي: «باب ما جاء في إثبات القدرة»، ثم ذكر الأدلة من الكتاب والسُّنَّة على ذلك[2].
وقال أبو القاسم التيمي: «أثبت الله العزة والعظمة والقدرة والكبر والقوة لنفسه في كتابه»[3].
وقال الشيخ محمد خليل هراس بعد ذكره لآيات في صفات الله عزّ وجل: «هذه الآيات تضمنت إثبات صفات العفو، والقدرة، والمغفرة، والرحمة والعزة»[4].


[1] تفسير الطبري (23/415).
[2] الأسماء والصفات للبيهقي (1/314).
[3] الحجة في بيان المحجة (2/196). وانظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/88).
[4] شرح العقيدة الواسطية (140).


المسألة الأولى: من أسماء الله الحسنى (القادر):
ومعناه: الذي يقدر على إيجاد المعدوم، وإعدام الموجود، الذي لا يعجزه شيء، يفعل ما يريد بمقتضى حكمته، وإذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون. ويدخل فيه تقدير الله عزّ وجل لجميع شؤون هذا الكون؛ ومنه قوله تعالى: {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ *} [المرسلات] [1].
وقد ورد هذا الاسم في اثني عشر موضعًا من القرآن الكريم، خمس منها بصيغة الجمع، منها قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65] ، كما ورد هذا الاسم في جميع طرق حديث تعيين الأسماء المشهور، وأورده معظم من اعتنى بجمع الأسماء الحسنى وشرحها، ولم يسقطه سوى: جعفر الصادق، وابن حزم، والسعدي[2].
المسألة الثانية: من أسماء الله الحسنى (القدير):
القدير بوزن (فعيل) صيغة مبالغة من القدرة، الدالة على التمكن من فعل الشيء، وهو اسم من أسماء الله عزّ وجل الحسنى، ومعناه: القادر التام القدرة، فهو صيغة مبالغة من القادر، وقد ورد هذا الاسم في خمسة وأربعين موضعًا من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ *} [البقرة] .
كما ورد في أغلب طرق حديث تعيين الأسماء الحسنى المشهور، سوى طريق عبد الملك الصنعاني، وأورد هذا الاسم معظم من اعتنى بجمع أسماء الله الحسنى وشرحها، ولم يسقطه سوى: الزجاج، والخطابي، وصدِّيق حسن خان[3].
المسألة الثالثة: من أسماء الله الحسنى (المقتدر):
المُقتدر بوزن (مُفتعل) اسم فاعل للفعل (اقتدر)، يدل على التمكن من فعل الشيء، والمقتدر في أسماء الله مبالغة في وصف الله عزّ وجل بالقدرة، ومعناه: التام القدرة، المظهر قدرته، فهو صيغة مبالغة من القادر، وأبلغ من القدير؛ لأن الاقتدار أبلغ وأعمّ، فهو يقتضي الإطلاق، فهو سبحانه المقتدر الذي يقدر على إيجاد المعدوم، وإعدام الموجود، الذي لا يعجزه شيء.
وقد ورد اسم المقتدر في قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا *} [الكهف] ، وقوله تعالى: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ *} [القمر] ، كما ورد في طرق حديث تعيين الأسماء المشهور ما عدا طريق عبد الملك الصنعاني، وقد أورد هذا الاسم أغلب أهل العلم الذين اعتنوا بجمع الأسماء الحسنى وشرحها، ولم يسقطه من جمعه سوى: ابن تيمية، وابن القيم، والسعدي[4].


[1] انظر: شأن الدعاء (85) [دار الثقافة، ط3، 1412هـ]، والنهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى (2/112، 113) [مكتبة الذهبي، ط2، 1417هـ]، وفقه الأسماء الحسنى (217) [دار التوحيد، ط1، 1429هـ].
[2] انظر: معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى للتميمي (80 ـ 84، 160) [أضواء السلف، ط1، 1419هـ].
[3] انظر: معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى للتميمي (80 ـ 84).
[4] انظر: معتقد هل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى للتميمي (79 ـ 84).


الفرق بين (القادر) و(القدير) و(المقتدر):
هذه الأسماء الثلاثة ثابتة لله عزّ وجل وهي متقاربة في المعنى، والفرق بينها من جهة ما تدلّ عليه كل صيغة منها، فالقادر: اسم فاعل من: قَدَرَ، يَقْدِر، والقدير: بوزن (فعيل)، وهو للمبالغة، والمقتدر: بوزن (مفتعل) من الفعل: اقتدر وهو أبلغ؛ جريًا على قواعد اللغة، من أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، والزيادة هنا اقتضت المبالغة والأبلغ.



إن للإيمان بقدرة الله عزّ وجل آثارًا عظيمة، وثمارًا مباركة على العبد في دنياه وآخرته، ومنها:
1 ـ شهود آثار قدرته تبارك وتعالى في كل شيء في هذا الكون، فكل الكائنات مقهورة خاضعة لعظمته، منقادة لإرادته ومشيئته، وهو وحده عزّ وجل المدبِّر لها والمتصرِّف فيها كما يشاء، وهذه الآثار لا تعد ولا تحصى في الآفاق وفي الأنفس، فوجود هذه المخلوقات التي لا تحصى، بتعدد أشكالها وتنوع أصنافها برهان ساطع وآية ظاهرة على كمال قدرة الله عزّ وجل وإحاطتها بكل شيء.
2 ـ تقوية الاستعانة بالله عزّ وجل لدى العبد، وحسن التوكل عليه، وتمام الالتجاء إليه؛ لأنه لا قادر ولا قدير ولا مقتدر على الحقيقة إلا هو سبحانه وتعالى.
3 ـ الرضا بما قضاه الله عزّ وجل وقدره على العبد، والصبر على ما يصيب العبد من مكاره، والقناعة بما آتاه الله عزّ وجل، وسلامة صدره من أمراض القلوب كالحقد والحسد وحب الانتقام، لعلمه أن كل ذلك إنما هو بقضاء الله وقدره.
4 ـ تقوية عزيمة العبد وإرادته في الحرص على الخير وطلبه، والبعد عن الشر والفرار منه، والأخذ بأسباب ذلك كله؛ أنها من قضاء الله وقدره.
5 ـ حسن رجاء الله عزّ وجل ودوام سؤاله، والإكثار من دعائه والالتجاء إليه؛ وتعلقه بخالق الأسباب؛ لأن الأمور كلها بيده عزّ وجل، فوجب تعلق القلب والفكر بخالق القدر لا بالمقدور.
6 ـ البعد عن الظلم والبغي وعن سائر ما يغضب الله عزّ وجل ويسخطه؛ لأن الإيمان بقدرة الله عزّ وجل وانتقامه لحرماته أن تنتهك، وانتقامه للمظلومين ممَّن ظلمهم يوجب أن يرتدع العبد في أن يقع في شيء من ذلك.
7 ـ الإيمان بأن ما أودع الله عزّ وجل من القدرة والقوة في الإنسان إنما هي منه سبحانه وتعالى ومن إنعامه وفضله، وهذا الشعور يدفع العبد إلى أن يُسخِّر ما أودع الله فيه من هذه القدرة في طاعة الله عزّ وجل وفي طريق الخير والإصلاح، ويحذر من توجيه ذلك في معصية الله تعالى وطريق الشر والإفساد، وألا يغتر بقدرته المقيدة، وأن يتبرأ من الحول والقوة إلا بالله عزّ وجل، فلا حول ولا قوة للعبد إلا به.
8 ـ الذل والافتقار للعليم القدير، وإنزال الحوائج به وحده، واليقين بوعد الله الصادق، فمهما كان من قدرة عدو، أو غرور ظالم، فأمر الله سبحانه فوق كل شيء، وقدرته نافذة في كل شيء.
9 ـ خشية الله تعالى، والخوف منه، بأنه القادر على كل شيء، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.



كون الله عزّ وجل قادرًا؛ أي: ذا قدرة، فله القدرة الشاملة الكاملة، ومعنى قدرة الله تعالى: تمكنه عزّ وجل من الفعل، والفعل نوعان: لازم ومتعدّ.
فالأفعال اللازمة هي التي تقوم بالفاعل ولا تتعدى إلى مفعول، وقد ذكر الله عزّ وجل في حقه النوعين، كما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد: 4] .
والناس في هذين النوعين على ثلاثة مذاهب:
1 ـ من لا يثبت له فعلاً قائمًا به عزّ وجل لا لازمًا ولا متعديًا، فاللازم منتف، والمتعدي كالخلق، فإنهم يقولون الخلق هو المخلوق أو معنى غير المخلوق، وهذا مذهب الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم من الأشاعرة.
2 ـ من يثبت له عزّ وجل الفعل المتعدي دون اللازم، وهو مذهب الأشاعرة ومن وافقهم.
3 ـ من يثبت النوعين كما دلّ عليه القرآن والسُّنَّة، وهو قول السلف أهل السُّنَّة والجماعة.
ومقتضى مذهب من ينفي عنه النوعين أو أحدهما أنه عزّ وجل ليس على كل شيء قدير كما أخبر عن نفسه، وحالهم كما وصفهم الله عزّ وجل أنهم: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزُّمَر: 67] ، فما عرفوه حق معرفته، وما عظموه حق تعظيمه، وما وصفوه حق وصفه الذي أثبته لنفسه تبارك وتعالى .
وقد اختلف الناس أيضًا في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ *} [البقرة] ، مع تصديقهم بخبره، والخلاف وقع فيما يدخل تحت مقدور الله عزّ وجل مما يكون قادرًا عليه: من الممتنع والمعدوم، وأفعال العباد، وأفعال نفسه، وقد حرر شيخ الإسلام ابن تيميّة هذا الخلاف، وبيّن الحق فيه فقال في المسألة الأولى: وهي دخول الممتنع لذاته في مقدور الله عزّ وجل: «والناس في هذا على ثلاثة أقوال:
طائفة تقول: هذا عام يدخل فيه الممتنع لذاته من الجمع بين الضدين، وكذلك يدخل في المقدور، كما قال ذلك طائفة منهم ابن حزم.
وطائفة تقول: هذا عام مخصوص يخص منه الممتنع لذاته، فإنه وإن كان شيئًا، فإنه لا يدخل في المقدور، كما ذكر ذلك ابن عطية وغيره، وكلا القولين خطأ.
والصواب : هو القول الثالث الذي عليه عامة النظار، وهو: أن الممتنع لذاته ليس شيئًا البتة، وإن كانوا متنازعين في المعدوم، فإن الممتنع لذاته لا يمكن تحققه في الخارج، ولا يتصوره الذهن ثابتًا في الخارج، ولكن يقدر اجتماعهما في الذهن، ثم يحكم على ذلك بأنه ممتنع في الخارج؛ إذ كان يمتنع تحققه في الأعيان، وتصوره في الأذهان، إلا على وجه التمثيل بأن يقال: قد تجتمع الحركة والسكون في الشيء، فهل يمكن في الخارج أن يجتمع السواد والبياض في محل واحد، كما تجتمع الحركة والسكون؟ فيقال: هذا غير ممكن»[1].


[1] مجمع فتاوى ابن تيمية (8/8).


1 ـ «الأسماء والصفات»، للبيهقي.
2 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
3 ـ «توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم»، لابن عيسى.
4 ـ «تفسير الطبري».
5 ـ «الحجة في بيان المحجة»، لقوام السُّنَّة الأصبهاني.
6 ـ «الحق الواضح المبين»، للسعدي.
7 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
8 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، للسقاف.
9 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، للنجدي.
10 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.