حرف القاف / القدّوس

           

قال ابن فارس: «القاف والدال والسين أصلٌ صحيح، وأظنه من الكلام الشرعيِّ الإسلاميّ، وهو يدلُّ على الطهْر»[1].
والقُدُّوس : على وزن (فُعّول) من صيغ المبالغة، مأخوذ من القُدْس، وهو الطهارة والنزاهة، ومنه قوله تعالى عن الملائكة: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة: 30] ؛ أي: ننزهك عن كل ما لا يليق بك، ومنه: الأرض المقدسة: الطاهرة، وبيت المقدس: المُطَهّر، وروح القدس: جبريل عليه السلام؛ أي: الروح الطاهرة، والتقديس: التطهير، يقال: تقدّس له إذا تطهّر، وقدَّس له: نزَّهه.
قال الليث: «القُدْسُ تنزيه الله، وهو القدُّوسُ المقَدَّسُ المتقدِّسُ»[2].
وقيل: القُدس: البركة، والأرض المقدسة: المباركة، وهو قريب من الأول؛ لأن طهارته سبب لحصول البركة فيه[3].


[1] مقاييس اللغة (5/63).
[2] تهذيب اللغة (3/164) [الدار المصرية للتأليف].
[3] انظر: تهذيب اللغة (8/396، 397)، والصحاح للجوهري (3/960، 961) [دار العلم للملايين، ط4]، ومفردات ألفاظ القرآن للراغب (660) [دار القلم، ط2، 1418]، والمعجم الوسيط (2/725، 726) [دار إحياء التراث العربي].


القدُّوس : اسم من أسماء الله الحسنى الدالة على تنزيه الله عزّ وجل عن كل نقص وعيب يضاد كماله وينافي عظمته وجلاله؛ لأنه سبحانه المتصف بصفات الكمال والعظمة والجلال التي لا نقص فيها ولا عيب بحال من الأحوال، وهو سبحانه المقدّس؛ أي: المنزه والمترفع عن الأنداد والأضداد والأشباه والأمثال والشركاء بحال من الأحوال[1].
وقد فسّر بعض أهل العلم اسم القدوس بالمبارك، وهو قريب من المعنى الأول؛ لأن طهارته وتنزهه عن العيوب والنقائص سبب لكونه مباركًا[2].


[1] انظر: شأن الدعاء (40) [دار الثقافة، ط3، 1412هـ]، وبيان تلبيس الجهمية (2/537) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، ط1، 1426هـ]، وتفسير ابن كثير (8/115) [دار طيبة، ط2، 1420هـ]، وتفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (208) [مجلة الجامعة الإسلامية، عدد 112، 1423هـ]، وفقه الأسماء الحسنى (194) [دار التوحيد، ط1، 1429].
[2] ورد هذا التفسير عن مجاهد وقتادة. انظر: تفسير الطبري (23/302) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ]، وتفسير ابن كثير (8/79).


تتَّضح العلاقة بين المعنى اللغوي لاسم القدوس ومعناه الشرعي من خلال تطابق المعنى اللغوي الذي تدل عليه الكلمة مع معناه الشرعي، فكلاهما دالٌّ على الطهارة والنزاهة.



وجوب إثبات القدّوس اسمًا لله تعالى، وما تضمنه من صفة القدسية وصفًا ذاتيًّا لله تعالى على وجه الكمال، وتنزيهه سبحانه عن كل ما لا يليق به.



القدّوس : اسم من أسماء الله الحسنى الدالّة على أنه المنزه من كل شر ونقص وعيب، الطاهر من كل عيب، ومن كل ما يضيف إليه المشركون به. كما أنه سبحانه هو المعظم الممجد؛ لأن القدوس يدل على التنزيه عن كل نقص، والتعظيم لله في أوصافه وجلاله.



ورد هذا الاسم في موضعين من القرآن الكريم، هما قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} [الحشر: 23] ، وقوله تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ *} [الجمعة] .
وعن عائشة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في ركوعه وسجوده: «سبّوح قدّوس ربُّ الملائكة والروح»[1].
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من اشتكى منكم شيئًا أو اشتكاه أخ له فليقل: ربنا الله الذي في السماء تقدَّس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض...» الحديث[2].


[1] أخرجه مسلم (كتاب الصلاة، رقم 487).
[2] أخرجه أبو داود (كتاب الطب، رقم 3892)، وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود (2/607) [مكتبة المعارف، ط1]: (في إسناده زياد بن محمد الأنصاري، قال أبو حاتم: منكر الحديث، وقال البخاري والنسائي: منكر الحديث)، وضعفه الألباني جدًّا في ضعيف الترغيب والترهيب (رقم 2013). وانظر: معتقد هل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى للتميمي (80 ـ 84، 161) [أضواء السلف، ط1، 1419]، وأسماء الله الحسنى للغصن (331) [دار الوطن، ط1، 1417هـ].


قال قتادة: «القدّوس؛ أي: المبارك»[1].
وقال ابن جرير الطبري: «القدّوس: وهو الطاهر من كلّ ما يضيف إليه المشركون به، ويصفونه به مما ليس من صفاته المباركة»[2].
وقال ابن القيم: «القدّوس: المنزَّه من كل شر ونقص وعيب، كما قال أهل التفسير: هو الطاهر من كل عيب، المنزه عما لا يليق به، وهذا قول أهل اللغة، وأصل الكلمة من الطهارة والنزاهة»[3].
وقال ابن كثير ـ في تفسير {الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ} [الجمعة: 1] ـ: «هو المُنَزَّه عن النقائص الموصوف بصفات الكمال»[4].
وقال السعدي: «{الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ}؛ أي: المقدس السالم من كل عيب وآفة ونقص، المعظم الممجد؛ لأن القدوس يدل على التنزيه عن كل نقص، والتعظيم لله في أوصافه وجلاله»[5].
وأورد هذا الاسم كل من اعتنى بجمع الأسماء الحسنى والتصنيف في شرحها.


[1] تفسير الطبري (23/203).
[2] تفسير الطبري (23/371)، والحجة (1/123).
[3] شفاء العليل (179).
[4] تفسير ابن كثير (8/115).
[5] تفسير السعدي (854).


المسألة الأولى: اسم الجلال (القدوس) يدل على الذات العلية وعلى صفة القدسية، وهي الطهارة والتنزيه:
فالله عزّ وجل مقدّس في ذاته منزه عن كل نقص وعيب؛ لأنه متصف بكل أنواع الكمال، وهو المستحق للتقديس والعظمة والجلال، ولذلك قالت الملائكة: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة: 30] .
ويدلُّ على صفة الفعل وهي التقديس، فالله عزّ وجل يُقدِّس من شاء من خلقه، فالتقديس صفة فعل كما ورد في حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف يُقَدِّس الله أمةً لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم»[1].
المسألة الثانية: يتضمن اسم القدوس نفي النقائص والعيوب عن الله عزّ وجل، وتنزيهه سبحانه وتعالى عن كل ما لا يليق بكماله وعظمته وجلاله، وذلك يكون بأمرين:
الأول: نفي النقص عنه سبحانه وتعالى المنافي لكماله، فإذا نفينا عنه عزّ وجل السِّنة والنوم فإنما ذلك لأنه مناف لكمال حياته وقيوميته، وإذا نفينا عنه الظلم؛ لأنه مناف لكمال عدله، وهكذا في جميع ما ينفى عن الله عزّ وجل من النقائص والعيوب فإنها منافية لمقابلها من صفات الكمال ونعوت العظمة والجلال.
الثاني: نفي أن يكون لله عزّ وجل مماثل أو مشابه في جميع أوصاف الكمال الثابتة له، فإنه سبحانه وتعالى لا مثل له ولا شبيه ولا كفؤ ولا ندّ ولا سَمِيّ له، فهو سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *} [الشورى] .
المسألة الثالثة: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يكثر من ذكر هذا الاسم في ركوعه وسجوده:
فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في سجوده وركوعه: «سبُّوح قُدُّوس، ربُّ الملائكة والروح»[2] ، كما كان صلّى الله عليه وسلّم يختم بهذا الاسم صلاته بالليل كما جاء في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرأ في الوتر {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *}، و{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ *}، و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *}، فإذا سلّم قال: { «سبحان الملك القدّوس» ، ثلاث مرات»[3][4].


[1] أخرجه ابن ماجه (كتاب الفتن، رقم 4010)، وحسن إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (4/183) [دار العربية، ط2]، وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 4598).
[2] تقدم تخريجه.
[3] أخرجه أبو داود (كتاب الصلاة، رقم 1430)، والنسائي (كتاب قسام الليل وتطوع النهار، رقم 1699)، وعبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (35/80) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1416هـ]، وابن حبان (كتاب الصلاة، رقم 2450)، وصححه النووي في الخلاصة (1/563) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والألباني في صحيح أبي داود (رقم 1284) [مؤسسة غراس، ط1].
[4] انظر حول هذه المسائل: تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (208، 209)، وفقه الأسماء الحسنى (194 ـ 195) [دار التوحيد، ط1]، والنفي في باب الصفات (107 ـ 112) [دار المنهاج، ط1، 1425هـ].


1 ـ حمد الله تعالى والثناء عليه بكماله في ذاته وصفاته، وتنزيهه تعالى عن كل عيب ونقص.
2 ـ سلامة الإيمان وكماله في أسماء الله تعالى وصفاته بإثبات جميع الأسماء والصفات على وجه الكمال الذي لا يتطرق إليه أي معنى من معاني النقص، فتكون السلامة من التحريف المسمَّى عند أهله تأويلاً.
3 ـ التعبّد لله تعالى بأسمائه وصفاته على الوجه الأكمل، الباعث عليه كمال الصفات وطهارتها من أي نقص.
4 ـ صدق اليقين وجميل التوكل على الله تعالى.
5 ـ عظيم خلق الله تعالى ووقوعه على غاية الكمال والإتقان.
6 ـ الحكمة التامة والعظمة الكاملة في قضاء الله تعالى وتقديره الدال على كمال صفاته وأفعاله.
7 ـ كمال شرع الله تعالى وطهارته من كل نقص وعيب.
8 ـ الدلائل الظاهرة في الآيات الأفقية والنفسية الدالة على ألوهية الله تعالى ووحدانيته.
9 ـ ما جعله الله تعالى من العاقبة لرسله وأوليائه، والحسرة والخسران على أعدائه.
10 ـ أن اسم الجلال القدوس على المسلم أن ينزه نفسه عن المعاصي والذنوب، ويطلب المعونة من ربه أن يحفظه في سمعه وبصره وبدنه من جميع النقائص والعيوب.



اسم الجلال القدُّوس من الأسماء الحسنى الدالة على التنزيه العام لله عزّ وجل عن جميع صفات النقص، وقد استند العديد من الفرق المبتدعة على دلالة هذا الاسم ونحوه على التنزيه من أجل نفي ما يستحقه الله عزّ وجل مما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله صلّى الله عليه وسلّم من صفات الكمال ونعوت العظمة والجلال التي جاءت في نصوص الكتاب والسُّنَّة، فإن أهل السُّنَّة والجماعة عندما قالوا بموجب هذا الاسم من تقديس الله عزّ وجل وتنزيهه عن جميع النقائص والعيوب، ليس معنى ذلك تعطيل الله عزّ وجل عن صفات كماله ونفي معاني أسمائه الحسنى كما ظنه المعطلة من جهمية ومعتزلة وأشاعرة وماتريدية ومن وافقهم؛ بل معناه تنزيه الله عزّ وجل عن مشابهة خلقه في شيء من صفاتهم؛ فإن تنزيه أهل السُّنَّة والجماعة تنزيه بلا تعطيل، كما أن إثباتهم إثبات بلا تمثيل، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *} [الشورى] .
فإن تنزيه الله عزّ وجل وتعظيمه يجب أن يكون وفق دلائل الكتاب والسُّنَّة على ضوء فهم سلف الأمة وأئمتها، ولا يجوز بحال أن ينبني على الأهواء المجردة، أو الظنون الفاسدة، أو الأقيسة العقلية الكاسدة، كما هو الشأن عند أرباب البدع المعطلين لصفات الرب سبحانه وتعالى زعمًا منهم أن هذا من باب التقديس والتنزيه؛ ولهذا وقعوا في أنواع من الباطل وصنوف من الضلال[1].


[1] انظر: النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى (1/111، 112) [مكتبة الذهبي، ط2، 1417هـ]، النفي في باب الصفات (205 ـ 222).


1 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
2 ـ «بيان تلبيس الجهمية» (ج2)،لابن تيمية.
3 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
4 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.
5 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
6 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، للحمود النجدي.
7 ـ «النفي في باب الصفات»، لأرزقي سعيداني.
8 ـ «أسماء الله الحسنى»، للغصن.
9 ـ «الأسماء والصفات» (ج1)، للبيهقي.
10 ـ «الحجة في بيان المحجة»، للتيمي.
11 ـ «شفاء العليل»، لابن القيم.
12 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي السقاف.