حرف القاف / القرين

           

القرين : هو المصاحب، يقال: اقترن الشيء بغيره؛ أي: صاحبه. قال ابن فارس: «القاف والراء والنون أصلانِ صحيحان، أحدهما يدلُّ على جَمعِ شيءٍ إلى شيء، والآخَر شيءٌ ينْتَأ بقُوّة وشِدّة. فالأوّل: قارنتُ بين الشَّيئين»[1].
وقال الراغب: «الاقتران كالازدواج في كونه اجتماع شيئين أو أشياء في معنى من المعاني، قال: {أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ *} [الزخرف] ، يقال: فلان قِرن فلان في الولادة، وقرينه وقرنه في الجلادة وفي القوة وفي غيرها من الأحوال»[2].


[1] مقاييس اللغة (883) [دار الفكر، ط2، 1418هـ].
[2] المفردات (667) [دار القلم، ط3، 1423هـ].


قرين الإنسان: «مصاحِبُه من الملائكة والشياطين، فقرينه من الملائكة يأمره بالخير ويحثّه عليه، وقرينه من الشياطين يأمره بالشر ويحثّه عليه»[1].


[1] النهاية في غريب الحديث (2/447) [دار المعرفة، ط2، 1427هـ].


المعنى الشرعي خصص المعنى اللغوي للقرين من كل مصاحب بالمصاحب الخفي من الملائكة والشياطين.



أن القرين يصاحب الإنسان ويرافقه ويقارنه ويلازمه.



يجب الإيمان بوجود قرين مع كل إنسان للأدلة الواردة في ذلك، منها حديث: «...وقد وكّل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة»[1].


[1] أخرجه مسلم (كتاب صفة القيامة والجنة والنار، رقم 2814).


وجود داعٍ حقيقي من الملائكة والجن مع كل البشر يدعوه إلى الخير أو الشر.



الأدلة على وجود القرين مع الإنسان كثيرة؛ منها[1] قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ *} [الزخرف] ، وقوله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ} [فصلت: 25] ، وقوله تعالى: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ *أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ *مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ *الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ *قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ *} [ق] ، قال جمع من المفسرين: المراد بالقرين الأول: الملك الموكّل به، والقرين الثاني: الشيطان الموكل به[2].
ومن السُّنَّة قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك؟ يا رسول الله! قال: وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم[3]، فلا يأمرني إلا بخير» ، وفي رواية: «وقد وكّل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة» [4]. وفي رواية أخرى من حديث عائشة رضي الله عنها: فقلت: يا رسول الله! أو معي شيطان؟ قال: «نعم» ، قلت: ومع كل إنسان؟ قال: «نعم»[5].


[1] انظر مجموعة من الأدلة على ذلك في: غرائب وعجائب الجن (أكام المرجان للشبلي) (40) [مكتبة القرآن، 2001م]، وعالم الجن والشياطين (65) [قصر الكتاب، 1978م].
[2] تفسير الطبري (13/201، 203) [دار ابن حزم، ط1، 1423هـ]، والجامع لأحكام القرآن (19/447) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1427هـ]، وتفسير ابن كثير (13/191، 192) [دار عالم الكتب، ط1، 1425هـ].
[3] فأسلم: روي بضم الميم وفتحها، والمعنى بضم الميم؛ أي: أنا أسلمُ من شرِّه، والمعنى بالفتح: أسلمَ هو من كفره فصار مسلمًا، وفسره البعض بأنه استسلم وخضع وانقاد. انظر: فتح الباري لابن رجب (1/123) [دار ابن الجوزي، ط2، 1422هـ]، وشرح النووي على مسلم (17/155) [دار المعرفة، ط12، 1427هـ].
[4] تقدم تخريجه.
[5] أخرجه مسلم (كتاب صفة القيامة والجنة والنار، رقم 2815).


قال ابن تيمية: «كل إنسان معه قرينه من الملائكة، وقرينه من الجن، وهو نفسه لا يرى ذلك، ولا يراه من حوله»[1].
وقال ابن كثير: «القرين من الملائكة غير القرين بحفظ الإنسان، وإنما هو موكل به ليهديه، ويرشده بإذن ربه إلى سبيل الخير، وطريق الرشاد كما أنه قد وكل به القرين من الشياطين لا يألوه جهدًا في الخبال والإضلال، والمعصوم من عصمه الله عزّ وجل»[2].
وقال ابن باز: «ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أن كل إنسان معه قرين من الملائكة وقرين من الشياطين»[3].


[1] الجواب الصحيح لابن تيمية (4/288) [ط2، 1419هـ].
[2] البداية والنهاية (1/52) [دار الفكر، عام1407هـ].
[3] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (3/302) [الرئاسة العامة للبحوث والإفتاء، ط1، 1427هـ].


القرين على قسمين:
1 ـ قرين السوء وهو الشيطان يأمر الإنسان بالشر ويحثه عليه.
2 ـ قرين الخير وهو الملك يأمره بالخير ويحثه عليه[1].


[1] النهاية في غريب الحديث (2/447)، وفتاوى نور على الدرب (1/223) [الرئاسة العامة للبحوث والإفتاء، ط1، 1428هـ]


المسألة الأولى: قد يخبر القرين الجني صاحبه الكاهن ببعض الأخبار التي لم يطلع عليها الحاضر:
ينال الجني علمه باستراق السمع أو المجيء من أماكن الأخرى؛ إذ هم سريعو التنقل[1]، فيخبر بها الكاهن فيكذب معه مائة كذبة كما في حديث: «يا رسول الله، إن الكهان كانوا يحدثوننا بالشيء فنجده حقًّا، قال: «تلك الكلمة الحق يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه ويزيد فيها مائة كذبة»[2].
المسألة الثانية: ملازمة القرين صاحبه:
لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وقد وكّل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة» [3]، ولقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ *} [الزخرف] .
المسألة الثالثة: هل القرين يتشكل بصورة الميت فيما يسمى بتحضير الأرواح؟
فيقال: نعم، ودعوى تحضير الأرواح والسحر وجهان لعملة واحدة، ويفسر ما يفعله مدعي إحضار الأرواح بأحد تفسيرين؛ إما هو يسحر أعين الناس فيوهمهم أن روح الميت حضر ويتكلم ويُرى، وإما يستعين بالجن فيتشكل قرين الميت بشكل الميت ويتكلم باسم الميت، وثبت تشكل الجن بأشكال الإنس[4]، كما في غزوة بدر وغيرها من الوقائع، إلا أنه لا سلطان لأحد على الأرواح بعد موتها، كما يعلم ذلك من قوله عزّ وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً *} [الإسراء] ، فالروح محكومة بأمر الله لا يستطيع أحد إحضارها، ولم يستحضرها الأنبياء والرسل مع كونهم أفضل البشر؛ فليس بإمكان أحد أن يسيطر على الروح وأن يستحضرها!.
المسألة الرابعة: معنى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أعانني عليه فأسلم»:
اختلف العلماء في الفعل (أسلم)؛ أهو ماضٍ أم مضارع، فبتقديره فعلاً ماضيًا يكون المعنى إن قرينه أسلمَ؛ أي: دخل في الإسلام، وبتقديره مضارعًا يكون المعنى: فأنا أسلمُ؛ أي أن الله تعالى أعانه عليه فَيَسْلَمُ النبي صلّى الله عليه وسلّم من شره، وأن القرين ما صار مسلمًا[5]. قال ابن تيمية: «والمراد في أصح القولين: استسلم وانقاد»[6]، وقال أيضًا: «وكان ابن عُيينة يرويه: «فأَسَلَمُ» بالضم، ويقول: إن الشيطان لا يسلم، لكن قوله في الرواية الأخرى: «فلا يأمرني إلا بخير» دل على أنه لم يبق يأمره بالشر، وهذا إسلامه، وإن كان ذلك كناية عن خضوعه وذلته لا عن إيمانه بالله»[7].


[1] فتاوى نور على الدرب (1/223).
[2] أخرجه البخاري (كتاب الأدب، رقم 6213)، ومسلم (كتاب السلام، رقم 2228).
[3] تقدم تخريجه.
[4] انظر: آكام المرجان في أحكام الجان (4)، وفتاوى نور على الدرب (1/230).
[5] انظر: فتح الباري لابن رجب (1/123)، وشرح صحيح مسلم للنووي (17/155) وآكام المرجان في أحكام الجان (1/51 ـ 52).
[6] منهاج السُّنَّة (8/271).
[7] مجموع فتاوى ابن تيمية (17/523).


الفرق بين المس والقرين:
القرين هو الداعي الخفي المصاحب للإنسان الآمر بالشر أو الخير، وأما المس فهو تسلط الجن على الإنسان فيحرك جوارحه بإرادة الجن دون إرادة الإنسان[1].


[1] انظر: الفرقان لابن تيمية (77) [مكتبة المعارف، 1404هـ]، والرد على المنطقيين (47) [إدارة ترجمان السُّنَّة، ط2، 1396هـ]، وفتاوى نور على الدرب (1/223، 233)، والأدلة الشرعية في إثبات صرع الشيطان للإنسان والرد على المنكرين (2) [بحث في مجلة الجامعة الإسلامية بغزة، العدد 2، 2001م].


على الإنسان آثار قرينه السوء؛ إذ هو الداعي الخفي إلى الشر، ويكون لقرينه من الملائكة آثاره الطيبة؛ إذ هو الداعي الخفي إلى الخير[1]، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن للشيطان لَمّة بابن آدم، وللملك لَمّة، فأما لمَّة الشيطان فإيعادٌ بالشر وتكذيبٌ بالحق، وأما لَمة الملك فإيعادٌ بالخير وتصديقٌ بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: 268] »[2].


[1] انظر: فتاوى نور على الدرب (1/223 ـ 225).
[2] أخرجه الترمذي (أبواب تفسير القرآن، رقم 2988) وحسَّنه، وابن حبان (كتاب الرقائق، رقم 997)، وضعفه الألباني في تعليقه على سنن الترمذي. وأخرجه الطبري في التفسير (5/574) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وصححه أحمد شاكر في تحقيقه لتفسير الطبري، وذكر أن له حكم الرفع، وصححه الألباني أيضًا. انظر: تراجع العلامة الألباني (رقم 604) [مكتبة المعارف، ط1، 1424هـ].


الحكمة من وجود القرين هو الابتلاء من الله عزّ وجل لعبده والإحسان إليه؛ حيث جعل معه داعيًا خفيًّا يرغّبه في الشر ويحثه عليه، كما أنه جعل معه داعيًا خفيًّا يرغبه في الخير ويحثه عليه.



أنكرت الفلاسفة وجود قرين وذلك تبعًا لإنكارهم وجود الجن[1].


[1] مجموع فتاوى ابن تيمية (19/32) [مجمع الملك فهد، 1415هـ]. وانظر: أكام المرجان (18)، وروح المعاني للألوسي (16/142).


القرين ثابت بالقرآن والسُّنَّة والإجماع، ولم يخالف أحد من طوائف المسلمين في وجود الجن، وهذا كافٍ في الردّ على من أنكر وجودهم.



1 ـ «الأدلة الشرعية في إثبات صرع الشيطان للإنسان والرد على المنكرين»، لصالح الرقب.
2 ـ «تفسير القرآن العظيم» (ج13)، لابن كثير.
3 ـ «جامع البيان» (ج13)، للطبري.
4 ـ «الجامع لأحكام القرآن» (ج19)، للقرطبي.
5 ـ «الرد على المنطقيين»، لابن تيمية.
6 ـ «عالم الجن والشياطين»، للأشقر.
7 ـ «غرائب وعجائب الجن»، للشبلي.
8 ـ «فتاوى نور على الدرب» (ج1)، لابن باز.
9 ـ «فتح الباري» (ج1)، ابن رجب.
10 ـ «الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان»، ابن تيمية.