حرف القاف / القلم

           

قال ابن فارس رحمه الله: «القاف واللام والميم أصل صحيح يدل على تسوية شيء عند بريه وإصلاحه؛ من ذلك قَلَمت الظفر وقلَّمته، ومن هذا الباب سمِّي القلم قلمًا؛ قالوا: سُمي به؛ لأنه يُقلم منه، كما يُقلم من الظفر»[1].
القلم : الذي يكتب به، واحد الأقلام وقلام، والمقلمة: وعاء الأقلام، وتطلق الأقلام على السهام والقداح والأزلام، التي تجال بين القوم في القمار، أو القرعة[2].


[1] مقاييس اللغة (5/15، 16) [دار الجيل، 1420هـ].
[2] انظر: الصحاح (6/2014) [دار العلم للملايين، ط3، 1404هـ]، ولسان العرب (11/290) [دار إحياء التراث العربي، ط3، 1419هـ].


القلم : هو قلم القدر السابق، وهو الذي خلقه الله تعالى عند كتابة المقادير وأمره بكتابة مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ، وهو القلم المُقْسَم به في القرآن[1].
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: «وأما القلم فهو القلم المعروف، غير أن الذي أقسم به ربنا من الأقلام: القلم الذي خلقه الله تعالى ذكره، فأمره فجرى بكتابة جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة»[2].


[1] انظر: التبيان في أقسام القرآن (302) [دار عالم الفوائد، ط1]، وشرح الطحاوي لابن أبي العز (2/344) [مؤسسة الرسالة، ط13، 1419هـ].
[2] تفسير الطبري (29/22) [دار ابن حزم، ط1، 1423هـ].


يجب الإيمان بالقلم، وأن الله خلقه وأمره بكتابة مقادير الخلائق، إلى قيام الساعة.
قال أبو عمرو الداني رحمه الله: «ومن قولهم: إن الإيمان باللوح المحفوظ وبالقلم واجب، على ما أخبر به تعالى في قوله: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ *فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ *} [البروج] »[1].


[1] الرسالة الوافية (61).


قال تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ *} [القلم] .
قال ابن القيم رحمه الله: «وقد قال غير واحد من أهل التفسير: إنه القلم الذي أقسم الله تعالى به»[1].
ومن السُّنَّة : عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن أول ما خلق الله القلم. فقال: اكتب. قال: ربِّ وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة»[2].


[1] التبيان في أقسام القرآن (305).
[2] أخرجه أبو داود (كتاب السُّنَّة، رقم 4700)، والترمذي (أبواب تفسير القرآن، رقم 3319) وقال: حسن صحيح، وأحمد (37/378) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وغيرهم، وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 2018).


قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله: «ونؤمن باللوح والقلم، وبجميع ما فيه قد رقم، فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه كائن، ليجعلوه غير كائن لم يقدروا عليه، جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة»[1].
وقال القاضي عياض رحمه الله: «وكتب الله ولوحه وقلمه وصحيفته التي ذكر الحديث من غيبه، وسر علمه الذي يلزمنا الإيمان والتصديق به، وكيفية صفة ذلك في علم الله جلّ جلاله، لا يحاط بشيء من علمه إلا بما شاء»[2].
وقال ابن تيمية رحمه الله: «فهذا القلم خلقه الله لما أمره بالتقدير المكتوب، قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان مخلوقًا قبل خلق السماوات والأرض، وهو أول ما خلق من هذا العالم، وخلقه بعد العرش، كما دلَّت عليه النصوص، وهو قول جمهور السلف»[3].


[1] الطحاوية مع شرح ابن أبي العز (2/344 ـ 346).
[2] إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/133) [دار الوفاء، المنصورة، ط1، 1419هـ].
[3] مجموع الفتاوى لابن تيمية (18/213) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ط2، 1425هـ].


ـ أيهما خلق أولاً العرش أم القلم؟
اختلف أهل العلم في أيهما خلق أولاً: أهو القلم أم العرش؟ على قولين مشهورين:
القول الأول: أنه القلم؛ كما ذهب إليه بعض أهل العلم، بدليل عبادة بن الصامت رضي الله عنه السابق.
القول الثاني: أنه العرش، وهو قول جمهور السلف، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وغيرهم[1].
واستدل أصحاب القول الثاني من السُّنَّة: بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء وخلق السماوات والأرض»[2].
وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. قال: وعرشه على الماء»[3].
ووجَّهوا حديث عبادة بتوجيهين[4]:
أحدهما: إما أن يكون قوله: «إن أولَ ما خلق الله القلمَ» إلى آخره جملة واحدة وهو مروي بالنصب، وهو الصحيح كان معناه: أنه عند أول خلقه قال له: اكتب.
الثاني: وإن كان جملتين وهو مروي بالرفع؛ أي: «أولُ ما خلق الله القلمُ» فيتعين حمله على أنه أول المخلوقات من هذا العالم، ليتفق الحديثان.


[1] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (18/213)، وشفاء العليل (1/55) [دار العبيكان، ط1، 1420هـ]، وشرح العقيدة الطحاوية (2/345).
[2] أخرجه البخاري (كتاب بدء الخلق، رقم 3191).
[3] أخرجه مسلم (كتاب القدر، رقم 2653).
[4] انظر: التبيان في أقسام القرآن (304، 305)، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (2/345).


خالف فلاسفة المتصوفة في المفهوم الشرعي للقلم، فقالوا: هو العقل الأول، موافقة للفلاسفة الملاحدة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «والمقصود هنا أن كثيرًا من كلام الله ورسوله، يتكلم به من يسلك مسلكهم، ويريد مرادهم، لا مراد الله ورسوله، كما يوجد في كلام صاحب الكتب المضنون بها وغيره، مثل ما ذكره في اللوح المحفوظ؛ حيث جعله النفس الفلكية، ولفظ القلم حيث جعله العقل الأول[1]. وسلك في هذه الأمور ونحوها مسالك ابن سينا»[2].
وهذا القول معلوم البطلان بدلالة الشرع والعقل، وقد تقدم بيان المفهوم الشرعي للقلم من كلام أهل العلم والدين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن المسلمين يعلمون بالاضطرار أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يرد بالقلم ما تريده الفلاسفة بلفظ العقل»[3].


[1] انـظـر: فـيـصل التفرقة ـ ضمن القصور العوالي ـ (1/134).
[2] مجموع الفتاوى (1/245).
[3] بغية المرتاد (283) [مكتبة العلوم والحكم، ط3، 1422هـ].


1 ـ «إكمال المعلم بفوائد مسلم» (ج8)، للقاضي عياض.
2 ـ «تيسير العزيز الحميد»، لسليمان بن عبد الله.
3 ـ «الحجة في بيان المحجة»، لأبي القاسم التيمي.
4 ـ «الرد على المنطقيين»، لابن تيمية.
5 ـ «شفاء العليل»، لابن القيم.
6 ـ «شرح العقيدة الواسطية»، لابن عثيمين.
7 ـ «العقيدة الواسطية»، لابن تيمية.
8 ـ «العقيدة الطحاوية مع شرحها»، لابن أبي العز الحنفي.
9 ـ «معارج القبول»، لحافظ بن أحمد حكمي.
10 ـ «المباحث العقدية المتعقلة باللوح المحفوظ والقلم»، لعادل بن حجي.