قال ابن فارس رحمه الله: «العين والراء والفاء أصلان صحيحان، يدلُّ أحدُهما على تتابُع الشيء متَّصلاً بعضُه ببعض، والآخر على السكون والطُّمَأنينة. فالأوّل العُرْف: عُرْف الفَرَس. وسمِّي بذلك لتتابُع الشَّعر عليه... والأصل الآخر المعَرِفة والعِرفان، تقول: عَرَف فلانٌ فلانًا عِرفانًا ومَعرِفة. وهذا أمر معروف، وهذا يدلُّ على ما قلناه من سُكونه إليه؛ لأنَّ مَن أنكر شيئًا توحَّشَ منه ونَبَا عنْه»[1]، قال السُّدّي: «سمي الأعراف أعرافًا؛ لأن أصحابه يعرفون الناس»[2] والأعراف جمع العُرْف[3]، وقيل: واحده وجماعته أعراف[4]، وهو كل عال مرتفع[5]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: «الأعراف: الشيء المشرف»[6].
[1] مقاييس اللغة (759) [دار الفكر، ط2، 1418هـ].
[2] جامع البيان (5/240) [دار ابن حزم، ط1]، وتفسير ابن كثير (6/306) [دار عالم الكتب، ط1].
[3] جامع البيان (5/240).
[4] تفسير القرطبي (9/227) [مؤسسة الرسالة، ط1].
[5] تهذيب اللغة (2/346) [الدار المصرية]، ولسان العرب (6/198) [دار الحديث، 1423هـ]، والكليات (143) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1419هـ].
[6] جامع البيان (5/240)، وتفسير ابن كثير (6/306).
«المكان المرتفع، وهو سور عال بين الجنة والنار... عليه أهل الأعراف، وهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم»[1].
[1] طريق الهجرتين (830) [دار عالم الفوائد، ط1، 1429هـ]، وجامع البيان (5/241)، والمفردات (562) [دار القلم، ط3]، والبعث والنشور (104) [مركز الخدمات والأبحاث الثقافية، ط1]، وتفسير القرطبي (9/226)، وتفسير ابن كثير (6/306).
أنه مكان مرتفع على سور عال حقيقي بين الجنة والنار، ويكون عليه من استوت حسناتهم وسيئاتهم[1]، كما يفهم هذا من أثر لحذيفة رضي الله عنه في أصحاب الأعراف: «قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم»[2].
[1] وقد رجح هذا كثير من العلماء كالقرطبي في التذكرة (2/733) [دار المنهاج، ط1]، وابن القيم في طريق الهجرتين (833)، وابن حجر في فتح الباري (11/522) [دار السلام، ط1، 1421هـ].
[2] أخرجه الطبري في تفسيره (12/453) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن أبي حاتم في تفسيره (5/1485) [مكتبة نزار الباز، ط3]، بأسانيد صحيحة عن حذيفة رضي الله عنه.
قال الله تعالى: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ *وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ *أَهَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ *} [الأعراف] . قال حذيفة رضي الله عنه في أصحاب الأعراف: «قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم»[1]. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «من استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف»[2].
[1] تقدم تخريجه.
[2] أخرجه ابن المبارك في الزهد (411)، ومن طريقه الطبري في تفسيره (12/453) [مؤسسة الرسالة، ط1].
اختلف أهل العلم في الأعراف، فقيل: جبال بين الجنة والنار عليها أهل الأعراف[1]، وقيل: هو السور الذي يضرب بينهم له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب كما ذكر في سورة الحديد: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ *} [الآية] [2]، واختلف العلماء كذلك في أهل الأعراف، فقال شرحبيل: «هم قوم خرجوا في الغزو بغير إذن آبائهم فقتلوا»[3]، وقال مجاهد: «هم قوم رضي عنهم أحد الأبوين دون الآخر»[4]، وقال مجاهد أيضًا: «هم قوم صالحون فقهاء علماء»[5]، وقال عبد العزيز الكناني: «هم الذين ماتوا في الفترة ولم يبدلوا دينهم»[6]، وقيل: هم أطفال المشركين[7]، وقال الحسن: «هم أهل الفضل من المؤمنين»[8]، وقال أبو مجلز: «هم رجال من الملائكة»[9]، والراجح هو أنهم من تساوت سيئاتهم وحسناتهم لبعض آثار الصحابة الصحيحة في ذلك[10].
[1] طريق الهجرتين (830).
[2] طريق الهجرتين (829).
[3] تفسير الطبري (5/245)، وتفسير البغوي (3/232) [دار طيبة، ط4، 1417هـ] طريق الهجرتين (831).
[4] تفسير البغوي (3/232)، وطريق الهجرتين (832).
[5] تفسير الطبري (5/245).
[6] تفسير البغوي (3/232)، وطريق الهجرتين (832).
[7] تفسير البغوي (3/232)، وطريق الهجرتين (832 و 858).
[8] تفسير البغوي (3/232)، وطريق الهجرتين (832).
[9] تفسير الطبري (5 / 246).
[10] طريق الهجرتين (832)، وتفسير الطبري (5/246)، وتفسير ابن كثير (6/306).
1 ـ «البعث والنشور»، للبيهقي.
2 ـ «التذكرة» (ج2)، للقرطبي.
3 ـ «تفسير ابن أبي حاتم» (ج5).
4 ـ «تفسير القرآن العظيم» (ج6)، لابن كثير.
5 ـ «جامع البيان» (ج5)، للطبري.
6 ـ «الجامع لأحكام القرآن» (ج9)، للقرطبي.
7 ـ «طريق الهجرتين»، لابن القيم.
8 ـ «فتح الباري» (ج11)، لابن حجر.
9 ـ «الكليات»، للكفوي.
10 ـ «معالم التنزيل» (ج3)، للبغوي.
11 ـ «مفردات ألفاظ القرآن»، للراغب.