حرف القاف / القهر

           

القهر : الغلبة. قهره قهرًا: غلبه[1].
قال الليث: «القَهْرُ الغلبة والأخذ من فوق، والله القاهر القَهّار، قَهَر خَلْقَه بقدرته وسلطانه فصرَّفهم على ما أراد طوعًا أو كرهًا»[2].
وقال ابن فارس: «القاف والهاء والراء كلمةٌ صحيحةٌ تدلُّ على غَلَبة وعُلُوّ. يقال: قَهَرَه يَقهره قَهْرًا. والقاهر: الغالب»[3].
وقال الزجاج: «القهر في وضع العربية الرياضة والتذليل، يقال: قهر فلان الناقة؛ إذا راضها وذلَّلها»[4].


[1] الصحاح (2/365)، القاموس المحيط (601).
[2] ينظر: تهذيب اللغة للأزهري (2/235).
[3] مقاييس اللغة (5/35).
[4] تفسير أسماء الله الحسنى (38).


صفة ذاتية فعلية لله تعالى تدل على أنه عزّ وجل نافذ أمره في جميع خلقه، فيحيي ويميت، ويعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويفعل ما يشاء، لا راد لأمره، ولا معقب لحكمه[1]، وبأنه تعالى يقهر الجبابرة من عتاة خلقه[2].


[1] الحجة في بيان المحجة (1/150)، الحق الواضح المبين للسعدي (40).
[2] شأن الدعاء للخطابي (53).


العلاقة ظاهرة بين المعنيين، لكن المعنى الشرعي المتعلق بالله تعالى هو على غاية الكمال والجلال والإطلاق، بخلاف ما قد يكون للمخلوقين من قهر، فهو مقيد بمعنى دون معنى.



يجب الإيمان بأن الله تعالى متصف بالقهر، وأنه عزّ وجل القاهر للجبابرة، وهو الواحد القهار سبحانه وتعالى.



القهر صفة لله ذاتية فعلية تدل على خضوع جميع الكائنات لمراده عزّ وجل، فهو المدبّر لها وحده، يحملهم على وفق مراده واختياره طوعًا وكرهًا، من غير أن يقدر أحد على ردِّ تدبيره، أو الخروج عن تقديره سبحانه وتعالى. ويدخل في هذا ما ذكره بعض أهل العلم في معنى هذا الاسم، أنه عزّ وجل يقهر مخلوقاته بالموت والإفناء. ويقهر الجبابرة والعتاة من خلقه بالعقوبة، والمعاندين بما أقام من الآيات والدلائل على وحدانيته. فهو وحده سبحانه الذي خضعت له الرقاب، وعنت له الوجوه، ودانت له الخلائق وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه، وعظمته وعلوه وقدرته على الأشياء، واستكانت وتضاءلت بين يديه وتحت قهره وحكمه. وكونه سبحانه وتعالى القاهر يستلزم مجموعة من الصفات الأخرى التي تدل عليها صفة القهر، وهي كمال حياته وعزّته وقدرته وقوته، وجميع الصفات التي لا يتم الفعل إلا بها الدالة على ربوبيته، كالخلق والإحياء والإماتة والنصرة والغلبة والملك ونحو ذلك[1].


[1] انظر: الحجة في بيان المحجة (1/150)، والحق الواضح المبين للسعدي (40).


قال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ *} [الأنعام] .
وقال تعالى: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ *} [الرعد] .
وقال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ *} [إبراهيم] .



قال قوام السُّنَّة الأصبهاني: «ومن أسمائه تعالى: القاهر والقهار، ومعناه: يحييهم إذا شاء، ويميتهم إذا شاء، ويمرضهم إذا شاء، ويصحهم إذا شاء، ويفقرهم إذا شاء، ويغنيهم إذا شاء، ولا يقدر أحد منهم ـ إذا حكم عليه بحكم ـ أن يزيل ما حكم الله به[1].
قال أبو سليمان الخطابي: «هو الذي قهر الجبابرة من عتاة خلقه بالعقوبة، وقهر الخلق كلهم بالموت»[2].
قال ابن القيم:
«وَكذلِكَ القهَّار مِنْ أوْصَافِهِ
فَالخَلْقُ مَقْهُورُونَ بِالسُّلْطَانِ
لَوْ لَمْ يَكُنْ حَيًّا عَزِيزًا قَادِرًا
مَا كَانَ مِنْ قَهْرٍ وَمِنْ سُلْطانِ»[3]
قال السعدي: «القهار: لجميع العالم العلوي، والسفلي، القهار لكل شيء الذي خضعت له المخلوقات وذلت لعزته وقوته، وكمال اقتداره، وهو الذي قهر جميع الكائنات، وذلت له جميع المخلوقات أو دانت لقدرته ومشيئته، مواد وعناصر العالم العلوي والسفلي»[4].


[1] الحجة (1/150).
[2] شأن الدعاء (53).
[3] الكافية الشافية (شرح ابن عيسى ـ 2/232).
[4] الحق الواضح المبين (40).


المسألة الأولى: اسم الله تعالى القهار:
من أسماء الله الحسنى الدالة على صفة القهر والمتضمنة لها: اسمه تعالى (القهَّار)، القهار (فعّال) صيغة مبالغة من القهر، مشتق من الثلاثي: قَهَرَ الدال على الغلبة والعلو والتذليل، يقال: قَهَرَ يَقْهَرُ قَهْرًا، فهو قاهر؛ أي: غالب، وقهار مبالغة منه تقتضي تكثير القهر، وقُهِر الرجل: غُلِبَ[1].
والقهار : اسم من أسماء الله الحسنى، الدال على خضوع جميع الكائنات لمراده عزّ وجل، فهو المدبّر لها وحده، يحملهم على مراده طوعًا وكرهًا من غير أن يقدر أحد على ردِّ تدبيره، أو الخروج عن تقديره سبحانه وتعالى، فهو سبحانه وحده الذي يَقهر ولا يُقهر بحال[2].
ورد هذا الاسم في ستة مواضع من القرآن الكريم، ومنها: قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ *} [الرعد] . كما ورد في بعض طرق حديث تعيين الأسماء المشهور. وقد أورد هذا الاسم أغلب من اعتنى بجمع الأسماء الحسنى والتصنيف في شرحها ما عدا جعفر الصادق وسفيان بن عيينة، والزجاجي، وصديق حسن خان[3].
المسألة الثانية: اقتران اسم الله تعالى (القهار) باسمه (الواحد):
إن الله عزّ وجل هو الواحد القهار، ولم يرد اسم الله عزّ وجل: (القهار) في القرآن الكريم إلا مقرونًا باسم: (الواحد)؛ لأن القهّار لا يكون إلا واحدًا، لا كفء له ولا سَمِيّ ولا ندّ ولا مثيل، كما اقترن باسم: (الواحد)؛ للدلالة على أن الله هو وحده المستحق للعبادة والألوهية، وما سواه من الآلهة المزعومة فإنما هي مخلوقات عاجزة مقهورة، لا تملك لنفسها نفعًا ولا ضرًّا، فكيف تقهر غيرها، وبهذا جادل نبي الله يوسف عليه السلام صاحبيه في السجن فقال: {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ *} [يوسف] . فحقيقتها أنها ليس لها من الألوهية سوى الاسم الذي أُعطي لها زورًا وبهتانًا، دون حجة ولا برهان: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [يوسف: 40] .
وبهذا يتبين التلازم بين التوحيد والإيمان باسم الله (القهار)، وأن من لازم الإقرار بتفرده بالقهر أن يفرده وحده بالعبادة، وبه يُعلم فساد الشرك بجميع صوره، إذ كيف يسوَّى المصنوع من تراب برب الأرباب؟ وكيف تسوَّى المخلوقات المقهورة بالله الواحد القهار؟
المسألة الثالثة: اسم الله تعالى (القاهر):
من أسماء الله الحسنى الدالة على صفة القهر والمتضمنة لها: اسمه تعالى (القاهر)، وقد ورد هذا الاسم في موضعين من القرآن الكريم، في قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18] ، كما ورد في بعض طرق حديث تعيين الأسماء الحسنى المشهور. وهذا الاسم قد ذكره معظم من اعتنى بجمع الأسماء الحسنى وشرحها، وأسقطه كل من: الزجاج، والخطابي، والزجاجي، وابن العربي، وابن سعدي[4].
المسألة الرابعة: حكم تسمية المخلوق بالقاهر أو القهّار:
لا يجوز تسمية المخلوق بالقاهر أو القهّار؛ قال ابن القيم رحمه الله: «ومما يُمنع تسمية الإنسان به: أسماء الربِّ تبارك وتعالى ، فلا يجوز التسمية بالأحد والصمد؛ ولا بالخالق ولا بالرازق، وكذلك سائر الأسماء المختصة بالربِّ تبارك وتعالى ، ولا تجوز تسمية الملوك بالقاهر والظاهر، كما لا يجوز تسميتهم بالجبار والمتكبر؛ والأول والآخر والباطن وعلام الغيوب»[5].


[1] انظر: تهذيب اللغة (5/394 ـ 395) [الدار المصرية]، ومقاييس اللغة (865) [دار الفكر، ط2، 1418هـ]، والصحاح (2/801) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م]، ومفردات ألفاظ القرآن (687) [دار القلم، ط2، 1418]، والمعجم الوسيط (2/770) [دار إحياء التراث العربي].
[2] انظر: المنهاج في شعب الإيمان (1/202) [دار الفكر، ط1، 1399]، وفقه الأسماء الحسنى (254) [دار التوحيد، ط1، 1429]، وشرح أسماء الله الحسنى (136) [دار الإيمان، دار القمة].
[3] معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى للتميمي (80 ـ 84) [أضواء السلف، ط1، 1419هـ].
[4] معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى للتميمي (80 ـ 84) [أضواء السلف، ط1، 1419هـ].
[5] تحفة المودود بأحكام المولود (125) [دار البيان، ط1، 1391هـ].


الفرق بين اسم الله (القاهر)، واسمه (القهَّار):
القاهر اسم فاعل من القهر، والقهّار بوزن (فعّال) وهي صيغ مبالغة من اسم الفاعل (قاهر)، فهو يدل على نفس معنى القاهر مع المبالغة والزيادة، مما يقتضي تكثيرًا في القهر.



1 ـ الخضوع والتذلل لله تعالى بامتثال أمره واجتناب نهيه؛ فهو القهار الذي خضع له ما في السماوات والأرض.
2 ـ زيادة الإيمان واليقين في قلوب المؤمنين حين تتعلق بالقهار الذي خضع له كل شيء، وبيده تصريف كل شيء، ولا يكون شيء إلا بإذنه.
3 ـ الرضا بما يقضي الله ويقدر؛ إذ إنه بحكمته وقهره يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويصل ويقطع، ويحيي ويميت، لا راد لأمره، ولا معقب لحكمه.
4 ـ من آثار تعبد المسلم لله عزّ وجل بهذا الاسم خضوعه الكامل لله عزّ وجل توحيدًا له في اسمه القاهر، وعدم الخوف أو الخضوع لمن سواه من المخلوقين الضعاف المقهورين.
5 ـ ومنها الاستعلاء على الأعداء بعزة الإسلام ثقةً ويقينًا في ربه القاهر، مع ضرورة الأخذ بأسباب القوة والعزة التي تمكن من قهر هؤلاء الأعداء.



1 ـ الحكمة البالغة في شأن الخلق وتسيير أموره وتصريف شؤونه؛ فالله خالقه وقاهره، فكل الخلق مقهور بأمره.
2 ـ افتقار جميع المخلوقات لخالقها وباريها، فكلها ذالة لقهره وقوته وقدرته.
3 ـ عقوبة الله تعالى للظالمين وانتقامه منهم؛ فهو القهار الذي لا يفلت من قهره أي ظالم، فهو يملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته.



1 ـ «الأسماء والصفات» (ج1)، للبيهقي.
2 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
3 ـ «توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم» (ج2)، لابن عيسى.
4 ـ «الحجة في بيان المحجة» (ج1)، للتيمي.
5 ـ «الحق الواضح المبين»، للسعدي.
6 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي (53).
7 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي السقاف.
8 ـ «طريق الهجرتين»، لابن القيم.
9 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، للنجدي.
10 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.