حرف القاف / القوة

           

القوة : تدلُّ على الشدة وهي خلاف الضعف، والقوي: خلاف الضعيف، وأصل ذلك من القُوَى، وهي جَمْعُ: قوةٍ، من قُوَى الحبل؛ أي: الطاقة من الحبل، والمُقْوِي: الذي أصحابُه وإبلُه أقوياء. والمُقْوِي: الذي يُقْوِي وَتَرَه، إذا لم يُجِدْ إغارتَه فتراكبَتْ قُواه. ورجلٌ شديد القُوى؛ أي: شديدُ أسْرِ الخَلْق[1]، والقوة تستعمل أحيانًا بنفس معنى القدرة التي هي ضد العجز، وأحيانًا بمعنى الشدّة التي هي ضد الضعف[2].


[1] انظر: مقاييس اللغة (5/36، 37) [دار الجيل]، والصحاح (6/319) [دار العلم للملايين، ط4]، والقاموس المحيط (1710) [مؤسسة الرسالة].
[2] انظر: تهذيب اللغة (9/367، 368) [الدار المصرية]، ومفردات ألفاظ القرآن للراغب (693، 694) [دار القلم، ط2، 1418]، والمعجم الوسيط (2/774، 775) [دار إحياء التراث العربي].


صفة ذاتية لله تعالى بأنه تعالى القوي القادر الكامل القدرة على كل شيء، فلا يعجزه شيء مهما كان[1].


[1] الأسماء والصفات للبيهقي (1/117) [مكتبة السوادي، ط1، 1413هـ]، وشأن الدعاء (77) [دار الثقافة، ط3، 1412هـ]، وتفسير أسماء الحسنى للزجاج (54).


العلاقة ظاهرة بين المعنيين، إلا أن المعنى المتعلق بالله تعالى هو على غاية الكمال؛ فلا يجتمع معه أي عجز، بخلاف ما إذا أضيفت القوة لغير الله تعالى، فإنها قوة متناهية، ومقيدة في حال دون حال[1].


[1] انظر: شأن الدعاء (77).


وجوب الإيمان بصفة القوة لله تعالى، وأنها على غاية الكمال وتمام الاقتدار، فلا يعجزه تعالى شيء في الأرض ولا في السماء.



قال الله تعالى: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ *} [البقرة] .
وقال تعالى: {وَلَوْلاَ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَدًا *} [الكهف] .
وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ *} [فصلت] .
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ *} [الذاريات] .



قال أبو العباس ابن تيمية: «فقد سمى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم صفات الله تعالى علمًا وقدرة وقوة، وقد قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} [الروم: 54] ومعلوم أنه ليس العلم كالعلم ولا القوة كالقوة، ونظائر هذا كثيرة»[1].
وقال ابن القيِّم:
«وهو القوي بقوة هي وصفه
وعليك يقدر يا أخا السلطان»[2]
وقال السعدي ـ عند ذكره لبعض الأسماء الحسنى وهي: العزيز، القوي، المتين، القدير ـ: «هذه الأسماء العظيمة معانيها متقاربة، فهو تعالى كامل القوة، عظيم القدرة، شامل العزة»[3].


[1] منهاج السُّنَّة النبوية لابن تيمية (2/59).
[2] متن القصيدة النونية (173) [مكتبة ابن تيمية، القاهرة ط2، 1417هـ].
[3] الحق الواضح المبين للسعدي (44).


المسألة الأولى: اسم الله (القوي):
من أسماء الله الحسنى الدالة على صفة القوة اسمه تعالى (القوي)، والقويّ بوزن (فعيل) صفة مشبهة من القوة[1].
والقوي معناه: الموصوف بالقوة جلّ جلاله، التام القوة، الذي لا يستولي عليه العجز أو الضعف بحال من الأحول، ولا يغلبه غالب، ولا يرد تقديره رادّ، ينفذ أمره ويمضي قضاؤه في خلقه، له مطلق الأمر والمشيئة في مملكته، والمخلوق وإن وُصِف بالقوة، فإن قوته متناهية، وعن بعض الأمور قاصرة[2].
قال الطبري في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ *} [الأنفال] «إن الله قوي لا يغلبه غالب، ولا يرد قضاءه رادٌّ، يُنْفِذ أمره، ويُمضي قضاءه في خلقه»[3].
وقال ابن القيم: «القوي من أسمائه، ومعناه: الموصوف بالقوة»[4].
وقال أيضًا:
«وهو القوي بقوة هي وصفه
وعليك يقدر يا أخا السلطان»[5].
وقد ورد هذا الاسم في تسعة مواضع من القرآن الكريم؛ منها قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ *} [الأنفال] ، وقد اقترن في ستة مواضع منها باسم الجلال (العزيز)، كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ *} [المجادلة] .
كما أن هذا الاسم ورد في معظم طرق حديث تعيين الأسماء المشهور، سوى طريق عبد العزيز بن الحصين[6].
كما أن أغلب من اعتنى بجمع الأسماء الحسنى وشرحها قد ذكره، ولم يسقطه سوى سفيان بن عيينة، والحليمي، والبيهقي.
وشواهد قوته سبحانه وتعالى وقدرته تتجلى في مظاهر عدة، لعل أبرزها ما نشهده في هذا الكون من العظمة والسعة والإتقان التي تدل على عظمة خالقه وصانعه، وعظيم قوته وقدرته، وقيام السماوات والأرض وما فيهما بأمره وحفظه خير دليل على قوته وقدرته التي لا يعجزه فيها شيء، فهو سبحانه وتعالى فعّال لما يريد، لا يقع شيء في هذا العالم من حركة أو سكون، أو خفض أو رفع، أو عز أو ذل، أو عطاء أو منع، إلا بإذنه.
ومن شواهد قوته نصره لأنبيائه وتأييده لأوليائه، وإهلاكه للظالمين، وانتقامه من المجرمين أعداء الأنبياء والصالحين، وما أحلّه بهم من أنواع العذاب والعقوبة.
المسألة الثانية: تسمية الله تعالى بالأقوى:
عدَّ بعض أهل العلم من أسماء الله الحسنى الدالة على صفة القوة اسمه تعالى (الأقوى)، وهو أفعل تفضيل من القوة، والقوة تدل على شدة وخلاف ضعف[7]، ولم يذكر اسم (الأقوى) إلا ابن الوزير[8]، وهو ممن يتوسع في عدِّ الأسماء الحسنى، ومن المتقرر أن أسماء الله توقيفية؛ فلا يصح تسمية الله بما لم يرد في النصوص الشرعية، ولم يرد اسم (الأقوى) في النصوص بهذه الصورة، ولعله مأخوذ عند من أطلقه من قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فُصِّلَت: 15] .


[1] انظر: تهذيب اللغة (9/367، 368) [الدار المصرية]، ومقاييس اللغة (866) [دار الفكر، ط2، 1418هـ]، والصحاح (6/2469، 2470)، ومفردات ألفاظ القرآن للراغب (693، 694)، والمعجم الوسيط (2/774، 775).
[2] انظر: تفسير الطبري (13/19) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ]، وشأن الدعاء (77)، واشتقاق أسماء الله (149) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1406هـ]، والأسماء والصفات للبيهقي (1/117)، وفقه الأسماء الحسنى (155) [دار التوحيد، ط1، 1429].
[3] تفسير الطبري (13/19).
[4] مدارج السالكين (1/28) [دار الكتاب العربي، ط2، 1393هـ].
[5] متن القصيدة النونية (173).
[6] أخرج طريقه الحاكم في المستدرك (كتاب الإيمان، رقم 42). وقد تقدم الكلام عن هذا الحديث في مصطلح (الأسماء الحسنى)، وبيان أن هذه الأسماء مدرجة في الحديث، ولا تصح مرفوعةً. والله أعلم. وانظر: معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى للتميمي (80 ـ 84، 161) [أضواء السلف، ط1، 1419هـ]، وأسماء الله الحسنى للغصن (342) [دار الوطن، ط1، 1417هـ].
[7] انظر: مقاييس اللغة (5/36) [دار الفكر]، وتهذيب اللغة (9/274، 275) [دار إحياء التراث العربي، ط1]. ولسان العرب (15/206) [دار صادر، ط1، 1410هـ].
[8] إيثار الحق على الخلق (159) [دار الكتب العلمية، ط2].


الفرق بين القوة والقدرة:
أولاً: «القدرة يقابلها العجز، والقوة يقابلها الضعف، والفرق بينهما أن القدرة يوصف بها ذو الشعور، والقوة يوصف بها ذو الشعور وغيره.
ثانيًا: أن القوة أخص: فكل قوي من ذي الشعور قادر، وليس كل قادر قويًّا»[1].


[1] شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين (1/204 ـ 205) [دار ابن الجوزي، ط5، 1419هـ].


لهذه الصفة العديد من الآثار التعبدية التي يحسن من العبد الالتفات إليها والالتزام بها، ومنها:
1 ـ التعبد لله تعالى بقوته، فيتوكل المؤمن عليه ويلتجئ إليه، ويستعيذ به، ويدعوه وحده لا شريك له.
2 ـ قوة المؤمن من يقينه بقوة ربه ومولاه.
3 ـ اليقين بوعد الله الصادق بأنه سبحانه ناصر عباده المؤمنين، وخاذل كل من يعاديه ويعادي أولياءه.
4 ـ الافتقار إلى الله تعالى، وإظهار الضعف والتذلل والانكسار بين يديه.
5 ـ البراءة من كل قوة إلا بالله تعالى، ودوام ذكر الله تعالى بـ (لا حول ولا قوة إلا بالله).
6 ـ طمأنينة المؤمن وطيب حياته؛ إذ إنه يأوي إلى القوي العزيز، فلا راد لأمره ولا معقب لحكمه، ولا غالب لمن ينصره.
7 ـ تحقيق الخوف من الله تعالى عبادة له؛ فهو القوي الشديد بطشه، والأليم أخذه.
8 ـ أن في معرفة قوة الله عزّ وجل القوة التامة والكاملة تحمل العبد على تعظيم الله عزّ وجل وإجلاله، فالأمور كلها بيده، ولا يعجزه شيء سبحانه وتعالى.



1 ـ قيام الكون كله بالعدل والحكمة والإتقان، فخالقه القوي ذو القدرة الكاملة، والمشيئة النافذة على كل شيء.
2 ـ العاقبة الحسنة التي يحظى بها الرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم؛ فالله معهم، وهو ناصرهم ومؤيدهم، وقد قال سبحانه: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران: 160] .
3 ـ عاقبة السوء والعذاب التي ينتهي إليها أعداء الرسل، فمن يحارب القوي العزيز فلن يجد إلا الهلاك والدمار، وقد قال تعالى: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَانِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ *} [الملك] .
4 ـ حياة الضيق والضنك، والرعب والخوف التي يعيشها من ابتعد عن الله تعالى، وأعرض عن هداه.



1 ـ «الأسماء والصفات» (ج1)، للبيهقي.
2 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
3 ـ «الحق الواضح المبين»، للسعدي.
4 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
5 ـ «شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري» (ج1)، عبد الله الغنيمان.
6 ـ «الصفات الإلهية: تعريفها وأقسامها»، لمحمد بن خليفة التميمي.
7 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي السقاف.
8 ـ «منهاج السُّنَّة النبوية» (ج2)، لابن تيمية.
9 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، للنجدي.
10 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.