حرف القاف / القيوم

           

القيّوم : (فيعول) من القيام، والقيام يأتي على أضرب؛ هي: قيام بالشخص؛ إما بتسخير أو اختيار، وقيام للشيء على سبيل المراعاة والحفظ له، وقيام هو من العزم على الشيء، وقيام بالشيء إدامته.
وأقرب تلك المعاني تعلقًا باسم الجلال (القيّوم): القيام للشيء على سبيل المراعاة والحفظ له ومنه قوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: 33] .
والمعنى الثاني الذي له تعلّق بمدلول هذا الاسم: أنه الدائم الذي لا يزول[1].
والقيّام بوزن (فَيْعال)، و(فيعال) من صيغ المبالغة من جنس (فعّال)، مبالغة من القِيام، يقال: قام يقوم قيامًا فهو قائم وقيّام.
والقِيام والقَوَام : اسم لما يقوم به الشيء؛ أي: يثبت، ويُسند به، ومنه قوله تعالى: {دِيناً قِيَمًا} [الأنعام: 161] ؛ أي: ثابتًا مقومًا لأمور معاشهم ومعادهم[2].
والقيِّم، (فَيْعِل) من القيام، وهو من أبنية المبالغة، وأصله: (قَيْوِم)، مثل: صَيِّب أصله: (صَيْوِب)، اجتمعت الواو والياء وسُبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء[3].


[1] انظر: تهذيب اللغة (9/357 ـ 360) [الدار المصرية]، ومقاييس اللغة (869) [دار الفكر، ط2، 1418هـ]، والصحاح (5/2016 ـ 2018) [دار العلم للملايين، ط4]، ومفردات ألفاظ القرآن (690 ـ 693) [دار القلم، ط2، 1418]، والمعجم الوسيط (2/767 ـ 768) [دار الدعوة، ط2، 1972م].
[2] انظر: تهذيب اللغة (9/357 ـ 360)، ومقاييس اللغة (869)، والصحاح (5/2016 ـ 2018)، مفردات ألفاظ القرآن (690 ـ 693)، والمعجم الوسيط (2/767، 768).
[3] انظر: تهذيب اللغة (9/357 ـ 360)، والنهاية في غريب الحديث (4/227).


القيوم : هو القائم بنفسه، الغني عن كل من سواه، فلم يحتج إلى أحدٍ سواه؛ لكمال غناه عزّ وجل.
وهو سبحانه القائم بأمور خلقه، المدبِّر شؤونهم، فكلُّ ما سواه محتاجٌ إليه بالذات.
وقال النووي: «قال ابن عباس: القَيُّوم الذي لا يزول[1]. وقال غيره: هو القائم على كل شيء. ومعناه: مدبِّر أمر خلقه، وهما سائغان في تفسير الآية والحديث»[2].


[1] ذكره الدارمي في النقض على المريسي (1/354) [مكتبة الرشد، ط1]، وفي سنده محمد بن السائب الكلبي، وهو متهم بالكذب.
[2] شرح النووي على مسلم، حديث رقم (769).


العلاقة ظاهرة بين المعنيين، إلا أن المعنى المتعلق بوصف الله تعالى هو على غاية الكمال والجلال، وليس لمخلوق مثله، فلا أحد قائم بنفسه بحيث ترتفع عنه كل حاجة لغيره إلا الله تعالى، ولا أحد قائم بشؤون الخلق وتدبيرهم، وكلٌّ مفتقر إليه إلا الله عزّ وجل.



اسم الله تعالى: القيوم من أسمائه الثابتة بنص الكتاب والسُّنَّة وإجماع أهل العلم دون استثناء.



القيوم هو الذي قام بنفسه، واستغنى عن جميع مخلوقاته، وقام بجميع الموجودات، فأوجدها وأبقاها، وأمدها بجميع ما تحتاج إليه في وجودها وبقائها[1].
ثم إن اسم الله (القيوم) يقترن بصفة الحياة له عزّ وجل، فلم يذكر اسم القيوم في القرآن إلا مقرونًا باسمه الحي؛ ذلك لأن الحياة متضمنة جميع صفات الكمال، والقيوم متضمن كمال الغنى والقدرة ودوام ذلك بلا انتهاء.
قال ابن القيم ـ في هذين الاسمين (الحي القيوم) ـ: «عليهما مدار الأسماء الحسنى كلها، وإليهما مرجع معانيها جميعها، فإن الحياة مستلزمة لجميع صفات الكمال، ولا يتخلف عنها صفة منها إلا لضعف الحياة، فإذا كانت حياته تعالى أكمل حياة وأتمها استلزم إثباتها إثبات كل كمال يضاد نفي كمال الحياة وأما القيوم فهو متضمن كمال غناه وكمال قدرته، فإنه القائم بنفسه لا يحتاج إلى من يقيمه بوجه من الوجوه، وهذا من كمال غناه بنفسه عما سواه، وهو المقيم لغيره فلا قيام لغيره إلا بإقامته، وهذا من كمال قدرته وعزته، فانتظم هذان الاسمان صفات الكمال والغنى التام والقدرة التامة»[2].


[1] تيسير الكريم الرحمن (1/313).
[2] بدائع الفوائد (2/410).


قال الله تعالى: {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ *} [البقرة: 255، وآل عمران: 2] .
وقال : {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111] .
وعن ابن عباس رضي الله عنه: قال كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا تهجد من الليل قال: «اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض...»[1].


[1] أخرجه البخاري (كتاب التوحيد، رقم 7442)، ومسلم (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، رقم 769).


قال مجاهد: «القيوم: القائم على كل شيء»[1].
وقال أبو العباس ابن تيمية: «اسمه (القيوم) يتضمن أنه لا يزول، فلا ينقص بعد كمالِه، ويتضمن أنه لم يزل ولا يزال دائمًا باقيًا أزليًّا أبديًّا موصوفًا بصفاتِ الكمال، من غيرِ حدوثِ نقصٍ أو تغيُّرٍ بفسادٍ واستحالةٍ ونحو ذلك مما يعتري ما يزول من الموجودات»[2].
وقال ابن القيم موضحًا ما يتضمنه اسم الله تعالى (القيوم) من معنى:
هذا وَمِنْ أوصافِهِ القَيُّوم والـ
ـقَيُّوم في أوصافه أمْرَانِ
إِحْدَاهُما القَيُّوم قَامَ بِنَفْسِهِ
والكَوْنُ قَامَ بهِ هُمَا الأمرَانِ
فالأول استغناؤه عن غيره
والفقر من كل إليه الثاني
والوصف بالقيوم ذو شأن كذا
موصوفه أيضًا عظيم الشان[3].
وقال محمد الأمين الشنقيطي: «والقيّوم صيغة مبالغة؛ لأنه هو القائم بتدبير شؤون جميع الخلق، وهو القائم على كل نفس بما كسبت. وقيل: القيّوم الدائم الذي لا يزول»[4].


[1] تفسير الطبري (5/388).
[2] جامع الرسائل لابن تيمية (1/35).
[3] توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم لابن عيسى (2/236).
[4] أضواء البيان (4/518).


المسألة الأولى: القيّام، والقيِّم:
استُدل لاسم (القيّام) ببعض روايات حديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي فيه الدعاء المشهور الذي كان يدعو به النبي صلّى الله عليه وسلّم في صلاة الليل، وفيه: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل يقول: «اللَّهُمَّ لك الحمد أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد أنت قيّام السماوات والأرض، ولك الحمد أنت ربُّ السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق» الحديث[1].
واستدل لاسم (القيّم) بروايات أخرى للحديث آنف الذكر، وفيه: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل يقول: «اللَّهُمَّ لك الحمد أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد أنت قيّم السماوات والأرض، ولك الحمد أنت ربُّ السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، وقولك الحق، ووعدك الحق» الحديث[2].
والحديث واحد، فيحتمل أن يكون رواية بالمعنى؛ للدلالة على وصف الله تعالى بالقيومية، والله تعالى أعلم.
المسألة الثانية: ما يتضمّنه اسم الله (القيّوم) من الدلالات والأحكام:
إن اسم الجلال: (القيّوم) يتضمن العديد من الدلالات والأحكام التي أطال أهل العلم المفسرين لهذا الاسم ببيانها لعظم هذا الاسم وجلالة شأنه، ومن ذلك:
ـ دلالة هذا الاسم على كمال صفة القيام التي يتصف بها المولى عزّ وجل، قيامه سبحانه وتعالى بنفسه الذي هو من لوازم ذاته، وقيامه بغيره من جميع خلقه الذين لا قيام لهم إلا به سبحانه وتعالى.
ـ كما أن هذا الاسم متضمن لجملة من صفات الكمال الأخرى، فهو دالٌّ على كمال غناه وقدرته، فإنه القائم بنفسه؛ لا يحتاج إلى من يُقيمه بوجهٍ من الوجوه، وهذا من كمال غناه بنفسه عما سواه.
وهو المقيم لغيره؛ فلا قيام لغيره إلا بإقامته، وكل ما سواه من هذا العالم العلوي والسفلي فهو تحت تدبيره وحفظه وهذا من كمال قدرته وعِزَّته.
المسألة الثالثة: اقتران (القيوم) باسم (الحيّ):
بما أن اسم الجلال (القيّوم) لم يرد في النصوص إلا مقترنًا باسم الجلال (الحيّ)، فقد أشار أهل العلم إلى بعض أسرار هذا الاقتران، ومن ذلك:
ـ أن العديد من أهل العلم ـ منهم ابن تيمية وابن القيِّم ـ نصوا على أن اسمي: (الحيّ القيّوم) هما الاسم الأعظم الذي قال فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى»[3].
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ *} [البقرة] ، وفاتحة سورة آل عمران: {الم *اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ *} [آل عمران] »[4].
ـ ولجلالة هذين الاسمين اعتبرهما أهل العلم أنهما يجمعان أصل معاني بقية أسماء الله الحسنى، وذلك من جهة أنهما مقتضيان للعديد من الصفات؛ فالحي دالٌّ على صفة الحياة المتضمنة لجميع الصفات الذاتية كالعلم والإرادة والقدرة والعزة والعظمة والكبرياء وغيرها، والقيّوم متضمن لجميع صفات الأفعال.
ـ كما أشار أهل العلم إلى عظيم أثر الدعاء بهذين الاسمين، في دفع ما ينتاب الإنسان من هَمٍّ وكربٍ وشدة، كما جاءت الإشارة إلى أن بعضهم اعتبرهما الاسم الأعظم الذي وردت الإشارة إليه في النصوص السابقة، وما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا كربه أمر قال: «يا حيّ يا قيّوم برحمتك أستغيث»[5].
المسألة الرابعة: الكلام على اسم (القائم):
بعض أهل العلم ممن اعتنى بجمع الأسماء الحسنى وشرحها أثبتوا اسم (القائم)، واستدلوا بقوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: 33] .
لكن الصحيح الذي عليه المحققون من أهل العلم أن القائم لا يثبت اسمًا في حق الله عزّ وجل؛ لأنه من باب الأفعال وليس من باب الأسماء، قال الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ في أثناء تفصيله الكلام على تعيين عدد من العلماء لأسماء الله الحسنى: «وبعضها خطأ محض كالأبد والناظر والسامع والقائم والسريع، فهذه وإن ورد عدادها في بعض الأحاديث فلا يصح ذلك أصلاً»[6].


[1] أخرجه بهذا اللفظ: مسلم (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، رقم 769).
[2] تقدم تخريجه.
[3] أخرجه أبو داود (كتاب الصلاة، رقم 1495)، والترمذي (أبواب الدعوات، رقم 3544)، والنسائي (كتاب السهو، رقم 1300)، وابن ماجه (كتاب الدعاء، رقم 3858)، وابن حبان (كتاب الرقائق، رقم 893)، والحاكم (كتاب الدعاء، رقم 1856) وصححه، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (5/233) [مؤسسة غراس للنشر والتوزيع، ط1، 1423هـ].
[4] أخرجه أبو داود (كتاب الصلاة، رقم 1496)، والترمذي (أبواب الدعوات، رقم 3478) وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (كتاب الدعاء، رقم 3855)، وأحمد (45/584) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1421هـ]، وسنده ضعيف، لكن له شاهد يرتقي به إلى الحسن. انظر: صحيح أبي داود للألباني (5/234).
[5] أخرجه الترمذي (أبواب الدعوات، رقم 3524) وقال: حديث غريب، والنسائي في الكبرى (كتاب عمل اليوم والليلة، رقم 10330) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1421هـ]، وحسنه الألباني بشاهده في السلسلة الصحيحة (رقم 227) [مكتبة المعارف، ط1، 1415هـ].
[6] تيسير العزيز الحميد (545) [دار الفكر، 1412هـ]. وانظر: معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى للتميمي (237 ـ 238) [أضواء السلف، ط1، 1419هـ].


1 ـ إثبات صفات الكمال لله عزّ وجل، ونفي كل صفات النقص عنه سبحانه.
2 ـ التعبد لله تعالى بأنه القائم على كل شؤون خلقه، فترفع إليه يد المسألة، وتنزل به المطالب والحاجات.
3 ـ الافتقار والتذلل بين يدي الله تعالى؛ إذ أنه لا قيام لأحد من الخلق إلا به عزّ وجل، فكلٌّ مفتقر إليه، وهو الغني سبحانه عمن سواه.
4 ـ يقين المؤمن بوعد الله الصادق بأن العاقبة للمؤمنين، وأن من اتبع هداه فلا يضل ولا يشقى؛ إذ إن قيام هذا العالم كله بأمر الله تعالى، ولا يكون شيء إلا بإذنه.
5 ـ انتظام أمر العالم، وقيامة على غاية الإحكام والإتقان، فالذي أقامه هو الذي خلقه فسوَّاه.
6 ـ إجابة الله تعالى لدعوة من دعاه، وخاصة إذا كانت دعوة اضطرار وافتقار.
7 ـ ما يكون للرسل وأتباعهم من نصر وتمكين وحسن عاقبة.
8 ـ ما يكون على أعداء الله من هزيمة وسوء عاقبة، فمهما كان للمبطل من صولة وجولة وقيام، فإنه بإقامة الله تعالى ذلك اختبارًا، ثم يجعل دائرة السوء تدور عليهم.
9 ـ ظهور آثار قيوميته سبحانه لكل شيء من المخلوقات جامدها، ومتحركها، فاجرها، وتقيّها، وآثار قيوميته سبحانه بأوليائه وبمن أحبه تظهر في حفظه ولطفه ورعايته بعباده المتقين، وهذا يقتضي محبة الله عزّ وجل، والركون إليه، والتعلق به وحده، والسكون إليه، والرضا بتدبيره، وحمده وإجلاله وتعظيمه.
10 ـ التبرؤ من الحول والقوة والافتقار التام لله عزّ وجل وإنزال جميع الحوائج به، وإخلاص الاستعانة والاستغاثة والاعتصام به، وقطع التعلق بالمخلوق الضعيف المربوب لله تعالى المفتقر إلى ربه عزّ وجل الفقر الذاتي التام.



1 ـ «الأسماء والصفات» (ج1)، للبيهقي.
2 ـ «بيان تلبيس الجهمية» (ج1)، لابن تيمية.
3 ـ «بدائع الفوائد» (ج2)، لابن القيم.
4 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج (56).
5 ـ «توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم» (ج2)، لابن عيسى.
6 ـ «جامع الرسائل» (ج1)، لابن تيمية.
7 ـ «الحجة في بيان المحجة»، لقوام السُّنَّة الأصبهاني.
8 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
9 ـ «شرح العقيدة الأصفهانية»، لابن تيمية.
10 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي السقاف.
11 ـ «فصل في اسمه تعالى (القيّوم)، ضمن جامع المسائل» (ج5)، لابن تيمية.
12 ـ «فصل في معنى اسمه (الحيّ القيّوم)»، ضمن جامع المسائل، لابن تيمية.
13 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، للنجدي.