قال ابن فارس رحمه الله: «الكاف والفاء والحرف المعتل أصل صحيح يدل على الحَسْب، الذي لا مستزاد فيه؛ يقال: كفاك الشيء يكفيك، وقد كفى كفاية؛ إذا قام بالأمر»[1].
والكافي : اسم فاعل من كفى يكفي فهو كافٍ؛ إذا قام بالأمر، وكفاك هذا الأمر؛ أي: حسبك، وكثيرًا ما يفسّر الكافي بالحسيب، والحسيب بالكافي لتقارب معناهما، فالكافي هو الذي يُسْتغنى به عن غيره، ومنه قوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا *} [النساء] ، وقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا *} [النساء] ، واكتفى بالشيء؛ إذا استغنى به[2].
[1] مقاييس اللغة (5/188) [دار الجيل، ط 1420هـ].
[2] انظر: تهذيب اللغة (10/384، 385) [الدار المصرية]، والصحاح (6/2475) [دار العلم للملايين، ط4]، ومفردات ألفاظ القرآن للراغب (719) [دار القلم، ط2]، والمعجم الوسيط (2/793) [دار الدعوة، ط2].
الكافي : اسم للربِّ تعالى، وهو بمعنى الحسيب، كما قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزُّمَر: 36] [1].
العلاقة بين المعنى اللغوي والشرعي:
كلاهما دالّ على أن الكافي هو القائم بالأمر الذي يُستغنى به عن غيره، فالله عزّ وجل هو كاف عباده بكل ما يحتاجون إليه، القائم بأمورهم المستغنون به عن غيره.
[1] انظر: مجموع الفتاوى (10/154) و(26/158) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ط 1425هـ].
كفاية الله لخلقه عامة وخاصة[1]:
فالكفاية العامة : تشمل جميع الخلق، فهو سبحانه وتعالى كافي الخلق كلهم، لا يحتاجون معه إلى شيء آخر، يدبر مصالحهم، ويوصل إليهم أقواتهم، وينيلهم مقاصدهم، وحاجاتهم.
والكفاية الخاصة : لأوليائه وأهل طاعته، الذين قاموا بحق العبودية، فيكون لهم من كفاية الله وكلاءته وحمايته بقدر ما حققوا من معاني عبوديته؛ كما قال عزّ وجل: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزُّمَر: 36] ، وقال: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] .
[1] انظر: تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (224)، [مجلة الجامعة الإسلامية، عدد 112، 1423هـ]، والحق الواضح المبين للسعدي ـ ضمن المجموعة الكاملة له (3/252) [مركز صالح بن صالح الثقافي، ط2، 1412هـ]، وعقيدتنا عقيدة القرآن والسُّنَّة لمحمد خليل هراس (150) [دار الكتاب والسُّنَّة، ط1، 1427هـ].
قال الله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزُّمَر: 36] ، وقال : {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *} [البقرة] ، وقال عزّ وجل: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ *} [الحجر] .
ومن السُّنَّة حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أوى إلى فراشه قال: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مُؤوي»[1].
[1] أخرجه مسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2715).
قال ابن تيمية: «وأما الحسب: وهو الكافي فهو الله وحده»[1]، وقال أيضًا: «والحسب: الكافي؛ كما قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}»[2].
وقال ابن القيِّم في نونيته[3]:
«وهو الحسيب حماية وكفاية
والحسب كافي العبد كل أوان»
قال السعدي في شرحه لها: «فالحسيب: هو الكافي للعباد جميع ما أهمهم من أمر دينهم، ودنياهم، من حصول المنافع، ودفع المضار، والحسيب بالمعنى الأخص: هو الكافي لعبده المتقي المتوكل عليه، كفـاية خـاصة، يصلح بها دينه ودنياه»[4].
وقال الشيخ محمد خليل هراس رحمه الله: «فجعل الكفاية: وهي بمعنى الحسب لله وحده، فكفاية الله لعبده بحسب ما قام به من متابعة الرسول ظاهرًا وباطنًا، وقيامه بعبودية الله تعالى»[5].
[1] مجموع الفتاوى لابن تيمية (10/154) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ط 1425هـ].
[2] مجموع الفتاوى (26/158).
[3] الكافية الشافية (4/181) [دار عالم الفوائد، ط1، 1428هـ].
[4] الحق الواضح المبين للسعدي (3/252).
[5] شرح القصيدة النونية (2/105) [دار الكتب العلمية، ط2، 1424هـ].
الفرق بين الكافي والحسيب:
الكافي أعم من الحسيب؛ فالكافي عام لجميع الخلائق الإنس والجن، مؤمنهم وكافرهم، وسائر الخلائق من الدواب، وغيرها، وأما الحسيب فهو أخص؛ إذ إنه للمؤمنين والمتوكلين على الله تعالى؛ كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] [1].
[1] انظر: توضيح الكافية الشافية (126، 127). وانظر: جامع الأصول لابن الأثير (4/179)، وشرح النونية لهراس (2/104).
ـ إن الكافي عباده رزقًا ومعاشًا وقوتًا، وحفظًا وكلاءة، ونصرًا وعزًّا هو الله تبارك شأنه، فهو الذي يُكتفى بمعونته عمن سواه.
ـ إذا علم أن الله تعالى هو الكافي لجميع عباده في معاشهم ومعادهم، أوجب ألا يكون الرجاء إلا منه، والرغبة إلا إليه[1].
ـ ومن آثاره أن يورث التوكل على الله تعالى، والاعتماد عليه، وعدم الالتفات إلى أحد من المخلوقين؛ لأنه هو وحده الكافي عباده بما يشاء.
[1] انظر: المنهاج في شعب الإيمان (1/191) [دار الفكر، ط1، 1399]، والأسماء والصفات للبيهقي (1/50) [مكتبة السوادي، ط1، 1413هـ].
1 ـ «أسماء الله الحسنى»، للغصن.
2 ـ «الأسماء والصفات» (ج1)، للبيهقي.
3 ـ «اشتقاق أسماء الله»، للزجاجي.
4 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
5 ـ «الحجة في بيان المحجة» (ج2)، للأصبهاني.
6 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
7 ـ «شرح أسماء الله الحسنى»، للقحطاني.
8 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
9 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.
10 ـ «المنهاج في شعب الإيمان» (ج1)، للحليمي.
11 ـ «عقيدتنا عقيدة القرآن والسُّنَّة»، لمحمد هراس.