الكبير : بوزن (فعيل) صيغة مبالغة، مأخوذ من الكِبَر وهو خلاف الصِّغَر، والكِبَر من: كَبُر يَكْبُر؛ أي: عَظُم من العظمة، فهو كبير وكُبَار وكُبَّار، وجمعه: كِبار، ومنه الكبرياء، ويقال: ورثوا المجد كابرًا عن كابر؛ أي: كبيرًا عن كبير في الشرف والعزّ.
ويقال: أكْبَرْتُ الشيء؛ إذا استعظمته ورأيته كبيرًا.
وكبَّر يُكَبِّر تكبيرًا: قال: الله أكبر. والتكبير: التعظيم، والتَكَبُّر والاستكبار: التعظُّم.
وكِبْر الشيء: معظمه، ومنه قوله تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ *} [النور] .
الكبير : اسم من أسماء الله الحسنى الثابتة له، يأتي بمعنى: العظيم والجليل.
وهو مشتق من الكبرياء، فهو سبحانه وتعالى له الكبرياء في ذاته، وصفاته وله الكبرياء في قلوب أهل السماء والأرض، فهو الذي كَبُر وعلا في ذاته.
وهو الكبير في أوصافه وأفعاله تبارك وتعالى ، فلا سميُّ له ولا شبيه، ولا كفؤ ولا نظير[1].
وقال السعدي: «الكبير الذي له الكبرياء في ذاته وصفاته، وله الكبرياء في قلوب أهل السماء والأرض»[2].
[1] انظر: اشتقاق أسماء الله (155) [مؤسسة الرسالة، ط2، 1406هـ]، الحجة في بيان المحجة (1/129) [دار الراية، ط1، 1411هـ]، وتفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (225) [مجلة الجامعة الإسلامية، عدد 112، 1423هـ].
[2] تفسير السعدي (414، 651).
معاني الكبرياء والعظمة التي يدل عليها اسم الكبير نوعان:
الأول: يرجع إلى صفاته سبحانه، وأن له جميع معاني العظمة والجلال، وصفات الكمال والجمال، قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [الزُّمَر] ، فله سبحانه وتعالى الكبرياء والعظمة الوصفان اللذان لا يقدر قدرهما أحد، ولا يبلغ كنههما عبد من العباد، وقد صحّ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يقول في ركوعه وسجوده: «سبحان ذي الجبروت، والملكوت، والكبرياء، والعظمة»[1].
الثاني: أنه لا يستحق أحد التعظيم والتكبير والإجلال والتمجيد غير الله، ومن تعظيمه عزّ وجل وتكبيره أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر، ومن تعظيمه وإجلاله أن يخضع لأوامره وشرعه وحكمه، ولا يُعترض على شيء من خلقه أو شرعه، وتعظيم ما عظمه من الأمكنة والأزمنة والأشخاص والأعمال، والعبادة مبناها على تعظيم الباري وتكبيره، ولهذا شرعت التكبيرات في الصلاة في افتتاحها وفي تنقلاتها، وشرع التكبير في الصيام والفطر، وفي الحج والجهاد، وبهذا تتبين مكانة التكبير وجلالة قدره، وعظم منزلته[2].
[1] أخرجه أبو داود (كتاب الصلاة، رقم 873) واللفظ له، والنسائي (كتاب التطبيق، رقم 1049)، وأحمد (39/405) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وصححه النووي في الخلاصة (1/396) [مؤسسة الرسالة، ط1]، والألباني في صحيح سنن أبي داود (رقم 817) [مؤسسة غراس، ط1].
[2] انظر: فقه الأسماء الحسنى (151، 152) [دار التوحيد، ط1، 1429].
ورد هذا الاسم في خمسة مواضع من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ *} [الرعد] ، واقترن في أربعة مواضع باسم (العلي)، كما في قوله تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ *} [الحج: 62، ولقمان: 30] .
كما ورد في السُّنَّة النبوية الصحيحة، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله؛ كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فُزِّعَ عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: {الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ *} [سبأ] ، فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضهم فوق بعض» وذكر الحديث[1].
[1] أخرجه البخاري (كتاب التفسير، رقم 4800).
قال البيهقي ـ عند سرده للأسماء الحسنى ـ: «ومنها: الكبير، قال الله جل ثناؤه: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ *} [الرعد] »[1].
وقال ابن تيمية: «بل جميع الأسماء الحسنى هي مما وصف به نفسه كقوله: الغفور الرحيم، والعلي العظيم، الكبير المتعال»[2].
وقال السعدي: «الكبير الذي له الكبرياء في ذاته وصفاته، وله الكبرياء في قلوب أهل السماء والأرض»[3].
[1] الأسماء والصفات للبيهقي (1/99).
[2] الفتاوى الكبرى لابن تيمية (6/328).
[3] تفسير السعدي (414، 651).
المسألة الأولى: هل اسم (الكبير) مرادف لاسم (العظيم)؟
تفسير بعض أهل العلم اسمَ الجلال (الكبير) بالعظيم لا يلزم منه أنه مرادفٌ له؛ لأن الكبرياء الذي يدلُّ عليه اسم الجلال الكبير أكمل من العظمة؛ لأنه يتضمنها ويزيد عليها في المعنى، وفي تقرير ذلك يقول ابن تيمية: «وفي قوله: (الله أكبر) إثبات عظمته، فإن الكبرياء تتضمن العظمة ولكن الكبرياء أكمل؛ ولهذا جاءت الألفاظ المشروعة في الصلاة والأذان بقول: (الله أكبر) فإن ذلك أكمل من قول: (الله أعظم)، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما عذبته» [1]، فجعل العظمة كالإزار، والكبرياء كالرداء، ومعلوم أن الرداء أشرف، فلما كان التكبير أبلغ من التعظيم صرَّح بلفظه وتضمَّن ذلك التعظيم»[2].
المسألة الثانية: هل (الأكبر) من أسماء الله عزّ وجل؟
عدَّ ابن حزم[3]، والقرطبي[4]، وابن الوزير[5] اسم (الأكبر) من أسماء الله تعالى، ولم يأت دليل صحيح يُلحق اسم (الأكبر) بأسماء الله الحسنى، ومن عده فيها استدل له بالحديث الذي رواه أبو داود عن زيد بن أرقم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يقول: «الله أكبر الأكبر، حسبي الله ونعم الوكيل، الله أكبر الأكبر»[6].
ولم يرد (الأكبر) في حديث الأسماء، وفي جمع جعفر الصادق، وسفيان بن عيينة، والخطابي، وابن منده، والحليمي، والبيهقي، والأصبهاني، وابن العربي، وابن القيِّم، وابن حجر، والسعدي، والعثيمين، وغيرهم ممن عد الأسماء، وعلة ذلك من وجهين:
الوجه الأول: أنه لم يثبت دليل يدل على أن (الأكبر) اسم من أسماء الله تعالى إلا ما سبق من حديث زيد بن أرقم، وهو حديث ضعيف.
الوجه الثاني: أنه لا يصح أن يؤخذ اسم (الأكبر) من الكبير أو المتكبر وهما اسمان ثابتان لله تعالى؛ لأن أسماء الله تعالى توقيفية.
المسألة الثالثة: صفة الكِبَر:
الكِبَرُ صفة ذاتية خبرية ثابتةٌ لله عزّ وجل بالكتاب والسُّنَّة، وقد جاء بيان ذلك وإثباته في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة[7].
وإن الله عزّ وجل له جميع معاني العظمة والجلال والكبرياء، فهو سبحانه أكبر وأعظم وأجل وأعلى من كل شيء في ذاته وصفاته وأفعاله، وأن كل شيء مهما كبر وعظم فهو صغير وحقير وذليل أمام كبرياء الله وعظمته ومجده وجلاله، ومن علم ذلك وأيقن ذل لربه، وانكسر بين يديه، وصرف له أنواع العبادة كلها، واعتقد أنه المستحق لها دون سواه، وعلم أن من صرف شيئًا من العبادة لغيره سبحانه فهو لم يقدِّر ربه العظيم حق قدره[8]، قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [الزمر] .
[1] أخرجه أبو داود (كتاب اللباس، رقم 4090)، وابن ماجه (كتاب الزهد، رقم 4174)، وأحمد (14/473) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وابن حبان (كتاب البر والإحسان، رقم 328)، بلفظ: (فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 4311). وقد جاء الحديث عند مسلم (كتاب البر والصلة والآداب، رقم 2620) بلفظ: «العز إزاره والكبرياء رداؤه، فمن ينازعني عذبته».
[2] مجموع الفتاوى لابن تيمية (10/253) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1416هـ]. وانظر: نفس المصدر (16/611، 612).
[3] المحلى (6/282).
[4] ذكر ذلك التميمي في معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى (220)، ولم نجده في كتاب الأسنى.
[5] إيثار الحق على الخلق (160).
[6] أخرجه أبو داود (كتاب الصلاة، رقم 1508)، والنسائي في السنن الكبرى (كتاب عمل اليوم والليلة، رقم 9849)، والبيهقي في شعب الإيمان (2/136) [مكتبة الرشد، ط1]، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (2/95) [مؤسسة غراس، ط1].
[7] انظر: صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة للسقاف (286) [دار الهجرة الرياض، ط3، 1426هـ]، ومعجم ألفاظ العقيدة (344) [مكتبة العبيكان، ط2، 1420هـ].
[8] انظر: فقه الأسماء الحسنى للبدر (151 ـ 153) [مطابع الحميضي، ط1، 1429هـ]، وأسماء الله الحسنى لماهر المقدم (166 ـ 168) [مكتبة الإمام الذهبي، الكويت، ط4، 1431هـ].
ـ على المسلم أن يعتقد بأن الله سبحانه وتعالى أكبر من كل شيء، وأعظم وأجلّ من كل شيء، وأنه ما من شيء مهما كَبُر فإنه يصغر عند كبرياء الله وعظمته، وعليه أن يعلم أن كبرياء الرب وعظمته وجلاله وكماله وسائر أوصافه ونعوته لا يمكن أن تحيط به العقول، أو تدركه الأبصار والأفكار، فالله أعظم وأكبر من ذلك، قال تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا *} [الإسراء] .
ـ من علم أن الله عزّ وجل هو الكبير الذي ليس شيء أكبر منه ذلّ لربه وانكسر بين يديه، وصرف له جميع أنواع العبادة، وأنه وحده تبارك وتعالى المستحق لذلك كله دون سواه، وأن كل من أشرك بالله عزّ وجل شيئًا أو شبهه بشيء من خلقه فما قدّر الله حق قدره ولا عظمه حق تعظيمه، كما قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *} [الزُّمَر] .
1 ـ «اشتقاق أسماء الله»، للزجاجي.
2 ـ «الحجة في بيان المحجة» (ج1)، للأصبهاني.
3 ـ «مجموع الفتاوى» (ج10، 16)، لابن تيمية.
4 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للسعدي.
5 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، لمحمد التميمي.
6 ـ «أسماء الله الحسنى»، للغصن.
7 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
8 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
9 ـ «تفسير أسماء الله الحسنى»، للزجاج.
10 ـ «الفتاوى الكبرى»، لابن تيمية.
11 ـ «الأسماء والصفات»، للبيهقي.