الكرسي : بين يدي العرش كالمرقاة إليه[1]، وهو موضع قدمي الله عزّ وجل[2].
[1] البداية والنهاية (1/15)، وشرح الطحاوية (313).
[2] انظر: أصول السُّنَّة لابن أبي زمنين (292)، ومجموع الفتاوى (5/54)، ومختصر الصواعق (1/288)، شرح العقيدة الطحاوية (313)، والقول المفيد شرح كتاب التوحيد لابن عثيمين (3/378) [دار ابن الجوزي، ط1].
دلَّ قول الله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ *} [البقرة] ، على أن الكرسي يسع السماوات والأرض على عظمتها وعظمة من فيها، وهي إشارة إلى سعته وعظمته وعلوه، وذلك دليل على علو الله وعظمته[1].
[1] انظر: مختصر الصواعق المرسلة (1/288)، تفسير السعدي (110) [مؤسسة الرسالة، 1421هـ].
ورد الكرسي في آية واحدة من كتاب الله تعالى، وهي قوله سبحانه: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ *} [البقرة] .
وعن أبي ذر قال: دخلت المسجد الحرام فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحده فجلست إليه، فقلت: يا رسول الله أيما آية أنزلت عليك أفضل؟ قال: «آية الكرسي، ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة»[1].
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية: «الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر أحد قدره»[2].
[1] أخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب العرش (432) [مكتبة الرشد، ط1]، وابن بطة في الإبانة (7/181) [دار الراية، ط1]، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/299) [مكتبة السوادي، ط1]، ونقل ابن حجر نقل عن ابن حبان، وقال: (وله شاهد عن مجاهد أخرجه سعيد بن منصور في التفسير بسند صحيح عنه). فتح الباري (13/411) [دار المعرفة]، وصححه الألباني أيضًا بمجموع طرقه في السلسلة الصحيحة (رقم 109).
[2] أخرجه الدارمي في النقض على المريسي (1/412) [مكتبة الرشد، ط1]، وعبد الله بن أحمد في السُّنَّة (1/301) [دار ابن القيم، ط1]، وابن أبي شيبة في كتاب العرش (438) [مكتبة الرشد، ط1]، وابن خزيمة في كتاب التوحيد (1/248) [مكتبة الرشد، ط5]، وغيرهم، وقال الذهبي في كتاب العلو (76) [أضواء السلف، ط1]: «رجاله ثقات»، وصححه الألباني في مختصره (102) [المكتب الإسلامي، ط2].
قال ابن أبي زمنين: «ومن قول أهل السُّنَّة: أن الكرسي بين يدي العرش، وأنه موضع القدمين»[1].
وقال القرطبي: «والذي تقتضيه الأحاديث أن الكرسي مخلوق بين يدي العرش، والعرش أعظم منه»[2].
وقال ابن تيمية: «الكرسي ثابت بالكتاب، والسُّنَّة، وإجماع جمهور السلف»[3].
وقال ابن أبي العز الحنفي: «وإنما هو: الكرسي ـ كما قال غير واحد من السلف ـ بين يدي العرش كالمرقاة إليه»[4].
[1] أصول السُّنَّة (292).
[2] تفسير القرطبي (3/276).
[3] مجموع الفتاوى (1/584، 5/55).
[4] شرح العقيدة الطحاوية (313).
المسألة الأولى: الكرسي موضع القدمين:
يعتقد أهل السُّنَّة والجماعة أن الكرسي موضع القدمين، جاء ذلك عن ابن عباس وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «الكرسي موضع القدمين»، وهذا التفسير هو المحفوظ عن ابن عباس. وعن أبي موسى الأشعري قال: «الكرسي موضع القدمين»[1]، ومثل هذا له حكم الرفع؛ لأنه لا مجال للاجتهاد فيه. فأهل السُّنَّة والجماعة عامتهم على أن الكرسي موضع قدمي الله تعالى[2].
[1] أخرجه عبد الله بن أحمد في السُّنَّة (1/302) [دار ابن القيم، ط1]، وابن أبي شيبة في كتاب العرش (435) [مكتبة الرشد، ط1]، وابن جرير في التفسير (5/398) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وصححه الألباني في مختصر العلو (124) [المكتب الإسلامي، ط2].
[2] انظر: أصول السُّنَّة لابن أبي زمنين (96)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (6/584)، وشرح العقيدة الطحاوية (371)، والقول المفيد لابن عثيمين (1/443، 549، 2/536).
تعددت آراء المخالفين في حقيقة الكرسي، ومن ذلك:
1 ـ الكرسي بمعنى العلم، وهو قول الجهمية، فقد أوّلوا العرش بمعنى العلم، واستدلوا لذلك بما روي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ *} [البقرة] ، قال: «كرسيه علمه»[1].
2 ـ الكرسي هو العرش، وهذا مروي عن الحسن البصري[2]. وقد روي فيه حديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «ينزل الله فيه ـ يعني: يوم القيامة ـ على كرسيه يئط به كما يئط الرحل من تضايقه كسعة ما بين السماء والأرض» الحديث[3].
3 ـ الكرسي: هو قدرته التي يمسك بها السماوات والأرض.
4 ـ الكرسي هو: الفلك الثامن، أو ما يسمونه بفلك البروج. وبه قال بعض المتكلمين.
والصحيح أن هذه الأقوال باطلة غير صحيحة، والذي دلَّت عليه النصوص الشرعية، وأقاويل السلف أن الكرسي جسم عظيم، مخلوق بين يدي العرش، والعرش أعظم منه، وهو موضع القدمين لله تبارك وتعالى .
وأما تأويله بالعلم، فالأثر فيه ضعيف، وما ثبت عن ابن عباس من أن الكرسي موضع القدمين يردُّ هذا القول، ويؤيد وهنه أن علم الله تعالى وسع كل شيء، وليس كما يفهم من تأويلهم للآية، قال ابن تيمية: «وأما تسمية العلم كرسيًّا فهذا لا يعرف في اللغة، ولكن بعضهم تكلف له من قولهم كراس. والكرَّاس غير الكرسي»[4]، وقال: «الكرسي ثابت بالكتاب والسُّنَّة وإجماع جمهور السلف. وقد نقل عن بعضهم: أن (كرسيه): علمه، وهو قول ضعيف؛ فإن علم الله وسع كل شيء كما قال: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: 7] .
والله يعلم نفسه ويعلم ما كان وما لم يكن، فلو قيل: وسع علمه السماوات والأرض، لم يكن هذا المعنى مناسبًا؛ لا سيما وقد قال تعالى: {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا}؛ أي: لا يثقله ولا يكرثه، وهذا يناسب القدرة لا العلم والآثار المأثورة تقتضي ذلك»[5]،
قال أبو منصور الأزهري: «والذي روي عن ابن عباس في الكرسي أنه العلم فليس مما يثبته أهل المعرفة بالأخبار»[6].
ومن أوَّله بالعرش، فإن الحديث الوارد ضعيف، والأثر عن الحسن غير ثابت، قال ابن كثير: «وهذا لا يصح عن الحسن، بل الصحيح عنه وعن غيره من الصحابة والتابعين أنه غيره»[7].
ثم إن الأدلة الصحيحة تردُّه، فإنها قد غايرت بين الكرسي والعرش كما في حديث أبي ذر وغيره.
وأما القول الثالث والرابع فهما مصادمان للنصوص الشرعية الواردة، ومخالفان لما عليه السلف الصالح من الصحابة ومن بعدهم[8].
[1] أخرجه ابن جرير في تفسيره (5/397) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وعبد الله بن أحمد في السُّنَّة (2/507) [دار ابن القيم، ط1]، وابن منده في الرد على الجهمية (21) [المكتبة الأثرية]، والبيهقي في الأسماء والصفات (1/308) [مكتبة السوادي، ط1]. قال ابن منده: «لم يتابع عليه جعفر، وليس هو بالقوي في سعيد بن جبير»، وضعفه الدارمي في النقض على المريسي (1/411) [مكتبة الرشد، ط1]، وابن الأنباري والذهبي، كما في العلو (117) [أضواء السلف، ط1].
[2] أخرجه الطبري في تفسيره (3/11).
[3] أخرجه الدارمي في سننه (كتاب الرقاق، رقم 2842)، والحاكم في المستدرك (كتاب التفسير، رقم 3385) وصححه، وتعقبه الذهبي في التلخيص، فبيَّن أن أحد رواته ضعيف، وقال الألباني: منكر. السلسلة الضعيفة (رقم 6333).
[4] بيان تلبيس الجهمية (8/365).
[5] مجموع الفتاوى (6/584).
[6] تهذيب اللغة (10/54).
[7] البداية والنهاية (1/13).
[8] انظر: الرد على المريسي للدارمي (71)، والتنبيه والرد على أهل البدع للملطي (104)، وتفسير القرطبي (1/276)، ومجموع الفتاوى (5/60، 6/584، 585)، وتفسير ابن كثير (1/680، 681)، وشرح العقيدة الطحاوية (368، 369)، وموسوعة الألباني في العقيدة (7/705)]، وكتاب التوحيد مع القول المفيد (2/548)، والقول المفيد (1/443، 2/549)، ومجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (4/45).
1 ـ «إعانة المستفيد»، للفوزان.
2 ـ «بيان تلبيس الجهمية»، لابن تيمية.
2 ـ «درء تعارض العقل والنقل»، لابن تيمية.
3 ـ «الرسالة العرشية»، لابن تيمية.
4 ـ «شرح العقيدة الطحاوية»، لابن أبي العز الحنفي.
5 ـ «العرش»، لمحمد بن عثمان بن أبي شيبة.
6 ـ «القول المفيد»، لابن عثيمين.
7 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
8 ـ «الصواعق المرسلة»، لابن القيم.
9 ـ «السُّنَّة»، لعبد الله بن أحمد.
10 ـ «الرد على الجهمية»، لابن منده.
11 ـ «الرد على بشر المريسي»، للدارمي.