قال ابن فارس: «الكاف والراء والميم أصل صحيح له بابان؛ أحدهما: شرف في الشيء في نفسه أو شرف في خُلق من الأخلاق، والكرم في الخُلق، يقال: هو الصفح عن ذنب المذنب»[1].
والكرَمُ : ضدُّ اللُّؤم، يقال: كرُمَ كرامةً وكرَمًا وكَرَمَةً فهو كريمٌ وكريمَةٌ وكِرْمَةٌ ومُكْرَمٌ ومُكْرَمَةٌ وكُرَامٌ وكُرّامٌ وكرّامةٌ، الجمع: كُرماءُ وكِرامٌ وكَرائِمُ. وأكْرَمَهُ وكَرَّمَهُ: عظَّمَهُ ونَزَّهَه. والكريمُ: الصَّفوحُ، والجواد، وكثير الخير. وأرضٌ مَكْرُمَةٌ وكَرَمٌ: كرِيمةٌ طَيِّبَةٌ. ورزْق كَريم: كثير. وقول كريم: سَهْل لَيِّن، والكريم: اسم جامع لكل ما يحمد[2].
[1] مقاييس اللغة (5/171، 172). وانظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (16/295) [مكتبة ابن تيمية ط2].
[2] القاموس المحيط (1489)، والصحاح (5/297)، ولسان العرب (12/510)، ومقاييس اللغة (5/171)، والحجة في بيان المحجة (1/119).
والْكَرَمُ صفة ذاتية ثابتة لله عزّ وجل بالكتاب والسُّنَّة، فمن الكتاب قوله عزّ وجل: {فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ *} [الفجر] ، وقوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ *} [النمل] ، وقوله : {يَاأَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ *} [الانفطار] ، وقوله تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكَرَمُ *} [العلق] .
ومن السُّنَّة حديث عوف بن مالك رضي الله عنه في الدعاء على الجنازة: «اللَّهُمَّ اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نُزُلَه، ووسع مدخله»[1]. وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تزال جهنم يُلقى فيها وتقول: هل من مزيد. حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط بعزتك وكرمك»[2].
[1] أخرجه مسلم (كتاب الجنائز، رقم 963).
[2] أخرجه البخاري (كتاب التوحيد، رقم 7384)، ومسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم 2848).
قال الخطابي ـ في سياق ذكر اسم الله الكريم ـ: «ومن كرم الله تعالى أنه يبدأ بالنعمة قبل استحقاق، ويتبرع بالإحسان من غير استثابة، ويغفر الذنب، ويعفو عن المسيء إن من كرم عفوه أن العبد إذا تاب عن السيئة محاها عنه وكتب له مكانها حسنة»[1].
وقال البيهقي: «ولا شك في كثرة المنافع التي منّ الله عزّ وجل بها على عباده ابتداء منه وتفضلاً، فهو باسم الكريم أحق»[2].
وقال ابن تيمية ـ في إثبات صفات الكمال لله تعالى بقياس الأولى ـ: «وكذلك إذا قيل: الكريم المحسن، إما أن يكون كرمه وإحسانه من نفسه، وإما أن يكون من غيره. ومن جعل غيره كريمًا محسنًا فهو أولى أن يكون كريمًا محسنًا وذلك من لوازم نفسه»[3].
[1] شأن الدعاء (71).
[2] الأسماء والصفات (1/145).
[3] مجموع الفتاوى (16/448).
المسألة الأولى: تسمية الله تعالى بالأكرم:
الأكرم اسم تفضيل على وزن (أفعل)، مشتق من صفة (الكرم)، دال على الحصر والمبالغة في الكرم، والأكرم هو الأحسن والأنفس والأوسع والأعظم والأشرف، والأعلى من غيره في كل وصف كمال.
والأكرم بصيغة التفضيل والتعريف اسم من أسماء الله الحسنى دال على اتصاف الله بغاية الكرم الذي لا شيء فوقه.
وقد دلَّت النصوص الشرعية على ثبوت اسم الله (الأكرم)، قال تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكَرَمُ *} [العلق] . وجاء عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنهما كانا يقولان بين الصفا والمروة: «رب اغفر وارحم، إنك أنت الأعز الأكرم»[1]. وهذا مما لا مجال فيه للرأي فيكون له حكم المرفوع[2].
قال أبو سليمان الخطابي: «والأكرم هو أكرم الأكرمين، لا يوازيه كريم، ولا يعادله فيه نظير، وقد يكون الأكرم بمعنى الكريم»[3].
وقال ابن تيمية: «وهو سبحانه أخبر أنه الأكرم بصيغة التفضيل والتعريف لها فدل على أنه الأكرم وحده بخلاف ما لو قال: (وربك أكرم)؛ فإنه لا يدل على الحصر، وقوله: {الأَكَرَمُ *} يدل على الحصر ولم يقل: (الأكرم من كذا)، بل أطلق الاسم؛ ليبين أنه الأكرم مطلقًا غير مقيد، فدل على أنه متصف بغاية الكرم الذي لا شيء فوقه ولا نقص فيه»[4].
وقال ابن القيم في قول الله تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكَرَمُ *} [العلق] : «ثم أعاد الأمر بالقراءة مخبرًا عن نفسه بأنه الأكرم، وهو الأفعل من الكرم، وهو كثرة الخير، ولا أحد أولى بذلك منه سبحانه، فإن الخير كله بيديه، والخير كله منه، والنعم كلها هو موليها، والكمال كله، والمجد كله له، فهو الأكرم حقًّا»[5].
واسمه تعالى (الأكرم) يقتضي أنه أحق بجميع صفات الكمال، قال ابن تيمية: «فإن قوله: الأكرم، يقتضي أنه أفضل من غيره في الكرم، والكرم اسم جامع لجميع المحاسن، فيقتضي أنه أحق بجميع المحامد، والمحامد هي صفات الكمال، فيقتضي أنه أحق بالإحسان إلى الخلق والرحمة، وأحق بالحكمة، وأحق بالقدرة، والعلم والحياة، وغير ذلك»[6].
المسألة الثانية: اسم الله الكريم:
الكريم على وزن (فعيل) صفة مشبهة من الثلاثي (كَرُمَ)، وهذا الأصل يدل على شرف الشيء في نفسه أو في خلق من الأخلاق، وهو ضد اللؤم، وهو اسم جامع للمحاسن والمحامد كلها، فهو الأسماء الدالة على معاني عديدة لا على معنى مفرد فقط، وكلها تدور على وصف الله عزّ وجل بما لا يحصى من جلائل المعاني وكرائم الأوصاف[7].
قال القرطبي: «فالكريم من له كرم، وكثر خيره وعم نفعه، وقيل: الكريم الصفوح، وقيل: الكريم العزيز، وهذه الأوجه الثلاثة يجوز وصف الله عزّ وجل بها»[8].
وقد دلّ النصّ على ثبوت اسم الكريم لله تعالى، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ *} [الانفطار] . كما ورد هذا الاسم في جميع طرق حديث الأسماء المشهور، سوى طريق عبد الملك الصنعاني[9]، وعند جميع من اعتنى بجمع الأسماء الحسنى وشرحها[10].
[1] أخرجهما ابن أبي شيبة في المصنف (كتاب الحج، رقم 15565، 15570)، والبيهقي في الكبرى (كتاب الحج، رقم 9351، 9352). وأخرج أثر ابن مسعود فقط: الطبراني في الدعاء (271، 272) [دار الكتب العلمية ط1، 1413هـ]. وقد صحح العراقي أثر ابن مسعود في تخريجه لإحياء علوم الدين (1/321) [دار االمعرفة]، وصحح الألباني الأثرَين كليهما في مناسك الحج والعمرة (27) [مكتبة المعارف، ط1، 1420هـ].
[2] انظر: صفات الله عزّ وجل للسقاف (248، 249) [دار الهجرة، ط3، 1426هـ].
[3] شأن الدعاء (103، 104) [دار الثقافة العربية، ط3، 1412هـ]. وانظر: تفسير السمعاني (6/256) [دار الوطن، ط1، 1418هـ].
[4] مجموع الفتاوى (16/295) [مكتبة ابن تيمية ط2].
[5] مفتاح دار السعادة (1/58) [دار الكتب العلمية]. وانظر: تفسير السعدي (930) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وأضواء البيان (9/17) [دار الفكر، 1415هـ].
[6] مجموع الفتاوى (16/360).
[7] انظر: فقه الأسماء الحسنى (187).
[8] انظر: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/112).
[9] أخرج طريقه ابن ماجه (كتاب الدعاء، رقم 3861). وزيادة عد الأسماء في هذا الحديث مدرجة، كما ذكر أهل العلم، وتقدم نقل أقوالهم في مصطلح (الأسماء الحسنى).
[10] انظر: معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى للتميمي (80 ـ 84، 163) [أضواء السلف، ط1، 1419]، وأسماء الله الحسنى للغصن (335) [دار الوطن، ط1].
الفرق بين اسم الله (الأكرم) واسمه (الكريم):
لأهل العلم في وجود فرق بينهما قولان:
القول الأول: أن بينهما فرقًا، «فالأكرم: الوصف الذاتي، والكريم: الوصف الفعلي»[1]، ومعنى ذلك: أن اسم (الأكرم) يدل على شرف الله تعالى في ذاته وجلاله وصفاته، ووصفه بجميع المحامد، ونفي النقائص عنه، وهذا المعنى لا يقتضي مفعولاً، وعلى هذا يكون من أسماء الذات[2]. وأما اسم (الكريم) فيدل على أنه جواد كثير الخير، صفوح، فيكون معنى كرمه ما يصدر عنه من الإفضال والإنعام على خلقه، فلا بدَّ له من متعلق يصفح عنه وينعم عليه، وعلى هذا يكون من أسماء الأفعال[3].
قال القرطبي: «إن الأكرم الوصف الذاتي، والكريم الوصف الفعلي، وهما مشتقان من الكرم، وإن اختلفا في الصيغة»[4].
القول الثاني: ليس بينهما فرق، فكلا الاسمين من الكرم، «والكرم اسم جامع لجميع المحاسن»[5]، «والمحامد لا يراد به مجرد الإعطاء بل الإعطاء من تمام معناه؛ فإن الإحسان إلى الغير تمام والمحاسن والكرم كثرة الخير ويسرته»[6]. قال الخطابي في معنى (الأكرم): «وقد يكون (الأكرم) بمعنى الكريم كما جاء الأعز والأطول بمعنى: العزيز والطويل»[7].
فكل المعاني التي يدل عليها اسم الكريم يدل عليها كذلك اسم الأكرم، إلا أن اسم الأكرم يدل على أن له منها الكمال من كل وجه، فإن كل المعاني التي يدل عليه اسم الكريم كذلك يدل عليها اسم الأكرم، فيكون معنى الأكرم هو الأكمل والأفضل في الشرف والكمال والجود والعطاء والصفح[8].
وقال ابن القيِّم: «اسم (الأكرم) الذي فيه كل خير وكل كمال، فله كل كمال وصفًا، ومن كل خير فعلاً، فهو (الأكرم) في ذاته، وأوصافه، وأفعاله»[9].
[1] الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى (1/112، 131) [دار الصحابة، ط1، 1416هـ].
[2] انظر: المرجع السابق (1/112، 131).
[3] انظر: المرجع السابق (1/112، 131).
[4] انظر: المرجع السابق (1/112، 131).
[5] مجموع الفتاوى (16/360).
[6] المرجع السابق (16/293).
[7] شأن الدعاء (103)، وكذا قاله البيهقي في الاعتقاد (39).
[8] الفروق للعسكري (143).
[9] مفتاح دار السعادة (2/241) [دار ابن عفان، ط1، 1416هـ].
1 ـ تعظيم الله تعالى وإجلاله؛ فهو الكريم الذي له العزة والعلو، والعظمة والكبرياء.
2 ـ حمد الله تعالى وشكره؛ فكل نعمة فهي من جوده وكرمه وسعة عطائه.
3 ـ الالتجاء إلى الله تعالى، وإنزال الرجاء به؛ فهو الكريم الذي لا ينفد عطاؤه، ولا تعد نعمه وآلاؤه.
4 ـ عدم اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى وفضله؛ فهو الكريم الذي يبتدئ النعم قبل استحقاق، ويتبرع بالإحسان من غير استثابة.
5 ـ افتقار العبد في طاعته لربه عزّ وجل وعدم إعجابه بعمله ومنَّته به على ربه، فالله كريم غني عن طاعة كل مطيع.
6 ـ اتصاف العبد بالكرم؛ فهو وصف يحبه الله تعالى، وصف به نفسه وتسمى به.
7 ـ ما أنزله الله تعالى على أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام من كتب وشرائع، يكون بها أطيب الحياة، وأسعد النعم، وخاصة ما أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم من كتاب كريم، وشرع محكم يسير.
8 ـ ما أسبغه الله تعالى من نعم، وما سخره في السماوات والأرض، مما فيه أظهر الدلالة على جوده وكرمه.
9 ـ إجابة الله تعالى دعوة من دعاه، وخاصة حال الاضطرار والافتقار؛ فهو الكريم الذي لا يخيب من رجاه، ولا يرد من سأله.
10 ـ إمهال الله تعالى لمن خالف أمره، وعدم معاجلته له بالعقوبة.
1 ـ «الأسماء والصفات»، للبيهقي.
2 ـ «الحجة في بيان المحجة»، لقوام السُّنَّة الأصبهاني.
3 ـ «شأن الدعاء»، للخطابي.
4 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي السقاف.
5 ـ «مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
6 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، للنجدي.
7 ـ «اشتقاق أسماء الله»، للزجاجي.
8 ـ «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، للقرطبي.
9 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.
10 ـ «المنهاج الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، لزيد بن محمد شحاتة.