حرف الكاف / الكُره

           

الكره : خلاف المحبة والرضا. قال ابن فارس: «الكاف والراء والهاء أصلٌ صحيحٌ واحد، يدلُّ على خلاف الرِّضا والمحبّة. يقال: كرِهتُ الشَّيء أكرَهُه كَرْهًا»[1].


[1] مقاييس اللغة (5/172).


صفة فعلية ثابتة لله تعالى مقتضاها إبعاد المكروه ومعاداته وعدم الرضا عنه[1].


[1] انظر: مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (4/272).


العلاقة ظاهرة بين المعنيين، لكن المعنى المتعلق بوصف الله سبحانه وتعالى هو على غاية الكمال والجلال؛ فما يكرهه الله سبحانه وتعالى فهو مكروه على الحقيقة، بخلاف ما يضاف إلى المخلوق من كره؛ فليس كل ما يكرهه يلزم أن يكون مكروهًا على الحقيقة، بل كثير من المخلوقين يكرهون أشياء يجتمع فيها أكمل أسباب المحبة، ككراهة الكفار والمنافقين لله عزّ وجل ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.



البغض، المقت.



وجوب الإيمان باتصاف الله تعالى بهذه الصفة، وأنه سبحانه متصف بها على وجه الكمال.



صفة الكره من الصفات الفعلية الثابتة لله تعالى تقتضي عدم الرضا عن المكروه، وإبعاده من رحمته، وتعرضه لعذابه وعقابه.
ولما كانت صفة الكره من الصفات المنقسمة التي تقبل المدح وتقبل الذم، جاء وصف الله تعالى بها مقيدًا بما يدل على المدح والكمال المطلق.
فالكره من الله تعالى واقع على ما هو مكروه على الحقيقة، ولا يأتي الوصف إلا في سياق دال على هذا المعنى، وهذا كمال في الموصوف، بخلاف ما لو لم يتصف بذلك، فنفي الكراهة مطلقًا حتى مع قيام سببها ليس من مقامات المدح، وهذا مثل القول في الرضا والغضب، فالذي يوصف بالرضا والغضب أكمل ممن لا يوصف بهما، أو لا يوصف إلا بأحدهما؛ فوضع الشيء في موضعه هو محل التمدح والكمال[1].


[1] الرسالة الأكملية ـ ضمن مجموع الفتاوى (6/92).


قال الله تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأََعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ *} [التوبة] . وقال تعالى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا *} [الإسراء] .
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله حَرَّم عليكم عقوق الأمهات، ومنعًا وهات، ووأد البنات، وكرِه لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال» [1].
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه»[2].


[1] أخرجه البخاري (كتاب في الاستقراض وأداء الديون، رقم 2408)، ومسلم (كتاب الأقضية، رقم 593).
[2] أخرجه البخاري (كتاب الرقاق، رقم 6508)، ومسلم (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، رقم 2686).


قال ابن بطة: «باب الإيمان بأن الله عزّ وجل يغضب ويرضى ويحب ويكره»[1]، وذكر الرد على النفاة بذكر الأدلة على هذه الصفات.
وقال ابن تيمية: «ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل» وذكر أمثلة على هذه الصفات بالاستدلال عليها من القرآن، وذكر من ذلك قوله تعالى: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ}[2].
وقال ابن القيِّم: «والغيرةُ عند المعطلة النفاة من الكيفيات النفسية، كالحياء والفرح والغضب والسخط والمقت والكراهية، فيستحيل وصفه عندهم بذلك، ومعلوم أنّ هذه الصفات من صفات الكمال المحمودة عقلاً وشرعًا وعرفًا وفطرة، وأضدادها مذمومة عقلاً وشرعًا وعرفًا وفطرة»[3].


[1] الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية (3/128).
[2] العقيدة الواسطية (ضمن مجموع الفتاوى 3/133).
[3] الصواعق المرسلة (4/1497).


1 ـ التعبُّد لله تعالى بتحصيل أسباب محبته، واجتناب أسباب بغضه وكرهه.
2 ـ الحذر من كره الله تعالى وبغضه للعبد؛ فبذلك ينقطع التوفيق، ويكون الهلاك والخسران.
3 ـ محبة المؤمن لما يحبه ربه، وبغضه لما يبغضه.
4 ـ التدبر في حكمة الله تعالى في شرعه، فما يكرهه تعالى، فقد قامت به معاني الكره والبغضاء على الحقيقة، وهذا يوجب على العباد أن يبغضوه.
5 ـ عدم المعارضة بين أمر الله تعالى الكوني وأمره الشرعي، فليس كل ما خلقه وأراده كونًا يكون أحبه ورضيه، بل قد أخبر عزّ وجل عن أشياء مما خلق يكرهها ويبغضها، فيجب اتباع شرعه في بغضها، أما خلقه لها فهو لحكمة أرادها.
6 ـ قيام شرع الله تعالى على غاية الجمال والجلال، وخلوِّه من كل شر ومكروه لذاته، بل الأخذ به سبب السعادة في الدنيا والآخرة.
7 ـ العاقبة الحسنة والتمكين والقبول الذي وعده الله تعالى لمن أحبهم، والخسارة والعذاب والبغض على من كرههم الله تعالى.
8 ـ انعدام الهداية والتوفيق للمنافقين وأمثالهم؛ إذ كره الله تعالى حالهم وشركهم ورياءهم، وما بهم من سوء ظاهر وباطن.



خالف عموم المتكلمين من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة في إثبات هذه الصفة، وهذا بناء على ما أصَّلوه في نفي الصفات.
فمخالفة الجهمية بناء على أصلهم الفاسد في أن إثبات الصفات يستلزم التشبيه[1].
ومخالفة المعتزلة بناء على أصلهم في نفي الصفات؛ لاستلزامها التشبيه، ولأن تعدد الصفات يلزم منه تعدد القدماء[2]، فيثبتون الكره باعتبار أثره، وهو المعنى المتعلق بمن كرهه الله.
ومخالفة الأشاعرة بناء على أصلهم في نفي الصفات الفعلية؛ لأن إثباتها يستلزم حلول الحوادث في ذات الله تعالى، فأولوها إلى صفة الإرادة التي يثبتونها ضمن الصفات العقلية السبع التي يثبتونها، فتكون الصفة عندهم بمعنى إرادة العقوبة، أو عدم إرادة المحبة أو الخير ونحو ذلك، فتكون هذه الصفة عندهم متعلقة بوصف قديم لا يتجدد، وهو الإرادة[3].
ولذلك أولوا الكراهة بما يجعله الله تعالى من الكراهة في الشيء المكروه[4]، أو بمعنى عدم الإرادة[5]، ونحو ذلك.


[1] الفرق بين الفرق للبغدادي (221) [دار التراث]، والملل والنحل للشهرساني (1/98) [دار المعرفة، ط2].
[2] شرح الأصول الخمسة (162) [مكتبة وهبة، ط3].
[3] انظر: الإرشاد للجويني (102) [مؤسسة الكتب الثقافية، ط1، 1405]، والمواقف للإيجي (291) [مكتبة المتنبي].
[4] انظر: الكشاف للزمخشري (2/263).
[5] انظر: مفاتيح الغيب للرازي (16/64).


ـ بنفي ما أحدثوه من لوازم باطلة، فإثبات الصفات لا يلزم منه تعدد القدماء، ولا التشبيه، ولا أيًّا من اللوازم الباطلة التي يجعلها النفاة مانعة لإثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه، وأثبته له رسوله صلّى الله عليه وسلّم من الأسماء والصفات.
ـ فالله تعالى أثبت لنفسه صفات، وأثبتها لخلقه، كالعلم، والقدرة، والإرادة، والعظمة إلخ، ولم يلزم من هذا الإثبات أي معنى للتشبيه الذي يزعمه هؤلاء النفاة، بل المتقرر شرعًا وعقلاً ما أخبر به تعالى عن نفسه بقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *} [الشورى] .
ـ فأهل السُّنَّة والجماعة في إثباتهم لجميع ما أثبته الله تعالى لنفسه وما أثبته له رسوله صلّى الله عليه وسلّم يقررون هذا الأصل الجامع لكل الصفات، المانع من أي ظن كاذب أو لازم باطل، ومنها صفة الكره.
وكذلك فإن إثبات الصفات الفعلية لا يلزم منه أن تكون ذاته محلًّا لحوادث مخلوقة، فهو لم يزل ولا يزال فعالاً لما يريد، والنصوص الدالة على تعدد أفعاله وتنوعها لا تكاد تحصى، وليس في شيء منها ما يدل على أن شيئًا من المخلوقات يحل في ذاته.
فنثبت فعله سبحانه بمشيئته واختياره بثبوت الدليل الشرعي عليه، ولا نرد دلالة الدليل باللوازم الباطلة.
ـ بل إن نفي المشيئة والاختيار في أفعاله تعالى هو النقص الذي يجب أن ينزه عنه، فإثبات الكمال والحمد له أنه يخلق ما يشاء، ويغفر لمن يشاء، ويعفو عمن يشاء، ويفعل ما يريد، وأنه لم يزل ولا يزال فعالاً لما يريد.
ـ فمسألة الصفات الاختيارية هي من تمام حمده، فمن لم يقر بها لم يمكنه الإقرار بأن الله محمود ألبتة، ولا أنه رب العالمين؛ فإن الحمد ضد الذم والحمد هو الإخبار بمحاسن المحمود مع المحبة له، والذم هو الإخبار بمساوئ المذموم مع البغض له.
والله تعالى يحمد نفسه بأفعاله، فإذا لم يكن له فعل يقوم به باختياره امتنع ذلك كله[1].


[1] انظر: رسالة في الصفات الاختيارية لابن تيمية، ضمن جامع الرسائل (2/57) [دار العطاء، ط1].


1 ـ «الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية»، لابن بطة.
2 ـ «جامع الرسائل»، لابن تيمية.
3 ـ «شرح العقيدة الواسطية»، لابن عثيمين.
4 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي السقاف.
5 ـ «الصواعق المرسلة»، لابن القيم.
6 ـ «العقيدة الواسطية»، لابن تيمية.
7 ـ «مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين».
8 ـ «معارج القبول»، لحافظ الحكمي.