الكفر لغة : الستر والتغطية. قال ابن فارس: «الكاف والفاء والراء أصل صحيح يدل على معنى واحد، وهو الستر والتغطية. يقال لمن غطى درعه بثوب: قد كفَر درعه. والمكفِّر: الرجل المتغطي بسلاحه»[1].
وقال ابن الأثير: «وأصل الكفر: تغطية الشيء تغطية تستهلكه»[2]. ولذلك قيل للزارع: كافر؛ لأنه يغطي البذر بالتراب[3]. وكل شيء غطى شيئًا فقد كَفَرهُ[4].
[1] مقاييس اللغة (5/191) [دار الفكر، 1399هـ].
[2] النهاية في غريب الحديث والأثر (4/187) [المكتبة العلمية، 1399هـ].
[3] انظر: تهذيب اللغة (7/138) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م].
[4] العين للفراهيدي (5/357) [مكتبة الهلال].
«الكفر هو عدم الإيمان سواء كان معه تكذيب أو استكبار أو إباء أو إعراض»[1].
[1] مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/639)، (12/335) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، ط 1416هـ]. وانظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/238) [دار عالم الكتب، ط7، 1419هـ]، ومفردات ألفاظ القرآن (2/304) [دار القلم]، والفصل في الملل والأهواء والنحل (3/118) [دار المعرفة، ط2]، والفروق للقرافي (4/115) [عالم الكتب]، ومختصر الصواعق (596) [دار الحديث، ط1].
يجب على المسلم اجتناب الكفر، وكلّ سبب يؤدي إليه. وحكم من وقع في الكفر الأصغر: أن صاحبه يبقى في دائرة الإسلام لا يخرج منها، وإذا لقي الله عزّ وجل بتلك الذنوب، فإنه يكون مستحقًّا للعقوبة، إلا أن يعفو الله عنه، بخلاف من وقع في الكفر الأكبر: فإن فاعله خارج عن الإسلام، وإذا مات على كفره أدخله الله النار خالدًا مخلدًا فيها. والكفر حكم شرعي ينطبق على من كفّره الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.
الكفر يكون بكل ما يناقض الإيمان، من اعتقاد أو قول أو عمل، فإن نقض أصل الإيمان كان هذا هو الكفر الأكبر، كالنفاق والجحود والاستهزاء والتكذيب ونحو ذلك، أو نقض كمال الإيمان الواجب فهذا هو الكفر الأصغر، كقتال المسلم لأخيه المسلم دون حق، والطعن في الأنساب، والنياحة على الميت، ومن انتسب إلى غير أبيه ونحو ذلك مما سمَّاه الشرع كفرًا وليس بالأكبر[1].
قال ابن تيمية رحمه الله: «الكفر حكم شرعي متلقى عن صاحب الشريعة، والعقل قد يعلم به صواب القول وخطؤه، وليس كل ما كان خطأ في العقل يكون كفرًا في الشرع، كما أنه ليس كل ما كان صوابًا في العقل تجب في الشرع معرفته»[2].
[1] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/350)، و(12/335)، واقتضاء الصراط المستقيم (1/238).
[2] درء تعارض العقل والنقل (1/242) [جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ط1، 1399هـ].
قال تعالى: {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيْلِ *} [البقرة] ، وقال تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [البقرة: 217] ، وهذه الآيات السابقة المراد منها: الكفر الأكبر.
وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ *} [المائدة] ، وهذه الآية دخل فيها الكفر الأصغر، قال عطاء رحمه الله في تفسيرها: «كفر دون كفر»[1].
وأدلة السُّنَّة على إطلاق لفظ الكفر وأن المراد به الكفر الأكبر كثيرة، منها حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يرث المؤمن الكافر، ولا يرث الكافر المؤمن» [2]. وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله لا يظلم مؤمنًا حسنة، يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم تكن له حسنة يجزى بها»[3].
ومن أدلة السُّنَّة على الكفر الأصغر: حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا ترجعوا بعدي كفارًا، يضرب بعضكم رقاب بعض» [4]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فقوله: «يضرب بعضكم رقاب بعض» تفسير الكفار في هذا الموضع، وهؤلاء يسمون كفارًا تسمية مقيدة، ولا يدخلون في الاسم المطلق إذا قيل: كافر ومؤمن»[5].
[1] أخرجه الطبري تفسيره (8/464) [دار هجر، ط1].
[2] أخرجه البخاري (كتاب المغازي، رقم 4283) واللفظ له، ومسلم (كتاب الفرائض، رقم 1614).
[3] أخرجه مسلم (كتاب صفة القيامة والجنة والنار، رقم 2808).
[4] أخرجه البخاري (كتاب العلم، رقم 121)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 65).
[5] اقتضاء الصراط المستقيم (1/238).
قال ابن حزم: «وهو ـ أي: الكفر ـ في الدين صفة من جحد شيئًا مما افترض الله تعالى الإيمان به بعد قيام الحجة عليه، ببلوغه الحق إليه بقلبه دون لسانه، أو: بلسانه دون قلبه، أو: بهما معًا، أو: عمل عملاً جاء النص بأنه مُخرج له بذلك عن اسم الإيمان»[1].
وقال أبو نصر المروزي: «إذ الكفر لا يكون إلا جحودًا بالقلب أو تكذيبًا بالقلب أو باللسان، أو إباء أو امتناعًا باستكبار واستنكاف»[2].
وقال ابن القيِّم: «فأما الكفر فنوعان: كفر أكبر، وكفر أصغر، فالكفر الأكبر هو الموجب للخلود في النار، والأصغر موجب لاستحقاق الوعيد دون الخلود»[3].
وقال أيضًا: «الكفر جحد ما علم أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم جاء به، سواء كان من المسائل التي يسمونها علمية أو عملية، فمن جحد ما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد معرفته بأنه جاء به فهو كافر في دِقِّ الدين وجلّه»[4].
وقال السعدي رحمه الله: «حدّ الكفر الجامع لجميع أجناسه وأنواعه وأفراده: هو جحد ما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم أو جحد بعضه»[5].
[1] التبصير في معالم الدين (162) [دار العاصمة، ط1، 1416هـ].
[2] تعظيم قدر الصلاة (2/749).
[3] مدارج السالكين (1/344) [دار الكتاب العربي، ط3، 1416هـ].
[4] مختصر الصواعق (620).
[5] الإرشاد إلى معرفة الأحكام (203، 204) [مكتبة المعارف، الرياض، ط 1400هـ].
ينقسم الكفر إلى قسمين:
ـ القسم الأول : الكفر الأكبر: هو الذي يناقض أصل الإيمان، فيَخرجُ صاحبُه من الإسلام بالكلية، ويخلُد في النار إن مات عليه، ولا تنفع فيه شفاعة الشافعين، وهو خمسة أنواع:
1 ـ كفر التكذيب: وهو اعتقاد كذب الرسل عليهم السلام، فمن كذبهم فيما جاؤوا به ظاهرًا أو باطنًا فقد كفر، قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ *} [العنكبوت] .
2 ـ كُفر الإباء والاستكبار: وذلك بأن يكون عالمًا بصدق الرسول، وأنه جاء بالحق من عند الله، لكن لا ينقاد لحكمه ولا يذعن لأمره، استكبارًا وعنادًا، قال : {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ *} [البقرة] .
3 ـ كفر الشك، ويقال له كفر الظن: وهو ألا يجزم بصدق الرسول ولا بكذبه، بل يشك في أمره. قال تعالى: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا *وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُّ إِلَى رَبِّي لأََجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا *قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً *} [الكهف] .
4 ـ كفر الإعراض: وهو الإعراض الكلي عن الدين، بأن يعرض بسمعه وقلبه وعلمه عما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم، قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ *} [الأحقاف] .
5 ـ كفر النفاق: وهو أن يظهر الإيمان ويبطن الكفر، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ *} [المنافقون] [1].
ـ القسم الثاني : الكفر الأصغر: وهو الذي لا يخرج من الملة، وصاحبه مستحق للوعيد والعذاب في النار دون الخلود فيها، وقد تقدمت صوره والأدلة عليه.
[1] انظر: مدارج السالكين (1/346، 347)، والدرر السنية (2/70، 71) [ط6، 1417هـ].
المسألة الأولى: شعب الكفر:
إن للكفر شعبًا وخصالاً كما أن للإيمان شعبًا، فالمعاصي والذنوب كلها من شعب الكفر، كما أن الطاعات كلها من شعب الإيمان. وشعب الكفر متفاوتة؛ منها ما يوجب الخروج من الإسلام، ومنها ما هو دون ذلك.
فقلة الحياء شعبة من شعب الكفر، وكذلك الكذب، والحكم بغير ما أنزل الله، والمعاصي كلها من شعب الكفر. وشعب الكفر قسمان: قولية وفعلية. فكما يكفر بالإتيان بكلمة الكفر اختيارًا وهي شعبة من شعب الكفر، فكذلك يكفر بفعل شعبة من شعبه كالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف[1].
وأهل السُّنَّة والجماعة يعتقدون أن العبد يجتمع فيه بعض شعب الإيمان، وبعض شعب الكفر أو النفاق التي لا تنافي أصل الإيمان وحقيقته[2]، قال الله تعالى: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ} [آل عمران: 167] .
المسألة الثانية: لا يلزم من التكفير ثبوت أحكام الردة:
ليس كل من قيل فيه: هو كافر، يجب أن تجري عليه أحكام المرتد ردة ظاهرة؛ لأن مَن لم يُظهر الكفر يعامل معاملة المنافقين فتُجرى عليه أحكام الإسلام في الظاهر، فقد ثبت أن الناس كانوا على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة أصناف: مؤمن، وكافر مظهر للكفر، ومنافق مظهر للإسلام مبطن للكفر. ومع هذا فإنه لما كان يموت أحدُ المنافقين، كانت تجرى عليه أحكام المسلمين، فكان معصوم الدم، وإذا مات يرثه المسلمون، حتى تقوم السُّنَّة الشرعية على أحدهم بما يوجب عقوبته. وكذلك لما خرجت الخوارج زمن علي رضي الله عنه لم يحكموا بكفرهم ولا قاتلوهم حتى بدؤوهم بالقتال.
وفي المقابل صار البعض يظن أنه لا يطلق كفر أحد من أهل الأهواء؛ وإن كانوا قد أتوا من الإلحاد وأقوال أهل التعطيل والاتحاد. والتحقيق في هذا: أن القول قد يكون كفرًا كمقالات الجهمية، وقد يقول القول وهو متأول. فإذا كان المتأول المخطئ في تلك لا يحكم بكفره إلا بعد البيان له واستتابته، كما فعل الصحابة في الطائفة الذين استحلوا الخمر، ففي غير ذلك أولى وأحرى، وعلى هذا يخرج الحديث الصحيح في الذي قال: «إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني في اليم، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا من العالمين»[3]، وقد غفر الله لهذا مع ما حصل له من الشك في قدرة الله وإعادته إذا حرقوه؛ لأنه كان جاهلاً[4].
المسألة الثالثة: الكفر يكون بالفعل كما يكون بالقول والاعتقاد:
قرَّر علماء أهل السُّنَّة أن الكفر بعد الإسلام يقع بالفعل كالذبح لغير الله أو السجود لصنم كما يكون بالقول أو الاعتقاد.
وزعم البعض أنَّه لا يكفر إلا من اعتقد الكفر، أمّا من تلفّظ به أو عمل ما هو كفر صراحة فلا يكفر؛ إذ الكفر هو الاعتقاد فقط، وهذا هو مذهب المرجئة. والصحيح: أن من وقع في كفر عملاً أو قولاً ثم أقيمت عليه الحجة وبيِّن له أنَّ هذا كفر يخرج من الملة، فأصر على فعله طائعًا غير مكره، متعمّدًا غير مخطئ ولا متأوّل فإنَّه يكفر ولو كان الدافع لذلك الشهوة أو أيّ غرض دنيوي[5].
المسألة الرابعة: إطلاق الكفر على المعاصي:
جاء في الشرع جواز إطلاق الكفر على المعاصي، والمراد به: الكفر العملي، وذلك لقصد الزجر[6]. كما في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» [7]، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا ترجعوا بعدي كفارًا، يضرب بعضكم رقاب بعض»[8] . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فقوله: «يضرب بعضكم رقاب بعض» تفسير الكفار في هذا الموضع، وهؤلاء يسمون كفارًا تسمية مقيدة، ولا يدخلون في الاسم المطلق إذا قيل: كافر ومؤمن»[9].
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه فهو كفر» [10]. قال ابن بطال: «وليس المراد بالكفر حقيقة الكفر التي يخلد صاحبها في النار»[11].
المسألة الخامسة: ضابط بلد الكفر:
بلد الكفر: هو كل بلد تقام فيه شعائر الكفر ولا تقام فيه شعائر الإسلام، كالأذان، والصلاة جماعة، والأعياد، والجمعة على وجه عام شامل.
والبلد الذي تقام فيه شعائر الإسلام على وجه محصور كبلاد الكفار التي فيها أقليات مسلمة فإنها لا تكون بلاد إسلام بما تقيمه الأقليات المسلمة فيها من شعائر الإسلام[12].
المسألة السادسة: الكفار الأصليون ثلاثة أصناف:
1 ـ أهل الكتاب.
2 ـ من لهم شبهة كتاب.
3 ـ من ليس لهم كتاب.
ولكل صنف أحكام تخصه.
وينقسم الكفار الأصليون في أحكام الدنيا باعتبار مسالمتهم وحربهم إلى: أهل الحرب، وأهل الذمة[13].
[1] الصلاة وأحكام تاركها (55، 56) [مكتبة الثقافة بالمدينة المنورة].
[2] انظر: مجموع الفتاوى (7/350)، وتفسير القرآن العظيم (2/160) [دار طيبة، ط2، 1420هـ]، وتفسير السعدي (156) [مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ].
[3] أخرجه البخاري (كتاب أحاديث الأنبياء، رقم 3478)، ومسلم (كتاب التوبة، رقم 2756).
[4] انظر: مجموع الفتاوى (7/617 ـ 619).
[5] انظر: روضة الطالبين للنووي (10/64) [المكتب الإسلامي، ط3، 1412هـ]، ومجموع الفتاوى (7/220)، والصارم المسلول (523، 524)، ومجموعة الرسائل والمسائل النجدية (1/659) [دار العاصمة، ط1، 1349هـ].
[6] انظر: فتح الباري لابن حجر (6/541) [دار المعرفة، 1379هـ].
[7] أخرجه البخاري (كتاب الإيمان، رقم 48)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 64).
[8] تقدم تخريجه.
[9] اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (1/238).
[10] أخرجه البخاري (كتاب الفرائض، رقم 6768)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم 62).
[11] نقله عنه ابن حجر في فتح الباري (12/55).
[12] انظر: شرح ثلاثة الأصول لابن عثيمين (129، 130) [دار الثريا، ط4، 1424هـ].
[13] انظر: روضة الطالبين للنووي (1217) [دار ابن حزم بيروت، ط1، 1423هـ]، والمغني لابن قدامة (9/546 فما بعدها) [دار هجر، ط1، 1406هـ].
1 ـ الفرق بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر:
الكفر الأصغر يظل صاحبه في دائرة الإسلام لا يخرج منها، وإذا لقي الله عزّ وجل بتلك الذنوب، فإنه يكون مستحقًّا للعقوبة، إلا أن يعفو الله عنه، بخلاف الكفر الأكبر، فإن فاعله خارج عن الإسلام، وإذا مات على كفره أدخله الله النار خالدًا مخلدًا فيها.
2 ـ الفرق بين الكفر والشرك:
ـ الكفر والشرك قد يعبِّر بهما جميعًا في معنى واحد، كما في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» [1]، ولذا قال بعض العلماء أنهما كالإسلام والإيمان يعبر بأحدهما عن الآخر.
ـ كل شرك فهو كفر، وليس كل كفر شركًا؛ لأن المعرض عن الدين والمستهزئ به يوصف بالكفر لا بالشرك[2].
3 ـ الفرق بين الكفر والنفاق:
إن النفاق هو اعتقاد الكفر باطنًا وإظهار الإيمان، بخلاف الكفر فإن الكافر يعتقد الكفر ويظهره، ولذلك كان المنافق أشد جرمًا من الكافر؛ لأنه يتحقق فيه الكفر مع زيادة مخادعة المؤمنين بإظهار الإسلام[3].
[1] أخرجه مسلم (كتاب الإيمان، رقم 82).
[2] انظر: الفروق للعسكري (230)، ومجموع فتاوى ابن باز (1/33 ـ 34) [دار الوطن، ط1، 1416هـ]، وتيسير العزيز الحميد (56)، وكتاب مصرع الشرك والخرافة لخالد الحاج (181).
[3] انظر: مدارج السالكين (1/338) فما بعدها.
ذهب بعض أهل العلم إلى حصر الكفر في الجحود[1]، وهذا فيه نظر.
وذلك لدلالة النصوص الشرعية التي تفيد أن الكفر يمكن أن يكون من غير جهة الجحود.
فقد يكون من جهة العناد، كما قال تعالى: {كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لآِيَاتِنَا عَنِيدًا *} [المدثر] ، وهذا ككفر أبي طالب وأضرابه من أهل العناد مع علمهم أن ما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم حق.
وقد يكون من جهة الكبر والإباء، ككفر إبليس، قال تعالى: {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ *} [البقرة] .
وقد يكون الكفر من جهة النفاق والزندقة، كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145] .
وقد يكون من جهة الكره لما أنزل الله، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ *ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ *} [محمد] .
وقد يكون الكفر من جهة الطعن بالدين والاستهزاء به، كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة] .
وقد يكون من جهة التولي والإعراض عن الدين، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ *} [الأحقاف] .
وقد يكون الكفر من جهة الشك والظن بالله ظن الجاهلية، كما قال تعالى عن الكفار: {وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ *} [إبراهيم] ، وقال: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ *} [الجاثية] .
قال ابن تيمية: «المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر، يقال: هو مؤمن أو كافر، والكفر لا يختص بالتكذيب؛ بل لو قال: أنا أعلم أنك صادق لكن لا أتبعك، بل أعاديك وأبغضك وأخالفك ولا أوافقك لكان كفره أعظم؛ فلما كان الكفر المقابل للإيمان ليس هو التكذيب فقط، علم أن الإيمان ليس هو التصديق فقط، بل إذا كان الكفر، يكون تكذيبًا، ويكون مخالفة ومعاداة وامتناعًا بلا تكذيب، فلا بدَّ أن يكون الإيمان تصديقًا مع موافقة وموالاة وانقياد لا يكفي مجرد التصديق»[2].
[1] انظر: شرح الطحاوية (313) [وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، ط1، 1418هـ].
[2] انظر: مجموع الفتاوى (7/292).
1 ـ «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج1)، لابن تيمية.
2 ـ «التكفير وضوابطه»، لإبراهيم الرحيلي.
3 ـ «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» (ج1، 2).
4 ـ «الصلاة وأحكام تاركها»، لابن القيم.
5 ـ «الفروق» (ج4)، للقرافي.
6 ـ «الكفر مفهومه وأنواعه والغلاة فيه»، لسارة بنت فراج العقلاء.
7 ـ «مجموع الفتاوى» (ج7)، لابن تيمية.
8 ـ «مدارج السالكين» (ج1)، لابن القيم.
9 ـ «نواقض الإيمان القولية والعملية»، لعبد العزيز العبد اللطيف.
10 ـ «نواقض الإيمان الاعتقادية»، لمحمد الوهيبي.