حرف الكاف / الكفيل

           

قال ابن فارس رحمه الله: «الكاف والفاء واللام أصل صحيح يدل على تضمن الشيء للشيء، من ذلك الكِفل: كساء يدار حول سنام البعير، وإنما سمِّي بذلك لما ذكرناه من أنه يدور على السنام، أو العجز، فكأنه قد ضُمّنه»[1].
والكفيل : الضامن، يقال: كَفَل يَكْفُل كِفْلاً وكفالة، والكافل: العائل، من يكفل إنسانًا يعوله، قال تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] ، وأكفلته المال: ضمنته إياه، وكفله وتكفّل بالشيء: ألزم نفسه به وتحمّله[2].


[1] مقاييس اللغة (5/188) [دار الجيل، ط 1420هـ].
[2] انظر: تهذيب اللغة (10/250 ـ 253) [الدار المصرية]، والصحاح (5/1810) [دار العلم للملايين، ط4، 1990م]، ومفردات ألفاظ القرآن (717) [دار القلم، ط2، 1418هـ]، والقاموس المحيط (1361) [مؤسسة الرسالة، ط5، 1416هـ].


الكفيل : بمعنى الوكيل أو الشهيد، وهو القائم بأمور الخلائق، الراعي لهم، المتكفل بأقواتهم وأرزاقهم وجميع شؤونهم[1].


[1] انظر: تفسير الطبري (14/341) [دار هجر، ط1، 1422هـ]، وتفسير البغوي (5/39) [دار طيبة، ط2]، وفقه الأسماء الحسنى (238) [دار التوحيد، ط1، 1429هـ].


العلاقة بين المعنى اللغوي للكفيل ومعناه الشرعي ظاهرة، فإن الله عزّ وجل هو القائم بجميع شؤون عباده فهو المتكفل بذلك الضامن له والعائل لهم، وهو مما ألزم به نفسه تفضلاً وتكرمًا منه جلّ جلاله.



لم يثبت أن الكفيل من أسماء الله عزّ وجل، لكن يخبر عن الله عزّ وجل أنه هو الكفيل، فلا تسوغ تسمية الله عزّ وجل بالكفيل، أو دعاؤه به، أو التعبيد به فيقال: عبد الكفيل، لعدم ثبوت النص في كونه اسمًا لله عزّ وجل.



إن الله عزّ وجل لما كان هو المتكفل بجميع شؤون خلقه إنما ذلك لفضله وكرمه وعظيم إحسانه، ولعجز العباد عن القيام بأمورهم من غير توفيق الله عزّ وجل وعونه وتيسيره لأسباب ذلك.



قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُّمْ وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} [النحل] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم، فقال: كفى بالله شهيدًا، قال: فأتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلاً، قال: صدقت فدفعها إليه إلى أجل مسمَّى» الحديث[1].


[1] أخرجه البخاري (كتاب الحوالات، رقم 2291).


قال مجاهد بن جبر رحمه الله: «{وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً}: وكيلاً»[1].
وقال ابن جرير الطبري رحمه الله: «وقد جعلتم الله بالوفاء بما تعاقدتم عليه على أنفسكم: راعيًا، يرعى الموفي منكم بعهد الله، الذي عاهد على الوفاء به والناقض»[2].
وقال الحليمي رحمه الله: «الكفيل؛ ومعناه: المتقبل للكفايات، وليس ذلك بعقد وكفالة ككفالة الواحد من الناس، وإنما هو على معنى أنه لما خلق المحتاج وألزمه الحاجة، وقدّر له البقاء الذي لا يكون إلا مع إزالة العلة وإقامة الكفاية، لم يخله من إيصال ما علّق بقاؤه به إليه، وإدراره في الأوقات والأحوال عليه، وقد فعل ذلك ربنا جل ثناؤه؛ إذ ليس في وسع مرتزق أن يرزق نفسه، وإنما الله تعالى يرزق الجماعة من الناس والدواب، والأجنة في بطون أمهاتها، والطير التي تغدو خماصًا، وتروح بطانًا، والهوام والحشرات والسباع في الفلوات»[3].
وقال البغوي رحمه الله: «{وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً}: شهيدًا بالوفاء»[4].


[1] تفسير الطبري (14/341).
[2] المرجع السابق (14/338).
[3] المنهاج في شعب الإيمان (1/204) [دار الفكر، ط1، 1399].
[4] تفسير البغوي (5/39).


الفرق بين الكفيل والوكيل:
كلاهما من أسماء الجلال الدالة على القيام بأمور الخلق والتكفل بمصالحهم ومعاشهم وجميع شؤونهم، المدبر لجميع أمورهم، لكن بينهما فرق من جهة العموم والخصوص، فالوكيل أعم من الكفيل؛ لأن كل كفيل وكيل، وليس العكس[1].


[1] انظر: مفردات ألفاظ القرآن (882).


آثار الإيمان بتكفّل الله عزّ وجل بجميع أمور خلقه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأنه عزّ وجل هو الوكيل الذي يُتوكل عليه ولا يُتوكل على أحد سواه.



1 ـ «أسماء الله الحسنى»، للغصن.
2 ـ «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، للقرطبي.
3 ـ «إيثار الحق على الخلق»، لابن الوزير.
4 ـ «التوحيد»، لابن منده.
5 ـ «الجوائز والصلات من جمع الأسامي والصفات»، لصديق خان.
6 ـ «فتح الباري»، لابن حجر.
7 ـ «فقه الأسماء الحسنى»، لعبد الرزاق البدر.
8 ـ «المستدرك على مجموع الفتاوى»، لابن تيمية.
9 ـ «معتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى»، للتميمي.
10 ـ «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى»، لحمود النجدي.