حرف الكاف / الكَنَف

           

الكَنَفُ : بفتح الكاف والنون بعدها فاء. قال ابن فارس: «الكاف والنون والفاء أصل صحيح واحد يدل على ستر، من ذلك الكنيف، هو الساتر. وزعم ناس أن الترس يسمى كنيفًا؛ لأنه ساتر. وكل حظيرة ساترة عند العرب: كنيف، ومن الباب: كنفت فلانًا وأكنفته. وكنفا الطائر: جناحاه؛ لأنهما يسترانه. ويقال: حظرت للإبل حظيرة، وكنفت لها وكنفتها أكنفها»[1]. وقال الجوهري: «كَنَفْتُ الشيءَ أَكْنُفُه؛ أي: حطته وصنته. والكَنَف بالتحريك الجانب، وكنفا الطائر: جناحاه، وكنفة الإبل: ناحيتها»[2]. فالكَنَفُ معناه الستر، وهو الأصل، ويأتي بمعنى الناحية والجانب، فكنف الإنسان: ناحيتاه عن يمينه وشماله، وكنفا الطائر: جناحاه، وهكذا كنف كل شيء حسب ما يناسبه.


[1] مقاييس اللغة (2/426) [دار الكتب العلمية، 1420هـ].
[2] الصحاح (4/1424) [دار العلم للملايين، ط4].


الكنف المضاف إلى الله عزّ وجل هو طرفه وناحيته وجانبه، وهو صفة من الصفات الذاتية الخبرية ثابتة لله كما يليق بجلاله وعظمته[1].


[1] انظر: صفات الله عزّ وجل للسقاف (301) [دار الهجرة، ط3، 1426هـ]، ومعجم ألفاظ العقيدة (354) [مكتبة العبيكان، ط2، 1420هـ].


يجب الإيمان بهذه الصفة؛ لدلالة الحديث النبوي عليها، ويجب إثباتها لله تعالى كما يليق بجلاله وكبريائه وعظمته سبحانه، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل[1].


[1] انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (4/184، 185) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، 1416هـ]، ومعارج القبول للحكمي (1/471، 472) [دار ابن الجوزي، الدمام، ط8].


حقيقة الكنف المضاف إلى الله تعالى وهو ناحيته وطرفه وجانبه، وبه يستر الله عزّ وجل عبده المؤمن يوم القيامة حتى لا يفتضح أمام الخلق، ولذلك فسره كثير من السلف بالستر[1]، وهذا من معناه ومن لازمه.


[1] انظر: خلق أفعال العباد (134) [دار ابن القيم، ط1، 1423هـ]، وتهذيب اللغة (10/274) [الدار المصرية للتأليف والترجمة]، ورياض الصالحين (164) [مؤسسة الرسالة، ط3، 1422هـ]، وشرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (2/383، 384) [دار العاصمة، ط2، 1422هـ].


عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي ربِّ، حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى فيه نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته، وأما الكافر والمنافقون فيقول الأشهاد: {هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ *} [هود] »[1].


[1] أخرجه البخاري (كتاب المظالم والغصب، رقم 2441)، ومسلم (كتاب التوبة، رقم 2768).


قال أبو وائل شقيق بن سلمة: «نشر الله تعالى كنفه على المسلم يوم القيامة هكذا، وتعطَّف بيده وكُمِّه»[1].
قال أحمد بن حنبل: «لا نتعدى القرآن والحديث، فنقول كما قال، ونصفه كما وصف نفسه، ولا نتعدى ذلك، ولا تبلغه صفة الواصفين، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت، وما وصف به نفسه من كلام، ونزول، وخلوة بعبده يوم القيامة، ووضعه كنفه عليه»[2].
وقال إبراهيم الحربي: «قوله: «فيضع عليه كَنَفِه» يقول: ناحيته. قال إبراهيم: أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي: يقال: نزل في كنف بني فلان؛ أي: ناحيتهم»[3].


[1] المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (3/79) [جامعة أم القرى، مكة المكرمة، ط1، 1406هـ].
[2] بيان تلبيس الجهمية (3/710، 711) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ط1، 1426هـ].
[3] انظر: شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للغنيمان (2/383 ـ 384).


إن الله عزّ وجل يعرف المؤمن بذنوبه يوم القيامة ولكنه سبحانه وتعالى بمنه وكرمه يضع كنفه على المؤمن ويستره من الخلق حتى لا يفتضح أمامهم، وفي ذلك إكرام من الله للمؤمن وستر عليه، وكذلك فيه حث وترغيب ودعوة للناس على ستر عيوب الآخرين وعدم تشهيرها بين الناس.



الكنف صفة ذاتية خبرية، ووضع الله كنفه يوم القيامة على عبده المؤمن وستره عليه وخلوِّه به وكلامه إياه هذا كله من الصفات الفعلية الاختيارية، فهذا من جملة الصفات التي أنكرتها الفلاسفة والجهمية والمعتزلة الذين ينكرون الصفات بالكلية، ومن جملة الصفات التي أنكرتها الكُلابية ومن وافقهم الذين ينكرون صفات الأفعال الاختيارية. ومنهم من يؤولها بالإنعام والرحمة[1]؛ فرارًا من إثبات هذه الصفة بدعوى التقديس والتنزيه، والنبي صلّى الله عليه وسلّم الذي أخبرنا عن ذلك ووصف الله عزّ وجل بهذه الصفة أكثر الناس تنزيهًا وتقديسًا لله عزّ وجل، وفيه إكرام من الله عزّ وجل لعبده المؤمن وستر عليه وعفو عنه، وهذا كله مدح وكمال لله عزّ وجل، ولا يلزم من إثباتها شيء من النقص لله عزّ وجل، ولذا يجب إثبات هذه الصفة لله جلّ جلاله كما يليق بجلال الله وعظمته، لدلالة السُّنَّة النبوية على ذلك.


[1] انظر: من كتب الأشاعرة: أساس التقديس للرازي (134) [مكتبة الكليات الأزهرية، 1406هـ].


1 ـ «بيان تلبيس الجهمية» (ج3)، لابن تيمية.
2 ـ «خلق أفعال العباد»، للبخاري.
3 ـ «شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري»، لعبد الله بن محمد الغنيمان.
4 ـ «صفات الله عزّ وجل الواردة في الكتاب والسُّنَّة»، لعلوي بن عبد القادر السقاف.
5 ـ «المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث» (ج3)، لمحمد بن أبي بكر المديني.
6 ـ «معارج القبول» (ج1) لحافظ بن أحمد الحكمي.
7 ـ «مجموع الفتاوى» (ج4)، لابن تيمية.
8 ـ «معجم ألفاظ العقيدة»، لعالم عبد الله فالح.
9 ـ «نقض عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله في التوحيد»، للدارمي.