حرف الكاف / الكوثر

           

الكوثر من مادة (ك ـ ث ـ ر)، والكاف والثاء والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على خِلاف القِلّة، من ذلك الشَّيء الكثير، وقد كَثُر. ثم يُزَاد فيه للزِّيادة في النّعت، فيقال: الكوثر، وهو (فَوْعلٌ) من الكَثْرة[1]، ومعناه: الخير الكثير[2].


[1] انظر: مقاييس اللغة (5/160) [دار الفكر، 1399هـ].
[2] انظر: تهذيب اللغة (10/102) [دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م]، والنهاية في الغريب (4/382) [دار الفكر]، والمصباح المنير (2/526) [المكتبة العلمية].


نهر أعطيه النبي صلّى الله عليه وسلّم شاطئاه عليه دُرٌّ مجوَّف آنيته كعدد النجوم[1].


[1] كما سيأتي ذكره في الأدلة، وراجع تفسير الطبري (12/719) [مؤسسة الرسالة، ط1]، وتفسير ابن كثير (8/502)، فتح الباري لابن حجر (8/732)، وروح المعاني (30/244) [دار إحياء التراث، ط4، 1405هـ].


المعنى الشرعي لم يخرج عن الحقيقة اللغوية، إلا أنه نهر خاص بالنبي صلّى الله عليه وسلّم في الجنة.



سمي الكوثر بذلك لما عليه من الخير الكثير، كما أبانته النصوص الآتية.



الاعتقاد الجازم بوجوده الآن في الجنة، والتصديق بما ورد من صفاته، كما أخبرت به نصوص الكتاب والسُّنَّة.



أخبر الله سبحانه وتعالى أنه أعطى نبيه صلّى الله عليه وسلّم الكوثر، فقال: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ *فَصَلِّ لِرَّبِكَ وَانْحَرْ *إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ *} [الكوثر] ، وثبت عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن الكوثر، فقال: «سألتها عن قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ *}، قالت: نهر أعطيه نبيكم صلّى الله عليه وسلّم شاطئاه عليه دُرٌّ مجوَّف آنيته كعدد النجوم»[1].


[1] أخرجه البخاري (كتاب تفسير القرآن، رقم 4965).


أحد مفردات الجنة التي يكرم الله بها ساكنيها.



قال الله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ *فَصَلِّ لِرَّبِكَ وَانْحَرْ *إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ *} [الكوثر] .
وقال أنس رضي الله عنه: بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسمًا، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: «أنزلت علي آنفًا سورة، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ *فَصَلِّ لِرَّبِكَ وَانْحَرْ *إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ *} [الكوثر] » ثم قال: «أتدرون ما الكوثر؟» فقلنا: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنه نهر وعدنيه ربي عزّ وجل، عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم، فيختلج العبد منهم، فأقول: رب إنه من أمتي، فيقول: ما تدري ما أحدثت بعدك» وفي لفظ: «نهر وعدنيه ربي عزّ وجل في الجنة، عليه حوض»[1].
وقال صلّى الله عليه وسلّم: «بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر، حافَتاه قباب الدُّرِّ المجوَّف، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، فإذا طيبنه ـ أو طيبه ـ مسكٌ أذفر»[2].
ولما سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الكوثر؟ قال: «هو نهر أعطانيه الله عزّ وجل في الجنة، ترابه المسك، ماؤه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، ترده طير أعناقها مثل أعناق الجُزُر» ، قال أبو بكر: يا رسول الله، إنها لناعمة، فقال: «آكِلُها أنعم منها»[3].
أقوال أهل العلم:
سئل عطاء وهو يطوف بالبيت عن قوله: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ *} [الكوثر] قال: «حوض أُعطيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم»[4].
قال ابن كثير: «روي عن أنس، وأبي العالية، ومجاهد، وغير واحد من السلف: أن الكوثر: نهر في الجنة. وقال عطاء: هو حوض في الجنة»[5].
وقال ابن أبي العز: «الذي يتخلص من الأحاديث الواردة في صفة الحوض أنه حوض عظيم، ومورد كريم، يمد من شراب الجنة، من نهر الكوثر»[6].


[1] أخرجه مسلم (كتاب الصلاة، رقم 400).
[2] أخرجه البخاري (كتاب الرقاق، رقم 6581).
[3] أخرجه الترمذي (أبواب صفة الجنة، رقم 2542) وحسنه، وأحمد (21/132) [مؤسسة الرسالة، ط1] واللفظ له، والحاكم (كتاب التفسير، رقم 3978)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 2514).
[4] أخرجه ابن جرير في تفسيره (24/648).
[5] انظر: تفسير ابن كثير (8/502)، وراجع: تفسير الطبري (12/719)، وروح المعاني (30/244).
[6] شرح العقيدة الطحاوية (280). وانظر: معارج القبول لحافظ الحكمي (2/871).


ـ موضع الكوثر:
ورد في الآثار المروية في تفسير الآية أن الكوثر في الجنة، وهو الذي قرره أهل العلم[1].
المسألة الثانية: الفرق بين الحوض والكوثر.
أوضح أهل العلم أن الكوثر نهر داخل الجنة، كما جاء مصرحًا في بعض الأحاديث، وماؤه يصبُّ في الحوض خارج الجنة، فالكوثر هو مادة الحوض، كما جاء في حديث أبي ذرّ قال: قلت: يا رسول الله ما آنية الحوض؟ قال: «والذي نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها، ألا في الليلة المظلمة المصحية، آنيةُ الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه، يشخب[2] فيه ميزابان من الجنة، من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة، ماؤه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل» [3]، ومن هذا الباب يطلق على الحوض كوثر؛ لكونه يمدّ منه، وبهذا يتبين أن الحوض مغاير للكوثر، ولكنه وثيق الصلة به، والله أعلم[4].
قال ابن أبي العز رحمه الله في بيان ذلك: «والذي يتخلص من الأحاديث الواردة في صفة الحوض: أنه حوضٌ عظيم، ومورد كريم، يُمَدُّ من شراب الجنة، من نهرِ الكوثر الذي هو أشد بياضًا من اللبن وأبرد من الثلج، وأحلى من العسل، وأطيب ريحًا من المسك، وهو في غاية الاتساع»[5].


[1] انظر: تفسير ابن جرير الطبري (12/719)، وتفسير ابن كثير (8/502)، فتح الباري (11/466، 467).
[2] الشخب: السيلان. انظر: النهاية (2/450).
[3] أخرجه مسلم (كتاب الفضائل، رقم 2300).
[4] انظر: فتح الباري (11/466، 467)، وراجع تفسير ابن كثير (4/498).
[5] انظر: شرح العقيدة الطحاوية (280، 281).


نسب بعض أهل العلم إلى المعتزلة إنكار الشفاعة للنبي صلّى الله عليه وسلّم يوم القيامة، ووجود حوض الكوثر، وأنكروا ما ورد في هذا الباب من الآثار والأخبار[1].
وهذا المذهب باطل، فقد جاءت نصوص الكتاب والسُّنَّة دالة على إثبات الكوثر للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو ما قرره أهل العلم من السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان[2].


[1] انظر: التبصير في الدين للإسفراييني (66).
[2] انظر: ما روي في الحوض والكوثر لبقي بن مخلد، والذيل على جزء بقي بن مخلد في الحوض والكوثر لابن بشكوال.


1 ـ «التذكرة»، للقرطبي.
2 ـ «تفسير ابن كثير».
3 ـ «تفسير الطبري».
4 ـ «الذيل على جزء بقي بن مخلد في الحوض والكوثر»، لابن بشكوال.
5 ـ «روح المعاني»، للألوسي.
6 ـ «شرح العقيدة الطحاوية»، لابن أبي العز الحنفي.
7 ـ «شرح العقيدة الواسطية»، لابن عثيمين.
8 ـ «فتح الباري»، لابن حجر.
9 ـ «ما روي في الحوض والكوثر»، لبقي بن مخلد.
10 ـ «معارج القبول»، لحافظ الحكمي.